Home»International»أثر العمارة وفنها في ثقافة وقيم الأمم والشعوب

أثر العمارة وفنها في ثقافة وقيم الأمم والشعوب

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

أثر العمارة وفنها[1] في ثقافة وقيم الأمم والشعوب

إذا كان تطور الأمم والمجتمعات أمر حتمي، فإن من بين التحديات التي تصاحب هذا التطور، هو كيفية استثماره والتفاعل معه في المنحى الذي يسمح بتجاوز الظواهر السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، دون التخلي عن الثوابت والمقومات الأساسية لثقافة مختلف الأمم والمجتمعات، والتي هي في أصلها بالنسبة للمغرب ثقافة عربية أمازيغية في إطار هوية إسلامية. وإذا كان المعمار من بين العناصر الأساسية التي يشملها التطور والذي يُعتبر مؤشرا مُهِمّا في الكشف عن ثقافات هذه الأمم والمجتمعات، فإنه يُسهم بدوره بقسط مهم في صياغة هذه الثقافة وهذه القيم نفسها في هذا المنحى أو ذاك.

وحتى لا يتشعب الموضوع فإني سأكتفي في هذا المقال بالإشارة إلى التحول الذي طال جزءا من المعمار المغربي، حيث ألجأت الظروف المادية عينة من أفراد المجتمع إلى السكن في شقق ضمن عمارات اعتُمِدت فيها هندسة لا تحترم خصوصيات وهوية العائلة المغربية، مما يسهم بشكل تدريجي في خفوت هذه الخصوصيات وهذه الهوية إن لم تندثر مع مستقبل الأيام ما لم تُتَّخذ الإجراءات المناسبة.

أول وأهم هذه الخصوصيات تتمثل في عدم استساغة عدد كبير من المضطرين لاقتناء سكن اقتصادي اللجوء للاقتراض الربوي، لكونه لا يستقيم مع هويتهم الإسلامية، مما يدفعهم بالضرورة إلى اكتراء الشقق نفسها بثمن يَستهلك جل حوالتهم الشهرية إن كانوا موظفين.

الخصوصية الثانية تتمثل في حرص المسلم على أداء صلاة الجماعة في المسجد، وهو ما لا يتوفر بعدد كبير من المجمعات السكنية الاقتصادية، إلا ما قد يلجأ إليه البعض من استعمال مرائب بعض العمارات إن وُجدت.

الخصوصية الثالثة تتعلق بمكانة الضيف في الثقافة المغربية، بحيث أن الابن يحظى بزيارة أقاربه ومعارفه وخصوصا والديه بمناسبات متعددة، أهمها المناسبات الدينية والاستشفائية، إلا أن هندسة العمارة لا تيسر هذه الزيارة، إذ كيف يمكن لشيخ أن يصعد إلى الطابق الرابع أو الخامس أو أكثر دون توفر مصعد كهربائي، وكيف يمكن للابن أن يحافظ لمضيفيه ولوالديه بالخصوص على حميميتهم في شقة تتكون من صالون مفتوح، وغرفة لا تتجاوز مساحتها 6 متر مربع و…

الخصوصية الرابعة تكمن في كيفية التفريق بين الأبناء والبنات في المضاجع، طبقا لمتطلبات الحياء الذي ينبغي أن يسود بين الإناث والذكور في العائلة المسلمة؟

الخصوصية الخامسة تهم كيفية التعامل مع شعيرة عيد الأضحى، إذ من الصعوبة بمكان إن لم نقل من المستحيل إيجاد مكان لإحضار الأضحية إلى البيت على الأقل يوما قبل العيد، وحتى وإن تم إحضارها فأين تذبح وأين تسلخ وأين وأين…

هذه بعض من الخصوصيات والقيم التي لا تلبيها أو تعرقلها معظم عمارات السكن الاقتصادي، وغيرها كثير، وخاصة بالمدن الكبرى، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف الإكراهات اليومية التي تعج بها هذه المدن، من تنقل وتعليم الأطفال ومصاريف جانبية، فإن المتأمل في هكذا وضع، لا يمكن إلا أن يخرج بخلاصة مفادها أن هذه الخصوصيات والقيم مآلها الموت البطيء قد لا تتعدى جيلا أو جيلين. ومن هذا المنطلق فإني أوجه نداء لكل من يعنيه أمر حل مشكل السكن من سلطات ومقاولين ومهندسين معماريين، العمل على تجاوز التفكير الضيق المتمثل في الربح المادي الآني، إلى أخذ خصوصيات المجتمع المغربي المسلم بعين الاعتبار حتى لا يتم حل المشكل على حساب هويته وخصوصياته المبدئية، وأتقدم بالاقتراحات التالية:

  1. إيجاد حل لتفادي القروض الربوية، والعمل على قطع الطريق أمام جَشَع بعض السماسرة الذين لا يهمهم سوى الربح المادي السريع على حساب القيم النبيلة التي أصبحت تعاني من انقراضها مجموعة من المجتمعات التي صرنا نتبع سُنَنَهُم شبرا بشبر وذراعا بذراع.
  2. ترغيب الناس في الالتزام بصلاة الجماعة من خلال توفير مساجد بالقرب من هذه العمارات، الأمر الذي سيساهم لا محالة في توثيق العلاقات بين سكانها، وإحياء سنة الاهتمام بالجار التي أصبحت شبه غائبة، ذلك أن هموم الشغل والعائلة والأطفال وربما التشبه بالغرب كلها عوامل تدفع في اتجاه التخلي عن هذه السنة وقبلَها التخلي عن الصلاة التي هي عماد الدين.
  3. تجهيز كل العمارات بسلاليم كهربائية تسمح لكبيري السن والمرضى الولوج إلى منازلهم بيسر وتسهل عملية إيصال مختلف الأغراض والمقتنيات إلى البيوت.
  4. اعتماد تصميم للشقق يسمح باستقبال واحترام حميمية الضيوف بدءا بأفراد العائلة وخاصة الوالدين تيسيرا للتزاور وصلة الأرحام.
  5. تجهيز الشقق بما يسمح بإقامة شعيرة العيد على الوجه اللائق أو على الأقل تخصيص مكان بالعمارة لتجميع الأضاحي وآخر للذبح يوم العيد.

أتصور أن القائمين على أمر السكن والسكن المسمى بالاقتصادي قادرين على تجسيد هذه الاقتراحات وغيرها لأنهم أعلم بها مني، إن هم أرادوا إخلاء مسؤولياتهم، وعقدوا العزم على تجاوز أنانية الذات إلى مصلحة المجتمع، وإلا فإذا أُضيفت هذه العراقيل التي لها ارتباط مباشر بطبيعة السكن إلى باقي المشاكل التي أصبح يتخبط فيها عدد متزايد من أفراد المجتمع، فإن هذا النوع من المعمار سيكون من العوامل الرئيسية لدفع الناس إلى التخلي التدريجي عن مجموعة من الخصوصيات والقيم الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، مع العلم أن الغرب « رغم تقدمه وتأخرنا » يحسدنا عليها ويعمل جاهدا على استئصالها منا بأشكال نعلمها وأخرى لا نعلمها.

الحسن جرودي

[1] العِمَارَةُ : مَبنًى كبيرٌ فيه جملة مساكن في طوابق متعددة، وفَنُّ العِمَارَة: فنُّ تشييد المنازل ونحوها وتزيينها وفق قواعد معينة (تعريف معجم المعاني الجامع)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *