Home»International»خطبة الجمعة بنيوزيلاندا: معا للتصدي للكراهية

خطبة الجمعة بنيوزيلاندا: معا للتصدي للكراهية

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
كنت شديد الحرص على تتبع خطبة الجمعة التي سيلقيها إمام مسجد النور بمدينة كرايس تشيرتش النيوزيلاندية السيد جمال فودة، ومنذ أسبوع وأنا أتساءل قائلا: ماذا سيقول السيد جمال يا ترى؟ هل سيقول بأن الإسلام ماض ولو كره الكارهون؟ هل سيقول: لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم فيعلن الحرب على المسيحيين فيزيد الطين بلة؟ هل سيقول: « سننتقم لدماء الشهداء كما قال بذلك بعض المسلمين المتشددين والخطباء المتهورين في بلاد المشرق حيث يسيطر الفكر الوهابي المتطرف صنيعة وزارة الاستعمارات البريطانية.
وجاء يوم الجمعة أخيرا واحتشدت الحشود في وحدة إنسانية باهرة من مسلمين ومسيحيين وعلمانيين وملاحدة وديانات أخرى، في حزن عميق كان باديا على الجميع، وسدلت نساء نيوزيلاندا الخمارات على الرؤوس تعبيرا عن مساندة وعزاء، وتعانق الجميع وفرشت الورود على مساحات طويلة، وألقت السيدة جاسيندا رئيسة وزراء نيوزيلاندا كلمة افتتحت فيها بحديث نبوي شريف هو قوله عليه الصلاة والسلام « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » لتعقب بقولها كلنا جسد واحد.
وجاءت خطبة السيد جمال فودة لتكون بلسما يداوي الجراح ويحمل أسمى معاني الإنسانية والاعتراف بكل ما قدمه الشعب النيوزيلاندي، فكان خطابا إسلاميا متميزا استحضر طبيعة اللحظة والظرف كما استحظر طبيعة الحضور المتنوع من كل بقاع العالم وعلى رأسه حضور النيوزيلانديين بكثافة حيث حجوا من جل المدن المجاورة وقد حضر بعضهم قاطعا مسافة طويلة تقدر بساعة على متن الطائرة.
لقد جعل خطابه خطابا إنسانيا وحدويا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فرفع من شأن الإسلام عاليا فبدأ قائلا: إخوتي وأخواتي في الإسلام..إخوتي وأخواتي في الإنسانية..إخوتي وأخواتي في نيوزيلاندا، في نفس المكان الذي وقعت فيه العملية الإرهابية أنظر وأرى الآن الحب والرحمة في عيون الآلاف من النيوزيلانديين، وكل الإخوة في الإنسانية من كل بقاع العالم، إن العملية الإرهابية أرادت كسرنا ولكن لم ننكسر ولا يمكن تحطيم نيوزيلاندا لأننا نموذج للحب والوحدة وإننا وحدة واحدة، وسنتصدى لكل من يسعى للتفرقة بيننا، ونحن مصرون وملتزمون بأن نحب بعضنا البعض، وأن ندعم بعضنا البعض، فمهما كانت قوة الضربة الشيطانية فأوجه التعاون في نيوزيلاندا كانت تفوق الخيال.
ثم قال مخاطبا الشعب النيوزيلاندي كافة: إن أحباءكم لم يموتوا سدا لأنهم أنعشوا الأرض حبا، وعبرهم صار العالم يرى طهارة الإسلام وطهارة وحدتنا في نيوزيلاندا وأن هؤلاء الشهداء ليسوا شهداء الإسلام فحسب بل شهداء الأمة النيوزيلاندية كذلك. كما أن استشهادهم يعتبرحياة جديدة لنيوزيلاندا لأن هؤلاء الشهداء وحدونا اليوم بالآلاف كي نكون يدا واحدة ضد الكراهية.
ولم ينسى السيد جمال فودة أن يتقدم، في خطبته الأولى، بالشكر الجزيل للشعب النيوزيلاندي على مساعدته وتضامنه ووقوفه ودموعه ووروده وحبه ورحمته. ثم توجه لرئيسة الوزراء السيدة جاسيندا أردرين قائلا « لرئيسة وزرائنا أقول شكرا لك ولقيادتك وزعامتك لقد أعطيت درسا لزعماء العالم، شكرا لك لأنك وقفت بجانبها وشرفتينا بغطاء رأسك وكلماتك ودموعك وتعاطفك وشكرا لك أيضا لأنك أصبحت واحدة منا  » كما شكر الحكومة النيوزيلاندية وقوى الأمن النيوزيلاندي والتدخل السريع قائلا لهم:  » شكرا لكم لأنكم وضعتم حياتنا قبل حياتكم » كما شكر كل الجيران الذين فتحوا أبوابهم لحماية المسلمين من رصاص القاتل ووضعوا سياراتهم رهن إشارتهم، ولكل من قدم لهم الغداء وساعدهم على الوقوف في وقت كانوا عاجزين فيه عن الوقوف. كما ختم شكره إجمالا بشكر نيوزيلاندا كلها لأنها قدمت للعالم درسا في كيف يكون الحب والوحدة والتآزر.
لقد كان خطاب السيد جمال فودة خطابا جسد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لم يشكر الناس لم يشكر الله » كما جسد أخلاق الإسلام في الاعتراف بالجميل ونسبة الفضل لأهل الفضل وعدم بخس الناس أشياءهم.
إن خطاب جمعة اليوم حمل رسائل كثيرة لكل العالم مفادها أن الدول كلها بحكوماتها وشعوبها يجب أن تكون مثل نيوزيلاندا وحدة واحدة شعبا واحدا لا وجود فيها لما يسمى بالأقليات بل الكل مواطن ينتمي لوطن جامع تحكمه قوانين ويحتاج لجميع أبنائه ليسهموا في تنميته وتقدمه، وأن الجميع يجب أن يكون يدا واحدة في وجه الكراهية والعنصرية والإرهاب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *