Home»International»الوجه الخفي لمدينة باريس

الوجه الخفي لمدينة باريس

1
Shares
PinterestGoogle+
 

 MOULILA BENYOUNES

كثر في هذه الأيام الحديث عن مدينة باريس و الإعجاب بمفاتنها  عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا منها  الفيسبوك الذي يتيح لأكبر شريحة من المستخدمين الاطلاع على ما دونه أو صوره أو تصور معه الزائر لهذه المدينة لتنهال بعد ذلك التعاليق والإعجاب من قبل الأصدقاء والأحباب وغيرهم من رواد هذا العالم الافتراضي العجيب

ومن بين الذين افتتنوا بجمال هذه المدينة الساحرة  بعض الأصدقاء الذين زاروها مؤخرا  مبدين بها إعجابهم  خصوصا بالأماكن السياحية و ما أكثرها في مدينة الأنوار كما تلقب عند الفرنسيين ولذلك اغتنموا الفرصة لتخليد مفاتنها عبر هذا العالم الافتراضي وأنا بدوري أحب من خلال هذه الكلمات المتواضعة أن أشاركهم هذا الإعجاب ،كما أود كذلك أن أغتنم هذه الفرصة لإثارة الوجه الخفي لهذه المدينة الساحرة

باريس عاصمة فرنسية بامتياز وأجمل مدنها  السياحية كما تعد  مدينة الأنوار و الحب كما يحلو للبعض تسميتها، خصوصا أصحاب المال والأعمال العرب  الذين  أطلقوا عليها صفة باريس الجميلة والفتانة بصيغة التأنيث لأنهم كانوا يتوهمون أنها مدينة اللهو والدعارة والفسوق لهذا أضفوا عليها إسما لينا مؤنثا يتناسب مع نزواتهم الغريزية التي يمكن بواسطتها  تقويض الأسس  الأخلاقية السائدة في الغرب ،أما الفرنسيون فقد أطلقوا عليها لفظ Paris بصيغة المذكر لأنهم يعرفون أصل التسمية وفضل العاصمة التي كانت تقف أمام التحديات الخارجية بكل ما أوتيت من حزم وقوة

 تعدّ مدينة باريس قديما وحديثا  من أكبر المراكز الاقتصادية ذات التأثير الهام في السياسة والعلوم والترفيه والإعلام والأزياء والفنون مما جعلها واحدة من مدن العالم الرئيسية و هي كذلك  إحدى أكبر مراكز الفن والثقافة في العالم، باحتوائها على مجموعة متنوعة من المتاحف والمسارح والمعالم الأثرية التي بنيت على مر القرون،كما تضم باريس وضواحيها أرقى المدارس والجامعات الفرنسية، كما تحتوي على مقرات أكبر الصحف الفرنسية –وغيرها كثير لا يتسع المجال لسردها هنا –

ولكن لباريس وجها آخر قاتما لا يمكن أن يخفى على الوافد عليها سائحا كان أم مقيما ،فلا شك أنه سيلاحظ وهو يتجول في شوارعها بعض المظاهر التي تعد غريبة عن هذه المدينة التي اشتهرت بمفاتنها وسحرها الجمالي وما أكثر هذه المناظر التي يمكن اعتبارها نشازا والتي يمكن التقاطها بكل سهولة وعفوية عبر الكاميرات أو عبر المعاينة والمشاهدة البصرية لأنها تنتشر عبر مسالك المدينة وأنفاقها ،وأول شيء تلاحظه وأنت تتجول في المدينة أنك لست في حاجة إلى أن تتحدث بلغة موليير ،فحيثما توجهت في المدينة يصادفك عربي  خصوصا من شمال إفريقيا يكلمك بلهجة جزائرية أو شرقية مغربية مما قد يوحي  إليك في بعض الأحيان أنك لست في بلد أوروبي وحي باربيس  Barbès  يمثل نموذجا لهذه الظاهرة الغريبة في بلد فرنسي وهو يذكرنا بحي هارليم بنيويورك لما كان يعرفه من عنف واعتداءات ،يتميز نهار باربيس بالتجارة الموازية والعنف وليله بالجرائم ،والمتجول في الحي قد يصيبه الوجل والخوف لما يلمسه من تصرفات المحتلين لشوارعه وهم في الغالب مهاجرون من منطقة المغرب العربي أو من الأفارقة وكثير منهم يفتقرون إلى بطاقة الإقامة يتمركزون بالعشراتِ في أزقة ِباربيس وعلى مداخل المحلات الكبرى، يبيعون السجائرَ و الإلكترونيات،وأنت تسير في الطريق  خصوصا عند حلول الظلام  تلاحقك عصابة من الشبان وهم يعرضون عليك  بضاعتهم المشبوهة بشكل استفزازي – خويا خصك الشمة – ها المارلبور اتاع اتزاير ، الله يخليك عاوني راني بلا أوراق ،فتحاول الهرولة فرارا من هذه المنطقة الخطيرة،وربما بسبب هذه الاستفزازات ما دفع جل قاطني الحي من الفرنسيين إلى الهجرة والبحث عن أماكن أكثر أمنا وأمانا

وعند الخروج من مسجد باريس التاريخي بعد صلاة الجمعة  تصاب بالصدمة لهول المشهد الذي يتمثل في عدد المتسولين  الذين يقفون أمام بابه يستجدون المصلين بما تجود به قرائحهم  ،منهم  بعض إخواننا السوريين  أو من يتقمص شخصياتهم من جنسيات أخرى مختلفة وعلى رأسهم الغجر والبلغاريين في زي إسلامي يستغلون تعاطف الناس بالإدعاء كونهم مسلمون، يعرضون عليك جوازات سفرهم للتأكد من هوياتهم فتكتشف أنهم ليسوا عربا ،ومنهم كذلك عدد هائل من الأفارقة بسحنتهم المميزة وبجانبهم بعض الإخوة من المغرب العربي يقصدونك بحذر خشية أعين الشرطة و يهمسون في أذنيك بنبرات  لا تكاد تسمع طالبين العون  لأنهم لا يتوفرون على أوراق الإقامة ولا يستطيعون الحصول على شغل يغنيهم مغبة التسول ، هذا الكم الهائل من المتسولين على باب المسجد لم أر له نظيرا  حتى على  أبواب مساجدنا بالمغرب فمقارنة ببعض المدن الكبرى في ألمانيا مثلا كنت أصادف في الغالب الأعم ما يسمى بالمتسول الفنان وهو النموذج المقبول عندهم  و المسموح له في أماكن محددة بتقديم عروضه الفنية ينال من خلالها تبرعات المتحلقين حوله و ذلك بقدر الإعجاب والاستحسان من العرض المقدم

تبتعد قليلا متوجها نحو وسط المدينة فتصادف كذلك عددا هائلا من المشردين الفرنسيين والذين ينعتون بدون مأوى sdf مستلقين على الأرض في  عز البرد بغطاء لا يكاد يستر عوراتهم أو تراهم ينامون في ردهات الميترو أو تحت القناطر واللبيب فيهم من يتخذ خيمة صغيرة مسكنا له وحسب إحصائيات بلدية باريس فإن عدد بدون مأوى sdf في باريس وصل إلى 3641 بزيادة 648 عن سنة 2018غالبيتهم تتراوح أعمارهم مابين 25و 54عام

وحينما تصل إلى برج إيفل الشهير تفاجأ هناك بعدد المهاجرين الأفارقة الذين يملؤون  جنبات الحديقة المحيطة بالبرج وهم يعرضون عليك سلعهم المتواضعة وهي في الغالب مجسمات صغيرة للأماكن الأثرية بباريس بثمن بخس وفي نفس الوقت يغتنمون الفرصة للتعرف على السائح العربي المسلم خصوصا أولائك الذين يشتركون معه في العقيدة ويُفْهمُ من أحاديثهم أنهم ليسوا تجارا فقط وإنما هم في حاجة إلى مساعدة مادية فتشعر حينئذ بالأسف والحسرة على هؤلاء البؤساء الذين فروا من أوطانهم الغنية بما حباها الله من خيرات ليقفوا على أعتاب الغرب شبه مشردين ومتسولين وشحاذين ثم ترفع بصرك إلى أعلا البرج الحديدي فتتساءل بحسرة من أين جاءت فرنسا بهذا الكم من الحديد وكم من دماء سالت من أجل نهب خيرات البلدان التي استعمرتها ثم تخرج علينا اليوم بإعطاء الدروس في حقوق الإنسان

–فإذا كانت باريس تسحر السياح الذين مهما مكثوا فيها سيرحلون فإن السكان وخصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة منهم تعيش في قلق وحيرة من الحياة المتسارعة في هذه المدينة الساحرة وفي الردهات المؤدية إلى حافلة الميترو  في مشاهد تتكرر بشكل روتيني عبر

مشاهد سريالية وكأن الناس أصبحت عبارة عن آلات تتحرك تحت الأرض في جحافل تشبه النمل أو الجراد المنتشر وإذا كنت تسير الهوينى فإنك بذلك تحاصر المسافرين وتعرقل سيرهم المتسارع بشكل ملفت للنظر ومنهم من يهرول أو يجري لالتحاق بالمركبة التي ستقله إلى وجهته وداخل المركبة  ينبغي على الإنسان أن يكون يقظا وأن يأخذ كل الحيطة والحذر من اللصوص  خصوصا عند أوقات الذروة لأنه ليس في مأمن من السرقة ولو قهرا ولهؤلاء اللصوص في ذلك طرق وحيل للنيل من الركاب خصوصا النساء و العجزة منهم،يحيطون بالضحية من كل جانب ويحاولون وضعه بين كماشتهم أمام أعين الركاب وبكل جرأة ووقاحة وعند كل توقف يبدلون المركبة كما يبدلون معاطفهم لأن العمليات تتم بسرعة البرق بين كل توقف للمترو أو تحركه لذلك  تلاحظ  على ملامح بعض الركاب وفي تصرفاتهم  أنهم غير مرتاحين يحتضنون حقائبهم بين أذرعهم بشكل مبالغ فيه تجنبا لكل مباغتة طارئة  وكل هذا في غياب السلطة في بلد حقوق الإنسان يا حسرتاه ،رغم تصنيف باريس ضمن أهم الواجهات السياحية في أوروبا وبأنها عاصمة الأناقة والجمال إلا أن ذلك لا يمنع من أن تجد فيها بعض الأحياء الفقيرة المحرومة من أبسط مقومات الحياة ،فلطالما تحدثت الصحف الفرنسية عن بعض الأحياء الصفيحية وسط أكوام من القمامة والخردة في مشهد صادم لا يتناسب مع سمعة المدينة الراقية

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.