Home»Enseignement»البخل في الوسط التعليمي : تمثـُّل خاطئ أم تعميم متسرع

البخل في الوسط التعليمي : تمثـُّل خاطئ أم تعميم متسرع

6
Shares
PinterestGoogle+
 

حميد وشاني

———–

« أشياء كثيرة يتعلمها الإنسان في وقت مبكر، ويتصورها يقينًا لا يقبلُ الشك،

لكن الحياة تُعلِّمه أن ذلك اليقين مجرد وهــم. » عبد الرحمن منيف- الأخدود

*****

صدَّقنا ونحن صغارا و توهَّمنا أن مهنة التدريس نبيلة وشريفة حَدّ القداسة. كيف لا ونحن الذين حفظنا عن ظهر قلب أبيات شوقي الجميلة و ردَّدْناها مِرارا.

كبرنا وكبر الوهم معنا إلى أن شاءت الأقدار أن نمارس هذه المهنة جبرا لا اختيارا. هروبا من شبح البطالة وانسداد آفــاق الشغل في سياق اقتصادي تميز بتنفيذ سياسة التقويم الهيكلي.

وبعد سنين من الممارسة وقفنا بأم عيوننا على سراب القداسة وواقع التعاسة. أفقنا على واقع بئيــــس ،لا مجال فيه للتنفيــس وفيه ما يكفي من التبخيـــس. وهكذا لا زلنا نجتر مرارة التّحقيــر من الانسان العادي حتى الوزيــر.

فهل ما زال مِنّا من يعتقد نفسه في مرتبة الرسل أو يكاد ؟

******

بعيدا عن إكراهات الممارسة المهنية سأحاول أن أتناول، وباختصار شديد، تَمثُّلا سائدا حول رجل التعليم، خصوصا أستاذ التعليم الابتدائي لأنه – وهذا مُجَرَّد تَقدير – الأكثر تعرضا للنقد والتنكيت. والمقصود هنا بالتّمثُل بكل بساطة تلك التصورات الذهنية القبلية التي يُكوِّنها الفرد أو الجماعة حول موضوع ما. « وهي شكل من أشكال المعرفة، يتم وضعه واقتسامه اجتماعيا » حسب ما يقوله جويلي Jouelet.والعهدة على الانترنيت.

ويُعتبر البخل من بين التمثلات الأكثر شيوعا حول رجل التعليم. وهي صفة كما تعلمون قدحية وذميمة هدفها التقليل من قيمة المعلم ومكانته الاعتبارية داخل المجتمع.

لكن لابد من الإشارة، قبل سرد بعض النكت المُتداولة، إلى أن ما هو شائع ليس صحيحا بالضرورة أو بالفعل. ونورد هنا عيِّنة منهاعلى سبيل المثال لا التشهير:

– رجال التعليم يتقاسمون براد الشاي في المقهى..

– يقضون أيام الأسبوع بالعدس والصيام وزيارة الأهل….

– يقول بائع السمك لزبون يحاول أن يساومه: أدّي باش ءدّا المعلم. (يقصد الحد الأدنى.)

– يتحدثون عن السلالم والدرجات حتى ظنهم النادل أنهم صباغون…

لست في حاجة للتأكيد على أن هذه النكت المهيـنَة، وغيرها أقل أو أكثر سخافة، تصدر أحيانا عن أشخاص بعضهم يُضمرون في قلوبهم حقدا وغِلّا لرجل التعليم. هي تفريغ نفسي في بعض الحالات. وهذا ليس غريبا في مجتمع مُختل يحتقر المعرفة ولا يقيم لها وزنا أو اعتبارا بل يقدس الجهل و يُغذّيه. قلت « بعض » وليس الكل لأن من التعميم ما ظلم. فهناك رجال ونساء يقدرون رجل التعليم حق قدره ويُكِنون له المودة والاحترام ويدافعون عنه أكثر مما يدافع عن نفسه.

أظن أن التنكيت الذي يتوسل الإضحاك المجاني عند الأغلبية ليس هدفه المُزاح والهزل بل التهكم وإلحاق الإهانة. أكيد أن المجتمعات المتحضرة لا تُهين معلميها. بحثت في غوغل فلم أجد ما يثبت العكس.

منطقيا ،كما يبدو لي، لا يمكن حصر البخل في أوساط رجال التعليم فقط. فهو ليس لصيقا أو مرتبطا بمهنة أو حرفة بعينها. فالبخل لا لون مِهنيّ ولا موطن ولا دين له. ورغم ذلك فلا أنزه تنزيها مطلقا رجال التعليم كلهم. فقط ما أريد توضيحه هو أن الصورة التي نحاول أن نلصقها برجل التعليم والترويج لها بسوء نية مع سبق الاستخفاف والتهكم أصبحت تعوض تلك الصورة المشرقة. فمن المستفيد يا ترى من محاولة ترسيخها في المخيال الشعبي؟

وللأسف هذه الصورة السلبية أصبحت تُعوِّض تلك الصورة التي كانت تبدو لنا زاهية رائعة عندما كنا أطفالا. فأين نحن الآن من تلك المواعظ في القيام للمعلم احتراما وتبجيلا لرسالته.

شخصيا عاشرت وتعرفت على عدد لا بأس به من رجال التعليم خلال مسيرتي التعليمية كثير منهم رجال أسخياء أجاويد كرماء ورغم أوضاعهم الاجتماعية يتعففون. والعكس صحيح نسبيا إلى حد ما. وحتى زين ما خطاتو لولا.

هناك ربما من لا يُميز بين الحرص والبخل وهو معذور في هذه الحالة. وفي الجانب الآخر هناك من يبني حُجته على عينة صغيرة أو محدودة وهذا يُعَد من المغالطات المنطقية التي تندرج ضمن التعميم المتسرع. وهو الأمر نفسه مثلا عندما يتعامل أحدنا مع شخص سيء قبيح أو انتهازي من مدينة أو قبيلة أو حزب ما ثم يعمم حكمه على أبناء هذه المدينة أو القبيلة أو الحزب بأنهم قبيحون سيؤون انتهازيون وهلم قدحا. وبهذه الطريقة نطلق الأحكام جزافا ونُشيّدها على أساس غير سليم وغير متين.

يراودني سؤال مفاده :هل هناك كوامن خفية أو من وراء الستار تُحرك وتُغدي بعض الصور السلبية حول رجل التعليم وتُسوِّق لها؟ وهل هي دعاية عفوية أو ممنهجة؟

وقبل الختام لا بد أن اقف احتراما لكل رجال التعليم الشرفاء -نبراس الأجيال -الذين قادوا الحركات الاجتماعية.تلك الشموع التي تحترق من أجل أن تنير لنا الطريق.

حميد وشاني 21/12/2018

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.