Home»International»سورة الشعراء والمقاربة بالمفهوم

سورة الشعراء والمقاربة بالمفهوم

0
Shares
PinterestGoogle+
 

ما يلفت النظر في سورة الشعراء العظيمة المكية المرتبة في الرتبة  26  من المصحف الشريف والتي يبلغ عدد آياتها227 آية والمصدرة بحروف منثورة على غرار السور 29  وهي ط.س.م والتي تحيل- والعلم لله -على أسماء القدرة الالهية المتناغمة مع سياق السورة ومساقاتها من قبيل  اسم   الله  اللطيف بعباده المذنبين و غير المصدقين للوحي الرؤوف بالمعرضين المضيعين لهبة الرحمة  والسميع الذي لاتخفى عنه في ملكوته سبحانه شاردة ولا واردة  صغيرة ولاكبيرة  تستعجل عذابه الشديد والمصور المبدع  الذي خلق كل شيء فأحسن تصويره وصنعه  في معرض الكون المتقن  الجميل.

هذا وتتمفصل سورة الشعراء التي سميت باسم صفوة القوم في البيان واللسن وعليتهم في البلاغة والفصاحة وكأنها تحد لابداع الشعراء ولعموم الناس –أيضا-على الإتيان ولو بآية من كلام الله المعجز المبين أقول تتمفصل هذه السورة العظيمة   إلى ثلاثة مفاصل أساسية:

1-ميثاق التعاقد بين الله وعباده على أساس عقيدة التوحيد ديباجته التسرية والتهوين عن محمدالرسول الكريم بالقدرة على إنزال آية القطع  المخضعة للمشركين. الآية :1 إلى 9.

2-استعراض غير خطي لقصص موسى وإبراهيم ونوح ولوط وشعيب وصالح وهود تتضمن  مواقف الاعراض عن رسالة الوحي السماوية وذكرلعاقبة المكذبين. الاية :10 إلى191

3- تعقيب و ربط للشعر بالاعراض عن الوحي  من خلال تحديد طبيعة  القول وبناء الحلم في الحس  لاحداث التأثير المهوم  في الوجدان والعقل  واستثناء الشعراء المواكبين للدعوة إلى الله جل وعلا.الاية 192 إلى 227.

ولمقاربة مضامين هذه  السورة الكريمة وإدراك مقاصدها  السامية يجدر بنا الاشارة إلى بلاغة السابق واللاحق من السور كمدخل لمقاربة الخطاب القرآني بالمفهوم. فسورة الفرقان المكية السابقة موضوعها المعجزة الكلامية وعدم تصديق الأقوام السابقين وسورة النمل اللاحقة تقدم أدلة من  مشاهد الكون  وأطواء الغيب على وجود الله وصدق رسالة الوحي وهول الساعة وموقف الحشر  ومعجزة الخلق التي تدل على آثار الصنعة الالهية  وكأني بالسورتين تمهدان لسورة الشعراء من خلال توطئة طرح موضوع تكذيب الوحي  وعرض حجج إبطال افتراءات عدم التصديق. لكن سورة الشعراء العظيمة  تطرح نفس القضية ولكن  من منظور مفاهيمي يركز  تحديدا على :

1-مفهوم الوحي باعتباره معرفة دينية هادية و معلومة المصدرواضحة المقصد على درجة عالية من العمق و الوثوقية والشمولية يتعبد بتلاوتها نزلت مقسطة منجمة حسب الوقائع والأحداث والمقامات ووفق ماتمليه الظروف والملابسات بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام على رسل الله وأنبيائه بدءا من سيدنا  آدم ومرورا بسيدنا إبراهيم وموسى وعيسى وانتهاء بسيد الخلق محمد /ص/ الذي بشرت به كل الرسائل . والوحي السماوي مصدره واحد و جوهره لايتغير ومنهجه ثابت يشمل عالم الغيب وعالم الشهادة ويتناول قضايا العقيدة والعبادة والأحكام والمعاملة وهو غير الالهام المرتبط بالشعر خاصة  والفنون عامة والذي ينسب للقرين من الجن تارة والشياطين تارة أخرى أو إلى كائنات وادي عبقر وقبيلة عذرة…. والالهام معرفة  مجهولة جزئية قد تكون  منيرة أو مضللة و  موضوعها الهيام والايهام والاشتطاط في عوالم  الانفعالات والضرب في بحورالتخييل ومن ثم تكون  له علاقة بالكهانة و بالسحر وبالجنون باعتباره اختراقا لسنن اللغة ونظام القول واقتحام لمجالات المألوف.

2- مفهوم الشعرباعتباره فنا قوليا موزونا ومقفى ذا معنى من مصادره الطبيعة  والوجدان البشري وأقنعته الأسطورة والخرافة والحكاية والرمز ومثاله الجمال والهوى والمزاج  والتيه بالنفس. تتميز لغته بالانزاياحات  الهائمة في وديان المشاعر والدفقات المجردة من الفعل وبالمجازات المحاذية   للحقيقة والواقع أسيرة سيطرة اللحظة واقتناص النزوة  فتتسامى في سماوات الأحلام والرؤى المؤجلة و النزق والشغب المشاكس لنواة المعنى والحقيقة إلى درجة التحليق في أكوان المتعدد الذي يحيل على حواشي الوثنية وهوامش الشركيات والصنميات  أما أسلوبه فيوسم بالتكثيف والتلميح والالتفاف حول تقلبات المزاج واجتراح هوى النفس الذي يغني عن تدبر بدائع الكون وتأمل خفايا النفس وفق منهج واضح. وفن هذه بعض خصائصه لايتورع عن النفوذ في عوالم  المقدس والتسلل خلسة أو علانية في مباءات الزيغ وأدران  المدنس   فقد يحتفي بقيم المكابرة والعناد  والتعصب للآباء والازدراء بالضعفاء والخروج عن الفطرة وحب الخلود والتطاول في العمارة وتنكب الوسيلة على حساب الغاية في انتهاك الحرم و اقتحام عوالم المحرم…بل قد يمجد القوة  ونظام القبيلة ومدن الفضيلة  الموهومة ويتباهى بتهويمات  الذات ومنجز الأنا حد التماهي  والتأليه عندما يغرق في خوض تجارب المعيش العاطفي فيحول جسد الأنثى إلى تمثال يعبد من دون الله والرغبة الجامحة إلى سراب لايدرك فيتمادى في حديث الغزل والبوح في الوجدانيات إلى درجة تقديس أهواء النفس البشرية والتعلق باهداب العالم السفلي والارتماء في أحضان  نعيم الدنيا الزائل…إلا ما كان منه مسايرا للدعوة الاسلامية ومواكبا لظلال القرآن داخل سنن الأنس العلوي ومقتضيات  الاستثناء الذي أصله موقف القرآن من الشعر بعدم تقليم أظافره وتقويض بنيانه بفرض حدود المواكبة لمنهج الرب ونقل تأثيرات الروح الهادية  للحق والتزام بواقع الانسان  وقضاياه  المصيرية عبر سيروة الوجود ولنا في ثالوث الشعر حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة  وكعب بن مالك  المنافح عن العقيدة في معركة صراع التوحيد والشرك والايمان والضلال خير إثبات على  عدم مناصبة الاسلام العداء للشعر.

إن سورة الشعراء دفاع عن الوحي السماوي من تهمة المشابهة مع الشعر في الرسالة والقصد والالتباس في القناة والمصدر وتفريق دقيق بين  منهج الرب في الدعوة إلى الحق وتحقيق المرغوب على ارض الواقع ومنهج الشعر في إسكان الأحلام المؤجلة في الحس والجري نحو سراب الرغبة في أودية  تقلبات المزاج وزئبقية أهواء النفس التي تتأبى عن القبض  …وهي كذلك  تشريف للشعراء وإطراء لرسالة الحق والخير والجمال ودعوة لتنكب طريق الاسلام  في نقل الرؤى والأحلام إلى واقع ثابت في أحوال الناس حتى لا تتكرر مأساة المستعجلين لعذاب الله  والمعرضين عن نورانيات ورحمات  الوحي  وفتح للعين والقلب والعقل على بدائع الصنع ورسم لمنهج الاستقامة لحركة الوعي في اوضاع الحياة والتقاء في مفترق الطريق مع منهج السماحة واستغراق الطاقة في المبدا واستقرار الروح في تأثيرات الوحي عبر آيات النص والآفاق والنفس.ولنا في رد قمة من قمم الشعر العربي العشر خير عبرة عندما سئل لبيد عن سبب توقفه عن قرض الشعر أجاب : « كنت منشغلا بسورة البقر ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد ابراهيمي
    24/04/2011 at 10:07

    الرجاء من قراء وجدة سيتي المعذرة على عدم وصول المقال بكامله. لذا المرجو من الأخ قدوري نشره بعد إعادة إرساله . وله جزيل الشكر.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.