Home»International»المديح بمناسبة المولد النبوي الشريف بين من ينكرونه ومن يستغلونه

المديح بمناسبة المولد النبوي الشريف بين من ينكرونه ومن يستغلونه

1
Shares
PinterestGoogle+

المديح بمناسبة المولد النبوي الشريف بين من ينكرونه ومن يستغلونه

محمد شركي

من القضايا التي تثار كلما حلت مناسبة المولد النبوي الشريف، قضية المديح النبوي الذي ينكره بعضهم ممن يدعون الاستقامة على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم  ويعتبرونه  بدعة ، في حين يستغله البعض الآخر ويوظفونه لخدمة ما ابتدعوه  من أساليب التعبد  ، ويخرجون به عن قصده  وإطاره .

 وبين إنكار هؤلاء واستغلال هؤلاء  لشعر المديح النبوي ،هناك رأي ثالث لا ينكر المديح النبوي، ولا يقبل باستغلاله وإخراجه عن قصده وإطارهن وهو ما  نريد أن نوضحه للرأي العام  في هذا المقال .

صحيح أن النبي صلى الله عليه قد نفى عنه الله عز وجل الشاعرية ردا على من أنكروا دعوة الإسلام ، وأرادوا التشكيك فيها من خلال وصف النبي الكريم بأنه مجرد شاعر، فقال سبحانه وتعالى : (( وما هو بقول شاعر )) ،ومع ذلك ظل الشعر مصاحبا لدعوة الإسلام حيث وظفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشر دعوته، واعتمده كسلاح واجه به  دعوة الكفر التي كانت تستعمل نفس السلاح ، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر شعراء الدعوة من أمثال حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وغيرهما رضي الله عنهم بمواجه شعراء الكفر والشرك والرد عليهم . ومما روي عنه أنه كان يقول لحسان :  » اهجهم أو هاجيهم وجبريل معك  » وفي رواية  » وروح القدس معك « ، وفي رواية أخرى   » إن روح القدس معك لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله  » .  ويؤيد هذا ما جاء في سورة الشعراء ،وهو قول الله عز وجل : (( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا )).

ولم تقف صلة النبي صلى الله عليه وسلم  بالشعرعند هذا الحد بل أثر عنه أنه كان يستنشده ،ويعلق على بعض أقوال الشعراء بمن فيهم شعراء الجاهلية كأمية بن أبي الصلت أو طرفة بن العبد ، كما أنه واسى الخنساء وهي ترثي أخاه صخرا .

وأكثر من ذلك خلع صلى الله عليه وسلم  بردته على الشاعر كعب بن زهير يوم وفد عليه مسلما معتذرا مادحا عما كان منه وهو مشرك .

ولا يستقيم قول ولا رأي الذين ينكرون المديح النبوي وكأنهم يقفون في كلام الله عز وجل عن الشعراء عند قوله تعالى : (( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون )) ثم يغفلون الاستثناء الذي يليه شأنهم شأن من يقف عند قوله تعالى : (( ويل للمصلين ))، وفي هذا الوقوف عبث لا يليق بكلام الله عز وجل ، ومن تعمده قاصدا السخرية والاستهزاء أثم . فليس مطلق الشعراء غواة وغاوين ،ويقولون ما لا يفعلون كما يذهب إلى ذلك الغلاة المنكرون للشعر عموما  بما فيه المديح النبوي بل قد استثنى منهم الله عز وجل أهل الإيمان والعمل الصالح والذكر والانتصار لدين الله عز وجل . ولا يحق لأحد أن ينكر ما استثناه الله عز وجل في كلامه عن الشعراء في سورة الشعراء ، ومن فعل ذلك متعمدا، فكأنه يتعمد تحريف كلام الله عز وجل كما حرف أهل الكتاب ما أنزل  إليهم من قبل عن طريق إخفاء بعضه وإظهار البعض الآخر.

وإذا كان النبي صلى الله عليه قد استمع إلى كعب بن زهير وهو يمدحه وأقره على ذلك بل  أكثر من ذلك أجازه وكساه بردته ، فلا يحق  لأحد من بعده أن ينكر شعر المديح النبوي، لأنه مما أقره عليه الصلاة والسلام ، ولو كان فيه ما يتنافى مع تعاليم الإسلام لما فعل ذلك، علما بأن السنة النبوية هي كل قول أو فعل أو تقرير .

ولن يكون الذين ينكرون شعر المديح أحرص على السنة النبوية الشريفة من رسول الله صلى الله عليه  وسلم . ومما يتذرع به  بعضهم لإنكار المديح النبوي أن بعض مضامينه يعتبرونها مخالفة لتعاليم الإسلام من قبيل قول الشاعر :

أنت الذي لولاك ما خلق امرؤ =  كلا ولا خلق الورى لولاك

فهذا البيت فيه مبالغة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمبالغة أسلوب من أساليب الشعر لا ينكرها إلا من يجهل أساليب الشعر ولا علم له به  . وقائل هذا البيت إنما أراد أن يعبر عن قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما لا يتناقض مع الكتاب ولا مع السنة ،ذلك أن الله عز وجل وصف نبيه بأنه على خلق عظيم ،وهي مرتبة تجعله خير خلق الله ، كما أنه صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه سيد ولد آدم عليه السلام ، ولا يخرج معنى هذا البيت عن ذلك ،لأنه لو لم يخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان للدنيا من معنى ، ولا جدوى منها ليس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين وشاهدا عليهم ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . فإذا كانت الظلمة لا تنجلي إلا بسراج منير يطردها ، فإنه لا قيمة للبشرية دون هداية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلماذا لا يفهم هذا البيت من الشعر على هذا الوجه ، ويفهم على الوجه الذي يطرب المنكرين له الذين لا علم لهم بالشعر؟ وهو أصح علم كان عند العرب كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان كثير التمثل بالشعر كلما تحدث ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين والعض عليها بالنواجذ ، ولن يكون منكرو المديح النبوي أحرص من الفاروق رضي الله عنه على السنة  ولا أعلم منه بالشعر .

أما الذين يستغلون المديح النبوي لتمرير عقائد ابتدعوها ،وليس لها سند في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم  كما يزعمون ، فلا يختلف أمرهم عن أمر الذين ينكرونه ما داموا يتخذونه وسيلة لشطحاتهم، ويقحمون معه مديح غيره ممن يقدسونهم من شيوخ متعمدين رفع أقدارهم إلى قدره صلى الله عليه وسلم  أو فوقه ،ذلك أن المديح النبوي يجب أن يقتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وألا يتضمن ما يسيء إلى شخصه الكريم مما لم يصفه به الله عز وجل ، ولم يصف به نفسه بذريعة شدة حبه مع استحضار أساليب الشعر والتعامل معها على الوجه الصحيح كما بينا ذلك في المثال السابق . وكل معنى يتضمن الإشارة إلى طريق من الطرق في شعر المديح النبوي التي ابدعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعتبر إساءة إلى قدره ، كما أن  كل معنى يلحق مديح غيره به ،يعتبر سوء أدب معه صلى الله عليه وسلم ، وصدق من قال :

محمد بشر وليس كالبشر = بل هو ياقوتة والناس كالحجر

ولا يصح أن يرفع قدر الحجر إلى قدر الياقوت  أو فوقه ، ولا يفعل ذلك إلا جاهل أو من به سفه .

وأخيرا نود لو أن شعر المديح النبوي يلتفت إليه كلما حلت مناسبة المولد للرد على منكريه  من جهة ، ولكشف النقاب عن مستغليه من جهة أخرى .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *