Home»International»قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 10 بقلم عمر حيمري10

قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 10 بقلم عمر حيمري10

0
Shares
PinterestGoogle+

إن يوسف عليه السلام  ، لم يبادر بتعبير الرؤيا ، بل أجل التعبير ، وبادر بالدعوة إلى الله ، وإلى نشر ثقافة التوحيد  وتصحيح العقيدة  ، وهذا أسلوب  ناجع  في التبشير وفي نشر الدعوة بين الناس ، على الدعاة  اليوم اتباعه  ونهجه ، فيوسف عليه السلام أشرك السجينين  في الحوار حول موضوع الدعوة  ولم يكتف بالإملاء والتنظير  وعرض وجهة نظره ،  التي آمن بها ،  بل  أقحمهما في نقاش الموضوع  ليشعرهما ، أن  أمر  الاستجابة للدعوة يعود إليهما  وهما اللذان سيقرران إن شاءوا  آمنوا وإن شاءوا ظلوا على كفرهم وليس مفروضا عليهما وأنهما قادران ، إن هما استعملا العقل والمنطق وتخليا عن تقليد الآباء والأجداد ، الوصول إلى حقيقة الدين الصحيح ، الذي فطر الله الناس عليها ، وأن لهما الحرية الكاملة في اختيار الدين الذي عرض عليهما بعد إعطائهما فرصة استعمال عقلهما  وشاركهما الحوار  [  يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ] ( يوسف 39 )  ولك أن تتخيل الحوار الذي جرى بين يوسف عليه السلام مع السجينين والنتائج  التي توصلوا إليها . وهذه هي المنهجية السليمة والصحيحة التي يتبعها  الإسلام في كل زمان وهي  أسلوب يعتمد  الدليل والإقناع ويرفض الإكراه  [  لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ]  ( البقرة آية 256 )  .

في سورة يوسف نلاحظ تكرار الرؤيا ، فمرة  رؤية  يوسف [ إني رأيت  أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ]  ( يوسف آية 4 ) ومرة  رؤية  السجينين [ ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تاكل الطير منه نبأنا  بتاويله إنا نراك من المحسنين ] ( يوسف آية 36 ) وثالثة رؤية الملك  [ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان ياكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ  أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ] ( يوسف آية 43 ) . إن الرؤية الصادقة ، أو الصالحة ، هي أيضا من الظواهر الطبيعية  والنفسية ، التي تتكرر عبر العصور ،   يراها العبد الصالح  وكذا العبد  الطالح ، وهي من المبشرات ،  لأنها  تكون من الله بدليل رؤية يوسف ، الذي كان من الصالحين وكان ربه يتعهده لينتخبه نبيا للمستقبل، ورؤية السجينين والملك ، الذين كانوا من قوم لا يرضى دينهم  ولا عقيدتهم ومع ذلك كانت  رؤياهم  هم الآخرون صادقة . إلا أن الفرق بين يوسف والملك والسجينان  ، هو علم التأويل الذي أوتيه يوسف عليه السلام  [ قال لا ياتيكما طعام تروقانه إلا نبأتكما بتاويله قبل أن ياتيكما ذلك مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يومنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون   ] ( يوسف  آية 37 )   وحرم هذا العلم منه  الملك والسجينان ، لأنهم كانوا من قوم لا يؤمنون بالله وبالآخرة  ، فهم كافرون  ، وعلم الله لا يؤتى لكافر ولا لعصاة . إن علم تعبير الرؤى  خاص بالأنبياء  وبأولياء الله الصالحين  ، أما غيرهم ممن يزعمون  ويدعون علم تفسير الأحلام وتعبير الرؤيا ، إن كان يشك في صلاحهم وعقيدتهم ، فما هم  إلا كذابون ومشعوذون ودجالون  ونصابون  ، يأكلون أموال الناس بالباطل  ولا يحلون لهم المشاكل ولا يصدقونهم  خبر ما يأتيهم  وما ينتظرهم في المستقبل ،  بل لا يستطيعون حتى تفهم  القضايا الحاضرة ، التي تشغلهم ، وحل مشاكلهم الخاصة التي يتخبطون فيها يوميا ، على عكس  ، الذي  عنده  علم التأويل فهو يملك من  القدرة  ما يمكنه من  تدبير وإدارة حل مشاكل الناس والمجتمع بصفة عامة  الشيء الكثير  في وقت وجيز ، وله أيضا  المعرفة الكافية لمعالجة الأزمات الحاضرة والطارئة  والمستقبلية ، فهذا يوسف عليه السلام أنجى أهل مصر من القحط ومن المجاعة  ، التي كانت ستصيبهم حتما ،  أو كانت  شبه حتمية عن طريق ما يمكن أن نسميه بالتعبير المعاصر بعلم المستقبليات وكذا  بنهج علم التخطيط  الاقتصادي ، الذي طبقه على الواقع لمدة سبع سنوات ، والذي يمكن أن نسميه  بالتصميم  أو التخطيط السباعي ، مع العلم أن المجتمعات والبشرية بصفة عامة  المعصرة ليوسف عليه السلام ، لم تكن تدري ولا علم  لها مطلقا ، عن ما يعرف اليوم بالمخططات الاقتصادية ، التي تعتمد غالبا في مجال الإصلاحات الاقتصادية . وعلى الإنسانية  أن تنتظر العصر المعاصر لكي  يظهر عندها  ما يسمى بالمخطط الاقتصادي الثلاثي والخماسي ،  أما المخطط الاقتصادي السباعي  ،  الذي بفضله أنقذ يوسف عليه السلام  ، أهل مصر ونجاهم وخلصهم من مجاعة محققة.  فلم تعرفه الإنسانية ،  وإلى يومنا هذا ، إلا مع يوسف عليه السلام . [  قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم ياتي من بعد ذلك سبع شداد ياكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ]  ( يوسف  من آية 47 إلى 49 )

إن يوسف عليه السلام إذ نجى أهل  مصر من كارثة  المجاعة ،  لم ينجيهم بالاستيراد  ، ودون أن يخلق  أو يأتي بموارد جديدة  لأهل مصر ، وإنما اعتمد على عقلية إدارية ، تدبيرية  تؤمن  بالتجديد  والتطوير  لما هو موجود ، ودون أن تفرط في استغلال الموارد الموجودة  والقديمة  الأساسية   ، كما اعتمد  على العدل والتوزيع العادل  للثروات بين الناس  وأصر  في نفس الوقت على محاربة  الفساد الإداري  والاقتصادي ، الذي يتلاعب بخيرات البلاد وينهب مواردها  وثرواتها  لصالح فئة من الظالمين . و يشجع ويدعم  الاقتصاد الريعي ، الذي لا يسمح بالتنافسية  بين المؤسسات  ولا بتمكينها  من القدرة على التنافسية ، بدلا من خلق ثروات جديدة  وتنميتها وتوزيعها توزيعا عادلا بين المواطنين . إن اقتصاد غالب المجتمعات في كل زمان ، لا يعاني من قلة الموارد المادية ، بل من الفساد الإداري والاقتصادي ، وسوء التوزيع  ، فالأرض فيها من الخيرات  الموجودة  والتي ستكتشف ما لا يعلمه إلا الله  وما يكفي ساكنتها  وزيادة  ، ولكن الناس يجهلون  ، ويظلم بعضهم بعضا ، وصدق الله العظيم القائل : [ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقوتها في أربعة أيام سواء للسائلين ] ( فصلت آية 10 )  إن سوء التدبير الاقتصادي وسوء استغلال ثروات الأرض  وسوء التوزيع ، هو أيضا ظاهرة اجتماعية اقتصادية ،  سجلها القرآن الكريم  تتكرر في الزمان  والمكان  ، علمنا القرآن كيفية معالجتها  بواسطة  مخطط  يوسف عليه السلام السباعي ، وطريقة تعامله  مع أزمة أهل مصر الاقتصادية ، التي بها أنجاهم  الله من  آثار القحط  وانتشار المجاعة  المهلكة للإنسان والحيوان  .أعجب الملك ، بتأويل يوسف لرؤياه  فطلب إحضاره ، ولكن يوسف عليه السلام رفض مقابلة الملك  ، ولن يحدث ذلك إلا بشرط أن  يجري هذا الأخير تحقيقا في التهمة ، التي ألصقت به  ، و بعد أن تثبت براءته  ويرد له الاعتبار ، عندها  فقط  يمكن له أن يستقبل الملك ،  وهو كله اعتزاز  بنفسه  ، رافع لرأسه  . ولهذا السبب ،  رد يوسف عليه السلام رسول  الملك محملا إياه رسالة  مشفرة تحمل في طياتها دعوة مضمرة  خفية  تدعو الملك  ، إلى دين  التوحيد الجديد ، الذي يتمحور حول  التوحيد والإقرار  بإله واحد لا شريك له ،  دون أن يدخل مع الملك في حوار مطول حول دينه ودين آبائه إبراهيم  وإسحاق  ويعقوب  ولا حول دين الملك وقومه والأرباب التي يعبدونها  كما فعل مع السجينين  { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق  ويعقوب  ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء } .  بل اكتفى بالرد بجملة واحدة يطلب فيه من الملك التحقيق مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن ومؤكدا في نفس الوقت ، بأن له ربا عليما بكيد النساء وما يخططن في الغيب من ورائهم ، وهو العليم  بالسر وما تخفي الصدور والأنفس ، هو رب يوسف الذي يعبد وعليه يعتمد ويتوكل  [ وقال الملك ائتوني  به  فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيدهن إن ربي بكيدهن علين ] ( يوسف آية 54 ) .

 فهم الملك قصد يوسف عليه السلام ، ولم يكن  له  بد  إلا أن يرضخ لطلب يوسف ويستجيب  لمقترحه  ، فبادر إلى فتح التحقيق : [ قال ما خطبكن  إذا راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ] ( يوسف من آية 51 إلى 53 )  . أقرت زليخة  بما نسب إليها من مراودتها  ليوسف  ، والإقرار كما يقول فقهاء القانون هو سيد الإثبات

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *