Home»International»البروفسور فؤاد سزكين: نصف قرن لإثبات أن العربية لغة العلوم بامتياز

البروفسور فؤاد سزكين: نصف قرن لإثبات أن العربية لغة العلوم بامتياز

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
ولد فؤاء سيزكين، أحد أشهر تلامذة المستشرق الألماني الكبير كارل بروكلمان، بولاية بتليس جنوب شرق تركيا سنة 1924 وتوفي السنة الماضية يوم السبت 30 يوليو 2018 عن عمر يناهز ال94 سنة.
وهو باحث من الطراز الكبير، مسكون بحبه للتراث العربي حيث لا مثيل له من حيث الضلوع في التراث العربي الإسلامي عالميا، يتقن 27 لغة ولم يكتب عن أصول أي لغة من اللغات التي يتقنها أو عن أصولها وأعلامها والعلوم التي أنشئت بها سوى عن العربية، حيث كانت أطروحته الثانية في الدكتوراه بعد أطروحته الأولى حول الإمام البخاري، عن عالم الكيمياء العربي جابر بن حيان، والتي على إثرها حضي بلقب البروفيسور. وأن تكون أطروحة رجل عالمي بكل المقاييس حول عالم عربي مسلم برع في الكيمياء معناه أنه يريد للعالم أن يعرف بأن للعرب سبقا في مثل هذه العلوم والتي برعوا فيها وألفوا فيها بلغتهم العربية التي هي لغة العلوم بامتياز.
ورغم أن اللغة العربية ليست لغته الأم، فقد تعلمها بإتقان في سن مبكرة حتى أنه في الفصل السابع صار يتحدث مع أستاذته بطلاقة، في عام 1961 وفي عمر الشباب اختار فؤاد سيزكين ألمانيا مقرا لإقامته وأبحاثه، وبدأ العمل على تحقيق الهدف الحلم ألا وهو إعادة ابتعاث العلوم العربية، حيث كتب سنة 1963 المجلد الأول من موسوعة تاريخ التراث العربي الذي وصل عددها إلى اثني عشر مجلدا كلها في علوم العرب التي شملت علم الطب والكيمياء والجغرافيا والآداب، وبعد نجاح هذا العمل الضخم الذي أبرز فيه أن العربية هي لغة العلوم بامتياز وأن العرب كانوا سباقين في العديد من المجالات كالفلك وطب الأسنان والترجمة. سعى إلى تطبيق مشروع تأسيس المعهد الدولي المتخصص في تاريخ العلوم العربية الإسلامية، وقد شارك في هذا المشروع أزيد من 14 دولة عربية وبدعم من أصدقائه والمشجعين من محسنين وغيورين على التراث العربي والعربية.
وفي سنة 1982 سيتم تأسيس هذا المعهد في إطار جامعة فرانكفورت، وقد منح فؤاء سيزكين وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من طرف رئيس ألمانيا وجائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية وعلى ميدالية غوتة من مدينة فرانكفورت.
وقد أوصل إلى كل العالم قيمة ما فعله العرب المسلمون في مختلف العلوم بقوله: « إن المسلمين قد بدؤوا في القرن الأول من دخولهم ساحة التاريخ العالمي بنقل المعارف المتوفرة لدى أبناء الثقافات الأخرى التي كانت في هذه الأثناء قد خضعت لسيطرتهم. وما لبثت أن تبعت الاتصالات الشخصية، التي أجراها رجال العلم، عملية واسعة النطاق لترجمة الكتب من اللغات اليونانية والفارسية إلى اللغة العربية. ومما يستحق الإعجاب في هذا الصدد أن تبني الأفكار والإنجازات الغربية قد تم دون تحفظات دينية. وبعد مرحلة الجمع والاطلاع التي استغرقت نحو 200 عام، وتمكن العلماء العرب خلالها من دراسة المعارف العلمية التي كانت موجودة في العالم آنذاك، بدأت مرحلة الإبداع والتأليف في صفوف العلماء العرب. وفي هذه المرحلة وصلوا في كل حقل من حقول العلم إلى مستوى أعلى، ودفعوا الفروع العلمية نحو مزيد من التخصص، ووضعوا كثيراً من المصطلحات العلمية الجديدة. »
ويقول: « وأخيراً فإن العالم مدين لأولئك الباحثين العرب القدامى باعتماد التجربة كوسيلة للبحث العلمي تطبق بصورة منهجية، غير أن العلماء الأوربيين أخذوا في مطلع العصور الحديثة هذه الإنجازات العظيمة التي حققتها الحضارة العربية والإسلامية ونسبوها -غالباً- إلى أنفسهم. »
لقد جمع مؤلفات المستشرقين الأوربيين المهمين في القرن الماضي ونشر جزء منها من جديد. وهو يبتغي من إعادة نشر أكبر عدد ممكن من المراجع القيمة استكمال هذا الكنز العلمي الموجود في فرانكفورت ووضعه تحت تصرف الأجيال القادمة من العلماء والباحثين. ولم يكن غريبا ولا مفاجئا أن يكتشف البروفيسور فؤاد سزكين أن جل الكتب التي ألفت في القرن الماضي في مختلف العلوم إنما هي كتب لعرب ومسلمين ترجمت فوضع على أغلفتها أسماء كتاب أوربيين.
كما أثبت فؤاد سزكين أن خرائط العالم والخرائط الجزئية الأوربية حتى بداية القرن الثامن عشر الميلادي ترجع إلى أصول عربية. ففي عهد الخليفة المأمون في بداية القرن التاسع الميلادي قام نحو 70 جغرافيًّا برحلة استغرقت عدة سنوات جالوا خلالها في السفن وعلى ظهور الخيول والفيلة مختلف أرجاء إفريقيا وأوربا وآسيا، وأسفرت هذه الرحلة العلمية عن وضع خريطة للعالم تعتبر، بالنسبة إلى ذاك الزمان، ذات دقة عالية تثير الدهشة، يعرضها معهد فرانكفورت بعد أن حولها بطريقة فنية بارعة إلى مجسم على شكل كرة أرضية.
كما يعتبر البروفسور سزكين هو أول من أعاد صنع الآلات العربية القديمة، وكان هو نفسه من عثر على كثير منها في المخطوطات القديمة. غير أن المخطوطات القديمة بها نقص، حيث إنها غالباً ما تصف الآلات فقط دون أن ترسمها. وفي سنة 1983 تم التغلب على هذا العائق وصنعت الآلة الأولى على أساس المخطوطات القديمة، وتبعها بعد ذلك العديد والعديد من الآلات، ولا يقتصر صنع الآلات على العمل داخل ورشة المعهد، بل تصنع للمعهد آلات في القاهرة وإستانبول وسويسرا وإسبانيا.
كان يرى أن مهمته تكمن في أن يبين مساهمة العرب في تاريخ العلوم العام. ويبين ذلك للمسلمين أنفسهم فيعطيهم بذلك ثقة بالنفس، ويبينه كذلك للغربيين فيدركون أن ازدهار العالم الحديث يرجع الفضل فيه، إلى حد كبير، للإنجازات العلمية للبيئة الثقافية العربية الإسلامية.
لقد استمر البروفيسور فؤاد سزكين طيلة نصف قرن من الزمن وهو يبحث في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، يريد بها إيقاظ المسلمين من سباتهم بوصف الدواء الناجع لهم ولمجتمعاتهم الذي يسميه « ترياق الحياة » وهو معرفة مساهمة العلوم العربية والإسلامية في تاريخ العلوم العالمي. ذلك في رأيه أهم ما يمكن أن يعطى لهم لتحريرهم من عقدة النقص وإعطائهم دفعة تحركهم لتقليص الفجوة بينهم وبين الغرب.
فإذا كان البروفيسور سزكين قد حقق هذا الهدف بشكل من الأشكال في صفوف الغربيين، حيث تعرفوا على ما قدمه العرب بلغتهم الأصلية في شتى العلوم، فيبدو أن لا شيء من هذا تحقق في صفوف أذناب هذا الغرب من العرب عموما والمغاربة تحديدا الذين لا زالوا يطبلون ويزمرون بحمده، وينكرون أن العربية هي لغة العلوم بامتياز وتصلح بدون منازع في تدريس مختلف العلوم في مدارس المملكة المغربية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.