Home»International»استراتيجية المد والجزر بين الحركات الاسلامية وقوات الأمن في مصر

استراتيجية المد والجزر بين الحركات الاسلامية وقوات الأمن في مصر

0
Shares
PinterestGoogle+

 أثارت الضربة الأمنية الأخيرة التي وجَّهتها الحكومة لجماعة الإخوان المسلمين العديدَ من التساؤلات حول الوسائل والأدوات التي يستخدمها النظام ضد الحركات الإسلامية المعارضة له, وكذلك المسلك الذي تسلكه الحركات الإسلامية في مواجهة السياسات الحكومية، خاصة السياسات الأمنية منها.
لقد برز الدور الذي يقوم به جهاز الأمن في اللعبة السياسية الدائرة بين الحركات الإسلامية والنظام الحاكم؛ فالحزب الحاكم استخدم الجهاز الأمني لحسم صراعاته السياسية مع الحركات الإسلامية, ولم يقبل النظام أبدًا بترك الباب مفتوحًا لحسم صراعه السياسي مع الحركات الإسلامية عبر الشارع في صورة مظاهرات واحتجاجات, أو عبر صناديق الاقتراع في صورة انتخابات برلمانية أو محليات أو نقابات واتحادات طلابية أو عُمَّالِيَّة.. لم يقبل النظام بترك أيٍّ من هذه الصور ميدانًا لحسم صراعاته السياسية مع الإسلاميين أو غيرهم من معارضيه، فضلاً عن أن يغفل عن أيِّ أنشطة سرية تقوم بها أي منظمة إسلامية ذات منحًى انقلابي تحاول أن ترتب لهجمات مسلحة أو تسعى للانقلاب بالقوة على الحكم القائم.

إذا استعرضنا أبرز الأساليب الأمنية التي استخدمها النظام الحاكم ضد الحركات الإسلامية حتى الآن سنجد أن أبرز هذه الأساليب هي الضربات الأمنية المباشرة, والتي تتم عبر اعتقال عدد من قادة وأعضاء الحركة الإسلامية المستهدَفة، تحدد كميته ونوعه أجهزة الأمن بما يخدم هدف هذه الضربة. وقد استخدمت الحكومة هذه الضربات لتحقيق واحد من هدفين؛ إما الاستئصال التنظيمي، ومن ثمَّ الإقصاء عن الواقع السياسي تمامًا، وإما الإجهاض، ومن ثمَّ تحجيم قدرات حركة إسلامية ما عبر استنزاف إمكاناتها أولاً بأول.
استئصال المعارضين وإقصاؤهم من ساحة الصراع السياسي بشكل نهائي كان هو الهدف الأهم والمحوري لدى النظام في استخدامه أدواته الأمنية ضد الحركات الإسلامية في عدد من الأوقات. وقد استخدم النظام هذا الأسلوب عدة مرات، كان أولها مع كلٍّ من الجماعة الإسلامية المصرية وتنظيم الجهاد المصري، ابتداءً من عام 1993، عندما اعتقل كلَّ مَنْ له صلة، قريبة كانت أو بعيدة، بأعضاء التنظيمين، ليشمل ذلك حتى من كانوا على صلة صداقة عادية, ولم يخرج أكثر هؤلاء من السجن إلا بعد مرور مدد تتراوح بين 10 سنوات و17 سنة بدون محاكمة, صحيح أن الكثيرين تم تقديمهم لمحاكمات عسكرية ومحاكمات طوارئ وصدرت ضدهم أحكام، لكن الأغلبية العظمى مكثت في السجن بدون محاكمات، ومازال المئات منهم في السجن حتى اليوم, ولم تبدأ عملية الإفراج إلا بعدما اطمأن الجهاز الأمني أنه أَجْهَزَ على إمكانات كِلَا التنظيمين تمامًا.
كذلك تعرضت تنظيمات إسلامية أصغر لضربات أمنية إقصائية. وكان الأمن في ذلك يَسْتَلْهِمُ تجربة الحكم الناصري في إقصاء الإخوان المسلمين والتنظيمات الماركسية عن خريطة العمل السياسي في مصر في مرحلتيْ الخمسينات والستينات؛ عبر الضربات الأمنية الاستئصالية.
على كل حالٍ، فإن ردَّ فعل التنظيمات الرئيسة التي تعرضت لهذه الضربات الأمنية كان هو اللجوء لمزيد من الأعمال المسلحة , لكن هذه العمليات المسلحة العنيفة، والتي قدرت بالآلاف، الصغيرة والكبيرة على حد سواء، لم تُثْنِ الجهاز الأمني عن تصميمه على إقصاء الجماعة الإسلامية والجهاد والشوقيين عن ساحة العمل السياسي, وقد كان للجهاز الأمني ما أراد، ولم يعد هناك أي وجود تنظيمي لهذه التنظيمات المسلحة السابقة.

ولم تقتصر أهداف الضربات الأمنية على الإقصاء والاستئصال فقط؛ وإنما هناك نوع من الضربات الأمنية لعبت دورًا بارزًا في الإبقاء على قدرات الحركات الإسلامية تحت السيطرة الحكومية، بما لا يسمح لها بأي فرصة للتغلب على رموز الحكم في أي صراع سياسي، سواء كان صراعًا سياسيًّا عامًّا، على مستوى الدولة كلها، عبر كسب تأييد أغلبية الشعب في انتخابات نيابية أو محلية، أو حتى كان صراعًا سياسيًّا محدودًا في نقابة من النقابات أو جامعة من الجامعات أو حتى حي من الأحياء, فقد اعتاد الجهاز الأمني على توجيه ضربات أمنية محدودة لكل جماعة إسلامية يتزايد نشاطها عن السقف الذي تقبل به القيادة السياسية.
ولقد استمرت الضربات الأمنية المحدودة بأداء دورها في الحفاظ على حجم كل قوة من قوى المعارضة الإسلامية (وطبعًا غير الإسلامية) في إطار محدد لا تتعداه، فكل حركة إسلامية تعرف الخطوط الحمراء التي خطَّتْهَا لها القيادة السياسية والأمنية، ومن ثم فإن كل من يتجرأ على تخطي أي من هذه الخطوط فعليه تحمُّل عواقب ذلك؛ لأن الجهاز الأمني يتكفل بإعادته عبر طُرُقِهِ الخاصة إلى الإطار المحدد.
لقد جرى سيف الاعتقال والتعذيب على كل من هذه الجماعات في مناسبات عديدة طوال حكم الرئيس مبارك وحتى اليوم؛ من أجل منعها من تجاوز الحدود التي تُلزمها بها الأجهزة الأمنية، تحقيقًا لمعالم الخريطة السياسية التي يريدها الحزب الحاكم.
الضربة الأمنية من هذا النوع تقتصر على اعتقال محدود لفترة تتراوح بين شهر وستة أشهر, وربما تصل لسنتين أو ثلاثة كلما سمحت الأجواء السياسية بذلك, ويتم ذلك كله عبر الآليات التي يُتيحها قانون الطوارئ والتحايُل عليه, لأن قانون الطوارئ لا يسمح بالاعتقال إلا لفترة تتراوح بين شهر وثلاثة شهور, لكن الاعتقال الذي يستمر لسنوات فهذا يكون بالمخالفة لكل القوانين، بما في ذلك قانون الطوارئ.
واختلفت ردود أفعال الحركات الإسلامية المختلفة على هذه الضربات الأمنية المحدودة، بل إن ردَّ فعل نفس الجماعة اختلف من مناسبة لأخرى؛ فالإخوان المسلمون عادةً ما لجئوا لأمرين في آنٍ واحد، كردِّ فعل على هذه الضربات, الأول هو الدفاع عن أنفسهم حقوقيًّا وإعلاميًّا بكل ما هو مُتاح لهم, أما الأمر الآخر فداخلي، وذلك عبر تهيئة صفوف تالية من القادة لتحُلَّ محلَّ القادة الذين يُقبض عليهم، لئلا تتعطل أنشطة الجماعة..

نفس الشيء فعلته وإن كان بدرجة أقل وإمكانات أقل، الجماعاتُ الأخرى, لكن كان هناك مَيْلٌ للرَّد بقدر من أعمال العنف لدى الجماعة الإسلامية وكذلك جماعة الجهاد.
ودائمًا ما أثبتت خبرة تاريخ الصراع الحكومي مع المعارضة عامةً والإسلاميين خاصةً أنها لا تستجيب لضغوط العمليات المسلحة، بل بالعكس، فإن هذه العمليات تدفع الأجهزة الأمنية لمزيد من العناد والقمع.
أمرٌ ثالث أحيانًا ما لجأ له الإخوان المسلمون، وهو نوعٌ من التفاهم مع رموز للحكم أو أجهزة الأمن من أجل حلِّ المشكلة، ولكن هذا الأمر كان يحدث في الأزمات الأصغر، أما الآن وحيث صار الإخوان ينافسون بقدرات أكبر على البرلمان وغيره، وحيث صار النظام الحاكم مُهْتَزًّا؛ بسبب أزماته المُسْتَحْكِمَة، فسيناريو التفاوض النسبي بين الإخوان والنظام صار مستبعَدًا لحدٍّ كبير.
ويلاحَظ أن الضربة الأمنية المحدودة هذه كان من الصعب على الأجهزة الأمنية تنفيذُها عبر استخدام آلية الاعتقال حتى السنوات القليلة الماضية ضد جماعة الإخوان؛ لأن لجماعة الإخوان نوَّابَها في مجلس الشعب وفي مجالس العديد من النقابات المهنية، فضلاً عن عَلاقاتها الواسعة بأجهزة الإعلام المستقلَّة ومنظَّمات حقوق الإنسان المحلية والدولية, ولذلك لم يكن من الممكن ممارسةُ آليَّةِ الاعتقال المخالف لكل القوانين معهم، حتى قبل سنتين من الآن, ولذلك استخدم النظام الحاكم آلية المحاكمات العسكرية مع الإخوان المسلمين منذ عام 1995 وحتى 2007، وبعدها بدأ سيف الاعتقال يشمل الإخوان كغيرهم من التيارات.
ولكن هناك فرقان بين الإخوان المسلمين وغيرهم من الحركات الإسلامية, بشأن هذه الضربات:
الأول- أنَّ أنشطة الإخوان الدعوية والتربوية لا يتم توجيه ضربات أمنية بسببها؛ لأن الإخوان تجاوزوا في هذا المجال كل سقف حدده الأمن لهم، وتمردوا عليه، بعكس السلفيين والقطبيين وغيرهم، حيث يتم توجيه الضربات الأمنية ضدهم كلما زاد نشاطهم الدعوي عن حدٍّ معين، بينما تتم الضربات الأمنية للإخوان بسبب نشاطهم السياسي، سواء بشأن الانتخابات البرلمانية أو المحلية أو النقابية.
الثاني- أنَّ الضربات الأمنية حققت أهدافها مع كل الحركات الإسلامية باستثناء الإخوان المسلمين الذين اعتادوا على امتصاص الضربات ومواصلة نشاطهم بعد كل ضربة دون تراجُع إلى الحدود التي يرغبها النظام وأجهزته الأمنية.
إن رد فعل الإسلاميين لم يخرج عن أحد أمرين:

* اللجوء للعنف المسلَّح، كما حدث من قِبَل الجماعة الإسلامية قَبْل 1997 والجهاد وغيرهما.

* الاعتصام بالصبر، كما حدث من قِبَل الإخوان المسلمين منذ السبعينات وحتى الآن، وكذلك القطبيين والتكفير والهجرة والسلفيين وغيرهم.
لكنْ هناك خيار لم تلجأ إليه أي حركة إسلامية؛ وهو طريق ثالث غيرُ العنف وغيرُ الصبر، دعا له الكثير من الكُتَّاب والمفكرين الليبراليين واليساريين في السنوات الأخيرة، كالعصيان المدني مثلاً أو غيره من الاحتجاجات الشعبية أو الإضرابات والاعتصامات العامة, ولم تلجأ الحركات الإسلامية لذلك، ليس فقط لأن هذه الأساليب ليست حاضرة في الفكر السياسي للحركات الإسلامية المصرية وليست مأمونة العواقب، ولكن أيضًا لأن الحركات الإسلامية ما زالت تعتمد في عملها على أساليبَ تركِّز على تكوين صفوة أو نخبة محدودة ولا تعبأ كثيرًا بالأبعاد والأساليب التي من شأنها أن توسِّع القاعدة الشعبية للحركات الإسلامية، ولكن كي لا نكون ظالمين للحركات الإسلامية لابد أن نشير للعقبات الأخرى التي تعرقل الكثير من أنشطتها، وعلى رأسها قوة القبضة الأمنية الحكومية وسطوة قمعها وشدة قسوتها

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *