Home»International»التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(4)

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(4)

0
Shares
PinterestGoogle+

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(4)

بقلم:خالد عيادي

التفكير بالأبيض والأسود:

للتفكير عدة مواصفات ، تماما كما للبدن عدة مواصفات.وقد يصاب الإنسان بعمى الأفكار الملونة، بقدر ما يصاب بعمى الألوان ،فلا يفكر إلا باللون الأبيض والأسود.وبالتالي فهو لا يرى في حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم): »الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لاإلاه إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق »([1]) ،إلا معنى كلمة التوحيد ،ومعنى إزالة وسخ معين من الطريق. وما بينهما،من الأطياف والألوان، مما سكت عنه الرسول(صلى الله عليه وسلم)  لا يلقي له بالا ،ولا يكون في الحسبان . ثم إن أصحاب هذا النوع من التفكير، غالبا ما يفشلون في علاقاتهم الأسرية و الاجتماعية .التفكير باللونين: الأبيض والأسود، يؤدي في الغالب إلى طلاق الزوجة والأبناء والجار والمجتمع والدولة. وفي هذا المقام نذكر وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  : »لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. »([2]) وهذا توجيه نبوي متفرد، يدعو إلى تجنب هذا التفكير الفاشل، حيث يوجه الزوجين معا ، »إلى تقدير الجوانب الطيبة في صاحبه،لمواجهة الجوانب السلبية،حتى لا تسيطر هذه الأخيرة على القلوب، وتملأها نفورا وبغضا…من فضل الله أن جعل بين الزوجين رصيدا من المودة والرحمة، يقضي على نوازع الخصام.واللبيب من ينتفع بهذا الرصيد. »([3])

           وقد يظهر التفكير بالأبيض والأسود في طبيعة اللغة المستعملة،وذلك عن طريق اللاشعور. فالتفكير قد يساوي المخاطبة ، والمخاطبة أساسها اللغة ، واللغة لها أيضا مواصفات، بحيث تكون لغة عدوانية ، أو جنسية ، أو خشبية ، أو عاطفية،  أو لغة صوفية…  » فالمخاطبة إذن ذات صلة وثيقة بالتفكير، وما هما إلا طريقتان في استخدام اللغة. وما نسميه بالمخاطبة هو المحادثة مع الآخرين ، والتفكير الأعوج يؤدي إلى المخاطبة العوجاء، والعكس في ذلك صحيح. »([4]).وما يستحق الذكر في هذا السياق، هو توصيف اللغة العدوانية، لارتباطها بطريقة التفكير الأحادي من جهة ،وصدورها عن عقلية ضيقة ، تنم عن تفكير عصبي ، ونفسية متعصبة،ومزاج حاد ، ونزعة وثوقية ،من جهة أخرى.

      يمكن أن يلاحظ في التفكير العدواني ملمحان أساسيان هما:هيمنة الثنائيات أثناء المخاطبة و الحديث، مثل : سلم/حرب- مؤمن/كافر- أبيض/أسود- يمين/ يسار- خائن/وفي- /قسوة/لين- شقي/سعيد-غربي/شرقي-عدو/صديق…وأما الملمح الثاني فممثل في طغيان اللغة العدوانية.ذلك أن المعنى الواحد يمكن أن نختار له مفردات سلمية ، فيكون غير مؤلم ولا مسيئ ، كما قد يكون في غاية السمية (من السم) ، إذا اختير له مفردات ذات طابع عدواني مسموم. ففرق كبير بين العبارات التالية: « فلان ثابت على رأيه ». وهي عبارة محايدة ، في حين تقع عبارتا « عنيد كالتيس »، و « ليس باليسير التأثير فيه » ،على طرفي نقيض.إن اختيار المفردات بعناية فائقة ، أثناء مجادلة الأطراف المسالمة الأخرى ، هو حقا من قبيل البحث عن الأحسن بدل الحسن. وهذا الأسلوب هو الذي أمر به الله بصراحة في قوله: »ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم »([5]).

         بهذا النوع من التفكير يظهر التفسيق أو التكفير، ويظهر الإقصاء والتهميش.وتسود ثقافة العنف بدءا من الإحساس بالغل: »ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا »، إلى الإعراض والشتم: »وقالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه »، إلى التهجير والنفي : »لأرجمنك واهجرني مليا » ، إلى القتل : »وكأين من نبيئ قتل » ، إلى الإبادة الجماعية ، والتطهير العرقي: » قتل أصحاب الأخدود ». التفكير باللون الأبيض والأسود، يؤدي بصاحبه إلى الإصرار، والتعنت ، وإغماض ملكة التفكير، وتعطيل قدرات العقل، والخضوع لسلطة الهوى، والتحيز القائم على التبريرات الواهية ، والتخريجات السطحية و الضحلة.إنه الجحود الذي عبر عنه القرآن الكريم: »وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا »([6]).ثم عبر عنه ذلك الأعرابي المتعنت « طلحة النمري » في قولته الشهيرة وهويبين موقفه من محمد رسول الله: »ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر »([7]). ويظل الظن الذي ظنته الملائكة  فينا ،في الزمان الأول : « أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء »([8])  قائما، كرهان إلى ما شاء الله..رهان يمارس سنة التدافع مع من لهم الصدر الواسع ،لا محاكم التفتيش الرهيبة، والعقل الراجح، لامقامع من حديد ، والفهم الصحيح،لا الوهم والتوهيم ،والتقدير السليم ،لا الحروب الدونكيشوطية، ومنطق المرحمة لا منطق الملحمة.

       لامناص من التفهم والتفاهم مع الآخر، وعلى هذا الأساس إما أن تكون البشرية أو لا تكون. إما أن تشيع ثقافة السلم: »ادخلوا في السلم كافة » .وإما أن يسود منطق: » أناخير منه » المؤدي إلى منطق : »ما أريكم إلا ما أرى » ، والمؤدي بدوره إلى جنون القوة و العظمة : »أنا أحيي وأميت ».وإذا ما اختارت المجتمعات البشرية منطق: »ليس في الخير شيء من الشر » ، أو »ليس في الشر شيء من الخير »، أوناكفت مقولة: »وبعض الشر أهون من بعض »، فمعنى ذلك أنها اختارت سياسة الأرض المحروقة.وإذا هي  نكصت عن الحوار إلى الدمار، فيكون الإنسان حينئذ أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التسامح و الحوار، وإما التتار، أو خراب الديار.، خصوصا وأن البشرية الآن، تمتلك من أسلحة الدمار الشامل، ما تفجر به الجو، و البر، والبحر عشرات المرات ،فتكون النتيجة التي توقعها القرآن الكريم : »قُل هُو الْقَادِرعَلَى أَن يَبْعَث عَلَيْكُم عَذَابًا مِن فَوْقِكُم، أَو مِن تَحْت أَرْجُلِكُم، أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض »([9])

………………………………………………………………………..

 ) أخرجه مسلم من حديث « أبي هريرة » في كتاب الإيمان – باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان.[1]

[2] ) صحيح « مسلم ».من حديث أبي هريرة- كتاب الرضاع- باب : الوصية بالنساء.

[3] ) تحرير المرأة في عصر الرسالة – دراسة جامعة لنصوص القرن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم – عبد الحليم أبو شقة –  ج 5 – مكانة المرأة المسلمة في الأسرة- ط – 1- 1990- دار القلم للنشر والتوزيع –الكويت- ص:229

[4] ) التفكير المستقيم والتفكير الأعوج –روبرت.ه.ثاولس- ترجمة-حسن سعيد الكرمي- مراجعة- صدقي عبد الله حطاب- عالم المعرفة- سلسلة كتب   ثقافية  يصدرها المجلس الوطني  للثقافة والفنون والآداب- الكويت-أغسطس-1979.ص:11.

[5] ) سورة العنكبوت آية 46.

[6] ) سورة النمل – آية :.14

[7] ) البداية والنهاية – الحافظ ابن كثير – ج 6 – ط 6- 1988- مكتبة المعارف – بيروت – ص327- وتمام القصة كما يلي… فقال عن عمير بن طلحة عن أبيه أنه جاء إلى اليمامة فقال أين مسيلمة ?  فقال مه رسول الله. فقال لا، حتى أراه .فلما جاء قال أنت مسيلمة ? قال نعم قال من يأتيك ? قال رجس.قال أ في نور أم في ظلمة ? فقال في ظلمة. فقال أشهد أنك كذاب ،وأن محمدا صادق ،ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر.

) سورة البقرة.آية:30.[8]

[9] ) سورة الروم – آية :20.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. الأستاذ الحسن ابصايطي
    17/01/2020 at 09:34

    إن ثقافة الحوار الهادف لا تكون فقط بالتواصل اللغوي المباشر،وإنما تكون أيضأ بالمواقف والسلوك الذي يحدد مدى تعاملنا مع الآخر.
    والتفكير بالأبيض أو الأسود ينبع من ضيق الأفق لأن الفكر أوسع من تحتضنه هذه الثنائية الضيقة، غير أن الموضوع يقتضي منا الذهاب بالفكر ابعد من الأبيض والأسود لان الوجود برمته هو مجموعة ألوان ترسم لوحة الحياة بكل تناقضاتها.
    يتبع.

  2. Anonyme
    18/01/2020 at 21:04

    أشكرك الأستاذ الكريم »بصايطي حسن » على تفاعلك مع المقال .فمثل هذه المواضيع حساسة .ومما جعلني التفت إلى هذا الموضوع ما هو شائع في ثقافتنا المجتمعية من عنف أثناء الحوار سواء كان حوارا أسريا أو بين الزملاء أو حوارا ثقافيا أوكان سياسيا.

  3. الأستاذ الحسن ابصايطي
    22/01/2020 at 11:23

    في إطار المداخلة الثانية في هذا الموضوع المهم، أسجل مدى عمق قضية التفكير بالأبيض والأسود والذي أشرنا إلى أنه يبقى محدودا، بل إنه لا يتيح مجالا للإبداع أو التمعن في قضايا الوجود.
    من هذا المنطلق فإن الفكر يرسم معالم الحياة، ولعل قيام الحرب العالمية الثانية مثلا نبع من فكرة لرجل أراد ترويض العالم وفق مفاهيم شخصية كان أساسها التفكير بالأبيض والأسود.
    ولعل الدكتور خالد عيادي أشار وباقتدار كبير إلى موضوع ينبغي أن نناقشه بجدية.

  4. فيصل
    29/01/2021 at 21:31

    وضع الاصبع
    على الجرح تحديدا….احسنت التشخيص دكتور.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *