Home»International»مقومات الأمن في المجتمع الإسلامي.

مقومات الأمن في المجتمع الإسلامي.

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم  الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

مقومات الأمن في المجتمع الإسلامي.

 

بقلم: عبد المجيد بنمسعود

يعلم الناس من واقع الحال ومجريات الأمور، أن نعمة الأمن من أجل نعم الله على خلقه، فهي مناط السعادة والاطمئنان، إلى جانب نعم أخرى أسبغها الله على الإنسان، فهي شرط أساس في استمرار الوجود الإنساني، واطراد نموه ووظائفه، والوصول إلى أغراضه ومآربه، وشرط في إضفاء المعنى على حياة الناس، وإسباغ حلة الفرح والابتهاج عليهم، فيزداد نشاطهم، ويضربون بسهم وافر في الإبداع والإنتاج، ويقوم لهم كيان راسخ الأركان قوي البنيان، فتكون لهم قوة ومنعة، وشهود وهيبة، وظهور وغلبة في ميدان التدافع الاجتماعي والحضاري بين الأمم.

أما إذا انعدم الأمن في المجتمع، فإننا نكون أمام خطر داهم يهدد الناس في وجودهم المادي والمعنوي، ويقذف بهم في أتون من القلق والتمزق والانسحاق، بسبب ما يغلف حياتهم من شكوك ومخاوف، ويدهمهم من زلازل وانهيارات، تترتب عن اختلال الموازين، واختلاط القيم، وتنازع الأهواء، وتصارع المصالح والرغبات، فينفرط شمل المجتمع، وتذهب ريحه وتخور قواه، فيكون مرشحا لأن يدخل في نفق عميق من العذاب والاكتئاب الذي يهاجم الناس بكل قسوة، تجعل الناس يبحثون بكل الوسائل الممكنة عن مخرج ومتنفس، وقد تكون تلك الوسائل  خاضعة لمقاييس العقل ومقتضيات الرشد، وقد تكون جانحة عن الرشد والصواب، فتكون الفوضى هي سيدة الموقف والمهيمنة على المشهد الاجتماعي بجميع مكوناته وفصائله، إلى حين القيام  بإعادة هيكلة للمجتمع، ترد الحق إلى نصابه.

والإسلام ، باعتباره دين الرحمة الذي نزل على نبي الرحمة ، والذي أكمل به الله الدين وأتم به النعمة، مصداقا لقوله تعالى: » اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » (المائدة:3)، قد حرص من خلال تعاليمه وتشريعاته،على أن يوفر للناس مجتمعا آمنا يعيشون فيه حياة كريمة، قائمة على التعاون والإخاء، والتساند والوفاء، حتى إنهم « كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وضمن هذا الحرص على توفير المجتمع الآمن السعيد، حذر الإسلام من كل ما يعوق تأسيسه وحفظه واستمراره، ووضع كل الضمانات التي تحمي حصن المجتمع من أن يخدش، أوسفينته من أن تتعرض للخرق. فتطبيق منهج الإسلام في بناء المجتمع وتدبير شؤون الحياة في السلم والحرب، والمنشط والمكره، وتنظيم العلاقة بين الأفراد والجماعات، هو الذي يعصم الناس من الفوضى والشقاء، أما إذا تنكب الناس طريقه، أو آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه الآخر، فإنهم يجرون على أنفسهم الخزي والبوار، والعذاب والنكال في الدنيا والآخرة، مصداقا لقوله تعالى: » أفتومنون  ببعض الكتاب وتكفرون ببعض،فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب » (البقرة: 85) وقوله عز وجل: » ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ،قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى » ( سورة طه: 124- 126).

فمطلب الأمن مطلب للأفراد كما هو مطلب للجماعات، وهو لا يتحقق إلا في إطار كلي شمولي، تمثله قيم الإسلام وحدوده وضوابطه، ومن ثم عرف الأمن « بأنه الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الأفراد والجماعات في سائر ميادين العمران الدنيوي والمعاد الأخروي« )د محمد عمارة(

ومن ثم فإن الأمن  » يعني تهيئة الظروف المناسبة التي تكفل الحياة المستقرة من خلال مجموعة من الأبعاد يمكن تحديدها فيما يلي: »

« البعد السياسي الذي يتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة وحماية المصالح العليا، واحترام الرموز الوطنية والثوابت التي أجمع عليها غالبية أفراد المجتمع … وممارسة التعبير وفق القوانين والأنظمة التي تكفل ذلك، وبالوسائل السلمية التي تأخذ بالحسبان أمن الوطن واستقراره »

بمعنى آخر، أن هيبة الدولة شرط لازم لتحقيق الأمن، وانعدام هذا الشرط أو ضعف وتآكل مقوماته، إيذان بتعرض الأمن للهشاشة والاهتزاز. غير أن هذه الهيبة لا تتأتى إلا بتوفر أسس لا محيص عنها، وهي العدل والشورى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي بها يحفظ كيان الأمة من الداخل، وإعداد المستطاع من القوة لحماية ذلك الكيان ضد ما يمكن أن يحدق به من القوى الخارجية المعادية التي تتربص به الدوائر،وتتحين الفرص للإجهاز عليه.

البعد الثاني هو البعد الاقتصادي الذي يتمثل في  » توفير أسباب العيش الكريم وتلبية الاحتياجات الأساسية، ورفع مستوى الخدمات، مع العمل على تحسين ظروف المعيشة، وخلق فرص عمل لمن هو في سن العمل، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير القدرات والمهارات من خلال برامج التعليم والتأهيل والتدريب، وفتح المجال لممارسة العمل الحر في إطار التشريعات والقوانين القادرة على مواكبة روح العصر ومتطلبات الحياة الراهنة. »

البعد الثقافي التربوي والاجتماعي: ويتمثل في إشاعة الثقافة البانية التي تنبثق من دين الأمة وتراثها الحضاري الأصيل، الذي شكل غذاء أفراد الأمة وجماعاتها على مر العصور، ومثل طابعها الخاص والمميز لها بين الأمم، كما يتمثل هذا البعد في كل ما من شأنه أن يرسخ الشعور بالولاء والانتماء للأمة والوطن، ويرفع من مستوى الروح المعنوية، وذلك من قبيل نشر الوعي الحضاري، وشحذ روح الفعالية الاجتماعية على أساس التشبع بقيم الإسلام الداعية إلى فعل الخير والتعاون على البر والتقوى، مصداقا لقول الله تعالى: » يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون »( سورة الحج:77)

ولعل من الأبواب النافعة في هذا السياق، بناء شبكة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني التي تضرب بسهم وافر في مختلف المجالات والأنشطة التي من شأنها أن ترتقي بمستوى الناس الثقافي والاجتماعي، باعتبارهم أفرادا وأسرا وتجمعات، فمن شأن ذلك أن يكون دعامة للجهد النظامي الرسمي، وسدا لما يمكن أن يتخلله من نواقص وثغرات.

ولعل من الروافد الهامة والأساسية ضمن هذا البعد، رافد التعليم، أو ما أصبح يصطلح عليه بالمنظومة التعليمية والتربوية، فهذه المنظومة هي التي في ظل قيمها واختياراتها وأجوائها تنبت الناشئة، فبقدر ما تكون عليه من صفاء ومصداقية وصلاح، تكون الأجيال من القوة وتماسك البنيان. وبقدر ما تكون عليه من خلط وتشويش، ومن تكدروتسمم وانحراف، فإن ذلك ينعكس لا محالة على الأجيال المتعلمة بالتشوه والضعف والنحراف والضمور.

البعد الرابع:  » البعد المعنوي والاعتقادي »: ويتمثل في » احترام المعتقد الديني بصفته العنصر الأساسي في وحدة الأمة التي تدين بالإسلام، وتتوحد مشاعرها باتجاهه »، وعدم السماح بالتعرض له والتطاول عليه بأي شكل من أشكال الخدش والعدوان، تحت أي ذريعة زائفة كاذبة، كحرية الفكر والتعبير، فما يكون للأمة أن تترك ميراثها الأصيل ورصيدها الأثيل، نهبا للحمقى والجهلة، وإلا كانت القاضية التي تذهب بريح الأمة وتقتلع شجرتها ولو بعد حين.

خاتمة: نخلص مما سبق، أن استلهام الإسلام بجميع نظمه و أبعاده، وقيمه وأحكامه في سير المجتمع العام، يكفل له تحقق مطلب الأمن بلا منازع، ومن ثم فهو يؤمن له إطارا حيويا يضمن له رسوخ القدم في مجال التقدم والتطور والنمو، على أساس التوازن والاعتدال.وإن أي نكوص عن مقتضيات تلك الأسس والمقومات، أو تفريط في بعضها، ينجم عنه لا محالة تفلت أمني عام، يعرض المجتمع للتفكك والاضطراب، ويجعله مرشحا لكل ما يسوء من احتمالات وتوقعات، لا يستبعد منها التآكل والاندثار.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.