Home»International»مع البروفيسور ادوارد سعيد،في الاستشراق

مع البروفيسور ادوارد سعيد،في الاستشراق

1
Shares
PinterestGoogle+
 

رمضان مصباح الادريسي

الحلقة الثانية:

توطئة:
ان التهافت الغربي الكبير على كتاب الاستشراق،وترجمتَه الى عشرات اللغات ؛تقابلُه،مع الأسف، محدوديةٌ كبيرةٌ في الاقبال عليه من طرف القارئ العربي العامِّ.لقد ظل ،منذ ترجمته المتأخرة الى اللغة العربية،حَبيسَ الدوائر الأكاديمية ؛وهذا مُستغربٌ جدا ،لأن الشرقَ ،موضوع َالاستشراق،هو شرقُنا نحن؛فكيف لا ينْتَشر بيننا هذا الكتابُ المِفْصَلي ،الانقلابي؛الذي يدفع في اتجاه ِنهضَة معرفية شرقيةٍ اسلامية ، تتحدثُ هي عن نفسها ،بدلَ ترك الآخر ،المُغرض ،يفعل ذلك؟
وأقدم في الآتي الحلقة الثانية من القراءة.

لِنميز الآن بين الاستشراقِ القديم، والاستشراقِ الحديث:

حتى عصرِ النهضة الأوروبية لم يكن الاستشراقُ يعني شيئا آخر غير التخصص في لغات أقاليم الكتاب المقدس؛ومن رُواده: »ايرينْيوس » و « غِيوم بوستيل ».
هذا الأخير كان « يتفاخر بأنه يستطيع أن يَعبُر قارة آسيا ،حتى يصل الى الصين ،دون أن يحتاج الى مترجم » ا.سعيد:ص111
منطلق الاهتمام بلغات الشرق ،وبالتالي ما يُعتبر في الغرب استشراقا رسميا ،يعود الى صدور قرار مجلس كنائس مدينة « فْيِين « الفرنسية:1311م.نص هذا القرار على انشاء كراسي الأستاذية لعددٍ من اللغات الشرقية.
أما من ناحية الحدود الجغرافية ،حيث يظهر الشرق والغرب ككِيانين مُتميزين ،فأمر ضارب في عمق التاريخ:يعود،ثقافيا، الى ملحمة الالياذة . يحضر هنا بقوة ،طبعا، الرحالة والإخباري « هيرودوت »،كما تحضر كل فتوحات الأسكندر الأكبر في الشرق.
مع نهاية القرن الثامن عشر ،بدأ الاستشراقُ الحديث ،مُخلفا وراءه الهاجس الديني الذي انبنى عليه الاستشراق القديم.
اعتبارا لمؤثرات عصر الأنوار سيَنحو الاستشراقُ الحديث صوب العَلمانية؛ بمعنى حضور الدُّنيوي في أعمال المستشرقين ؛مُمَثَّلا في التركيز، ليس فقط على ديانات الشرق ،وبصفة خاصة الاسلام،وإنما على منظومةِ القيم ،العادات والتقاليد،الانتاج الفكري والأساطير.
من حيث توزعُ الاهتمام الأكاديمي بالاستشراق ،تحتل فرنسا مركز الصدارة التاريخية.
ثم تلاحقت باقي الدول: ايطاليا،بريطانيا،ثم ألمانيا.
وكما تَخلَّص الاستشراق الحديث،تدريجيا، من تأثير الكتاب المقدس ؛ سينحو تدريجيا أيضا صوب صناعة الشرق الذي يريد الغرب ؛تمهيدا لتحرك الجيوش الاستعمارية.

 » سِلفِسْتَر دي سَاسِي » ،رائد الاستشراق الحديث:

لا يمكن أن تظل مقاربتُنا للاستشراق عامة فقط؛أي تتحرك أفقيا ،عبر عدد من العناصر والأسماء؛دون التركيز العمودي على شخصية وازنة من شخصياته؛تشتغل مرآة عاكسة تكشف لنا عن تحول جوهري في مفهوم الاستشراق ؛وتكشف ايضا عن الجانب التعليمي ، الذي رسَّم مناهج واضحة وصارمة لكل مُقبل على التخصص .
« سلفستر دي ساسي » هو هذا الرقم الصعب الذي لا يمكن أن نمر عليه مرور الكِرام .
وُلد بفرنسا سنة 1757،ونشأ نشأة دينية كاثوليكية،بدءا من تمدرسة الخاص بدير « بندكتي »؛حيث أقبل على اللغات الشرقية ؛وقد ركز بصفة خاصة على العربية ،اذ ادرك أنها بابه المشرعة على الشرق ولغاته.
لقد شكل دو ساسي ،في فرنسا وقتها،سلطة لغوية عربية: فهو أول معلم للغة العربية بمدرسة اللغات الشرقية(1769).
في 1806 رُشح لمنصب الأستاذية ب »كوليج دو فرانس ».شغل منذ 1805 منصب المستشرق المقيم بوزارة الخارجية؛حيث ترجم العديد من بيانات الجيش الفرنسي.
حينما احتلت فرنسا مدينة الجزائر سنة1830 ؛ أصدرت « الاعلان العام للجزائريين »؛وقد أوكلت ترجمته ،طبعا،الى دوساسي؛كما أصبح مستشارا في الخارجية.
ورغم هذا الحضور السياسي الوازن ،فان ما صنع شهرتَه ،ورسَّخه مرجعا في الاستشراق الحديث ؛ هو أداؤه الأكاديمي الذي تمثل في تجميع كَمٍّ هائلٍ من النصوص الشرقية،وترجمتِها ،وتصنيفِها وتبويبها.
يضاف الى هذا جهدُه المتواصل من أجل ارساء مناهج وطرق ،تعليمية، وتقاليد بحثية أكاديمية .
اضافة الى هذا يعتبر دوساسي أولَ من ربط الاستشراق كعِلم بالسياسات العامة للدول. .
وباختصار شديد: » كان رائدا يدرك ما يفعل ؛وكان.. يكتب ما يكتب مثل كاهن أصبح عَلمانيا ،فأصبح الشرق مذهبه الديني ،وطلابه رعايا كنيسته » ا.سعيد:214

« جاكْ فارْدَنْبُرْغْ » ، يكشف مَدَى عداءِ الغربِ للإسلامِ:

في موضوع الاستشراق يُشكل الاسلام قُطب الرَّحى؛ومن هنا تخصيص هذه الفقرة، لمستشرق بارز ؛قيل في دراسته ،وهي بعنوان: »الاسلام في مرآة الغرب » : « انها تتميز بقيمتها البالغة ،وذكائها الخارق » ا.سعيد
يجتمع في هذه الدراسة ،المتسمة بالموضوعية ،ما تفرق هنا وهناك من حجج دامغة على أن الاستشراق ،وهو يناصب الاسلام عداءً كبيرا ؛أطاح بكل ادعاءات الصرامة المنهجية ،والعلمية.
ركز « فاردنبرغ » على خمسة من جهابذة الاستشراق ،وهم:
« جولد تسيهار » ، « بلاك ما كدونالد » ، « كارل بيكر » ، « سنوك هرجونيي » ؛والمشهور جدا « لويس ما سينيون ».
وتمكن من دحض العديد من أطروحاتهم حول الاسلام ؛حتى وهم يظهرون، أحيانا، بمظهر المُقدر للفكر الاسلامي ونصوصه .
تعتبر دراسة « فاردنبرغ » مرجعا مهما في نقد الاستشراق .
وتبقى أهم نتائجها البارزة ،الكشف عن كونهم كانوا يشتغلون وفق نهج واحد ،ولتحقيق أهداف استشراقية استعمارية ،خططوا لها جميعا ،وتكاملوا في تحقيقها . ص:328
صُوَرُ العربِي في الثقافةِ الشعبية الأمريكية:
وراء الصورة النمطية التي تروج في الذهن الأمريكي ؛حيث يظهر العربي شيخًا ،بجانب مِضخة بترول؛وبملامحَ لا يمكن ابداعُ أفضل منها ،حينما يتعلق الأمر بتصوير المكر والخُبث؛لا يكْمُن – كصانع ومنتج- العقلُ الاستشراقي الأكاديمي ،كما مر معنا ،ونحن نتحدث عن الاستشراق الأوروبي ،القديم والحديث، وإنما مجردُ ظلاله ،وتَمَثلاتُه الأشد سطحية.
 » لقد أصبح الشرق،في أعقاب الحرب العالمية الثانية مُباشرة، قضيةً ادارية،أو مسألة خاصة بالسياسات الأمريكية ؛لا قضية عامة شاملة ،على نحوِ ما كانَهُ الشرق ،بالنسبة لأوروبا ،على امتداد قرون طويلة.وهكذا دخل الساحةَ عالِم الاجتماع والخبيرُ الجديد؛وهما اللذان تكفلا بحمل لواء الاستشراق » ا.سعيد
حتى الاهتمام بلغات الشرق ،لم يعد تخَصُّصا أكاديميا ،يوكل للجامعات والمعاهد؛بل شأنا عسكريا مَوكولا للجيش الأمريكي؛يوظفُه وِفق متطلبات سياسته في الشرق.
يكفي هذا لنخمن حضورَ الصراع العربي الاسرائيلي ؛في تحديد زوايا نظرِ رجل الادارة الأمريكي؛ اضافةً الى حضور الثراء العربي ،الذي لا يثير أكثرَ من الشهية الأمريكية ،وما يستتبع ذلك من مخططات اقتصادية وعسكرية ،لامتصاص هذا الثراء.
نتيجة لهذه السياسة البْراغْماتية ،الضيقة الأفق، أصبح فرسانُ الساحة الاستشراقية،غير فرسانها بالأمس.
لقد أوكِلت الأمورُ كلُّها ،بما فيها المراكز المهمة في مؤسسات صنع القرار السياسي، لمجرد خبراء ،محدودي التخصص؛ في ابتعاد كبير عن مفهوم الاستشراق .
ويتَكرَّس هذا المنحى التقهقري للاستشراق بانحسار كبير للوجود الانجليزي والفرنسي في الشرق.
انتهى

6.ادوارد سعيد.نفسه.ص:

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.