Home»Correspondants»واأسفـــــــاه !

واأسفـــــــاه !

0
Shares
PinterestGoogle+

تساءلت كم مرة مع نفسي كيف تحولت الحياة الهادئة التي عشناها سنين مضت إلى حياة كلها ضجيج ولخبطة ، فعندما كنا صغارا كنا نرى كل شيء في هذا الوجود جميلا ، نلعب ونمرح ، لا نميز يوما عن الآخر ، فكل يوم يمر كان يحمل معه ذكريات جميلة لاتكاد تنسى ، إنها الطفولة التي تعطي أفضل تفسير لمعنى البراءة ، هذه الكلمة التي كلما تقدمنا في السن أصبحنا نفتقدها أكثر فأكثر والتي تعني صفاء القلب ونقائه ، هذا القلب الذي أصبح يحمل في جعبته اليوم أكثر من طاقته الإستيعابية حتى صار لايميز بين الحق والباطل والصواب والخطأ .

في فترة الطفولة كنا لا نعرف شيئا عن السياسة ولا عن أخبار العالم التي أصبحت لا تطاق ، كل ما كنا نعرفه هو اللهو واللعب والأكل والشرب وكراسات كنا نتفرج على صور بداخلها وعلى أغلفتها دون أن نعي معناها أو عن ماذا تعبر ، إنها الطفولة البريئة

كنا عندها نفرح كثيرا إذا منحنا أحد من الأقارب أو الجيران نقودا فبالرغم من قلتها كانت تساوي لدينا الكثير ، كنا نشتري بها الحلوى والعلك وفي أحيان كثيرة كنا نشتري الشكولاطة فنتقاسمها فيما بيننا غير آبهين بكم سيأكل كل واحد منا ، فحينها لم نكن نتخيل أبدا بأنه سيأتي يوم تصرف فيه ملايين من أموال العامة وتنفق على الشوكولاطة لتقدم هدية بمناسبة معينة من طرف من أصبح همهم الوحيد هو تكديس الثروات وعشق الأضواء والخوف على حرمانهم من ماهم فيه من عز وترف بعدما ذاقوا لذة الكرسي الوارف الذي يحسب له ألف حساب وكأنه إرث ثمين يخشى كل من سنحت له فرصة الجلوس عليه فقدانه لكونه يحمل بداخله سرا دفينا لايعلمه إلا أهل الدار .

كنا لا نعرف للعداوة طريقا ولا للحقد والكراهية سبيلا ، كنا نكذب حينما تستدعي الضرورة لكن لم نكن نكذب لأجل مصلحة سياسية أو لأجل تغليب مصلحة شخصية على مصلحة عامة ، كنا نكذب حتى لا نعاقب من طرف أولياء أمورنا في أمور جد بسيطـة لم نكن ندري انذاك بأن هناك من يكذب على شريحة ساذجة ويوهمها ويستغل سذاجتها من أجل الوصول إلى أهدافه . أبواب البيوت مفتوحة عن آخرها ، الناس لا يميزون بين منازلهم ومنازل جيرانهم ، الأولاد يأكلون في أي بيت يلجونه ، الأمن والآمان في كل مكان .كل شيء تغير وكأنه حلم ، حياة مليئة عن آخرها ، ترقب وانتظار ، الكل يتسابق نحو اللاشيء ، الكل يبحث عن شيء ضائع بل أشياء ، الكل يريد أن يصل بسرعة فائقة لم نعد نتذوق للوقت قيمة ، يمر كلمح البصر ، نطوي السنين طيا ، كل يوم يمر يسجل من المآسي والمحن ما ينسيك في اليوم الذي سبقه ، الفرح هنا والحزن هناك ،عرس هنا وعزاء هناك ، فكيف لك أن تفرح وأنت تشاهد بأم عينك من هو حزين على مر الأيام . وكأننا نعيش الحياة مرتين ، المرة الأولى عشناها بسيطة ، سعيدة  غير مكلفة ، آمنة مطمئنة ، أما الثانية فعكس الأولى تماما .فيا ترى هل نحن من  تغيرنا أم أن قساوة الظروف المصطنعة هي التي أصبحت تحتم علينا أن نتغير ولو على حساب مبادئنا وقيمنا ؟ وماهي النتيجة الحتمية لهذا الماراطون الشاق ، مراطون المعاناة ، مراطون الفوضى ، مراطون الصراع الأبدي بين القيم النبيلة والتسلق إلى الأعلى دون الحفاظ على أبسط معايير الكرامة والعفة التي تبني صرح المجتمعات الصــــالحة .

كتبه عبد الجبار بوعزيــز .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *