Home»International»مخاطر ومشكلات حصر حق تقرير المصير على الانفصال الجزء الثاني

مخاطر ومشكلات حصر حق تقرير المصير على الانفصال الجزء الثاني

0
Shares
PinterestGoogle+

مخاطر ومشكلات حصر حق تقرير المصير على الانفصال

الجزء الثاني:
محمد بوبوش:باحث في العلاقات الدولية،الرباط

mboubouche44@gmail.com

أصبح إجراء استفتاء حق تقرير المصير حق دستوري بموجب دستور السودان الانتقالي للعام 2005م. وعلى ذلك ركز أطراف النزاع والوسطاء على الاعتبارات السياسية لمبدأ حق تقرير المصير ولم ينتبهوا للمشكلات القانونية وتأثيرها على الأمن والسلم الدوليين ومن ضمن المشكلات والمخاطر:
التحديات والأخطار السياسية :

1/اختصار حق تقرير المصير على الانفصال على جزء من المواطنين السودانيين:
إن حصر حق الاستفتاء على حق تقرير المصير لمجموعة محددة من سكان دولة يتمتع كل مواطنيها بحق المواطنة والجنسية السودانية التي تكفل لهم حق التنقل والاستقرار في أي مكان في الوطن وحق التصويت والمشاركة في الشئون السياسية، خاصة تلك التي تتعلق بمصير الوطن وسلامة أراضيه. إن في ذلك حرمان للأغلبية من التصويت خرقاً للضمانات الدستورية وحقوق الإنسان التي تكفل المساواة في المعاملة بين المواطنين خاصة المشاركة السياسية في شأن ما يسمى سيادة الوطن ومصيره ومستقبله. وفي ما يسمى بالنظام الديمقراطي إذ يسمح للأقلية بممارسة حق تقرير المصير وحرمان الأغلبية من حق حماية سيادة الوطن ووحدة أراضيه. وقد استخدم هذه الحجة الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن إذ اتهم الأقلية الانفصالية التي أرادت فصل الولايات المتحدة الجنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاك المبدأ الديمقراطي الذي ينص على حكم الأغلبية .

2/ خطر التقسيم اللا متناهي:
سيؤدي منح سكان جنوب السودان حق تقرير المصير ثم الانفصال إلى إفراز أزمة مزمنة يمكن تسميتها بالخطر اللا متناهي. ماذا يمنع سكان أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وسكان دارفور وسكان شرق السودان من المطالبة بحق تقرير المصير إذا تم منحه لسكان الجنوب بغير حق وبغير مسوق قانوني.

3/ خطر البلقنة في جنوب السودان:
لا شك أن انفصال جنوب السودان سيؤدي إلى حروب داخلية بين قبائله المختلفة بين الدينكا والنوير والشلك والقبائل الاستوائية. وقد بدأت بوادر ذلك من تمرد ضد محاولة هيمنة الدينكا على الجنوب وذلك للكراهية العميقة من سكان الجنوب للدينكا. ويكفي أن نشير إلى أن عدد القتلى بين الدينكا والنوير والتي تطورت إلى حرب إثنية في الفترة من 1992ـ1999م فاق كل من قتلوا بواسطة الجيش السوداني في الفترة من 1983ـ1999م.
4/الخطر على الديمقراطية:
إن منح جزء من سكان السودان حق الانفصال دون أي سند قانوني يؤدي إلى تعرض النظام الديمقراطي لخطر كبير وقد يعجل بنهايته، إذ غالباً ما تستغل الأحزاب الجهوية مناخ الحريات لتأجيج الخلافات الإثنية عن طريق الخطب الحماسية والكتابات الصحفية الملتهبة بهدف تحريض جماهيرهم للإصرار على منحهم حق تقرير المصير أسوة بالجنوب. وقد ذكر د. فريد زكريا في هذا الصدد « أن إدخال الديمقراطية في المجتمعات التي تعاني من الانقسامات العرقية بدون أي خلفية في الليبرالية الدستورية ستؤدي إلى تأجيج النزاعات القومية والصراع الإثني وحتى الحرب ».

وقد ظهر هذا الخط في يوغسلافيا عندما لجأ زعيم الصرب سلوبدان ملوسوفيتش إلى الخطب النارية لإلهاب المشاعر الإثنية للصرب وتحريضهم لخلق دولة الصرب الكبرى. وفي صحف الديمقراطيات الجديدة في أرمينيا وأذربيجان أثناء أزمة ناغورو كرباخ والتي أدت إلى اشتعال الحرب بين الدولتين في عامي 92/1993م .
4/ظهور أقليات مأسورة وتدفق اللاجئين:
تميز السودان لفترة طويلة بظاهرة التداخل السكاني بين مجموعاته الإثنية. ونجد هذا التداخل في مناطق التماس بين المسيرية الرزيقات والتعايشة ومواشيهم في مناطق قوقريال وروب نقاي بأعالي النيل وشمال أويل. كما استقرت مجموعات من الدينكا في جنوب كردفان. وحركة النزوح الكبيرة من سكان الجنوب واستقرارهم بالشمال إذ نزح منهم حوالي خمسة ملايين (1.8 مليون في العاصمة. فإذا تم الانفصال ينشأ النزاع حول ملكية الأرض وتتولد الضغائن وينجم عنه العنف ضد الأقليات التي تجد نفسها مأسورة الدولة الأم والدولة الجديدة الأمر الذي يدفعها للهجرة الجماعية كلاجئين. ومثال ذلك ما جرى في الأرض الهندية عند تعرضها للتقسيم وتأسيس دولة باكستان في العام 1947م وتقسيم إقليم البنغال بين الهند وباكستان. إذ اضطر حوالي عشرة ملايين شخص من الهندوس والمسلمين والسيخ إلى الانتقال بين الدولتين بعد اندلاع حوادث العنف في معظم مناطق الهند حيث لقي حوالي مليون شخص مصرعهم. وهيأت هذه الأحداث المأساوية إضافة للنزاع في كشمير، المناخ لنشوب ثلاث حروب رئيسية بين الهند وباكستان والسباق بينها في التسلح النووي .
التحديات الاقتصادية
لعل أهم هذه التحديات هي:

1- خروج نصيب حكومة السودان من عائدات بترول الجنوب والتي تساوي حالياً حوالي 80% من كل عائدات البترول (تبلغ عائدات البترول بصورة عامة حوالي 60% من موازنة الدولة الاتحادية، وأن الانفصال يعني خروج أكثر من نصف هذه النسبة من الموازنة العامة بعد 2011م)، وهذا نقص كبير سيتسبب في كثير من المشاكل الاقتصادية لشمال السودان.
وربما تعوض الحكومة هذا النقص إلى حدٍ ما من أجرة ترحيل بترول الجنوب وتصفيته عبر أنبوب ومصافي الشمال إذا جاء الانفصال بصورة تسمح بذلك، ولكن لن يستمر ذلك طويلاً لأن الحركة الشعبية بصدد تشييد خط للسكة حديد من الجنوب إلى ميناء ممبسة الكيني وتنوي بناء مصفاة لتكرير البترول خاصة بها في الجنوب حتى لا تعتمد على الشمال غير المؤتمن في نظرها، ولكن إنشاء مثل تلك المشروعات يستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات حتى لو أتيح له التمويل اللازم.

2- إذا وقعت عقب الانفصال نزاعات عسكرية أو انفلاتات أمنية واضطرابات سياسية، فإن الوضع الاقتصادي سيكون في حالة متردية ولن يحتمل مقابلة تكلفة تلك النزاعات والاضطرابات مما يزيد الأمر تعقيداً وسوءاً. وفي تلك الحالة سيتوقف ضخ الأموال من أجل الاستثمار في البلاد.

3- لن تستطيع الحكومة مقابلة تعهداتها الداخلية في اتفاقيات السلام تجاه تعمير وتأهيل وتنمية مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، وسيجر عليها ذلك بعض المشكلات والاحتقانات السياسية أو النزاعات المكشوفة. وقد لا تتمكن الدولة من الوفاء بمستحقاتها تجاه الديون الخارجية مما يشكل عليها بعض الضغوط وربما يحرمها من أية قروض جديدة.

4- وإزاء مثل هذه الأوضاع المتقلبة قد تضطر الدولة لزيادة الضرائب والرسوم الجمركية دون أن تزيد الأجور بنفس النسبة، وهذا يعني زيادة العبء المعيشي على الطبقات المتوسطة والضعيفة التي ظلت تعاني لسنوات من الضائقة المعيشية ولم تتحسن أحوالها حتى بعد تدفق عائدات البترول. وسيصب ذلك في اتجاه زيادة الاضطرابات السياسية.
ثانيا: المسائل التي تثير خلافات بين الشمال والجنوب ومن هذه المسائل القانونية والاقتصادية:
إن انفصال الجنوب سيثير مسائل قانونية شائكة وبالغة التعقيد. ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والمعاهدات والممتلكات والمحفوظات والديون وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة
1 -خلافة الدول في الجنسية:
– الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين
الجنسية هي الرابطة القانونية بين الفرد ودولة ما وهي التي توفر للفرد الحماية الدبلوماسية لتلك الدولة. وتخضع الجنسية أساساً للقانون الداخلي في إطار ما يضعه القانون الدولي من حدود.
تعتبر الجنسية من المسائل ذات الأهمية القصوى عند حدوث خلافة دول وذلك لارتباطها الوثيق بحقوق الانسان وحرياته. فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على حق كل فرد التمتع بجنسية ما.

وتعترف المادة 24 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 على حق كل طفل في اكتساب جنسية. وفي الرأي رقم (2) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا بأن حق كل فرد في اختيار الإنتماء الى الجماعة الإثنية أو الدينية أو اللغوية التي يرغب فيها مستمد من حق تقرير المصير المضمن في المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966.
خلافاً لمسائل خلافة الدول المتعلقة بالمعاهدات والديون والممتلكات والمحفوظات، فإن مسألة الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين لم تُدون أو تُقنن بعد في شكل اتفاقية. ولكن يمكن الاسترشاد في هذا الصدد بالمعاهدة الأوروبية بشأن الجنسية لعام 1997 وإعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 كانون الأول/ديسمبر 2000 (A/RES/55/153).
دعت المعاهدة الأوربية للجنسية لعام 1997 في المادة 4 الدول الاطراف لتأسيس قواعد الجنسية على عدة مبادئ كان بضمنها حق كل فرد التمتع بجنسية، وتجنب إنعدام الجنسية Statelessness، وحظر الحرمان من الجنسية تعسفياً. وتناولت المادة 18 (2) من المعاهدة الاعتبارات التي يتعين على الدول الأطراف مراعاتها عند منح أو الإبقاء على الجنسية في حالات خلافة الدول، وقد كانت:

(أ) الرابطة الحقيقية الفعالة Genuine and Effective Link بين سسسالشخص المعني والدولة.

(ب) مكان الإقامة الإعتيادية Habitual Residence للشخص المعني سسسوقت خلافة الدول.

(ج) إرادة الشخص المعني.

(د) الأصل الإقليمي Territorial Origin للشخص المعني.
يُلاحظ أن الاتفاقية الأوروبية لم تعرض لمسألة الجنسية في إطار الحالات المختلفة التي قد تنشأ فيها خلافة دول. بل اكتفت بالنص في المادة 19 بإلزام الدول المعنية بأن تسعى في حالات خلافة الدول، لتنظيم المسائل المتعلقة بالجنسية بالإتفاق بينها مع مراعاة المبادئ والقواعد الواردة في فصل الاتفاقية المخصص لخلافة الدول والجنسية.
إن إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2000 هو في واقع الأمر عبارة عن مشروع مواد أعدتها لجنة القانون الدولي . وقد رأت الجمعية العامة أن هذه المواد تشكل دليل ممارسة نافعاً يسترشد به في معالجة مسألة جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول. ولعلم القارئ فإن لجنة القانون الدولي قد أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 للنظر في التدوين والتقدم المطرد للقانون الدولي .
تناول الباب الأول للإعلان أحكاماً عامة مهمة نذكر منها ما يلي:

– حق الفرد الذي كان في تاريخ الخلافة يتمتع بجنسية الدولة السلف بصرف النظر عن طريق اكتسابها، أن يحصل على جنسية دولة واحدة على الأقل من الدول المعنية (المادة 1). من الجلي أن هذا الحكم يعترف بالحق في جنسية في سياق خلافة الدول.
– الحيلولة دون أن يصبح الأشخاص الذين كانوا في تاريخ خلافة الدول يتمتعون بجنسية الدول السلف عديمي جنسية Stateless بسبب هذه الخلافة (المادة 4). نورد هنا أن معاهدة خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961 لم تعرض بشكل مباشر لمسألة الجنسية في سياق خلافة الدول.
– إفتراض إكتساب الأشخاص الذين يقيمون بصفة اعتيادية Habitual Residence في الإقليم المتأثر بخلافة الدول جنسية الدولة الخلف في تاريخ حدوث الخلافة (المادة 5). قُصد بهذا الحكم عدم حدوث فجوة بين تاريخ الخلافة وتاريخ صدور أي اتفاق بين الدول المعنية أو تشريع مانح للجنسية.
– حظر تجريد الأشخاص المعنيين تجريداً تعسفياً من جنسية الدولة السلف أو حرمانهم تعسفياً من حق اكتساب جنسية الدولة الخلف، أو من الحق في الخيار، إذا كانت هذه الحقوق مكفولة في حالة خلافة الدول (المادة 16)،
ُفرد الباب الثاني من إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول لبيان أحكام تتصل بفئات محددة من خلافة الدول وهي نقل جزء أو أجزاء من الإقليم، وتوحيد الدول، وانحلال الدولة. ولكن محل اهتمامنا هنا هو انفصال جزء أو أجزاء من الإقليم والتي تحكمها المواد 24 و25 و26 من مواد الإعلان.

وضع مشروع المادة 24 (أ) القاعدة الأساس التي تقضي بأنه على الدولة الخلف (أي دولة الجنوب) أن تعطي جنسيتها إلى الأشخاص المعنيين الذين يقيمون فيها بصفة اعتيادية مالم يتبين غير ذلك عند ممارسة حق الخيار. تؤيد هذه القاعدة ممارسة دولية تمتد من حالات الخلافة التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى إلى تفكك الإتحاد السوفيتي. فمثلاً عند انفصال بنغلاديش عن باكستان في مارس 1971، إعتبرت تلك الدولة الإقامة في إقليمها المعيار الأساس لمنح جنسية بنغلاديش بصرف النظر عن أي مواصفات أخرى. ولكن السكان من غير البنغال خيروا بين الاحتفاظ بالجنسية الباكستانية أو أن يدلوا بإقرار بسيط لأجل أن يعترف بهم كمواطنين في دولة بنغلاديش .
أجاز مشروع المادة 25 (1) للدولة السلف (أي دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المعنيين الذين يكونون أهلاً لاكتساب جنسية الدولة الخلف (أي دولة الجنوب) ولكن لا يجوز لها أن تفعل ذلك قبل أن يكتسب هؤلاء الأشخاص جنسية الدولة الخلف. وتقضي المادة 25 (2) بأنه لا يجوز للدولة السلف (دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة 25 (1) الذين يقيمون بصفة اعتيادية في إقليمها ما لم يتبين خلاف ذلك عند ممارسة حق الخيار.

بقي أن نذكر أن المادة 26 من الإعلان تلزم الدولة السلف والدولة الخلف (أي دولة الجنوب والشمال) بمنح حق الخيار للأشخاص المشمولين بأحكام المادة 24 والمادة 25 (2) الذين يكونون مؤهلين لاكتساب جنسية كل من الدولة السلف والدولة الخلف. وأن نذكر أيضاً أن المادة 3 من الإعلان تنص على أن مواده لا تنطبق إلا على آثار خلافة الدول التي تحدث طبقاً للقانون الدولي وبوجه خاص طبقاً لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.
إن مسألتي الجنسية المزدوجة والمعاملة التفضيلية لرعايا الشمال والجنوب المقيمين في الدولة الخلف والدولة السلف تحفهما اعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية ونفسية بالغة التعقيد. فلربما إذا انعقد الرأي على ذلك، أن تُترك المسألتان ليبت فيهما القانون الداخلي لكل من الدولتين قبولاً أو رفضاً. وحري بالذكر أن لجنة القانون الدولي قد قالت في أحد تعليقاتها على مشروع المادة 26 بشأن قيام الدولة السلف والدولة الخلف بمنح حق الخيار للأشخاص المعنيين، إنها لا ترمي بذلك إلى استبعاد الجنسية المتعددة أو المزدوجة وأن القرار في ذلك متروك لكل دولة على حدة.
على كل حال إذا توافر قبول للمسألتين من حيث المبدأ على أساس تبادلي، فإنه من الأصوب أن يصار إلى التفاوض حولهما بعد فترة زمنية معقولة من حلول تاريخ خلافة الدول، واستقرار الأوضاع المتصلة بالجنسية والإقامة في كل من الدولتين. فهناك من يعتقد أن الجنسية المزدوجة والمعاملة التفضيلية لمن يستحقها، ويستوفي شروطها ستكون السبيل الوحيد الباقي للتأسيس لوحدة قد تأتي يوماً ما طوعاً لا جذباً إلى بيت شمالي حسن الترتيب والإدارة .

يقدم النموذج الاثيوبي الارتري لمقاربة الاوضاع المحتملة بالبلاد بعد ان قامت السلطات الاثيوبية بابعاد الاثيوبيين من اصول ارترية بحجة ان المقيمين في اثيوبيا صوتوا لصالح الاستقلال بنسبة 99.5% بجانب ان القوانين لا تسمح بازدواجية الجنسية، لافتا الي ان الحالة الاثيوبية لايمكن للسودان استخدامها لان القانون يسمح بازدواجية الجنسية، وان اقدمت علي طردهم لن تجد أي ارضية قانونية لذلك ، وعلي العكس من ذلك تماما فان قانون السودان الجديد يمنع الجنسية المزدوجة مما يتيح الفرصة امام السلطات بجنوب السودان من طرد وترحيل كل الشماليين المقيمين بالجنوب على هذا الاساس او على اساس انهم لاينتمون الي أي من المجموعات الاصلية بجنوب السودان مالم يكونوا قد ولدوا او يقيموا في المناطق الجنوبية في او قبل الاول من يناير 1956م .
وسنعالج هنا مسائل الخلافة في ممتلكات الدولة السلف Property ومحفوظاتها Archives ودينها العام Debt .State وفي هذا السياق نعيد ما سبق أن قلناه من أن الأساس في مسائل خلافة الدول هو التفاوض بين الدول المعنية بالخلافة للوصول إلى تسوية منصفة للمسائل التي تطرحها مسائل الخلافة. ولها أن تستصحب في ذلك ممارسات الدول والمنظمات الدولية والقانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
2 -الخلافة في ممتلكات Property الدولة السلف (دولة الشمال) بموجب المادة 8 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون (من بعد اتفاقية عام 1983)، فإن ممتلكات الدولة السلف تعني الممتلكات والحقوق Rights والمنافع Interests التي تكون في تاريخ خلافة الدول ووفقاً للقانون الداخلي للدولة السلف، ملكاً لتلك الدولة.
أهم ما يُلاحظ في هذه المادة أنها أحالت للقانون الداخلي للدولة السلف (دولة الشمال) تحديد ما يعتبر ملكاً لها.

وفي تعليقها على مشروع المادة 8 قالت لجنة القانون الدولي إن التعبير «ممتلكات وحقوق ومنافع» يعني الحقوق والمنافع ذات الطبيعة القانونية فقط.
ومن الأحكام العامة التي وردت في الاتفاقية أن انتقال ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) يكون بلا تعويض إلا إذا اتُفق على خلاف ذلك ». كما أن الاتفاقية تلزم الدولة السلف (دولة الشمال) بأن تتخذ كافة الإجراءات لمنع التلف أو الضرر للممتلكات التي تنتقل إلى الدولة الخلف .
طبقاً للمادة (a) 1/17 من الاتفاقية فإن الممتلكات غير المنقولة property immovable للدولة السلف (دولة الشمال) وموجودة في إقليم الدولة الخلف (دولة الجنوب) تنتقل إلى تلك الدولة (أي دولة الجنوب). ويعتبر حكم هذه المادة تدويناً لعرف دولي ثابت. في الرأي رقم (14) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا السابقة بأن الممتلكات غير المنقولة الموجودة في إقليم الدولة الخلف تنتقل حصرياً إلى تلك الدولة بغض النظر عن مصدر تمويل تلك الممتلكات أو أي قروض أو مساهمات قدمت من أجلها.
أما الممتلكات المنقولة فقد نصت الاتفاقية على أنه ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، فإن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) المنقولة Property Movable المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم موضوع الخلافة تنقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب). ولكن الفقرة (1/c) من نفس المادة نصت على أن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) التي لم تذكر في الفقرة الفرعية (b) تنتقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) بنسبة منصفة.

يفهم من هذا أن ممتلكات الدولة السلف المنقوله (دولة الشمال) غير المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم محل الخلافة – كأن تكون خارج الإقليم محل الخلافة مثلاً – تنقل بنسبة منصفة إلى الدولة الخلف. وقد اعتبرت هذه الفقرة الفرعية مثيره للجدل لأنها عدلت مبدأ الإقليمية Principle Territorial السائد في الخلافة في ممتلكات الدول.
لم يرد في اتفاقية عام 1983 نص يحكم ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) غير المنقولة الموجودة خارج إقليم الدولتين السلف والخلف. يبدو أن الممارسة تفترض أن هذه الممتلكات تظل مع الدولة السلف. ولكن الأمر يختلف في حالة تفكك الدولة السلف أو زوالها. فقد نصت المادة (b 1/18 )على أن مثل هذه الممتلكات تؤول للدول الخلف بنسب منصفة وقد حدث هذا في حالة تفكك يوغسلافيا السابقة. فبمقتضى المادة 2 من الملحق B لاتفاقية مسائل الخلافة المتعلقة بيوغسلافيا السابقة المبرمة في 29 يونيو 2001 أُتفق في إطار ترتيبات معينة على توزيع المقار الديبلوماسية والقنصلية ليوغسلافيا السابقة في الخارج بين الدول الخمس الخلف.
3- الخلافة في محفوظات Archives الدولة السلف (دولة الشمال) عرّفت اتفاقية عام 1983 في المادة 20 محفوظات الدولة السلف بأنها كل الوثائق من أي نوع أو تاريخ التي انتجتها الدولة السلف أو تلقتها في ممارستها لمهامها وتكون في تاريخ خلافة الدول مملوكة لها بموجب قانونها الداخلي ومحفوظة من قبلها مباشرة أو تحت سيطرتها كمحفوظات لأي غرض كان.

ويكون انتقال المحفوظات للدولة الخلف بلا تعويض، إلا اذا اتفقت الدول المعنية على خلاف ذلك أو قررته هيئة دولية مناسبة (المادة 23). والدولة السلف (دولة الشمال) ملزمة بأن تتخد كافة الاجراءات لمنع الضرر أو التلف للمحفوظات المنقولة للدولة الخلف ويترتب على انتقال المحفوظات إنقضاء حقوق الدولة السلف فيها ونشوء حقوق الدولة الخلف .
تشمل المحفوظات التي تنتقل من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب)، ضمن أمور أخرى ما يلي:
–ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يجب أن يكون تحت تصرف الدولة الخلف (دولة الجنوب) لغرض الإدارة العادية للإقليم موضوع الخلافة.
– ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يخص حصرياً أو بصفة رئيسة الإقليم موضوع الخلافة.
– المحفوظات التي توفر للدولة الخلف (دولة الجنوب) أفضل الأدلة المتاحة التي تتصل بسند حقها title في الإقليم المنقول وحدوده.
– أي نسخ مناسبة من المحفوظات المرتبطة بمصالح الإقليم المنقول التي تطلبها الدولة الخلف ويكون ذلك على نفقتها .
4- الخلافة في الديــن الــعـام Debt State للدولـة الـسلف (دولة الشمال)
يعني دين الدولة وفقاً للمادة 33 من اتفاقية عام 1983 أي التزام مالي لدولة سلف ينشأ وفقاً للقانون الدولي تجاه دولة أخرى أو منظمة دولية أو أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي.

وبمقتضى المادة 36 فإن خلافة الدول لا تؤثر على حقوق والتزامات الدائنين.
يقسم القانون الدولي الديون إلى ثلاث فئات وهي: دين تقترضه الحكومة الوطنية أو المركزية للدولة للصالح العـام ويعرف بالـدين الوطني Debt National، ودين تقترضه الحكومة الوطنية لمشروع محدد في منطقة جغـرافـية معينة ويعرف بالـدين الإقليـمي Debt Territorial أو Debt Localized، ودين تقترضه سلطة محلية أو كيان محلي يتمتع باستقلال مالي ويعرف بالدين المحلي Debt Local. وفقاً للقانون الدولي العرفي وتطبيقاً لمبدأ الإقليمية Principle Territorial، فإن الدينين الإقليمي والمحلي ينتقلان إلى الدولة الخلف.
بمطالعة ممارسة البنك الدولي في خلافة الدول في حالتي انفصال، نجد أنه قد فـرق بــين الدين الوطـني Debt National والديـن الإقليـمـي Debt Territorial. فعند انفصال سنغافورة من اتحاد ماليزيا في عام 1965، تحملت سنغافورة التزامات ناشئة من اتفاقية ضمان أبرمها اتحاد ماليزيا مع البنك الدولي بشأن قرض تمويل مشروع مياه في سنغافوره. وبذلك أُخليت ماليزيا من أي التزامات بمقتضى اتفاقية الضمان.
وعندما انفصلت بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، أقنع البنك الدولي بنغلاديش بتحمل التزامات قروض لتمويل مشاريع واقعة كلية في إقليم بنغلاديش. ولكن البنك لم يوفق في اقناع بنغلاديش بقبول حسابه لحصة باكستان المنصفة في الدين الوطني لفترة ما قبل الانفصال. لذلك ابلغ البنك باكستان بأنه سيستمر في اعتبارها مسؤولة عن كل الدين الوطني. وقد قبلت باكستان هذا الترتيب.
وحتى يكون القارئ على بينة من الأمر، نورد هنا أنه وفقاً لتقرير أعدته لجنة ثلاثية من بنك السودان ووزارة المالية وصندوق النقد الدولي، فإن دين السودان الخارجي قد بلغ العام الحالي 38 مليار دولار أمريكي. علماً بأن أصل الدين هو 15 مليار و 407 مليون دولار وأما باقي المبلغ فهو عبارة عن فوائد وجزاءات. ويعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقرضين الأساسيين للسودان ضمن المقرضين الدوليين.

أفردت اتفاقية عام 1983 المادة 40 لمسألة الخلافة في ديون الدولة في حالة الانفصال. فقد نصت على أنه عندما ينفصل جزء من إقليم دولة ويكوّن دولة، فإنه ومالم يتفق الطرفان المعنيان على خلاف ذلك، ينتقل دين الدولة السلف إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الاعتبار بوجه خاص الممتلكات والحقوق والمنافع التي تنتقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لدين الدولة.
نلاحظ في هذه المادة أنه لحساب النسبه المنصفة من الدين التي تنتقل للدولة الخلف (دولة الجنوب) هناك تركيز على التناسب بين دين الدولة السلف والأصول Assets التي تنقل إلى الدولة الخلف. ونجد توضيحاً للطريقة التي صيغت بها المادة 40 في تعليق لجنة القانون الدولي على مشروع المادة 35 (2) المشابهة للمادة 40 وتتعلق بانتقال الديون في حالة انتقال جزء من إقليم دولة إلى دولة أخرى. فقد قالت اللجنة إن المادة 35 قد صيغت بطريقة تغطي كل ديون الدولة سواء كانت عامة أو إقليمية Localized. وأضافت أنه يمكن أن يُرى بيسر في الفقرة 2 أن الديون الإقليمية Localized ستنتقل إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الإعتبار «الممتلكات والحقوق والمنافع» التي تنقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لديون الدولة الإقليمية.

5- الخلافة في عضوية المنظمات الدولية في حالة الانفصال:
إن العضوية في المنظمات الدولية لا يمكن اكتسابها بالخلافة في حالة الانفصال مادامت الدولة السلف (دولة الشمال) لا تزال قائمة وتتمتع بشخصيتها الدولية. لذا فإنه يتعين على الإقليم المنفصل – الجنوب مثلاً إذا تم الانفصال – أن يتقدم بطلب عضوية للمنظمة المعنية. وقد حددت الأمم المتحدة موقفها من هذه المسألة منذ عام1947 عندما رفضت إدعاء باكستان بأنها خلف مشارك Co-Successor للهند وتستحق عضوية الأمم التحدة تلقائياً، وقررت أن باكستان دولة جديدة وينبغي عليها التقدم بطلب عضوية.
إبان الأزمنة اليوغسلافية ثار جدل حول ما إذا كان قد حدث يعد انفصالاً أو تفككاً. إذ ادعت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) أن الجمهوريات التي أعلنت استقلالها قد انفصلت عن الاتحاد، وأنها هي – أي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية – الدولة الخلف لاتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية. ولكن مفوضية التحكيم أفتت في الرأي رقم (1) بأن الاتحاد يمر بمرحلة تفكك. وفي الرأي رقم (8) أفتت بأن عملية التفكك قد اكتملت وأن اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية لم تعد له شخصية قانونية الأمر الذي يرتب نتائج خطيرة في القانون الدولي. وأفتت في الرأي رقم (10) بأن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية دولة جديدة وليست مواصلة ليوغسلافيا السابقة .
وبالقرار رقم 777 بتاريخ 19 سبتمبر 1992 قرر مجلس الأمن أن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) لا يمكن أن تواصل بطريقة تلقائية عضوية يوغسلافيا السابقة في الأمم المتحدة. وأوصى المجلس بأن تقرر الجمعية العامة أنه علي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية أن تتقدم بطلب للعضوية في الأمم المتحدة وألا تشارك في أعمال الجمعية العامة.
إذن فإن الدولة التي قد تنشأ في إقليم جنوب السودان ستعتبر دولة جديدة. وبهذه الصفة يتعين عليها أن تتقدم بطلب عضوية.

ويبدو من ممارسات البنك الدولي أن الدولة التي تفقد جزءً من اقليمها بالانفصال لا تفقد عضويتها في البنك أو حقها في الحصص التي اكتتبت فيها. وبالمقابل فإن على الإقليم المنفصل أن يتقدم بطلب عضوية، وعند قبوله يكتتب في حصص البنك غير المخصصة. حدث هذا في حالة انفصال باكستان وسنغافورة وبنغلاديش. وتجري نفس الممارسة في صندوق النقد الدولي.
في ضوء ما تقدم فإن عضوية السودان في البنك وفي الصندوق وكذلك اكتتاباته لن تتأثر بانفصال الجنوب. وسيكون بمقدور الجنوب الحصول على عضوية البنك الدولي والصندوق عبر الاجراءات العادية ويكتتب في حصص المؤسستين غير المخصصة.
6- الخلافة في معاهدات الدولة السلف,

(1) إن مفاوضات شريكي نيفاشا بشأن الخلافة في المعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف (دولة الشمال) لابد لها أن تسترشد باتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978، وما استقر من قواعد القانون الدولي العرفي، وممارسات دول شرق ووسط أوربا خلال العقدين السابقين.

(2) إن معاهدة عام 1978 لم تدخل حيز النفاذ إلا في عام 1996 ولعدد قليل من الدول، ولن تكون واجبة التطبيق إلا على خلافة الدول التي تنشأ بعد بدء نفاذها.

(3) إن معاهدة عام 1978 لا تعكس القانون الدولي العرفي. فغالب أحكامها يندرج تحت باب التطوير المطــرد للقانـون الـدولي Development Progressive. فهي لا تجسد القانون الدولي العرفي إلا في حالات محددة أهمها حالة الخلافة في نظم الحدود (المادة 11) والنظم الإقليمية الأخرى مثل حقوق المياه والملاحة في الأنهار (المادة 12). ومعلوم أن هذه النظم تدمغ الإقليم بوضع دائم لا يتأثر بالتغييرات التي تطرأ على شخصية الدولية التي تمارس السيادة على الإقليم.

(4) أخذت اتفاقية عام 1978 بمبدأ الصحيفة البيضاء Slate Clean في حالة الدولة التي استقلت حديثاً وعرّفتها بأنها دولة خلف كان إقليمها قبل تاريخ الخلافة مباشرة إقليماً تابعاً تتولى الدولة السلف مسؤولية علاقاته الدولية. ومؤدى نظرية الصحيفة البيضاء أن الدولة حديثة الاستقلال (الدولة الخلف) غير ملزمة بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف. ولم تستثن معاهدة عام 1978 من ذلك سوى معاهدات الحدود والمعاهدات المنشئة لنظم إقليمية أخرى كما سبقت الإشارة. وحري بالذكر أن سنغافورة عندما انفصلت من اتحاد ماليزيا في عام 1965 اختارت أن تتصرف كدولة حديثة الاستقلال مع أنها لم تكن كذلك. إذ أعلنت أنها غير ملزمة بالإلتزامات التعاهدية للدولة السلف إلا إذا وافقت هي عليها.

(5) إن قاعدة الخلافة التلقائية Succession Automatic ليست من قواعد القانون الدولي العرفي. ولم تقطع محكمة العدل الدولية برأي حول هذا الموضوع في قضيتين نظرتهما مؤخراً. غير أن المادة 34 من اتفاقية عام 1978 أخذت بقاعدة الخلافة التلقائية في حالة انفصال أجزاء من دولة وظلت الدولة السلف قائمة. بموجب هذه المادة فإن معاهدات الدولة السلف تظل تلقائياً نافذة على الدولة الخلف إلا إذا اتفقت الدول المعنية على غير ذلك، أو ظهر من المعاهدة بأن تطبيقها على الدولة الخلف يتنافى مع موضوع المعاهدة وغرضها، أو يحدث تغييراً جذرياً في ظروف تنفيذها.

(6) إن الدولة الخلف (دولة الجنوب) ستكون ملزمة بالإتفاقيات والصكوك التي تحدد نطاق إقليمها. ولكنها لن تكون ملزمة بالإتفاقيات الشخصية أو السياسية التي أبرمتها دولة الشمال وهي الاتفاقيات التي يكون موضوعها مرتبطاً ارتباط وثيقاً بعلاقات الدولة السلف (دولة الشمال) بدولة أو دول أخرى. ومن أمثلة ذلك اتفاقيات الصداقة أو التحالف أو الدفاع.

(7) في حالة الإتفاقيات الثنائية نرى أنه من الأصوب أن تبرم الدولتان الســلـف والخلـــف (الشـــمال والجنــوب) اتفاقيــة ايلولـة Agreement Devolution لنقل الحقوق والالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب).

وهذه الاتفاقية لا تلزم الدول الاخرى أي الأطراف الثالثة في الاتفاقيات مع الدولة السلف (دولة الشمال). ولكن تكمن أهميتها في أنها تبرز التوجه العام للدولة الخلف (دولة الجنوب) إزاء اتفاقيات الدولة السلف. بعد ذلك يكون من الميسور للدولة الخلف (دولة الجنوب) أن تدخل في ترتيبات خلافة معاهدات مع الاطراف الثالثة.
(8) لا توجد خلافة تلقائية في المعاهدات متعددة الأطراف، فالدولة الخلف مثل دولة الجنوب تستطيع الانضمام لها بإشعارات تُقدم وفقاً للأصول المرعية للمنظمة أو الدولة الوديع للإتفاقية أو الاتفاقيات. ولكن هناك نفر من الشراح يرى أن الخلافة تكون تلقائية في حالة الاتفاقيات الشارعة مثل اتفاقيات حقوق الانسان واتفاقيات القانون الدولي الانساني. بينما يرى نفر آخر أن إلزامية الحقوق والحريات التي كفلتها هذه الاتفاقيات يعود إلى أن أحكامها قد أصبحت عرفاً دولياً، أو حقوقاً مكتسبة لسكان الاقليم محل الخلافة وليس إلى خلافة تلقائية في المعاهدات .
سنتناول هنا بعض المسائل الخلافية في اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929 و1959 والحدود والعملة والنفط .

1,العملة:
بالنسبة للعملة يبدو أن الطرفين سيتواثقان على العمل بالعملة السودانية الحالية لبعض الوقت لحين إجراء الترتيبات اللازمة لفك الارتباط وإيجاد عملة جديدة للدولة الوليدة في الجنوب. ولا نعتقد أن هناك رؤية أخرى غير ذلك في الوقت الراهن. أما الديون فأمرها هين، إذ هي من الموضوعات التي تكفل القانون الدولي العام بتفصيلها بشكل دقيق ووقعت بشأنها تجارب عملية حول العالم يمكن الاهتداء بها لدى التصدى لحسمها من قبل الشريكين.

2.البترول:
من الواضح أن الطرفين سيتوصلان لا محالة إلى اتفاقيات بشأن كيفية إدارة قطاع البترول والاستفادة منها لصالح كل من الشمال والجنوب بعد الانفصال، بالنظر إلى حاجة كل طرف لمثل هذا التعاون، خاصة وأن قنوات النقل وآليات التكرير وموانيء التصدير كلها موجودة في الشمال بينما معظم الانتاج النفطي موجود بالجنوب. يبدو ذلك واضحاً من تصريحات بعض قيادات كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. ونفس الأمر قد يحدث في شأن التجارة البينية للبلدين بسبب تشابك العلاقات الاقتصادية بين الجنوب والشمال وصعوبة فك الارتباط بينهما بشكل مفاجيء ما قد يؤدي إلى نتائج كارثة تطال الجميع.
3

,المياه:
أما قضية المياه فمن الواضح أنها تحتاج إلى مناقشات معمقة وتحتاج إلى وقت قد يطول كثيراً بسبب شمولها لأطراف أخرى على امتداد حوض النيل، ومن ثم لا يتوقع أن يتم حسمها من قبل الطرفين دون مشاركة الدول الأخرى.
كما أنه لن يكون بالإمكان الحديث من الآن عن مدى التزام دولة جنوب السودان المنتظرة بأحكام اتفاقية مياه النيل لعام 1959م وقبلها اتفاقية 1929م قبل ولادتها رسمياً. خاصة وأن الأمر يتضمن تفاصيل مهمة منها ما إذا كانت هاتان الاتفاقيتان ترتبان نظاماً إقليمياً يشمل الدولة الوليدة في الجنوب وفقاً لاتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978م أم أن الأمر يحتاج إلى اتفاق جديد من الدولة الوليدة في الجنوب، وبالذات فيما يتعلق بتنفيذ مشروعات حصااد الضائع من مياه النيل في جنوب السودان. مع العلم أن الدولة الوليدة لا يحق لها الحصول على عضوية في الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بمجرد قيامها.

4. القضايا الاجتماعية
ومنها الجنسية وحقوق التنقل والتداخل الاجتماعي عبر الحدود المشتركة وعمليات لم شمل الأسر بين الدولتين.
يكاد المراقبون يتفقون على أن الشريكين بصدد الوصول إلى تفاهمات شاملة في إطار صفقة متكاملة لتطبيع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الدولتين في أعقاب انفصال الجنوب عن الشمال يؤمن الاستقرار والتواصل بين الدولتين ويبعد عنهما شرور الاحتراب والتوتر ويمهد السبيل لعمل مشترك في ميادين التنمية والتقدم. لذلك من المتوقع أن يجري التوصل لاقرار مبدأ الحريات المتبادلة في التنقل والعمل والإقامة والتملك أو أي صيغة أخرى يؤمن استقرار أوضاع السودانيين عبر حدود الدولتين. وإذا تم ذلك فمن المؤكد أن تنحسر أسباب المشاحنات والتوترات بين الطرفين وأن تنفتح أبواب التعاون المثمر في المستقبل.
5. الحدود
من أهم التداعيات السياسية والأمنية لانفصال الجنوب إمكانية نشوء خلافات بين الجنوب والشمال حول العديد من القضايا التي لم تحسم بسبب اتعدام الثقة بين شريكي نيفاشا، الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني واتساع الهوة بينهما إلى درجة خطرة في أعقاب الحرب الكلامية الأخيرة. ومن هذه القضايا الحدود التي لم ترسم حتى الآن، ووضعية أبيي، وحقوق وممتلكات الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، بما في ذلك حقوق القبائل الرعوية الشمالية التي تعبر الحدود بملايين القطعان سنوياً بحثاً عن الماء والكلأ. .

خاتمة:
إن وضع الدولة الوليدة والتي يبدو انها ستكون تحت ضغط الصراعات الداخلية بين القبائل االمتناحرة التي جمعتها رغبة الانتقام من الشمال ثم تبدأ بعد ذلك في التفكير في حقها من الموارد وحظها من الثروة والسلطة ثم مناطق النفوذ … فضلاً عن الخلافات التي ربما تنشأ بين أبناء الشمال المقيمون في الجنوب أو بين القبائل العربية المتداخلة في مناطق ما زال هناك اختلافاً بشأنها ثم الحركات الناشطة التي ربما تسير على الطريق الذي سلكته الحركة الشعبية ضد حكومة المركز ومن المؤكدات ان بظل الجنوب في حالة توتر ونزاع داخلي بين كافة الأعراق فضلا عن الحركات الانفصالية التي تنطلق من داخله ضد نظم لحكم في الدول المجاورة وسيظل الجنوب أخطر على الجنوب من أي خطر محتمل من الشمال .
والأخطر من ذلك هو تأثير انفصال الجنوب على الأمن القومي العربي من جهة وعلى الدولة الوطنية في العالم العربي من جهة أخرى، حيث أن نجاح المخطط الأمريكي الصهيوني في إحياء العمل باتفاقية سايس بيكو من جديد واستباحة الوطن العربي وقطع أحد أوصاله الإستراتيجية سيشجع لا محال الأقليات في الوطن العربي على النهوض من سباتها العميق وإحياء النزعات الانفصالية، وإذا لم يتحرك العرب بسرعة فإن الوضع سيكون خطيرا على الأمد القريب.

الهوامش:
– د. خالد حسين محمد: حق تقرير المصير ومآل الاستفتاءات: الفضائية السودانية: 12/12/2010 على موقع:
http://www.sudantv.net/mag/submagadd.php?yy=MTY3NDk
– د. خالد حسين محمد: حق تقرير المصير ومآل الاستفتاءات: الفضائية السودانية: 12/12/2010 على موقع:
http://www.sudantv.net/mag/submagadd.php?yy=MTY3NDk=
– فيصل عبد الرحمن علي طه: بعض الجوانب القانونية لانفصال جنوب السودان:الجزء الأول:
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=print&board=310&msg=1286990325&rn

– seq=print&board=310&msg=1286990325&rn
– -عباس محمد إبراهيم: تداعيات الانفصال السياسية ومفهوم المواطنة:
http://www.alhadag.com/reports1.php?id=4483
– المادة 11.من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون لسنة 1983
-المادة 13.من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون لسنة 1983
– المادة (b 1/17).
– المادة 26 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون لسنة 1983
– المادة 21 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون لسنة 1983
-المادة 27 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون لسنة 1983
– فيصل عبد الرحمن علي طه: بعض الجوانب القانونية لانفصال جنوب السودان:الجزء الأول:
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=print&board=310&msg=1286990325&rn -المستشار القانوني أقيوم أكمجو مسلم: ورقة مقدمة في ندوة التداعيات القانونية والإقتصادية لحق تقرير مصير الجنوب التي أقامتها رابطة القانونيين السودانيين بالدوحة – قطر يوم الجمعة الموافق 5/11/2010م بفندق رمادا. على موقع:
http://www.sudaneselawyers.org/index.php?option=com
-المستشار القانوني أقيوم أكمجو مسلم: ورقة مقدمة في ندوة التداعيات القانونية والإقتصادية لحق تقرير مصير الجنوب التي أقامتها رابطة القانونيين السودانيين بالدوحة – قطر يوم الجمعة الموافق 5/11/2010م بفندق رمادا. على موقع:
http://www.sudaneselawyers.org/index.php?option=com
– محمد الشيمي: جنوب السودان…جذور المشكلة وتداعيات الانفصال 10/12/2010
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237557

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *