Home»International»ازدواجية السلوك الديني والأخلاقي في المجتمع المغربي ( تابع ) 3: بقلم عمر حيمري

ازدواجية السلوك الديني والأخلاقي في المجتمع المغربي ( تابع ) 3: بقلم عمر حيمري

1
Shares
PinterestGoogle+
 

في مجتمعي المغربي ، يرفع الكل  شعار الإسلام ويدعي الصلاح ويحرس على حضور جميع الصلوات ويتسابق على  الصف الأول  ويصوم رمضان و يتنافس على صيام  التطوع وخاصة صيام  عاشوراء والعشر الأوائل من ذي الحجة ، كما يكثر من حج التطوع ويتنافس على تكرار العمرة بلا محدود ، ويتشدق بالتمسك بالأخلاق الدينية الرفيعة ، باعتبارها منهج حياة المسلم أحث عليها وأمر بها رب العالمين ، ولكن  للأسف الشديد ، يبقى كل هذا مجرد سلوك آلي ومظهر نفاق ، لا أثر له على الواقع  ولا يجد له طريقا للتطبيق  ولا ينعكس على الحياة اليومية  لأفراد المجتمع  ، فالفرد المغربي المسلم ، لا يتصدق إلا قليلا  ولا يزكي ماله إلا نادرا – إلا من رحم ربك –  ، وإن زكاها ، فهو يعطيها  لمن لا يستحقها ، كأن يهبها لرجال السلطة ، أو لجبات الضرائب ، لتتخذ في النهاية  شكل رشاوى أو هدايا يستمال بها هؤلاء وتشترى بها الذمم  . إن مثل هذا السلوك المتسم بالنفاق ، ينعكس حتما على مجال المعاملات ، إذ نلاحظ أنه ليس هناك أي انسجام بين التعاليم الدينية والأوامر الشرعية وبين سلوك الفرد المسلم المنحرف أخلاقيا ودينيا  فهناك تناقض بين وواضح ، بين ما يقوله ويتظاهر به الفرد  » المسلم  » ، وما يؤمن به ويعتقد ، ويفعله ويعمل به ويطبقه في حياته اليومية . ففي سبيل إشباع رغباته  الغريزية البيولوجية والمادية الجامحة يضحي بمبادئه وبمعتقداته الدينية والأخلاقية ولا يرى في ذلك أي تناقض ولا أي انحراف عن المنهج الإسلامي الذي يدعي التشبث به . في الواقع لم يعد الإنسان المسلم إلا القليل ، القليل يعطي وزنا للقيم الدينية أو الأخلاقية أو العرفية ، فهو لا يعطي أي أهمية لمصطلح  « حرام  »  « ولا ممنوع « ولا  » عيب  » أو  » حشومة  وعار  » فهي مصطلحات لا معنى لها ولا وزن عنده ، كلها تفيد الإباحة  وعدم الشعور بالإثم ، عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الشخصية  أو الاستفادة  والمنفعة المادية . ولأبرهن على قولي هذا ، أذكر مأساة حريق سوق مليلية ، الذي عاشته مدينة وجدة في العشر الأواخر من رمضان ( 25/ رمضان 1432 ) ، فقد كشفت هذه المصيبة ، التي المت بالتجار، كل الانحرافات السلوكية المنافقة  التي تعشعش في المجتمع الوجدي ومدى هشاشة الإيمان عنده رغم مظاهر التدين التي يبديها ورغم قداسة شهر رمضان والصيام . لقد هرأت كل أطياف المجتمع وشرائحه وطبقاته إلى المشاركة في النهب  : نساء ، رجال ، شباب ، تجار،  حرفيون ، أصحاب سيارات النقل ، مصلون ،غير مصلين ، أصحاب لحى … الكل يتسابق إلى السوق ، لا للنجدة وإطفاء الحريق ، أو لينقذ ما يمكن إنقاذه ، أو ليتضامن مع المنكوبين من التجار وليعزيهم في مصابهم الجلل وخسارتهم المالية ، بل ليسرق ما عفت عنه النار من سلع ومال . الكل متفق على إباحة سرقة إخوانهم ومشاركة النار ، التي أصابتهم  في رزقهم ، ولا من يقول اتقوا الله في إخوانكم المصابون ولا تجمعوا عليهم مصيبة النار والنهب . أما ما وقع من نهب وسرقة في حادث قطار القنيطرة ، الذي انحرف عن السكة  ببوقنادل ، فلا يوصف ولا يمكن أن يتقبله الحس ولا الشعور الإنساني ، فقد سمعت أنه قطعت يد امرأة ميتة من أجل سوار ذهب وهناك من فتشت جيوبه وحقائبه  وأخذ ماله وجواز سفره وكل أوراقه ومتاعه  وهو يتخبط في دمه ، وهناك من  أخذ منه حتى الحذاء الرياضي وترك يصارع الموت بأقدام حافية … فبدلا من إسعاف هؤلاء المنكوبين الجرحى والفاقدين لبعض أطرافهم والمصارعين للموت أجهز عليهم حتى الموت بهدف سرقتهم وتجريدهم من كل أمتعتهم ، ولا ناه عن المنكر ولا منته عنه ، أما نهب الشاحنات التي تتعرض للحوادث ، فحدث ولا حرج ، فهناك العديد من الأمثلة المسجلة والموثقة ، ثم  بعد ذلك تجد  بعض هؤلاء المجرمين يدعون التشبث بالإسلام ويتسابقون على الصف الأول لأداء الصلاة ، وبعضهم يحرس أن لا تفوته صلاة بالمسجد بما في ذلك  صلاة الفجر . فأي صلاة هذه وأنى أن تقبل منهم صلاتهم ؟ وأي إسلام هذا الذي يدعون التشبث به  ؟  أيحسبون أن الله لا يعلم كثيرا مما يفعلون ويقولون ؟ إنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وينهون عن المنكر وعن الخلق الشاذ عن الإسلام  ثم يأتون بنفسه وبمثله  . إن سلوكهم هذا يذكرني بسلوك بني إسرائيل ، بل لا يختلف في نظري عن سلوكهم الذي أخبرنا وحدثنا عنه  القرآن الكريم في سورة البقرة وأنكره عليهم أشد الإنكار. إن تعاملهم  المزدوج مع التوراة  وتفسيرهم له حسب هواهم  ، وانتقائهم واصطفائهم ، ما يلائمهم ويخدم مصلحتهم ويعجبهم من الأحكام والتشريعات الإلهية وإهمالهم ما لا يروقهم ولا يخدم مآربهم وأهدافهم ومصالحهم المادية ، كان سببا في غضب الله سبحانه وتعالى . وفي عيده وتوعده  ، بما أعد لهم من سوء المئال وأقسى  العذاب والعقاب  ، والله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده  ولا وعيده  يقول الله سبحانه وتعلى  :  [ …أفتومنون  ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب  ولا هم ينصرون ] ( سورة البقرة آية  85- 86 ) .

حفظنا عن ظهر قلب منذ أن كنا أطفالا في المدرسة  الحديث النبوي الشريف : { من غش فليس منا أو من غشنا فليس منا } ( رواه مسلم ) وكنا وقتها نطبق الحديث حتى في مجال اللعب الصبياني  ونذكر  بعضنا البعض بعدم الغش  ونتواصى بالالتزام  بالأمانة ومن حين لآخر ينتفض أحدنا ويصرخ بأعلى صوته في وجه صاحبه مهددا له بالانسحاب من اللعب إن حس بشيء من الغش  وقائلا  » لا تغش  » إنها  الأمانة ومن  » غشنا فليس منا  » واليوم تطبعنا مع الغش ولم نعد نحرك ساكنا تجاهه فنحن نرى الغش منتشرا في الأسواق الأسبوعية و في المتاجر الصغرى وذات المساحات الكبرى وفي المدارس والثانويات وفي الجامعات ، الكل يغش الطالب والأستاذ على السواء ، أما في مجال الصناعات والإصلاح فنحن نرى الغش يهاجمنا ويلتف حولنا من كل الجهات ، بل حتى المساجد لم تسلم من الغش على مستوى  الترميم والإصلاح  وعلى مستوى الفراش والنظافة ومكبرات الصوت وباقي التجهيزات الأخرى ، لم يعد الواحد منا قادرا على شراء أو اقتناء  شيء ما إلا بعد أن يتوسط له صاحب خبرة  يثق فيه  أو معرفة له أو قرابة . إن تغيير وتزوير الحقائق وإخفاء العيوب أو تدليسها وبخس الناس أشياءهم والتطفيف في الميزان والمكيال أصبح عملة رائجة في المجتمع الإسلامي بأكمله ولا أخص المجتمع المغربي، رغم أنه فعل سيئ  يذمه الطبع السليم ويحرمه الشرع وينهى عنه ويتوعد فاعليه بالويل والثبور والعذاب الشديد ، لأن له انعكاسات خطيرة على التنمية الاقتصادية وعلى تدمير الثقة في المعاملات التجارية بين الناس ويضيع الحقوق ولذلك وعد الله هذه الفئة الغاشمة المنافقة ، التي تزن معاملاتها بالازدواجية وبمنظور النفع والاستفادة ، إلى أقصى الحدود دون مراعاة لمصلحة الآخر وإتمام حقه والفاء له ، بالويل والثبور والعذاب الشديد ، فقال بشكل واضح بين لا يحتمل التأويل  : [ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم  يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين  ]   ( سورة المطففين أية 1-2-3-4-5-6 ) .

إن سلوك النفاق والتعامل بوجهين ، لو كان يتم على  مستوى  العامة والغوغاء لهان الأمر ولبحثنا لهم عن عذر ، قد نجده في جهلهم وعاداتهم وأعرافهم وما تعودوا عليه وفي عدم تربيتهم وتعليمهم التعليم المناسب وفي فقرهم وظروفهم الواقعية المريرة والتعسف والظلم والإقصاء ، الذي يتعرضون إليه ويعانون منه ويمارس عليهم  يوميا  …

ولكن مع الأسف الشديد ، نجد هذا يحدث مع الفقهاء والعلماء والخطباء والمفتون والمرشدون  والمتصوفة  والوجهاء ومع  كبار رجال المال والإعلام ورجال الدولة ولا نستثني الأحزاب السياسية وأصحب القرار النافذين في الدولة ، فجل هؤلاء يتعامل بالازدواجية ويمارس هواية النفاق الديني ، فنحن نعرف جيدا انحراف أخلاقهم  وسلوكهم المزدوج الملتوي  في المال والأعمال والإعلام  وخيانة الأمانة  وعدم الوفاء  بالعهود والعقود ومع ذلك نسمع منهم  ومن دعاة تهذيب الأخلاق والوعظ والإرشاد ونظن لكثرة كذبهم الإعلامي وخدعاهم ونفاقهم وتلاعبهم بالعقول ، ونعلم أيضا قلة حيائهم ومروءتهم وخداعهم وادعاءاتهم الكاذبة وقلة إيمانهم وفسادهم الديني … ولكن لتحكمهم في الدين وسيطرتهم على الحكم وتصرفهم في الأرزاق ، فنحن نضطر لسماعهم وتصديق أكاذبهم وطاعتهم ، ونعتقد بعد ذلك أننا نمارس الأخلاق والسلوك الراقي المنسجم مع منهجنا الرباني ، فنحن مخدوعون ولا ندري أننا في الحقيقة لا نسلك  ولا نتبع إلا ظاهر سلوكهم  المتسم بالنفاق في أعلى صوره ، الذي طبعونا عليه ولحسن ضننا وربما لبلادتنا وسوء تقديرنا لم نعد ندري ولا نعلم حقيقة أمرهم  وأنهم مجرد سراق تظاهروا بالتقى الديني والأخلاق الرفيعة ليحتالوا وينصبوا علينا لسرقة أموالنا وجهودنا وأخلاقنا ، بل حتى إيماننا وتعودنا عليه من أخلاق منذ صغرنا ، فمثلهم كمثل سارق المساجد لا يدخله حتى يقول باسم الله ويصلي على رسله صلى الله عليه وسلم  ويقبل المصحف خاشعا متضرعا لله ، ثم يبدأ عمله الذي دخل من أجله فلا يتورع عن سرقة التجهيزات من فراش وميكرفون وكل ما يجده بالمسجد ولا يستثني ، حتى أحذية المصلين ولو كانت من البلاستيك . مما اضطر رواد  المسجد إلى المجيئ إليه بنعال لا يليق لبسها خارج البيت ، خوفا على أحذيتهم من سراق المساجد ، وإني أكاد أجزم ، أن حوالي ثمانين بالمئة من رواد المساجد سرق منهم حذاءهم على الأقل مرة من داخل المسجد  …

رغم أننا نتشدق بالأخلاق وبأن الدين الإسلامي ، هو ( يتبع )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.