Home»International»شكرا سيدي الرئيس على كذبك

شكرا سيدي الرئيس على كذبك

1
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
نشر موقع « عرب بوست » يوم الخميس 18 أبريل 2019 مقالا مترجما للمؤرخ الأمريكي أندرو باسيفيتش المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية بعنوان: « شكرا ترامب على كذبك » نشره في موقع « لوب- لوك » ذكر فيه أن الفائدة الرئيسية لهذه المرحلة الرئاسية الترامبية هي أن ترامب حطم الخرافات التي كان يؤمن بها الأمريكيون.
فبعد وصفه بأنه كذاب ووقح وفنان هراء من الدرجة الأولى، يرى باسيفيتش أن كل عهد أمريكي إلا ويترجم الفن الذي ينتجه رئيسه، وفن ترامب الممزوج بالكذب والوقاحة والهراء قد صبغ مرحلته بكل هذه الأوصاف، ولكن يقول باسيفيتش داخل هذه الفضلات التي أنتجها ترامب تكمن بعض الحقيقة، التي منها تحطيمه للخرافات التي كان يؤمن بها الشعب الأمريكي، إذ اتضح أنَّ الكثير من الافتراضات التي كانت مقبولة من قبل على أنَّها صحيحة ليست كذلك على الإطلاق.
ويستعرض المؤرخ الأمريكي سبعة أمثلة توضيحية عن الخرافات التي حطَّمتها رئاسة ترامب تماماً وإلى الأبد. ونحن في هذه الخلاصة سنذكر فقط الخرافات التي لها علاقة بالدول العربية والإسلامية وقضايا أمتنا المنهكة ، إذ يقول في الخرافة الرابعة:
للحفاظ على أمن أمريكا، وحماية المصالح الأمريكية الأساسية، وتعزيز السلام، سعى الرؤساء الأمريكيون منذ الحرب العالمية الثانية إلى المشورة والنصح من مجموعةٍ صغيرة متجددة ذاتياً، تضم مُطَّلعين على شؤون السياسة الخارجية، لديهم معرفة متخصصة حول كيفية سير شؤون العالم ودور أمريكا الصحيح تجاه ذلك العالم.
ولكن في الستينات من القرن الماضي، وبفضل الحرب الكارثية في فيتنام، تشوهت سمعة هذه المجموعة من « الحكماء ». لكنَّها لم تنتهِ على الإطلاق، بل عادت عودةً قوية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وصارت صفوفها تضم الآن نساء. ومن بين الكوارث التي نجمت عن تلك العودة الحروب في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.
وحين كان ترامب مرشحاً رئاسياً، يقول: أوضح ازدراءه لهذه النخبة. لكنَّه مخادع، إذ يستعين الرئيس الأمريكي الآن بنخبةٍ رديئة تضم « أفضل وألمع » المستشارين على حد قوله، من بينهم مستشار للأمن القومي يؤمنَ بأنَّ « قصف إيران هو الحل لمنعها من صناعة قنبلة نووية « ، ووزير خارجية يستمد مفهومه عن التاريخ من الكتاب المقدس، وقائم بأعمال وزير الدفاع مُعارٌ من شركة بوينغ يُقال إنَّه يقضي وقته في محاولة إيذاء منافسي شركته السابقة، ومديرة لوكالة الاستخبارات المركزية رقيت عبر المناصب من خلال إشرافها على غرف تعذيب سرية.
وربما يحمل أفراد هذه العصبة جميع التصاريح الأمنية المطلوبة، ولكن هل لديهم تفكيرٌ سليم أو بصيرة؟ ربما من الأفضل للمرء أن يستشير مجموعةً من طلاب السنة الثانية في الكلية على أقل تقدير ولا يستشير هؤلاء. ولكن بسبب ترامب، سوف يستمر السُّذَّج فقط في الاعتقاد أنَّ مؤسسة السياسة الخارجية لديها الحكمة.
وفي الخرافة الخامسة يقول: منذ عقود زمنية وهو يقال لنا إنَّ السيطرة على الخليج أمرٌ ضروري للحفاظ على أسلوب حياتنا. ولكن عند تجريد هذه الحجة من المظاهر الخارجية، يتضح جوهرها، وهو أنَّ هذه المنطقة غنية بالنفط ونحن بحاجةٍ إليه.
وفي الواقع، نحن لسنا بحاجة إلى نفطهم. فهناك الكثير من النفط لدينا، أي في منطقة « أمريكا السعودية ». وعلاوة على ذلك، فحرق كل هذا النفط يُسرِّع من التغير المناخي، الذي يشكل تهديداً مباشراً أكبر لرفاهية الشعب الأمريكي أكثر من أي شيء يحتمل حدوثه في الخليج.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه علاقة وثيقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي الوقت نفسه، أسفرت عدة عقود من التدخل الأمريكي في تلك المنطقة عن عكس ما وعد به صانعو السياسة. فبدلاً من إرساء النظام، هناك حالةٌ من عدم الاستقرار، وبدلاً من تحقيق الديمقراطية، هناك استبداد، وبدلاً من تحقيق السلام، انتشر الموت والدمار. وعند حساب الأرواح المفقودة والكنوز المُهدَرة، يتضح أنَّ التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة هائلة.
ويُحسَب لترامب أنَّه أوضح الآن الأساس الفعلي لاستمرار اهتمام الولايات المتحدة بهذا الجزء من العالم، وهو أنَّ السعودية، وكذلك دول الخليج الأخرى، لديها نهمٌ لا ينتهي للأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إذاً، فالأمر كله متعلق بالأموال، ولا يمكننا السماح لروسيا أو الصين بالتدخل في سوقنا. أي إنَّ الخليج يُمثِّل مصلحة مهمة فقط للمجمع الصناعي العسكري والمرتبطين به، ليقول بعد هذا: لقد أراحنا ترامب من عبء الاضطرار إلى التظاهر بخلاف ذلك. فشكراً سيدي الرئيس.
وأما في الخرافة السادسة فيرى باسيفيتش أن احتمالات تحقيق سلام بين إسرائيل وفلسطين تعتمد على واشنطن كوسيط أمين، وهو الأمر الذي يستحق فيه ترامب أن نعطيه حقه، يقول، إذ كشف بشكلٍ حاسم أنَّ عملية السلام بأكملها مجرَّد وهمٍ واحتيال حيث يرى أن بتحقيق الوعد الذي قطعه الرؤساء الأمريكيون السابقون بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، نجح ترامب في إزالة آخر بقايا تظاهر أمريكا بدور الوسيط الأمين، واتضح أنَّها منحازةٌ إلى جانبٍ واحد فقط في هذا النزاع الملتهب، كما هي الحال منذ ستينات القرن الماضي على الأقل.
ولكن لا يجب أن تكون هناك أي غرابة في معرفة ذلك، فرغم كل شيء، واصلت الولايات المتحدة طوال عقودٍ تزويد إسرائيل بغطاء دبلوماسي في مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة وفي أماكن أخرى، إلى جانب منحها هديةً سنوية من الأسلحة بمليارات الدولارات، بينما يدفع العملاء الآخرون قيمة الأسلحة، بالإضافة إلى تنافُس قطعانٍ من الساسة غير اليهود مع بعضهم بعضاً على إعلان حبهم الدائم وولائهم الخالد لبلدٍ غير بلدهم، أي أننا أمام ولاءٍ مزدوج.
وفي أثناء ذلك، يُبدي جاريد كوشنر، صهر ترامب، نشاطاً كبيراً في السعي إلى إبرام صفقةٍ وصفها ترامب نفسه بـ « أصعب الصفقات ». ليعقب بقوله: وربما ثمة عبقرية في اللجوء إلى الهواة حين يفشل المحترفون. وإذا نجح كوشنر في مساعيه، فسنتساءل لماذا لم يُرسِل ريتشارد نيكسون ابنته تريشيا إلى باريس للتفاوض على إنهاء حرب فيتنام، ولماذا لم يُرسل جيمي كارتر زوجته روزالين إلى طهران لحل أزمة الرهائن.
ومع ذلك، وبغض النظر عن نجاح كوشنر من عدمه، فبفضل ترامب يمكننا الآن أن نجزِم بأنَّ الولايات المتحدة منحازة تماماً إلى إسرائيل، الآن وإلى الأبد.
أما في الخرافة السابعة فيرى المؤرخ الأمريكي بأن الحرب استمرارٌ للسياسة بوسائل أخرى. إذ يذكر بأن أجيالا من الرؤساء والضباط العسكريين الأمريكيين يؤمنون بهذه المقولة التي ذكرها المُنظِّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز.
ولكن في القرن الحالي، يقول: اتضح أن التحدي المتمثل في جعل القوة المسلحة هدفا سياسياً أمرٌ مخيف. وأوضح مثالٍ على ذلك هو الحرب الأمريكية التي لا تنتهي في أفغانستان.
لكنَّ الأمريكيين تعلَّموا عدم الاكتراث بهذه الحرب التي تعد هي الأطول في تاريخ أمريكا، تماماً مثل مجموعة من إعلانات الإنترنت التي تتجاهلها أعيننا تلقائياً. ونظراً إلى أنَّها سُميِّت في الأصل « عملية الحرية الدائمة »، فقد استمرت بالطبع.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه الحرب بدأت عندما كان خريجو المدارس الثانوية في العام الجاري ما زالوا أطفالاً رُضَّعاً خارجين للتو من أرحام أمهاتهم.
ومن حيث الطول الكلي، فهي في طريقها إلى تجاوز إجمالي مُدد الحرب الأهلية التي استمرت منذ عام 1861 إلى عام 1865، ومشاركة الولايات المتحدة في الحربين العالميتين من عام 1917 إلى عام 1918، ومن عام 1941 إلى عام 1945، والحرب الكورية من عام 1950 إلى عام 1953، وحرب فيتنام من عام 1965 إلى عام 1973. ليعتبر بعد ذكر كل هذه الحروب بأن الحرب على أفغانستان هي أطول حرب في تاريخ أمريكا.
ويرى باسيفيتش أن البنتاغون لم يبد قط اهتماماً كبيراً بحساب التكاليف التراكمية للحرب. وبينما يبذل الباحثون قصارى جهدهم لحساب الإحصاءات المتصاعدة باستمرار، لا تحظى إحصاءاتهم بأي أهمية سياسية.
وفي حين أنَّ الديمقراطيين في الكونغرس قد جنَّ جنونهم بشأن بضعة مليارات من الدولارات يريد ترامب إهدارها في بناء جداره العازل، هناك قلةٌ من أعضاء كلا الحزبين تهتم بمئات المليارات التي تُهدَر في أفغانستان التي تستمر الحرب فيها لكن دون وجهةٍ محددة.
وتبريرا لهذه الحرب اللامنتهية يرى ترامب أن « الدول العظمى لا تخوض حروباً بلا نهاية » وفي الحقيقة كان ذلك تصريحاً يستحق الثناء؛ إذ أوضح ترامب بشكلٍ قاطع أنه يريد الخروج من أفغانستان وسوريا، وأنَّ ذلك من الأفضل أن يحدث سريعاً. وقد قال ما معناه: نحن مغادرون بسرعة، إلى اللقاء، سنرحل إلى الأبد.
لكن كما هي الحال في كثير من الأحيان مع هذا الرئيس، لم تُترجم الكلمات إلى أفعال؛ لذا وعلى عكس نيات ترامب المُعلنة بوضوح، يخطط البنتاغون للإبقاء على 7 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان من ثلاث إلى خمس سنوات أخرى، مع الحفاظ على وجودٍ نشط في سوريا، أي أن الحروب غير المنتهية لن تنتهي قريباً.
وهناك درسٌ ينبغي تعلمه هنا، وهو أنَّ كبار الضباط العسكريين لا يعصون رئيسهم علانيةً -لا سمح الله- لكنَّهم طوروا مجموعةً من الحيل على مرِّ عقود لإحباط نيِّات أي رئيس. وعشية تنحِّي الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور عن منصبه في عام 1961، ظهر في التلفزيون الوطني ليخبر الشعب الأمريكي بكيفية حدوث ذلك.
ويُحسَب للجيل الحالي من الجنرالات أنَّهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إذ قلبوا مقولة كلاوزفيتز بصورةٍ لافتة للنظر؛ فالهدف السياسي الواضح لم يعد شرطاً سابقاً ضرورياً لاستمرار الحرب، ولكن ما دام الجنرالات (والمدنيون المؤمنون بالعسكرة) يريدون عدم انتهائها، فهذا سببٌ كاف لاستمرارها. والرئيس سيرضخ لرغبتهم.
ومن ثَمَّ، يمكننا أن نشكر ترامب على كشفه، دون قصد، حقيقة العلاقات بين المدنيين والعسكريين في واشنطن في القرن الحادي والعشرين: وهي أنَّ القائد العام للجيش ليس قائداً بالفعل.
وصحيحٌ أنَّ المؤرخين لن يُصنِّفوا ترامب أبداً على أنَّه رئيسٌ عظيم أو حتى متوسط، لكنَّهم ربما يُقدِّرون حقبته يوماً ما باعتبارها اللحظة التي اتضحت فيها أشياء لطالما كانت خفية، وأصبحت فيها الأكاذيب والاختلاقات والافتراضات القديمة التي كانت مقبولة على نطاقٍ واسع حتى فترة رئاسته حول الديمقراطية الأمريكية واهية أخيراً.
ويختتم المؤرخ الأمريكي مقاله قائلا « لذلك، إذا لم يكن لأي شيء آخر، ربما يكون لدينا سبب لشكر رئيسنا الرابع والخمسين على خدماته التي قدَّمها لنا »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *