Home»International»لا يصدق الحب إلا ببرهان

لا يصدق الحب إلا ببرهان

0
Shares
PinterestGoogle+

لا يصدق الحب إلا ببرهان

محمد شركي

يقول أهل العلم الحب هو ميل النفس إلى ما تعتبره حسنا  إما معاينة له أو سماعا عنه أو لحصول نفع محقق أو متوهم . ولا يقتصر الحب على ميل النفس إلى المادي المحسوس فقط  بل يشمل  أيضا الميل إلى المعنوي المعقول ، وقد يكون حب المعقول أشد من حب المحسوس .

ويكون الحب على قدر قيمة المحبوب عند المحب ، فحب الله عز وجل هو أعلى مراتب الحب  لعظم شأنه سبحانه وتعالى ، ويلي حبه حب رسوله صلى الله عليه وسلم لقدره عند الله عز وجل ، وحب رسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين لأقدارهم عنده سبحانه وتعالى ، وحب الأرحام من آباء وأبناء وأزواج وأقارب وأصدقاء  وغيرهم ممن تميل إليهم النفس كل حسب قدره عند المحب  أو حسب نفعه .

 وقد يتساوى أو يتفاوت حب هؤلاء، لكن لا يمكن أن يساوي أو يفوت حبهم حب الله عز وجل أو حب رسوله صلى الله عليه وسلم أو حب غيره من الرسل والأنبياء . ويصدق هذا قول الله تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم  وأموال اقترفتموها  وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله  بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )) .

 لقد استعرض الله عز وجل في قوله هذا بعض ما تميل إليه النفوس أو تحبه وهو إما بشر أو متاع ، وذكر مقابل ذلك حب ذاته المقدسة و حب رسوله الكريم وجب جهاد في سبيله ، ولم يرض سبحانه  أن يكون البشر أو المتاع أحب إلى النفوس من حبه  ومن حب رسوله ومن حب  جهاد في سبيله .

ومعلوم أن المحب يتعين عليه البرهنة على صدق حبه للمحبوب وإلا كان مجرد مدع للحب . والدليل على صدق الحب هو الخضوع للمحبوب والانقياد له وطاعته فيما يريد من المحب كما عبر عن ذلك  قول الشاعر:

لو كان حبك صادقا لأطعته = إن المحب لمن يحب مطيع

ولقد اشترط الله عز وجل برهانا على من يدعي حبه فقال سبحانه وتعالى : ((  قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ))، فجعل سبحانه وتعالى البرهان على حبه هو اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباعه إنما يحصل بطاعته بالطريقة التي أطاعه بها رسوله .

والنفوس قد تتجاذبها أنواع من الحب المنافسة لحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ،علما بأن حبهما متلازمان لا ينفكان لكون البرهان عليهما واحد لقوله تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )). ويتعين على النفس المؤمنة ألا ترفع  فوق حب الله ورسوله حب غيرهما مهما بلغ قدر هذا الغير عندها ، لأن ذلك يوقع في خطيئة بالغة الخطورة، وهي ما يسميه الله عز وجل حب الأنداد ـ تعالى الله عن الأنداد ـ ولقد ورد في كتاب الله عز وجل قوله : ((  ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا  يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله )) .

فإذا كان المقصود بهذه الآية كما جاء في كتب التفسير أولئك الذين كانوا يؤلهون الأصنام ويعبدونها إما دون عبادة الله عز وجل أو بإشراكها معه في الألوهية وفي العبادة ، فإن الحكم المترتب عن عموم لفظها  يشمل كل من جعل حب غير الله عز وجل فوق حبه سبحانه وتعالى ، الشيء الذي يعني أنه جعل طاعة هذا الغير فوق طاعته جل جلاله.

ويقع كثير من الناس  في كل زمان وفي كل مكان فيما وقع فيه الذين سوّوا بين حب الأنداد وحب الله عز وجل سواء كانوا ممن يجعلون هؤلاء الأنداد شركاء له أو أبناءه أو كانوا يعتبرونهم شفعاء إليه .

والمصيبة أو الطامة الكبرى أن  يقع بعض من ينتسبون إلى الإسلام في مثل ما وقع فيه هؤلاء ، فيجعلون حب بعض شفعائهم مساويا لحب الله تعالى، الشيء الذي يعني جعل طاعتهم لهم مساوية لطاعته عز وجل ، وهي طاعة خص بها الله سبحانه وتعالى رسوله  صلى الله عليه وسلم دون غيره .

 وإذا قال أحد فما بال قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) قيل له إن طاعة أولي الأمر مشروطة بطاعتهم الله ورسوله ، وهي طاعة لا تخرج عن طاعته وطاعة رسوله .

ومن الذين يتخذون من دون الله عز وجل أندادا يحبونهم كحب الله عز وجل أولئك الذين تشهد عليهم ألسنتهم  حين يسألون مخلوقات ويستنجدون بها  كما يسأل الله عز وجل وكما يستنجد به  من قبيل قول بعضهم :  » يا علي  » و  » يا حسين  » أو » يا ولي الله سيدي فلان  »  أو ما شابه هذا وهم ينادون ويطلبون مخلوقات أمواتا غير أحياء لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يستجيبون . ومن نسب إليهم السمع والاستجابة والنفع والضر فقد جعلهم أندادا لله تعالى ، ووقع فيما وقع فيه من كانوا يدعون غيره ، وشملهم حكمهم .

ومما يشهد به بعضهم بألسنتهم  على أنفسهم أنهم نادوا هؤلاء واستغاثوا بهم، فاستجابوا لهم وأغاثوهم افتراء عليهم . وتبث عشرات الفضائيات يوميا هذه الافتراءات دون أن يخجل المفترون من أنفسهم، وقد صاروا عرضة لسخرية الناس بما يفترون ،لأن الإيمان الصحيح والعقل السليم وهو هبة الله عز وجل للإنسان ليميز بين الحق والباطل لا  يستسيغ مثل هذه الفرية . وقد يحاول المفترون  التمويه والتحايل لتمرير فريتهم بأن المستجيب والمغيث هو الله عز وجل وأن من دعوهم واستغاثوا بهم إنما هم شفعاء  إليه ، وهذا شبيه بقول من قال فيهم الله عز وجل : (( ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء  ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى  إن الله يحكم بينهم  فيما هم فيه  يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار)).

وإن من صح إيمانه  يحب الله عز وجل ويبرهن على حبه له بطاعته لما يعلمه من صفات كماله ولما يصله من نعمه  وفضله ورحمته ، ويحب رسوله ويبرهن على ذلك باتباعه لما يعلمه من كماله وعظمة خلقه التي شهد له بها رب العزة جل جلاله في محكم التنزيل، ولما وصل إليه على يديه من خير ، ولما يعلمه من حرصه على هدايته وخيره ، ويأتي حب من صلح من البشر بعد حبهما ، ولا يحب أحد إلا بحبهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار « . ففي هذا الحديث توجيه واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كيف يكون الحب ، ذلك أن حب الله ورسوله يكون فوق كل حب ،  وحب سواهما يكون لله عز وجل ،وهو دون حبه ودون حب رسوله .

وبقيت كلمة أخيرة نقولها للذين جعلوا من مناسبة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة  لتجديد العهد مع حب الله عز وجل وحب رسوله، وهي هنيئا لكم على تجديد عهدكم بهذه المحبة ، ولكن لا بد من برهان على ذلك تعكسه طاعتهما في المنشط والمكره . أما الذين جعلوا من هذه المناسبة فرصة لجعل حب غير الله عز وجل وحب رسوله فوق حبهما، فنقول لهم عجلوا بتوبة نصوح  قبل رحيلكم عن هذه الدنيا بأعظم جرم، وبئس الوزر .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *