Home»International»إعادة ترشح الدكتاتور

إعادة ترشح الدكتاتور

0
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
إن النظام الإسلامي عندما عمل بالبيعة، إنما أراد بذلك أن يكون الشعب راضيا مرضيا، أي أن يكون هو من يحدد ويختار من يحكمه، ومع احترام هذه الإرادة يحصل الانسجام والتوافق الذي تتأسس عليه أي تنمية، وبالتالي يتم التلاحم والتعاون، قيادة وشعبا، من أجل دفع عجلات هذه التنمية نحو تقدم البلاد، لأن الحاكم المغتصب أو الذي يريد أن يحكم بالقوة، فمنطلقه خاطئ وهو مؤشر على الظلم والفساد الذي ينتظر هذه البلاد ومؤشر على العنف والإرهاب الذي يطال العباد.
إن الهمجية الصهيونية والقمع الفاشستي والنهج التتاري الذي يتعامل به الدكتاتور السيسي مع الشعب المصري يعبر بالملموس عن مدى تشبث الحاكم المستبد بالكرسي، حيث يتشبث به إلى درجة أنه يمكن أن يعزف على السمفونية القديمة المشروخة « جوع كلبك يتبعك » أي أن يفقر كل الشعب لينعم هو وحده بخيرات البلاد، وبخيرات الدعم الخليجي (الرز)، والسعي بكل ما أوتي من قوة وسلطة ونفوذ للبقاء في الحكم لأنه السبيل الأوحد للحفاظ على هذه المكتسبات.
ولست أدري من سيحكم هذا الدكتاتور حين يقضي الجوع والعطش على شعبه بأكمله؟ هل يمكن أن نصدق كل الخزي الذي نتج عن طرق التسيير والعبثية، عبثية السيسي طبعا وليست عبثية ألبير كامو وسامويل بيكيت، من إقحام العسكر في التجارة، إلى (الخيار) الاستراتيجي الذي يؤكل، إلى أبشع الخطابات السياسية التي لم ينطق بمثلها هتلر ولا بينوشي ولا حتى بن علي أو مبارك (ستدفع..يعني ستدفع) في تحد سافر للشعب والعمل على تفقيره وتجويعه مع سبق الإصرار والترصد، أو (سترون غدا…) في تهديد مباشر بالقمع والقتل والتصفيات (نقود مثل الأرز) في تحويل كرسي الرئاسة إلى مشروع تجاري مربح من خلال استغلال أغبياء وأثرياء العرب، (كعك العسكر) في تحويل التكنات إلى مخابز صناعة الكعك الاستراتيجي، فضلا عن ثلاجة السيد الرئيس التي ظلت خاوية إلا من الماء طيلة عشر سنوات، إنه الحمق الذي ما بعده حمق، الحمق حين يعمد رئيس دولة إلى الضحك في القنوات من جهله، ويتتأتأ تأتآته الدالة على الفقر المعرفي والفكري واللغوي، ومتى كان الانقلاب والقدوم إلى العرش على ظهر الدبابة وبإحراق الشعب إلا جالبا لكل النكسات والويلات؟
ألهذا الحد يمكن أن يصل جنون الاستبداد والفاشية والتعلق بالكرسي؟ ! هل يعقل أن يقتل جنود سيناء وتهدم منازلها فقط من أجل الشعور بنشوة السلطة والقوة، والتباهي بتقديم خدمات مجانية للعدو الصهيوني؟ ! هل يعقل أن يتم إغلاق معبر رفح في وجه أطفال مرضى وجرحى ومنع مرور الدواء والغطاء فقط إرضاء لكيان لقيط وسفاح دموي؟ !
إن هذا الدكتاتور يجعلنا، رغم أنوفنا، نضطر لشكر « مبارك » لأن الجنون الذي وصل إليه لم يصل إليه مبارك رغم طغيانه، ولهذا يمكننا أن نتحدث عن أنواع متنوعة ومختلفة من الدكتاتوريات. فالدكتاتور هتلر كان يحب شعبه ويجلب له الخيرات ويوسع عليه في داره ولو على حساب الجيران وباقي دول العالم، والدكتاتور بن علي فهم بعد 23 سنة أنه عليه الهروب والفرار بجلده، ورغم فراره ورغم جبروته، فعلى العموم، ترك تونس للتونسيين، ومبارك لم يستطع المقاومة والصبر ولم يستطع مواجهة إرادة الشعب فتنحى، والدكتاتور القذافي عاند فاختار أسلوبا وطريقة جديدة ملعونة لم يسبقه أحد إليها في التاريخ وهي الدخول في حرب مع شعبه..وتهديده بالإبادة حتى لا يبقى منه رجل ولا امرأة. فتجند لحرب برية وجوية ضد الأطفال والنساء والشيوخ لا تميز بين صغير ولا كبير..بين سقيم وسليم..ولا بين شاب وشيخ. فنال جزاء خيانته لشعبه ووطنه.
إن هذا الدكتاتور الإنقلابي حين سأله إعلامه المأجور عن برنامجه ورؤيته للإصلاح، مباشرة بعد الانقلاب، أجاب بأن مشروع إصلاح مصر سيتطلب من عشرة إلى عشرين سنة، وطبعا فالأمر لم يكن مجرد فلتة لسان وإنما الرجل كان يعرف أنه الرئيس المنتخب الدائم الذي لا يجرؤ أحد على منافسته، على الأقل في العشرين سنة المقبلة المضمونة، وكل من نافسه إما تم حبسه وتشويهه كما وقع للفريق سامي عنان الذي اعتقلته القيادة العامة للقوات المسلحة تحت مبرر ترشحه دون إذن منها، أو انسحب تحت الضغط والإكراه كأحمد شفيق، أو تم رميه بالجنون قبل أن يسجن مثل العقيد أحمد قنصوة، أو شنت ضده حملة إعلامية شعواء مثل خالد علي السياسي المصري المخضرم الذي استغل الإعلام الإشارة التي قام بها بأصبعه الوسطى أثناء برنامج ما فيما مضى في حالة غضب ولقبوه على إثرها في كل المنابر الإعلامية المصرية ب « صاحب الأصبع »، ومنهم من يؤتى به كدمية أو كومبارس لتزيين المشهد الانتخابي المسرحي والتمويه بديكور القطيعة مع المرشح الوحيد وهذا الدور قبل به الذليل موسى مصطفى. والخطير في الأمر وربما المضحك كذلك وشر البلية ما يضحك أن يتفق كل الإعلام المصري على يافطة واحدة تقول: « ما جدوى أن يترشح المترشحون في الوقت الذي يوجد فيه مرشح أنسب وأفضل وأليق ليكون رئيس مصر؟ !! ». ولكنه كلام لا يعني موسى مصطفى طبعا لكونه حصان طروادة الذي يزين المشهد ويؤثث البيت الانتخابي المحسوم مسبقا.
إن السيسي يعتقد اعتقادا راسخا بأنه قد قدم خدمات مدهشة للشعب المصري طيلة المرحلة الرئاسية التي قضاها، والشعب المصري يرى أن القبضة العسكرية الحديدية تمنعه من البوح والصراخ من شدة الجوع والعطش والعيش في الظلام. ولتحقيق هذه الصورة عمل السيسي على تجنيد أكثر من عشرين إعلاميا محترفا في الكذب والتضليل والتمثيل ومن ذوي الخبرة العالية في التطبيل والتزمير تمكنهم من العزف على نغمة واحدة هي القول بأن العام زين. كما تمكنهم من التفاعل العجيب مع جميع خطابات الدكتاتور السيسي، ففي خطاب دجنبر 2017 قال « يا خسارة كيف أصبحت كل أمانينا قليلا من السكر وقليلا من الرز… » فمباشرة بعد انتهاء الخطاب وقع إجماع في أكثر من عشرين قناة تعزف نفس السمفونية حيث انطلق الإعلاميون كالكلاب المسعورة تحفظ نفس الكلمات ينهشون بها جسد الشعب المصري، ويسبونه لأن أقصى أمانيه هي قليل من الخبز وقليل من السكر وقليل من الرز. حتى أن أحدهم قال: « أنا لم أسمع قط عن إنسان مصري مات جوعا، وذلك لأن الشعب المصري يملك خزانا حضاريا رائعا ». وذهب أحدهم إلى توظيف الدين لشرعنة الفقر وأن الفقراء هم أول من يدخل الجنة، وكثرة المال كثرة الحساب ومن الأفضل للإنسان أن يكون فقيرا لأنه سيمر على الصراط كالبرق » وأما ثالث فقد توجه إلى الشعب المصري بموعظة مؤثرة تقشعر منها الأبدان وتلين لها الجلود، حيث راح يأمر الشعب بالصيام ويذكره بفوائده. إنهم بحق أقبح نخبة إعلامية صهيونية منافقة في الوطن العربي.
إن حكم الشعوب بالقوة قد نجده قديما إذ كثير من الحكام جاءوا على ظهر دبابة، وعلى إثر انقلابات عسكرية عنيفة فوجد الشعب نفسه مبتلا بحاكم عسكري يحكمه بقوة السلاح، والنظام العسكري ألف منهجا خاصا في تكناته العسكرية حيث أن البند الأول من القانون العسكري يقول إن المسئول على حق، والبند الثاني يقول: إن المسئول دائما على حق..والبند الثالث يقول لا يمكن مناقشة المسئول فهو لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ولهذا فمثل هؤلاء الحكام لا يمكن أن يفتحوا المجال للديمقراطية في بلدانهم كما من الطبيعي جدا أن يزجوا في السجون والمعتقلات كل من سولت له نفسه التلفظ بكلام يخدش كبرياء الحاكم المستبد ويطعن في ديمقراطيته التي فصلت في معامل تفصيل الملابس العسكرية. وبهذا نفسر كيف أن السيسي استطاع بكل سهولة ويسر التضحية  بكل الشعب من أجل البقاء وحكمه عنوة رغم أنف أبيه.
إن ما لم يعرفه مثل السيسي، أو « سيسينياهو » كما يسميه الإعلام المصري الحر، من الانقلابيين هو أن بلدانهم ليست ثكنات عسكرية وأن شعوبهم ليسوا جنودا وعساكر، بل هم مدنيون يريدون حكما مدنيا يحكم بالديمقراطية وأن لهم الحق كل الحق في أن يختاروا من يحكمهم ويرضونه حاكما ورئيسا، ومن حقهم أن يكون لهم هيئات ومجالس تشريع ووزارات وقضاء مستقل، إنهم يرفضون اختزال دولة بكل ما فيها من هيئات ومؤسسات في شخص واحد هو الزعيم الذي لا يشق له غبار وهو الآمر الناهي في كل البلاد يفعل ما يشاء ويقضي بما يريد، إن الشعب يعي أن من انقلب على الشرعية وداس الأصوات بالدبابات لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام ديمقراطيا ولن يسمح بأن ينافسه أي أحد كيفما كان، اللهم إلا إذا قبل أن يلعب دور الدمية الورقية التي تزين المشهد وتوحي بشيء من الطلاسم المضللة على أن انتخاب السيد الرئيس عفوا الدكتاتور كانت ديمقراطيا وشفافا.
فمن اغتال الشعب وأحرق أبناءه لا يمكن أبدا أن يكون يوما ما حاكما شرعيا حتى ولو أعيد انتخابه عفوا تنصيبه لأزيد من مائة مرة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.