Home»International»أنا لا أَجُرُّ الإسلام من ذيله

أنا لا أَجُرُّ الإسلام من ذيله

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
يعتبر الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، أبا روحيا ومرشدا فكريا للعديد من العقلاء في هذه الأمة، وإننا ونحن شباب مغربي لنفخر بكوننا نعتبر أنفسنا بعضا من تلامذة هذا الشيخ، وقد كنا صغارا نجمع الدرهم والدرهمين لاقتناء أشرطته، وكنا حريصين على ألا تفوتنا بعض حلقاته التي كانت تبث على القناة الجزائرية يوم كان يقيم في مدينة قسنطينة، فكتبه كما كانت نورا يضيء العقول وسطورا تمحو كل غبش وتعصب وانغلاق، كانت كذلك صاعقة على الأعداء والجهال في هذه الأمة.
إن الشيخ محمد الغزالي صاحب الكتاب القنبلة « السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث »  له قلب مشهود له تعلقه بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلما ذكر الحبيب فاضت عيناه من الدمع، حتى أن كتابه الشهير « فقه السيرة » قد ألفه في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي في المسجد النبوي، وكان كلما سرد بعضا من سيرة المصطفى انهمرت عيناه دمعا فبللت أوراقه، فكان يكتب ويعيد..يكتب ويعيد..لأن الحبيب قد سكن سويداء قلبه، والحديث عن سيرة المصطفى كان شاقا عليه لعظمة هذا النبي وجلال قدره في قلب ونفس وعقل هذا الرجل.
وقعت للشيخ محمد الغزالي العديد من القصص والأحداث، وتعرض للعديد من المواقف العملية المثيرة، وكان من عادته أن يقتسم كل شيء مع قرائه وتلامذته ومحبيه من أبناء هذه الأمة. ومن هذه القصص والأحداث أسرد قصة حتى يعلم الذين لا يعرفون الرجل ولم يعاصروه كيف كان يفقه الإسلام، ويرفق بالناس، ويصبر عليهم وكيف كان يغيظه الفهم السقيم الذي كان يعشش في عقول العديد من الدعاة إلى الله.
يقول رحمه الله تعالى: دخلتْ مكتبتي فتاة لم يعجبني زيها أول ما رأيتها، غير أني لمحت في عينيها حزنا وحيرة يستدعيان الرفق بها، وجلست تبثني شكواها وهمومها متوقعة عندي الخير!.
واستمعت طويلا، وعرفتُ أنها فتاة عربية تلقت تعليمها في فرنسا لا تكاد تعرف عن الإسلام شيئا، فشرعت أشرح حقائق، وأرد شبهات، وأجيب عن أسئلة، وأفند أكاذيب المبشرين والمستشرقين حتى بلغت مرادي أو كدت. ولم يفتني في أثناء الحديث أن أصف الحضارة الحديثة بأنها تعرض المرأة لحما يغري العيون الجائعة، وأنها لا تعرف ما في جو الأسرة من عفاف وجمال وسكينة.
واستأذنتِ الفتاة طالبة أن آذن لها بالعودة، فأذنت.
ودخل بعدها شاب عليه سمات التدين يقول بشدة: ما جاء بهذه الخبيثة إلى هنا؟!فأجبت: الطبيب يستقبل المرضى لا الأصحاء، ذلك عمله! قال: طبعا نصحتها بالحجاب؟!قلت: الأمر أكبر من ذلك، هناك المهاد الذي لا بد منه، هناك الإيمان بالله واليوم الآخر، والسمع والطاعة لما نزل به الوحي في الكتاب والسنة، والأركان التي لا يوجد الإسلام إلا بها في مجالات العبادات والأخلاق.
فقاطعني قائلا: ذلك كله لا يمنع أمرها بالحجاب.قلت في هدوء: ما يسرني أن تجيء في ملابس راهبة، وفؤادها خالٍ من الله الواحد، وحياتها لا تعرف الركوع والسجود، إنني علمتها الأسس التي تجعلها من تلقاء نفسها تؤثر الاحتشام على التبرج.
فحاول مقاطعتي مرة أخرى، فقلت له بصرامة: أنا لا أحسن جر الإسلام من ذيله كما تفعلون،
إنني أشد القواعد وأبدأ البناء بعدئذ، وأبلغ ما أريد بالحكمة.
وجاءتني الفتاة بعد أسبوعين في ملابس أفضل، كانت تغطي رأسها بخمار خفيف،واستأنفتْ أسئلتها، واستأنفتُ شروحي، ثم قلت لها: لماذا لا تذهبين إلى أقرب مسجد من بيتكم؟
فأجابت الفتاة بأنها تكره رجال الدين، وما تحب سماعهم!.
قلت: لماذا؟.
قالت: قساة القلوب، غلاظ الأكباد! إنهم يعاملوننا بصلف واحتقار!!.
ولا أدري لماذا تذكرت هند امرأة أبي سفيان التي أكلت كبد حمزة رضي الله عنه، ونالت من الإسلام ما نالت،
إنها كانت لا تعرف رسول الله، فلما عرفته واقتربت منه وآمنت به،
قالت له هذه الكلمات:
« يا رسول الله، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب أن يذلوا من أهل خبائك!! وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك ».
إن نبع المودة الدافق من قلب الرسول الكريم بدّل القلوب من حال إلى حال.
فهل يتعلم الدعاة ذلك من نبيهم فيؤلفوا بدلا من أن يفرقوا..
ويبشروا بدلا من أن ينفروا؟
رحم الله الشيخ الإمام محمد الغزالي رحمة من عنده وتقبله في الشهداء والصالحين، وجعل علمه الذي بين أيدينا علما نافعا وصدقة جارية في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.