أما بعد، أيها الشعب العاصي! أيتها الجموع المتمردة! أيتها الحشود المستنفرة!ها قد خرجتِ من القمقم، ها قد طرحتِ عنك أطمار المذلة، ها قد وأدْتَ أيها الشعب وازع الرّوع. ها قد خرجت على وليِّ أمرك، ثم ماذا بعد؟ أنسيت أيها الشعب أن أبا الهول راسخ رسوخ الجبل الأشم؟ أنسيت أنني ولي نعمتك؟ أنسيت أني ظل الله في الأرض؟ أما علمت أن الطاعة لنا واجبة؟ أما أُمِرْتُم معشر الناس بالسمع والطاعة ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة؟ أوليس قد بايعتموني على المنشط والمكره؟ وعلى العسر واليسر؟
أنا مَن خَدمتُكم ثلاثين سنة، أنا من أطعمتكم من جوع، أنا من أقمت العدل فيكم، أنا من أمَّنتُ البلاد والعباد، أنا من حاربت الإرهاب، أنا من أقمت دولة الحق والقانون. أيكون جزائي أن أُطرَد كطرد إبليس اللعين؟ تقولون إنني أفقرت الشعب، وحكمت بالقهر، وناصرت الأعداء؟ وبِعتُهم الغاز رغما عنك؟ وحاصرت غزة؟ وأسلمت السودان؟ وخذلت الإخوان؟

أيها الشعب الجاحد! ألَم أفعل ذلك من أجلك أنت؟ لقد حاصرتُ غزة حتى لا تحاصرَ أنت. وبِعتُ الغاز لزيادة دخلك. وحكمت حزما لا قهرا لتعيش في أمان. وواليتُ الصهاينة حتى نَأمنَ شرَّهم. ثم إنهم جيراننا والله تعالى أوصانا بالجار. وأمريكا لا قِبَل لنا بها فكيف نعاديها؟ أما السودان، فما لنا وللفقر والجوع؟ فما عسى يأتينا من الجنوب؟ تقولون الآن كفاية؟ أذنبي أني أأبى أن أترُكَكم للفوضى؟ أتوَدُّون أن يأكل بعضكم بعضا كما تأكل النار الحطب؟ أيكون جزائي جحودٌ وعصيان؟ ثم ما به ولدي « جمال »؟ أليس كله جمال على جمال؟ ونور على نور؟ لم أكن أظن أن الحسد يفعل فيكم ما فعل؟ أليست الولاية أرزاق؟ والأرزاق كما تعلمون بيد الله يقسمها كيف يشاء.
أما وقد بلغ السيل الزبى، وسقط القناع عن القناع، فإني أقولها لكم مُجَلجلةً واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار: والله لن يكون ما تريد أيها الشعب حتى تسيل منك الدموع والدماء. والله لن أغادر حتى أجعلها فتنة يصبح الحليم فيها حيران. والله لن تنعموا بالراحة بعدي. والله لن أرحل إلا على جثثكم، وعليَّ وعلى أعدائي!