Home»International»ما دلالة زهد فرنسا في سفراء الفرنكوفونية

ما دلالة زهد فرنسا في سفراء الفرنكوفونية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

ما دلالة زهد فرنسا في سفراء الفرنكوفونية

لا أحد يجادل في أن استقبال فرنسا لطلبة مختلف بلدان العالم وعلى رأسها طلبة البدان الإفريقية، في الماضي القريب مقابل مصاريف للتسجيل مقدور عليها بالنسبة للعديد من أبناء الطبقات المتوسطة من أبناء الأجانب لم يكن لوجه الله، وإنما كان يرمي إلى تحقيق أهداف عديدة، وعلى رأسها الأهداف الثقافية المتمثلة أساسا في جعل هؤلاء الطلبة سفراء يروجون للفرنكوفونية في بلدانهم الأصلية بعد رجوعهم إليها عبر نشر لغتها وثقافتها بكفية مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم المساهمة في استئصال جذور اللغات والثقافات المحلية  التي تحمل في شق منها نوعا من الحذر اتجاه هذا البلد بسبب ممارسات نهب خيرات هذه البلدان وإذلال أبنائها إبان حقبة الاستعمار المباشر فيما مضى من الزمن أو خلال المرحلة الحالية عبر الاستعمار غير المباشر، واستبدالها باللغة والثقافة الفرنسيتين بشكل هجين يسمح لها بمواصلة التدخل، بل بالتحكم في شؤونها واستغلال مواردها البشرية والطبيعية على حد سواء.

وقد يقول قائل إذا كان الأمر كذلك فما مدلول إعلان الوزير الأول الفرنسي يوم 19 نونبر 2018 قرار رفع واجبات التسجيل بشكل مهول بالنسبة للطلبة الأجانب غير المنتمين للاتحاد الأوروبي؟

إن الإجابة على هذا السؤال ذات أبعاد متشعبة وتحتاج إلى دراسة من جوانب متعددة قد لا تتأتى لأناس عاديين من أمثالي، إلا أن ذلك لا يمنع من التطرق إلى الموضوع انطلاقا من الخصوصية المغربية التي ينطبق القرار المشار إليه أعلاه عليها وعلى الطلبة المغاربة، بسبب توفر معطيات لا يحتاج استنباطها من الواقع المعيش إلى كثير عناء. وفيما يلي بعضا من هذه المعطيات على شكل تساؤلات:

  • ما معنى تبني المجلس الأعلى للتعليم تدريس اللغة الفرنسية منذ أقسام التعليم الأولي، مع العلم أنه كان من داخل المجلس نفسه من يعارض إدراجها في هذه السن المبكرة لأسباب تربوية وتعلمية؟
  • ما معنى استصدار مشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي الذي أَدرج مفهوم التناوب اللغوي مع توخي الخلط بين تدريس اللغات الأجنبية والتدريس باللغات الأجنبية؟
  • ما معنى عدم إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية لحيز الوجود على الرغم من مرور أكثر من 15 سنة على القرار الملكي القاضي بإحداثها، وعلى الرغم من الحاجة الملحة لخدماتها؟
  • ما معنى تبني « البكالوريا الدولية » التي لا تعدو أن تكون في الحقيقة أكثر من نسخة فرنسية، لنفس المضامين العربية؟
  • ما معنى تهافت الأسر على تسجيل أبنائهم في المسالك الدولية (الفرنسية)؟
  • ما معنى تعامل مجموعة من الإدارات المغربية مع المغاربة العرب والأمازيغ بوثائق مكتوبة باللغة الفرنسية؟
  • ما معنى أن تعج شوارعنا مدننا وأزقتها بلافتات وإشهارات مكتوبة بلغة فرنسية ركيكة؟
  • ما معنى انتخاب جهة الشرق عضوا في مجلس إدارة الجمعية الدولية للجهات الفرنكوفونية، بصفتها رئيسة منتدى الجهات الإفريقية أثناء مشاركة مسؤول جهوي ونائبه في أشغال الجمع العام للجمعية الدولية للجهات الفرنكوفونية؟ ألا يمكن أن تعقد لقاءات مسؤولي الجهات الإفريقية في إطار إفريقي محض دون اللجوء إلى إطار الفرنكوفونية؟ ومن الذي أفتى بفرنكوفونية هذه الجهة ومدينة وجدة لا تزال عاصمة للثقافة العربية؟ ألا يعتبر هذا خيانة للأمانة التي أنيطت بها عندما انتخبت عاصمة للثقافة العربية؟ ألم يكن من الأحرى إزالة كل المظاهر التي تتعارض مع هذا التشريف عوض الارتماء في أحضان ثقافة كانت ولا تزال من أهم أسباب تخلفنا؟

بعد كل هذه المعطيات التي تعني فيما تعنيه، أنه أصبحت لفرنسا في مستعمراتها السابقة تُخمة في سفرائها الذين يحملون لواء لغتها وثقافتها ويدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة وحيلة ماكرة وأحيانا بغباء، مما يجعل من زهدها في تكوين سفراء جدد أمرا طبيعيا وعاديا بل وبراغماتيا، ومن ثم فإن عهد الانخراط الشبه المجاني في الفرنكوفونية إن على مستوى بلدها الأصلي فرنسا أو على المستوى المحلي  قد انتهى، ذلك أن قيمة التسجيل في الجامعات الفرنسية قد ارتفع  إلى المستوى الذي لا تتحمله إلا الطبقات الميسورة من جهة، والتي لا يمكن لها الاستغناء عن لبن فرنسا مهما كلفها ذلك إن على المستوى المادي أو المعنوي من جهة ثانية؛ أما على المستوى المحلي الذي ارتبطت فيه الفرنكوفونية بمدارس التعليم الخصوصي التي أصبح المغاربة يُدفعون له دفعا بسبب الترويج لنجاحه مقابل فشل التعليم العمومي،  فإن واجبات التسجيل والواجب الشهري أصبح في ارتفاع مستمر بالإضافة إلى ارتفاع ثمن الكتب الفرنسية المشحونة بقيمها وثقافتها والتي أصبحت مجموعة من المؤسسات تفرضها على مرتاديها رغما عنهم ورغما عن التوجيهات والمذكرات الوزارية ورغما عن انعدام أية قيمة مضافة لها ما عدى ما ذُكر من خدمة الفرنكوفونية وأجندتها.

لا يبقى في الأخير إلا أن نوجه نداء ملحا لكل شرائح المجتمع التي لا زالت ترغب في الاحتفاظ بالحد الأدنى من قيمها وثقافتها من أجل الوعي بخطورة الارتماء الأعمى في آفة الفرنكوفونية، دون أن ننتقص من أهمية تعلم اللغات ومن بينها الفرنسية نفسها التي يتعين أن تكون في خدمة الهوية المحلية والانفتاح الإيجابي والعقلاني والراشد على مختلف ثقافات العالم دون تبعية ولا دونية.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.