Home»International»القوة الناعمة وبعض تجلياتها في المجتمع الدولي والمجتمع المغربي

القوة الناعمة وبعض تجلياتها في المجتمع الدولي والمجتمع المغربي

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

القوة الناعمة وبعض تجلياتها في المجتمع الدولي والمجتمع المغربي

مما لا شك فيه أن الخلاف والصراع من بين أهم ما يميز العلاقات بين البشر أفرادا وجماعات منذ خلق الله الإنسان، بدءا بقتل قابيل أخاه هابيل مرورا بالحروب الصليبية والحربين الأولى والثانية إلى اليوم، مع العلم أن السلاح المستعمل في الصراع تطور مع تطور المجتمعات البشرية، حيث بدأ باستعمال الحجارة والعصي ليمر بالبندقية وما يعادلها وصولا إلى الأسلحة النووية بمختلف أطيافها. وكل هذه الأسلحة يمكن إدراجها ضمن ما يصطلح عليه بالقوة الخشنة أو المادية أو الصلبة، وفي المقابل يلاحظ ظهور نوع آخر من القوة يُسنِد هذه القوة ويُمَهِّد لها الطريق أحيانا ويعفيها من التدخل أحيانا أخرى، وهو ما يصطلح عليه بالقوة الناعمة، فما تعريف القوة الناعمة؟ وما هي آلياتها؟ وما هي تجلياتها إن على المستوى الدولي أو على المستوي المحلي المغربي؟

فيما يتعلق بالتعريف يبدو للوهلة الأولى أن مصطلحي القوة والنعومة يحملان معنيين متنافرين لأن القوة لا تلتقي مع النعومة في شيء، لذلك لا يتعين الانطلاق في تعريف هذا المصطلح المركب من الاعتبارات  التقليدية من خلال البحث في المناجد والقواميس، بقدر ما يتعين البحث عنه من منطلق المكيدة والخديعة  التي يتم التنظير لها في البلدان المتقدمة داخل دوائر مراكز البحث وصنع القرار التي رَجَّحت أهمية العوامل غير المادية في الحساب العام للقوة لمواجهة ارتفاع التكلفة السياسية والبشرية والاقتصادية للعمل العسكري، انطلاقا من فرضيةٍ مفادها أن تحقيق المصلحة الوطنية بوسائل غير عسكرية وغير مباشرة في العلاقات مع الكيانات الأخرى في المحيط الإقليمي والدولي، أَوْلى من تحقيقها بأعمال ذات طابع إكراهي زجري غالبا ما تكون محفوفة بمخاطر ومُطوّقة بحسابات استراتيجية وتكتيكية دقيقة، ذلك أن التدخل العسكري أو التهديد به يمكن أن يكون مُجْدِيا على المدى القصير، لكن تحقيق نوع من النصر البعيد المدى ينبغي أن يمر عبر مجموعة من الأدوات التي تجعل المُستهدَفَ يُلبي المطلوب منه دون أن يَشعر بالبُعد القسري الذي يضع العلاقات تحت تأثير الفعل ورد الفعل، وحسابات الاحتراز والنفور والعداء.

ومع تحول العالم إلى فضاء تواصلي مفتوح، تجد الحرب الذهنية، حرب الصور والتمثلات، نفسها في مركز الرهانات المعاصرة للقوة الشاملة التي تتجه أكثر فأكثر نحو طابع تعددي متكامل العناصر يشمل القوة العسكرية الخشنة والقوة الاقتصادية والقوة الثقافية والقوة الناعمة. إنها حرب غير معلنة لكنها متواصلة ومستعرة بين القوى التي تتسابق نحو الريادة.

وتشمل القوة الناعمة حسب Pierre-Antoine PLaquevent كل العناصر والآليات المستعملة من قبل فاعل سياسي (دولة، منظمة دولية، شركة، شبكة للمجتمع المدني) من أجل التأثير بشكل غير مباشر على فاعل آخر بغرض حَمْله على تبني وجهة نظره، وتحقيق مراميه دون الشعور بالطابع الإجباري لهذه العلاقة، إنها مجموعة قوى نافذة تتسلل إلى البنيات، وتتمركز أساسا في المجال الثقافي من فنون وأنماط حياة وصور ذهنية…ويتعلق الأمر بتعبئة موارد الجذب والإبهار لنزع حوافز المبادرة المناوئة وكبح مساعي التحدي أو المس بالمصلحة الوطنية لدى الحلفاء والخصوم على السواء.

ويعرِّفها Pascal lorot وFrançois thual بأنها « قدرة الفاعل على فرض نفسه كنموذج يُحتذى للتنظيم السياسي الاجتماعي وكحامل لواء قيم كونية، وهي عامل أساسي لكل قوة في الوقت الحالي »

أما الآليات والوسائل المعتمدة فهي تندرج ضمن ثلاثة مجالات وهي المجال الثقافي والمجال السياسي والمجال الإعلامي. ونظرا لعدم اتساع المجال لبسط الآليات المعتمدة في كل مجال على حذا، فسأقوم بجرد بعض منها بشكل إجمالي وهي كالتالي:

  • البعثات التبشيرية التي مهدت للاستعمار الأوروبي لمعظم البلدان الإفريقية.
  • المجال السمعي البصري بجميع أصنافه ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها.
  • المؤتمرات العالمية التي تهم المرأة، والتي نذكر منها المؤتمر الذي انعقد بالمكسيك 1975 تحت شعار المساواة والتنمية والسلم، ثم المؤتمر الثاني الذي انعقد بكوبنهاغن بالدنمارك سنة 1980 وذلك لاستعراض وتقويم التقدم الذي تم في تنفيذ توصيات المؤتمر العالمي الأول، ثم المؤتمر العالمي الثالث المنعقد سنة 1985 بنيروبي، والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد في بكين سنة 1995، والذي يعتبر من المؤتمرات التي تمت الدعوة فيه صراحة إلى العديد من الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية، دون أن نغفل القمة العربية للمرأة بالقاهرة سنة 2000، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد من بينها اللقاء « العلمي » المنعقد أخيرا بالدار البيضاء في موضوع العذرية.
  • الديبلوماسية الثقافية والتي نشطت خلال سنة 2011 بالنسبة لفرنسا وحدها من خلال 121 دائرة للتعاون والعمل الثقافي، 101 معهد ثقافي، 445 رابطة فرنسية، 8000 مثقف وفنان زاروا 150 دولة، 900 كتاب ترجم إلى لغات أجنبية، 250 مليون بيت يشاهد القناة الخامسة الفرنكوفونية، 284200 طالب أجنبي في فرنسا يتم استغلال عدد كبير منهم بشكل مباشر أو غير مباشر لنشر الثقافة الفرنسية والترويج لها وتغلغلها التدريجي في المجتمعات المستهدفة التي يعتبر المجتمع المغربي من أهمها، خاصة وأن مجموعة منهم يستأثرون بمراكز القرار بعد إنهاء دراستهم.
  • الجمعيات والمجموعات المتمردة على القيم والثوابت بحجة حرية التعبير والديموقراطية.
  • الشراكة مع الحكومات والجمعيات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني التي تنخرط عبر أنشطتها الفرنكوفونية في نشر الثقافة الفرنسية بالنسبة للمستعمرات السابقة لفرنسا.

وفيما يتعلق بالنتائج والتجليات على أرض الواقع فهي أكبر من أن تحصى أو تعد، ذلك أنها بادية للعيان على جميع الأصعدة والمستويات، لذا سأكتفي ببعض الأمثلة الصارخة على المستويين الدولي والمحلي المغربي.

فعلى المستوى الدولي تعتبر إسرائيل مثالا بارزا في استغلال هذه القوة على جبهات متعددة أكتفي بذكر البعض منها:

  • الأولى تتعلق بنجاحها في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379  الذي اعتُمد في 10 نوفمبر 1975  والذي يحدد  « أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري » وطالب جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين، وذلك بموجب القرار 46/86 الذي تم استصداره يوم 16 ديسمبر1991، بل وأكثر من هذا استطاعت أن تؤثر على محكمة العدل الأوروبية  التي قضت بتصنيف حركة حماس الفلسطينية ضمن المنظمات والكيانات الإرهابية.
  • الثانية تكمن في إرغام المجتمع الدولي على حصر صفة السامية في اليهود ثم الالتفاف على مصطلح « معاداة السامية » الذي لم يكن في الأصل مصطلحا يهوديا وإنما ظهر في ألمانيا نهاية القرن التاسع عشر لتمييز العرق الآري من العرق السامي اليهودي الذي كان محتقرا ومحاربا في عدد كبير من الدول الأوروبية منها إنجلترا وروسيا وإيطاليا والنمسا …حيث احتكرته الصهيونية العالمية وأصبغت عليه من القدسية ما يجعل منه سيفا مسلطا على رقبة كل من حاول الاعتراض على الممارسات الإسرائيلية والصهيونية ومصالحها، حتى أنها جعلت من أمريكا شرطيا يحرس مصالح الصهاينة من خلال دفع الكونغريس الأمريكي سنة 2004 إلى تمرير قانون يُلزم وزارة الخارجية الأمريكية بمراقبة ورصد ظاهرة معاداة السامية.
  • الثالثة تكمن في التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع جل الدول العربية والإسلامية إن لم تكن كلها في الوقت الذي كان فيه الأمر من قبيل المستحيلات في أواسط القرن العشرين.
  • الرابعة تتمثل في محاربة علماء الإسلام بأخبث الطرق، كما فعلت مع العالم والمفكر الكبير طارق رمضان من خلال العمل على تشويه سمعته في الصحافة، وذلك حتى قبل صدور أي حكم في حقه، لكونه بعد قام بتقزيم أكبر الصهاينة المندسين تحت شعار الحرية والعلمانية من مثل الكاتبة الصحافية كارولين فوريست والفيلسوف ميشال أوفري عن طريق القدرات الحوارية العالية التي أبان عليها في دحض كل التهم الموجهة للإسلام والمسلمين.

أما تجليات هذه القوة على المستوى المحلي والمغربي على الخصوص فلا يمكن حصرها في مقال كهذا، ومع ذلك سأعطي بعض الأمثلة البارزة من مثل:

  • تأثير اللوبي الصهيوني والفرنسي في الدوائر الرسمية عن طريق زرع عناصر رضعت من لبنها في مناصب حساسة، مثل ما وقع ويقع في وزارة التربية الوطنية، التي أصبح وزراؤها يدافعون عن الفرنسية والفرنسة، ويوفرون لها كل عوامل النجاح منذ الابتدائي في مقابل التراجع الصريح عن التعريب، وكما هو الشأن بالنسبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصبح مسؤولوه يدافعون عما يسمى ب »القيم الكونية » وعن كل ما هو شاذ ومخالف للهوية العربية الإسلامية للمغاربة من مثل مساواة الإرث بين الذكر والأنثى.
  • تأثير نفس اللوبي في المجتمع المدني عن طريق استنبات الجمعيات والهيئات والنفخ في النعرات اللغوية التي تسهم في تفريق كلمة المغاربة وتقويض العناصر الموحدة لها كما هو الشأن بالنسبة للغة العربية.
  • التطبيع مع الكيان الصهيوني وضرب العلاقة الروحية التي تربط الشعب المغربي بإخوانهم الفلسطينيين في الصميم، والأدهى هو أن التطبيع دب إلى المواطن المغربي حيث عدد الزوار المغاربة لإسرائيل من صحافيين وفنانين وسواح في تزايد مستمر.
  • انبهار عدد كبير من الذي درسوا بالجامعات الفرنسية، بالثقافة الغربية مما جعلهم يستثقلون مقومات الأمة المغربية الدينية والثقافية عن قصد أو غير قصد، وما تمسك أطر التعليم العالي بالفرنسة في الوقت الذي تم فيه تعريب السلكين الإعدادي والتأهيلي إلا مثالا لهذا الاستثقال.
  • التحول اللاإرادي لعدد كبير من المغاربة ذكورا وإناثا من العبودية القهرية إلى العبودية الطوعية من خلال التقليد الأعمى للغرب في الجوانب الشكلية بالخصوص من مسكن وملبس، وأكل وطريقة الكلام…

وفي الأخير نتساءل إلى أي حد يفهم مسؤولونا ومواطنونا خاصة المحسوبين على الطبقة المثقفة خطورة القوة الناعمة الحالقة لمقوماتنا الدينية والوطنية؟ وما هي الآليات التي يعتمدونها للحيلولة دون اختراق المناعة الداخلية للمجتمع؟ وما هي الاستراتيجية التي يتبنونها لاعتماد قوة ناعمة مضادة للتأثير على شعوب الدول التي تستهدفنا؟ خاصة وأن لدينا من القيم السامية ما يجعل منا مُعلمين للبشرية كما كان أجدادنا، ولكن قبل ذلك لإرجاع الثقة بالنفس لأبنائنا وتحصينهم ضد الأفكار والمكونات الثقافية التي تتدفق علينا من كل حدب وصوب حتى أصبحنا نرى ونسمع كل يوم تبني شرائح مجتمعية مختلفة لِتَوجُّهاتٍ ما كنا نتصور في الماضي القريب أننا سنكتوي بنارها. ولا شك أن في البيتين التاليين من قصيدة الثعبان المقدس لأبي القاسم الشابي عبرة لكل من يريد أن يعتبر:

لَا عَدْلَ إِلَّا إِنْ تَعَـــادَلَتِ الْقِــــــوَى ـــــــــ وَتَصَادَمَ الْإِرْهَابُ بِالْإِرْهَابِ

لَا رَأْيَ لِلْحَقِّ الضَّعِيفِ وَلَا صَـدًى ـــــــــ وَالرَّأْيُ رَأْيُ الْقَاهِرِ الْغَـلَّابِ

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *