Home»International»قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 6 1بقلم عمر حيمري

قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 6 1بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

ٍٍٍ

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

استسلم يعقوب عليه السلام أمام الأمر للواقع ، وسلم أمره إلى الله  وابتعد عن ابنائه ، وربما يكون قد قاطعهم واعتزلهم إلى حين  ، واختلى بنفسه  إلى حين ، ولكن الحزن الشديد على يوسف عليه السلام  ، قد عاوده وظل يبكيه ويتأسف على فقدانه ، حتى فقد  بصره وبيضت عيناه  من الحزن الشديد ، ومع  كل هذا لم يخرج عن الصواب ولم يقل إلا ما يرضي ربه ، وظل  يسلم أمره إلى الله  ويرضى بقضائه  ، ويشتكي حزنه إليه  سبحانه وتعالى  وهذا هو دأب الأنبياء والرسل والصالحين يتجاوزون كل المحن وأشكال الابتلاء باللجوء إلى الله  . وهذا القرآن الكريم يصف لنا حالة يعقوب عليه السلام  وصفا دقيقا  في الآية الكريمة   :  [ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ] ( يوسف آية 84 ) ومن هذه الآية الكريمة ، يمكن أن نستنتج أن الحزن الشديد يمكن أن يذهب بالبصر ويمكن أن يدمر الصحة الجسدية والنفسية ،  مهما اختلف المكان والزمان والله سبحانه وتعالى ينبهنا  من خلال هذه الآية  إلى آفة الحزن وآثارها على الإنسان إن هو استسلم  لها  ، وعليه  فعلى الإنسان أن  يتجنب الحزن ، مهما كان   ويسلم الأمر لله وأن يعلم ويكون مقتنعا  بأن الحزن لن يقدم ولن  يؤخر من ما هو مكتوب في علم الله وما هو مقدر في علم الغيب وعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ويرضى بقدره   .

إن أبناء يوسف لطبيعتهم الشريرة  ، امتنعوا من الوقوف إلى جانب أبيهم  واتضامن معه ، ورفضوا مواساته  والتخفيف عنه  الحزن قليلا  ، بل زادوا الطين بلة  إذ أمطروه باللوم  وأنذروه بالهلاك ، إن هو لم يكف  ويتوقف عن ذكر يوسف وعن محبته والتعلق به  ، كما أخبرنا  القرآن في الآية الكريمة [  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ] ( يوسف آية 85 ) فكان رد  يعقوب عليه السلام عليهم  مقتضبا  وقصيرا ، لأنه لا فائدة من مجادلة أشرار الخلق ومن في قلبه حسد وحقد  ، وكان  الجواب رغم قصره  بليغا مليئا بالإيمان محملا بالرسائل المشفرة  رافضا لشماتة أبنائه  ومذكرا إياهم بأنه يعلم من الله ما لا علم لهم به وكأنه يقول أنه يعلم حسدهم لأخيهم  ومكرهم به  : [ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ] ( يوسف آية 86 ) . يعقوب عليه السلام يعلم علم اليقين أن الشكوى لغير الله لا تنفع وقد تزيد في الكرب والمشقة النفسية وكذلك على كل مؤمن أن يعتقد أن الشكوى لغير الله كلها ضر دون نفع :  فإذا أنت شكوت  لمن يحبك فإنك تحزنه وتؤلمه بشكواك وسيحز لحزنك  ويتألم لألمك  فتنغص عليه حياته  وهذا نوع من نقل الشر والأذى ونشر الحزن بين محبيك وهذا غير مرغوب فيه  دينيا  وأخلاقيا وحتى اجتماعيا . أما إذا شكوت لعدوك فستجعله يفرح ويسعد  لمصيبتك  ويشمت بك ويتمنى لك المزيد من الشر والشقاء والكرب وتجعله في نفس الوقت يتلذذ  بحزنك  ويتندر بشقائك مع كل أعدائك وكل هذا لا يزيدك إلا غما  . فلما الشكوى إذن لمن لا يملك من أمر الحزن شيئا  سواء كان حبيب او عدو  ؟ والحق والصواب والواجب أن تكون الشكوى لله الذي يملك  أمر الحزن  والفرح والسعادة وأمر كل حاجة لي ولك عنده  . زيادة على أن الشكوى والتذرع لله عبادة قبل كل شيء . شكى يعقوب عليه السلام حزنه لربه وحده ولم يقف عند الشكوى بل بادر بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله  ولم يستسلم لليأس  والتشكي ،  فيترك البحث عن  يوسف وأخيه ، بل  أمر   فورا  بمحاولة البحث من جديد  عن  يوسف عليه السلام وأخيه .  فقال لهم ما جاء في الآية الكريمة  : [ يابني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ] ( يوسف آية  87 )   إن الأخذ بالأسباب  أمر وسنة  إلاهية  اتبعها ونفذها كل الرسل رغم إيمانهم القوي بتأييد الله لهم وحمايته لهم ، فهذا سيدنا موسى عليه السلام خرج هاربا  فارا  متخفيا إلى مدين قوم شعيب خائفا مترقبا  من  فرعون أن يقتله ، [ ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين  ] ( الشعراء آية 21 ) ، ورسولنا عليه السلام أخذ بكل أسباب نجاح هجرته وهو المأمور بالهجرة والمعصوم بالله  من الناس،  إذ رتب نوم  علي  رض الله عنه  في فراشه  ليموه عنه  على قريش ويخدعهم  واختار الراحلة القوية التي سيركبها  واتخذ له صاحبا ورفيقا  وهيأ من يأخذ بالعيون ويراقب العدو ويأتيه بالأخبار  ومن يمحو آثار الأقدام  من خلفه ومن يأتيه بالزاد والطعام والشراب  واتجه صوب جنوب مكة  والطريق الصحيح إلى المدينة  هو في اتجاه الشمال  ليغرر بالمطاردين له والتجأ إلى غار ثور فمكث فيه ثلاثة أيام لأجل تمويه وتضليل المطاردين له والباحثين عنه وزرع اليأس في نفوسهم فيكفوا عن ملاحقته ،  ثم اختارا خبيرا في معرفة الطرق والمسالك غير المعروفة كثيرا والتي تهدي إلى المدينة وتوصل إليها بأمان ، كل هذه الاحتياطات والأسباب ،  التي أخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتحول بينه وبين توكله على الله  توكلا مطلقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر وهما بالغار  » يا أبا بكر ما ظنك باثنين  الله ثالثهما  »  ويؤيد هذا التوجه قوله تعالى [ إلا تنصروه فقد نصره  الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه  لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم  ] ( التوبة آية  40 )   نستنج من كل هذا أن في القوانين الإلهية وفي شريعتنا يعتبر التوكل على الله بدون الأخذ بالأسباب الضرورية  اتكالا وتواكلا  لا يغني شيئا ولا يأتي بخير يرجى  ، وكذلك الأخذ بالأسباب والاتكال عليها دون الاعتماد والتوكل على الله مجرد عبث بالعقيدة وتحييد لقدرة الله الكامنة في الأسباب والمفعلة لها من الداخل  .  فالإيمان الكامل والصحيح  إذن هو الذي يوفق ويجمع بين العمل وبين التوكل على الله ، لأن التوكل على الله هو الآخر  أصل من اصول الإيمان والتوحيد  لا يمكن أن  نغفله لكثرة الآيات التي جاءت تحث عليه منها قوله سبحانه وتعالى [ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ] ( الطلاق آية 3 ) وقوله [ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ] ( آل عمران آية 159 ) وقوله [ وعلى الله فليتوكل المومنون ] ( آل عمران 122 )  والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الطرح وهذا التوجه  بقوله صلى الله عليه والسلم المشهور  » اعقلها وتوكل  » ( رواه ابن حبان والترمذي وحسنه الألباني ) .

هذه مسلمة أكيدة وحقيقة كاملة ثابتة ، بل هي مطلقة  نحتاجها  في كل زمان ومكان .  علينا  أن  نأخذ  بالأسباب  وكأنها لا  وجود لغيرها ، فهي كل شيء  وهي العمود الأساسي المرتكز والمعتمد عليه  ، وفي نفس الوقت علينا أن نتوكل على الله وكأن هذه  الأسباب لا قيمة لها ولا مفعول  ولا وجود لها  وليست بأي شيء  إطلاقا  .  ( يتبع )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *