Home»Enseignement»محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي

محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي

6
Shares
PinterestGoogle+

الحمد لله وحده

محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي

( بقعة ضوء فوق دائرة اشتغال المفتش التربوي )

إعداد: عبد العزيز قريش

مفتش تربوي سابق

قلت بعد تألم شديد عميق في الذات والكينونة والهوية:  » إن أردت أن يحقق الكتاب المدرسي الأهداف فابنيه بالعلم والبصيرة والدراية والاحترافية والإبداع  لا  بالهواية والنقل والاستنساخ  والنسج على المنوال  » عبد العزيز قريش

معالم من عنوان الورقة:

                لسوء التوافق عامة وسوء التوافق الدراسي خاصة عدة أسباب ومسببات في المجال المدرسي، منها ما هو جلي واضح أبانته البحوث والدراسات، ومنها الخفي والملتبس والمشكل على الدراسة والبحث والتحليل. ومن تلك الأسباب الخفية ما في الكتب المدرسية من مواطن سوء التوافق غير الصريح والمعلن عن نفسه، الخفي المدسوس في المتن التعليمي، وفي المنهجية، وفي المعينات البيداغوجية، وفي المجال المدرسي والدرسي وشروطه ومتطلباته. ما يحول بين تكيف المتعلم مع التعلم ويفضي به إلى فقدان الحافزية وحضور الصعوبة في تناول فعل التعلم على المستوى الإبستيمي والمنهجي والتطبيقي والأدائي. وهو ما يخلق لدى المتعلم فقدان الثقة في نفسه وفي المؤسسة التعليمية؛ فيكون سوء توافق نفسي قبل أن يكون سوء توافق دراسي. وما يؤدي إلى عائد سلبي على نفسية المتعلم ومساره الدراسي والإنساني في نفس الوقت. وبما أن سوء التوافق الدراسي الخفي أصعب في الإمساك والتناول والتصدي كان لابد من طرحه على الدرس والمقاربة لإجلائه ورفعه إلى الصريح من أجل مواجهته ومقارعته علميا وإجرائيا، والإخبار به لغاية التحسيس بخطورته بين أطر هيئة التدريس وهيئة الإدارة التربوية والتفتيش التربوي لمراعاته في أدائهم المهني وأخذه بالاعتبار لانتفاء آثاره السلبية.

                والكتاب المدرسي عامة وذلك الخاص بالابتدائي خاصة من أخطر مواطن سوء التوافق الدراسي على المتعلم الذي يوجد في منطقة تكوينية عضوية تطورية، ووظيفية حرجة وصعبة لمعطى عدم اكتمال تشكل المتعلم الإنسان المستقل القادر. الذي يوظف جميع قدراته ومهاراته المتنوعة في مقاربة موضوعاته وحدثيته اليومية المعيشة بشكل موضوعي وعقلاني ونقدي. فالمتعلم في هذه المرحلة من طفولته معرض لكثير من الصعوبات والتحديات ما لم يجد المساعد المتفهم لطبيعته الطفولية، المساهم معه في تجاوزها والاستفادة منها في تشكيل قيمة التحدي لديه فضلا عن المعرفة بها. حيث يعد الطفل سجلا للوقائع وللمشاعر والتجارب والخبرات، فــ ( هناك جانب مشرق في الطفل حيث يوجد مخزون ضخم من المعلومات الإيجابية، ففي الطفل يكمن الإبداع وحب الاستطلاع والرغبة في الاستكشاف والمعرفة، وحوافز اللمس والإحساس والتجريب، وتسجيلات المشاعر الأصيلة العظيمة للاكتشافات الأولى. وتسجل في الطفل أعظم التجارب العجيبة التي لا تحصى، وأحداث الحياة التي تحدث للمرة الأولى في حياة الشخص الصغير مثل الشرب لأول مرة من خرطوم الحديقة )[1]. والكتاب المدرسي الحالي في السلك الابتدائي في ظل عدم تأليفه من قبل مختصين متخصصين وضمن إطار نظرية المنهاج، ويحتوي من بين مؤلفيه الكثير من هواة الكتابة والتأليف وطالبي الرزق والمعاش. ومن بين المصادقين عليه نجد كثر ممن لا يفقه نظرية المنهاج ولا أسس ومتطلبات وشروط ومواصفات التأليف المدرسي؛ مما أنتج بعض الكتب المدرسية معوقة ومشوهة فيها الكثير من الأخطاء المعرفية والعلمية والديداكتيكية، ومنها ما تجاوز الدهر متنه وخطابه وأطروحاته الفكرية، ومنها ما يؤسس للعقد النفسية عند المتعلم لما يطرحه من صور نمطية حول موضوعات معينة … وبذلك كانت تلك الكتب المدرسية محاضن لسوء التوافق الدراسي. ولعل ما قدمته من مواطن اختلالها في دراسات تشريحية عدة لبعض الكتب المدرسية دليل على ذلك[2]. وآخر ما قيل فيها: ( إن ضغط المواد وكثرتها، يوازيه ضغط الكتب المدرسية التي تستنزف جيوب آباء وأولياء التلاميذ وترهق أكتاف الأطفال؛ لكنها أصبحت اليوم تجارة وصناعة مربحة للمطابع، ويعاب على الكتاب المدرسي تضخمه وتقليدية إخراجه، وهو بعيد كل البعد عن النظريات الحديثة في التدريسيات، والاشتغال عليه من طرف المتعلم هو اشتغال ميكانيكي لا يرقى إلى إذكاء العقل والدفع إلى الابتكار والفهم؛ كما أن بعض الكتب المدرسية تكتنفها أخطاء وغموض في طرح المفاهيم العلمية )[3]. وبما أنها ـ أي الكتب المدرسية ـ لا تعتبر فقط أداة تدريس بل تتعدى ذلك السقف إلى تشكيل إنسان الغد بكل أبعاده النفسية والثقافية والاجتماعية والعلمية والكفاياتية … تتضاعف خطورة دورها في سوء التوافق الدراسي. ومنه؛ كانت مساحة للبحث في هذه الورقة التي تقع تحت ظلال النقد التربوي من جهة أولى، ومن جهة ثانية تقع تحت ظلال الوعي المهني.

                يشكل اشتغال المفتش التربوي على محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتب المدرسية بقعة ضوء تنير دهاليز ظلام واقعة في صورة المفتش التربوي لدى شريحة عريضة من المجتمع المدرسي والمجتمع العام، ترسبت بفعل ثقافة شعبوية مارستها عقول عامية تعيش على هامش الوجود الإنساني. حيث تدعي في ثقافتها أن المفتش التربوي ـ وكل مفتش تربوي  أي كان ـ لا يقوم بأي عمل أو مهام في حياته المهنية؛ فهو عاطل. هو جالس في المقاهي يعاقر كؤوس الشاي والقهوة والنميمة في الناس إن لم يلصقوا به تهما أفظع وأفضح من ذلك خسة ورذالة! أو يعممون اشتغاله في الأعمال الحرة أو مقاولة البناء مثلا؛ وكأني بهذا المفتش التربوي خارج المسؤولية وخارج المراقبة، وكأني برؤسائه غائبين عنه ومتواطئين معه! لذلك جعلت هذا الاشتغال بقعة ضوء تنير منطقة من مناطق اشتغاله التي لا يعلمها الفكر العامي الأمي. نعم هناك ظواهر مرضية في جهاز التفتيش التربوي كباقي الظواهر المرضية في جميع الأجهزة والقطاعات التي لا يمكن القياس عليها لقلتها وشذوذها عن القاعدة الكبيرة، والتي تمارس أنشطة اقتصادية موازية متناسية وظيفتها الرئيسة في تطوير القطاعات التي تشتغل فيها! وبالمناسبة أدعو الجهات الرسمية التصدي لهذه الظاهرة المرضية وفق القوانين الجاري بها العمل, ومن أراد ممارسة الأعمال الحرة الاقتصادية فعليه مغادرة القطاع العمومي لأن عمله الموازي ينعكس سلبا على عمله الرئيسي. تلك القاعدة الكبيرة التي تفيد أن المسؤولية يحملها الكثير من أطيب خلق الله في كل القطاعات العمومية وكذلك القطاعات الخاصة. وعليه جاءت هذه المقاربة للتعريف بأحد مجالات اشتغال جهاز التفتيش وموقعه المتقدم في تطوير وتجديد المنظومة التربوية والتكوينية.

                فسوء التوافق الدراسي أصبح بالبحث العلمي سمة من سمات الحياة المدرسية نتيجة عدة عوامل ومعطيات تتساوق مع عوامل ومعطيات المجتمع الإنساني وتحولاته الحضارية التي تضغط على الإنسان منذ ولادته؛ حيث تشهد الطفولة أكثر من غيرها سوء التوافق لقلة تجربتها وخبرتها ومعرفتها وكفاياتها وكفاءتها فضلا عن عدم تمكن كثير من الآباء والأمهات وهيئة التدريس من المعرفة بالطفولة ومطالبها ومتطلباتها وحاجاتها وبالأسس النظرية للطفولة وكيفية التعامل معها وتحقيقها، ولا يعلمون عن التنشئة الاجتماعية وأساليبها ومضامينها الصريحة والضمنية وقيمها وكيفية اشتغالها إلا القليل. ذلك أنهم كثيرا ما لا يبالون بشكوى الأطفال والمتعلمين من ظروفهم القاسية وأعراضهم المرضية وواقعهم المعيش الهش. مما يصعب مواجهة المواقف والمشاكل والضغوطات على الأطفال والمتعلمين؛ وهو ما يقودهم إلى سوء التوافق الدراسي ومنه إلى الرسوب والتسرب وأحيانا يؤدي إلى العنف، وما يتبع ذلك من مشاكل تتطلب جهودا كبيرة ومضنية لمقاربتها وحلها. والمفتش التربوي بحكم اشتغاله وموقعه يمكنه أن يتدخل بمعرفته الصلبة في مقاربة مشاكل الطفولة والتدريس من نواح عدة، ما يعطيه مجالا واسعا للتحرك وخلق البيئة المناسبة للتوافق الدراسي للمتعلم ومنحه الأمل في المستقبل، بل فتح التطور والتقدم أمامه نحو هذا المستقبل بخطوات ثابتة وبثقة نفس عالية. وعليه؛ يجب أن يكون المفتش التربوي على قدر التحدي والمسؤولية حتى يدخل تحت بقعة الضوء هاته. ويخرج من تلك الصورة أو السحنة التي رسمها له مفكرنا الكبير محمد عابد الجابري رحمه الله في مرحلة تاريخية مازالت تنسحب عليه إلى اليوم بحكم توارث ثقافة سكونية وجامدة تغرق في الماضي معطى وأداء! وينتقل إلى ما رسمه له أستاذنا الجليل محمد إمام الفكيكي رحمه الله انطلاقا من كونه باحثا بقوله: ( بصفته باحثا، بخصوص تنبهه إلى ضرورة استثمار  » الأنا الإبستيمية  » في استقرائه للواقع التربوي وفي هذا تطوير لعلاقة المشرف بمهنته إذ يصبح ناظرا إليها ليس كتدشين لقطيعة مع ماضيه كمدرس بل كاستمرار جدلي لهذا الماضي مما يضفي على شخصية المشرف مواصفات التواضع العلمي والمهني بالتالي، ويجعله على ارتباط مستمر وعملي بعملية التدريس التي هي المحك الحقيقي لنجاحه كممارس تربوي. ولا يعزب عن البال أن المشرف التربوي حينما يستطيع تمثل الخدمات المذكورة ويتحلى من ثمة بعقلية الباحث العلمي التربوي، فإنه يكتسب نظرة جديدة إلى شؤون التربية قوامها الاقتناع والإقناع بحريتها وديناميتها وبعدم الحديث بصددها سوى عن حقائق نسبية … ويجب أن نؤكد هنا، وبموجب الصفة القيادية التربوية الموكولة إلى المشرف التربوي، بأن هذه العقلية الجديدة سوف تنعكس بالضرورة على العملية التربوية داخل القسم سواء تعلق الأمر بالمعلم أو بالتلاميذ: فالمعلم الذي يتعامل مع المشرف المتسم بالعقلية المذكورة يقتنع بجدوى البحث المستمر وبأحقيته التربوية في التصرف في الكتاب المدرسي الذي أصبح عاملا من عوامل الحد من إبداع المعلم والتلاميذ، ليبقى المرجع الأساس هو الواقع الحي ويأتي الكتاب المدرسي، الذي لا ننكر هنا جدواه، مرتبطا بهذا الواقع ومثريا إياه )[4].

للتوافق مساحة في العملية التعليمية التعلمية:

                مساحة التوافق في الفعل التعلمي كبيرة جدا لاعتماد المتعلم عليها في توازنه النفسي، وفي تعلمه، وفي بناء كفاياته المتنوعة، وفي اجتماعيته داخل مجتمعه المدرسي والأسري والعام. وهنا يحضر التوافق بوجهي عملته النتيجة والسبب؛ لكونه نتيجة سيكولوجية ووظيفية مطلوبة في المتعلم للتعاطي مع الفعل التعلمي بناء على امتلاك المتعلم أسس ومتطلبات ومطالب التوافق وآلياته من خلال تقدير الذات إيجابيا والاعتماد عليها في تحقيق المطالب وأداء المهام، والشعور بالحرية والاستقلالية، والشعور بالانتماء إلى المجتمع بكل فخر واعتزاز، والابتعاد عن الاضطرابات النفسية والاجتماعية أو الخلو منها بما فيها الانعزال وتحقير الذات … ولكونه سببا في توازن شخصية المتعلم وتحفيزها على التعلم بما تكسبه من الثقة في الذات التي تساهم بقسط وافر في تلبية رغبات ومطامح وأوطار المتعلم فضلا عن تلبية حاجاته المختلفة التي تحقق ذاته واستقلاليتها وحريتها بمعنى أن التوافق هو من يساهم في تحقيق الذات النفسية والذات الاجتماعية للمتعلم. ومن ثمة؛ فالتوافق هو المدخل الحقيقي للمتعلم للاستمرار في التعلم والتطور والتحدي وفي تدريب عقله على الإبداع؛ بل هو الذي يسمح له أن يكون متوافقا مع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه المحلي والعام والمجتمع الإنساني بصفة عامة. فــ ( التوافق ضرورة يفرضها كون الفرد بمواجهة بيئة وبإزاء مجتمع، فالبيئة تحوي كل مواد إشباع حاجات الإنسان من الطعام، والشراب، والملبس، والمأوى، والعمل، أو المهنة، وتكوين الأسرة، وإقامة العلاقات الاجتماعية، وإنجاب الأبناء، والشعور بالأمن، وما إلى ذلك. والمجتمع ينظم استخدام مواد تلك البيئة، فله قواعده، وعاداته، وأعرافه، ومبادئه، وقوانينه؛ التي لابد من الامتثال لها، والخضوع لما تفرضه من توافق اجتماعي. لذا ينبغي للفرد أن يتخذ وسائل توافقية، يستطيع من خلالها أن يشبع حاجاته، ليحقق التوازن النفسي المنشود لشخصيته، فلا يحس بالتوتر، ويستطيع أن يتغلب على الصعوبات التي تعترض حياته، بما لا يتعارض مع مبادئ، وأعراف، وتقاليد المجتمع الذي يعيش في )[5]. والتوافق مطلب الحياة من حيث ( الحياة البشرية هي جملة من عمليات التوافق المستمرة والدائمة بين دوافع الإنسان القائمة على الحاجات الأولية وبين حاجاته التي تكتسب خلال عمليات التطبيع الاجتماعي عن طريق عمليات التعليم. فإذا لم تشبع حجات الإنسان يشعر بالتوتر وعدم الراحة، لذلك يسعى إلى التغلب على عقبات البيئة أو صعوبات مواقفها. فالسلوك التوافقي في الإنسان إذن هو السلوك الموجه للتغلب على عقبات البيئة، وإن كل لحظة في حياة الإنسان تمر به تضعه في مواجهة موقف أو بإزاء مشكلة وهذا يجعلنا ندرك أن الحياة كلها توافقات موقفية )[6].

والتوافق لا يعني بهذه المساحة الكبيرة والمتميزة التي يحتلها في التعلم أنه مسلك سالك دون وجود تحديات أمامه؛ وأن أيا من كان من الإنسان عامة والمتعلم خاصة متوافق طبيعة ونتيجة ضمن إطار التربية التي يتلقاها. وأنه يمتلك الذات النفسية والذات الاجتماعية المتوافقة؛ بل العكس هو الصحيح حيث تعترض عدة معوقات وتحديات وإكراهات التوافق في المجال الأسري والدراسي والاجتماعي تبعا لنوع التربية السائدة في الأسرة والمجتمع والمدرسة ومعطيات هذه المؤسسات القيمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ونوعية العلاقات السائدة بين مكوناتها ودرجة المتعلم فيها وتعامله معها، مما ينتج فروقا سلبية وإيجابية على التوافق. مما يخلق ويولد المعوقات والإكراهات والتحديات أمام التوافق، وأخطرها تلك الداخلية؛ بمعنى تلك المتعلقة بذات المتعلم نفسيا واجتماعيا التي تحول دون إيجابيته مع نفسه أولا ومع غيره فردا أو جماعة كان أو بيئة كانت. ذلك ( إن التعامل مع البيئة ليس سهلا بل هو الكد والتعب والعمل للتغلب على العقبات وتخطي الصعوبات. والإنسان فيها لا يملك بساط الريح يقضي به حاجاته أو يصل لأهدافه في طرفة عين وبدون عناء. بل قدراته محدودة وفي صراع مع غيرها. وهكذا نرى أن التوافق يبنى على أساسين: الفرد والبيئة. ولكي يحقق الفرد التوافق عليه أن يتغلب على العقبات أو العوائق الراجعة إلى قدراته أو إلى تغيرات ظروف الحياة وموقف الفرد منها )[7].

وللتوافق كذلك مساحة بنفس الدرجة والأهمية في الفعل التعليمي لاعتماد هيئة التدريس عليه في الوساطة التعليمية وتيسير الفعل التعليمي تجاه المتعلم. ما يستوجب على هيئة التدريس المعرفة العلمية لمبحث التوافق والإمساك بكل تفاصيله ومعطياته حقلا إبستيميا أولا ثم حقلا تطبيقيا لهذه المعرفة ثانيا، وأن عدم التبصر والإلمام بالتوافق يؤدي إلى أخطاء فادحة في حق المتعلم وفي حق العملية التعليمية التعلمية، وعلى نتائج الأداء. حيث يمكن أن نتوجه إلى جهة ما بدعوى سببها في انعدام توافق المتعلم والحقيقة أن جهة أخرى هي السبب الحقيقي في هذا. ومن أجل الوقوف على مواطن عدم التوافق يجب الإلمام والتمكن من التوافق مبحثا علميا؛ فكثيرا ما يؤدي عدم المعرفة بالتوافق إلى المساهمة في الهدر المدرسي بكل أنواعه فضلا عن توتير العلاقات بين هيئة التدريس والمجتمع المدرسي خاصة منه المتعلم والأسرة. وهو ما يستدعي أن يكون مبحث التوافق مبحثا مستقلا لذاته في برنامج التكوين الأساس لهيئة التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. ويكون مبحثا من مباحث الصحة المدرسية والصحة الاجتماعية ردفا على الأولى.

وإذا كان للتوافق موضع ومكانة متقدمة في الفعل التعليمي التعلمي، فله حضور رئيسي في فعل التأطير والمراقبة التربوية، بمعنى له موقع هام في الإشراف التربوي، الذي يتطلب من المفتش التربوي إلمامه التام والتفصيلي العلمي بالتوافق، بل يكون باحثا فيه على مستوى المتعلم أولا ثم على مستوى المدرس ثانيا وعلى مستوى المجتمع المدرسي ثالثا، خاصة ما تعلق بداخل المدرسة نتيجة كونها الوسط المجتمعي والاجتماعي الذي يحتضن المتعلم أثناء الدراسة والتعلم، والذي تنشأ فيه مجموعة علاقات وتفاعلات بين مكوناته المؤثرة في المتعلم وفي توافقه الدراسي والمؤطرة بمعايير وقوانين وأعراف وتقاليد وضوابط اجتماعية ومرجعيات السلوك المدرسي والاجتماعي. فالمتعلم في المدرسة يعيش الصراع السوسيومعرفي بامتياز من أجل تحصيل المعرفة والقيم والمهارات والسلوك، وتشكيل رؤيته الخاصة لنفسه وللمؤسسة ولجماعة الأقران ضمن حدود ممارسته المعرفية والاجتماعية والتواصلية من خلال مهمة التعليم التي تعمل على حفز المتعلم ( على التفكير بطريقته الخاصة حين يتواصل مع وقائع الحياة اليومية التي يتعايش معها في موقع معين في زمان تاريخي خاص يتسع مجالهما ليتناول كل ما يتواصل معه الطفل على مدى المراحل المختلفة لنضجه المعرفي حتى نهاية مرحلة الطفولة كلها )[8]. وهو ما يتطلب من المفتش التربوي المعرفة بالمجتمع المدرسي وبمكوناته وتفاعلاته، وبالمتعلم ورؤيته للوقوف على مناطق القوة فيها واستثمارها لصالح المتعلم وصالح الفعل التعليمي، وتقاسمها مع هيئة التدريس أثناء التأطير من خلال التوجيه والإرشاد التربوي، وفي إطار الندوات التربوية والبحث التدخلي فضلا عن تقاسم الخبرات والتجارب في شأنه لإنجاح التوافق عند المتعلم. كما الوقوف على مواطن الضعف والسلب فيها لتقاسمها مع هيئة التدريس والبحث عن حلول لها وتجاوزها لتحقيق التوافق عند المتعلم. وبهذا؛ تكون العملية الإشرافية في المجال التعليمي ذات جدوى وخدمة في خلق الشروط والظروف الميسرة للتوافق ومحققة له في نفس الوقت.

والتوافق المهني المتعلق بهيئة التدريس، معني به المفتش التربوي معرفة وتطبيقا وبحثا لأنه مدخل توافق المتعلم. فالمفتش التربوي الذي يعي دور التوافق المهني في خلق بيئة تعليمية مناسبة للمتعلم، وفي تحقيقه لتعلم المتعلم وانسجامه مع وسطه المدرسي وتفاعله معه إيجابيا. يسعى أن يكون المدرس متوافقا مهنيا مع مهنته ومع مسؤوليته انطلاقا من نظرته الإيجابية لذاته ومهنته وواجبه. ولن يكون كذلك المدرس حتى يبين له المفتش التربوي مداخل التوافق الذاتي والمهني، والعمل على تلبية متطلباتها وشروطها وتحقيق حاجياتها وحاجاتها. ومساعدته على امتلاكها. فهو؛ أي المفتش التربوي منوط به خلق التوافق عند بعض المدرسين الذين يجدون صعوبة في أداء مهامهم من حيث يرسم لديهم معالم التوفيق والنجاح في مهنتهم من خلال تعريفهم بقدراتهم وكفاياتهم المهنية، وخلق الحافز المهني والنفسي والاجتماعي لديهم، وتحويل فشلهم المهني إلى طاقة منتجة ترفع من معنوياتهم ومن قيمتهم المهنية ومن كفاياتهم المهنية الأدائية. الأمر الذي يمكن هؤلاء من تحقيق التوافق لديهم أولا ثم لدى المتعلم ثانيا في الوسط المدرسي بقبول معطيات الواقع المهني والعمل على التكيف معه وتغييره وتطويره في نفس الآن ومسايرة متغيرات المعطى المدرسي. فالمدرس الذي لا يتكيف مع متغيرات المجال التربوي و لا يواكب مستجداته يجد نفسه أمام تحديات تكبح أداءه وتقيده نحو السكونية والموت المهني؛ ما تجده يقاوم ذلك المتغير أو المستجد لأنه لم يستطع التكيف معه من منطلق أن التوافق من وظائفه: التكيف مع البيئة. وبذلك؛ فالمفتش التربوي معني بالضرورة والحتمية المهنية والعلمية بموضوع التوافق بكل مجالاته لما يحتل التوافق من موقع هام وأساس في التعليم والتعلم والتأطير والإشراف التربوي. ومن هذا الموقع الحساس للتوافق ألفيناه موضوعا مهتما به من قبل الباحثين والدارسين والمهنيين في المجال المدرسي، مما جعله موضوعا ملتبسا لدى الكثيرين خاصة في الجدلية الثنائية القائمة بين التوافق سبب والتوافق نتيجة لدقة الفاصل بينهما في التناول الإمبريقي. الأمر الذي يستدعي أولا تلمسا للموضوع.

تلمس واقع في التوافق مدخلا:

                يعد التوافق من المفاهيم الأساسية المرتبطة بشخصية المتعلم في بعدها النفسي والاجتماعي والأدائي والتكيفي، وهو مفهوم قادم من العلوم الطبيعية خاصة علم الأحياء ليصبح مبحث تقاطع عدة علوم وحقول معرفية متنوعة ومختلفة، منها ما هو سيكولوجي، وما هو بيولوجي، وما هو وظيفي، وما هو سوسيولوجي، وما هو تربوي، وما هو طبي … استقطب العديد من الباحثين والعلماء لدراسته، ويتخذ بعدا إبستيمولوجيا مستقلا عن مجال الاشتغال عليه وبه. ومن هذه الاستقلالية تعددت الرؤى إلى التوافق من حيث المفهوم والمصطلح والإجراء والبنية والوظيفة. فكان بذلك من أهم المباحث التي استأثرت بالدراسة والتحليل على المستوى المدرسي خاصة أن التوافق هو خصيصة إنسانية طبيعية تتوخى تمكين الإنسان من تحقيق ذاته عبر تلبية متطلباته المتنوعة ضمن الأطر النفسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والثقافية الفردية والجماعية.  وبما أن الإنسان يعيش داخل المجتمع بطبعه الاجتماعي يتطلب ذلك تحقيق بعدين فيه. بعد فردي بتحصيل ما تتطلبه فردانيته من مقومات العيش والنمو وتحقيق الرغبات والأوطار والمتمنيات، وما يشبع نفسيته من مطالب نمائية، وبعد جماعي بتحصيل اجتماعية الفرد قيما وثقافة ومعرفة وسلوكا وممارسة؛ ما يساهم في توازنه الاجتماعي وتكيفه مع المجتمع الذي يعيش فيه. ولا شك أن الطفل عامة والمتعلم خاصة يعيش في مجتمعات متنوعة ما بين الأسرة والمدرسة والمجتمع العام وجماعة الأقران … يتطلب منه ذلك أن يكون متوافقا أولا ذاتيا بكل أبعادها النفسية والوظيفية والعضوية … ومتوافقا اجتماعيا حتى يعيش ضمن هذه المجتمعات بدون مشاكل أو عقد، أي حصول علاقة منسجمة ومتكاملة ومتناغمة بين المتعلم ومجتمعه، فيشبع المتعلم حاجاته من خلالها في إطار قبوله بقواعد المجتمع والبيئة التي يعيش فيها ويتمدرس، وما تفرضه عليه من تكيف ومن شروط العيش وقواعده.

                وانطلاقا من المشهد المدرسي ألفنا العديد من الدراسات والبحوث تقارب التوافق من زوايا متنوعة، خاصة التوافق النفسي والاجتماعي والتربوي من حيث التصاق طبيعته بالمجال التربوي والتعليمي. ما يطرح سؤال الموضوع والمنهجية والإطار النظري للمقاربة والمساءلة في ظل تعقد المشهد التعليمي نظاما ونسقا ومكونات واشتغالا على البحث. حيث لا يمكن مقاربة التوافق في المجتمع المدرسي دون فهم طبيعته وطبيعة المتوافق/ المتعلم، والمجال الذي يوجد فيه المتوافق/المتعلم، وسيرورة حدثية المجال بكل مكوناتها. ومن ذلك طرحنا التلمس بداية حتى نجلي ما يرتاب هذا المبحث من غموض ولبس ورمادية تنطلق من: لماذا التلمس في تيمة  » التوافق/ سوء التوافق  » التي أشبعت بحثا ودراسة؛ بل كانت مبحثا في علم النفس وفي السوسيولوجيا وفي علوم التربية؟ تلمس يؤشر لالتباس في الإمساك باللغة الحاملة للمفهوم؛ أهي لغة معبرة عن المفهوم حقيقة من خلال تجلية المصطلح أم العكس هو الواقع معها؟ أهي لغة تغطي مساحة البراديغم الخاص به ضمن رؤية مغربية واضحة؟ أهو المفهوم في المستوى الواقعي سبب أم نتيجة؟ أهو المفهوم يتجلى بكل مركباته ومتضمناته على المستوى الأفقي عند الاشتغال به في الحقول المعرفية المختلفة أم لا؟ أيتجلى لنا بوضوح على المستوى العمودي في الحقل المعرفي الواحد أم لا؟ وهو المفهوم الذي يبدو للبعض غامضا لتعدد تعريفاته وتضارب بعضها مما يشوش عليهم في الرؤية والمقاربة! فإلى أي حد يمكن الإمساك به سببا ونتيجة في نفس الوقت؟ وكيف يمكن أن يشتغل عليه الباحث عامة والمفتش التربوي خاصة ضمن إطار الفهم والتمكن المهني والوعي الإنساني؟ … أيمكن للمفتش التربوي مقاربة هذه التيمة عملانيا على الأقل وعلى مستوى معرفة التجربة إن لم يكن على المستوى المعرفي الممسك بموضوعه وأداوته واختياراته وأهدافه؟

                هذه الأسئلة وغيرها كثير يثيرها التباس التيمة عند المقاربة إن وقعت خارج الوعي والإمساك والمحاصرة الموضوعية والمنهجية والمفاهيمية. لذا؛ ومن الوعي بأهمية التوافق ونفيه ـ أي عدم التوافق ـ يأتي رفع اللبس أولا عبر تأطير الاشتغال عليه ضمن تقاطع علم النفس وعلم الاجتماع وسوسيولوجيا التربية وعلوم التربية لفسح المجال للتوافق للتوسع بمجالات معرفية متنوعة قصد تشكيل بنية خاصة به تسمح لنا بنقله إلى المجال المدرسي ووسمه بالتوافق الدراسي.

لسوء التوافق بناء إشكالي:

                يعتبر التوافق الدراسي من الموضوعات ذات الأهمية في حياة المتعلم الراهنة والمستقبلية، حيث يؤدي هذا إلى الكثير من النتائج الإيجابية على  التحصيل الدراسي واستمرار التعلم لديه فضلا عن عائده على الصحة النفسية للمتعلم واستقراره الذاتي وعلى كفايته الإنتاجية والإبداعية وعلى كفايته التفكيرية بصفة عامة. ما يساهم في نجاح العملية التعليمية التعلمية بالمؤسسة التعليمية. ويضمن استمرارها في أداء واجبها العلمي والتربوي والخدماتي تجاه المتعلمين والمجتمع سواء. و( يمثل التوافق الجيد مؤشرا إيجابيا أو دافعا قويا يدفع التلاميذ إلى التحصيل من ناحية، ويرغبهم في الدراسة ويساعدهم على إقامة علاقات متناغمة مع زملائهم ومعلمهم من ناحية أخرى، ويجعل العملية التعليمية خبرة ممتعة وجذابة والعكس صحيح. كما يتضمن التوافق الدراسي نجاح المؤسسة التعليمية في وظيفتها والتواؤم بين المعلم والطالب بما يهيئ لهذا الأخير ظروفا للنمو السوي معرفيا وانفعاليا واجتماعيا، مع علاج ما ينجم في مجال الدراسة من مشكلات كالتخلف الدراسي والغياب والتسرب، فهذا فضلا عن علاج المشكلات السلوكية التي يمكن أن تصدر عن بعض الطلاب )[9]. في المقابل يؤدي سوء التوافق إلى نفي ما سبق في حق المتعلم والمؤسسة التعليمية معا. وهو ما يحيلنا أولا على البناء الإشكالي للموضوع ثم ثانيا على الطرح المنهجي لمقاربته تحت إشراف جهازه المفاهيمي، وهو ما يغذي هذه الورقة من منابع البينمهجية، ما ينتج تقاطعات إشكالية تتمركز حول الإشكال الرئيسي الناتج عن الواقع المعيش في المؤسسة التعليمية الابتدائية المغربية، الذي يفيد بأن سوء التوافق حاضر فيها عبر مساحات متنوعة مثل: مساحة المتعلم ذاته، ومساحة المدرس نفسه، ومساحة المنهاج والكتب الدراسية عينها، ومساحة المناخ المدرسي، ومساحة العلاقات البينية القائمة في الفضاء المدرسي بما فيه الحجرة الدراسية وجماعة القسم التي تشكل حجر الزاوية في التعلم والتشييد المعماري الفكري المبني على أساس التفاعل الاجتماعي والصراع السوسيومعرفي، حيث ( أن التفاعل الاجتماعي بين الفرد والوسط يمثل أفضل إطار للتطور المعرفي )[10]. ، ومساحة النظام التعليمي والسياسة التربوية والسياسة العامة، ومساحة التواصل وحمولته اللغوية ومعجمه ونوعيته وسيميولوجيته، ومساحة الخطاب التربوي والثقافة التربوية الرائجة في القسم والمجتمع المدرسي … هذه المساحات داخلية تساهم كلها في سوء التوافق الدراسي إن كانت مختلة؛ بينما، إن كانت سليمة فإنها تؤدي إلى التوافق الدراسي. وتوجد مساحات خارجية لها كبير الأثر على التوافق الدراسي من قبيل مساحة الإعلام والوسائط المعلوماتية، ومساحة الأسرة، ومساحة الشارع العام، ومساحة جماعة الأقران، ومساحة الثقافة العامة والثقافة الخاصة بالتعليم التي أنتجت ( فقدان ثقة كثير من المجتمعات العربية في مؤسساتها التعليمية الرسمية، وقد ترسخ ذلك مع تكرار فشل جهود إصلاح التعليم )[11]، ومساحة الحالة الاقتصادية، ومساحة الموقع الاجتماعي داخل المجتمع، ومساحة العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع ضمن الشخصية العامة له والهوية … وهي كلها مساحات خارجية تتفاعل مع المساحات الداخلية إيجابا أو سلبا، ما يؤدي إلى نتائج، إما لصالح التوافق الدراسي أو عكسه. ومن ثمة؛ إن أردنا أن يكون هناك التوافق الدراسي، فعلى هذه المساحات أن تكون متكاملة ومتناسقة ومنسجمة داخل نسق التوافق الدراسي.

                وبما أن المساحات الداخلية متعددة ومتنوعة يصعب على الورقة الإحاطة بجميعها، فارتأت أن تتعاطى فقط مع محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتب المدرسية معترفة بأنها تشتغل على نسق تفاعلي بين مكونات عدة؛ لا يمكن إغفال أو إهمال تأثير كل منها في الآخر، الأمر الذي يتطلب مقاربة الموضوع من زوايا أخرى لاكتمال صورته ومشهده. وهي تتغيى تحسيس المبرمج والمدرس والمفتش التربوي والأب والولي والمسؤول التربوي والمتدخل التربوي والشريك بمدى خطورة الكتاب المدرسي المتضمن لمواطن سوء التوافق الدراسي على المتعلم نتيجة الإشكالات والإشكاليات والمشاكل والقضايا التي يطرحها عليه ضمن معطى ضعف حصيلته المعرفية وتجربته وخبرته الميدانية والحياتية إزاء مساعدتهم على استجلاء كيفية التعامل مع هذه المشاكل والإشكاليات والإشكالات. وتنطلق أهمية الكتاب المدرسي من موقعه في العملية التعليمية التعلمية كونه إحدى مداخل التعلم الذي يتم عبر التبليغ أي التعليم، وعبر التجربة المباشرة مع المحيط والبيئة بمعنى الاحتكاك المباشر مع الوضعيات المعيشة في المحيط المعيش للمتعلم، وعبر التأمل الفكري الفلسفي. فهنا التعلم بالتجربة وبالذاتية، وهناك التعلم بالوسيط والمسهل والمتدخل، وهنالك بالتفلسف والتفكر. وبما أن الكتاب المدرسي يتضمن المعلومات والمعارف والقيم والمهارات والثقافة والمعايير والتجارب والخبرات المتراكمة حول مجالات المعرفة المقررة للتدريس، يشكل أحد روافد تعلم المتعلم الذي يتعاطى معه من باب الإدراك والتخزين والاستيعاب والاستدعاء والتعبئة والتوظيف لتلك الحمولة القائمة في الكتاب المدرسي. وفي هذه العملية العقلية صعوبات تنشأ عن اختلال وظائفها إن لم تبن بطريقة سليمة بجانب نشوئها عن الاختلالات الكائنة في المساحات المذكورة بما فيها الكتاب المدرسي. هذا الكتاب المدرسي الذي يعده المبرمج التربوي والمؤلف المدرسي مقدسا ومنزها عن الخطأ والاختلال ما دام هو الذي برمجه أو ألفه. كما يعده بعض المدرسين والإداريين والمفتشين التربويين منزها عن الخطإ والاختلال؛ ما يضفي عليه صدقية وموثوقية تكاد تكون مطلقة، لا يأتيها الشك من بين يديها ولا من خلفها ولا يخامرها لحظة! وهو الكتاب الذي تعده الجهات المؤسساتية الرسمية المصدر الوحيد للمعرفة والتنشئة الاجتماعية في المؤسسة التعليمية؛ وهو الأمر غير الطبيعي من عدة وجوه! كتعدد مصادر التنشئة الاجتماعية المؤسساتية، وتقادم المعلومات وتجددها وتطورها حسب المتغيرات الإنسانية المتسارعة، وتطور الحقول المعرفية ومجالات تطبيقها تبعا لذلك التسارع في ألفية المعرفة نتيجة تجدد البراديغمات والآليات والتقنيات والنظريات ووفرة البحث العلمي … وظهور فروع علمية جديدة مع ثورة المعلوميات والمعلومات، التي في ظلها أصبحت هندسة المعرفة تقوم بــ ( إهلاك المعرفة المتقادمة، ولا يعني ذلك تبديدها، بل أرشفتها وتقطيرها بصورة تسهل الرجوع إليها وإعادة تدويرها )[12]؛ كما ( أن تكنولوجيا المعلومات ستعمل بلا هوادة على تغيير المشهد المعرفي الشامل، حيث أثبتت أنها أداة تضاهي الابتكار المعرفي، على اختلاف المجالات، وستغير بصورة جذرية من النسق العلمي العام، منهجيا وموضوعيا، بل ربما يصل الأمر، كما خلص ستيفن وولفرام، إلى إعادة تعريف مفهوم العلم ذاته )[13]. وهو ما يبرر ضرورة إعمال الشك تجاه الكتاب المدرسي ومساءلته منهجيا وموضوعيا وأداء. فترفع عنه الحصانة الرسمية والصدقية والموثوقية والقدسية، ويصبح كأي كتاب ومؤلف قابل للقراءة والنقد والتصحيح والتطوير، يؤخذ منه ويرد في ظل كونه مدخلا لتعليم التفكير لدى المتعلم قبل مده بالمعرفة والمعلومة والقيم والمهارات. ذلك؛ أن المدرس معني بهذا المدخل قبل غيره، حيث ينبغي على المدرس ( أن يتذكر أنه يدرب طلبته على التفكير، وعلى اختبار الآراء، وأنه يقودهم إلى الموقع الذي يمكن أن يعتبر عنده قادرا على التفكير المستقل المتحرر )[14]، وذلك من خلال الكتاب المدرسي لأنه محتوى التعلم. و ( أن تدريس التفكير لا يمكن أن يتم بمعزل عن محتوى التعلم، بل يجب أن يكون جزءا متكاملا من التدريس في الفصل )[15] و ( لا يمكن تدريس العمليات العقلية مباشرة، على أنها معطاة من المعلم، ولكن يتم اكتسابها في الفصل الدراسي، من خلال المواد الدراسية، عندما يؤدي المتعلم عملية معرفية معينة مثل: التنبؤ، وعمل الاستدلالات، وتفسير الظواهر … مما سبق يمكن القول بأن تعليم العمليات العقلية المعرفية والتي منها مهارات التفكير هي عملية ممكنة من خلال تدريب التلاميذ عليها ضمن محتوى أو مقرر دراسي معين، ومن ثم يمكن للفرد أن ينمي قدراته العقلية، ويعمل على تطويرها باستمرار، من خلال الثراء المعرفي الذي يحيط به وكذلك خبراته التي يمر بها في حياته )[16].

                والكتاب المدرسي تابع لمعطى العنصر البشري المسؤول عنه تأليفا ومصادقة وتدريسا وثقافته وعلمه وكفاياته المهنية وقناعاته وتوجهاته الفكرية والإيديولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية … ما يربط الكتاب بالتوافق الدراسي وسوء التوافق الدراسي بحتمية اجتماعية المتعلم. لأنه؛ لا يمكن الحديث عن الكتاب المدرسي والمتعلم إلا في ظل اجتماعية هذا الأخير. فالمتعلم المنفرد والمعزول عن اجتماعيته لا يوجد إلا نظريا لأجل الدراسة والبحث، وحتى هذا متجاوز حاليا لوجود النظرية المعرفية الاجتماعية والنظرية الأيكولوجية. وبالتالي لا يمكن مقاربة التوافق الدراسي أو سوء التوافق الدراسي إلا داخل اجتماعية المتعلم واجتماعية المؤسسة التعليمية التي يشكل الكتاب المدرسي أحد مكوناتها، والمفتش التربوي المكون الآخر إزاء مكونات المجتمع المدرسي الداخلي والخارجي. فاجتماعية المتعلم والمؤسسة التعليمية معطى طبيعيا وفق الطابع الجوهري للإنسان الاجتماعي. وهنا؛ يتعقد المشهد التربوي والتعليمي عندما يتصدى للبرمجة التربوية الجهاز الإداري البيروقراطي، ويتحكم بالنظام التربوي والتعليمي الرسمي ما يسبب مزيدا من الإكراهات بما فيه ( الجمود التنظيمي والاجتماعي الذي تعاني منه معظم المؤسسات التربوية في المجتمعات النامية التي ترزح تحت ثقل قصورها الذاتي، وهياكلها البيروقراطية المترسخة، ناهيك عن فارق القاعدة الزمنية بين الدورة السنوية للعام الدراسي وبرامج تأهيل المعلمين والمعدل الزمني لسرعة التغير )[17]. ألا ترى معي كم توزع الوزارة الرذالة المعرفية عبر إقرارها توزيع الكتب المدرسية على المؤسسات التعليمية في تساو بينها من الناحية العلمية رغم وجود سؤال العلمية تجاه أغلبها! فتستنبت سوء التوافق المدرسي في الجسم التعليمي فضلا عن هدم مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين. فالكتب المدرسية فيها الرديء وغيره متنا ومنهجا وإخراجا تبعا لنوعية المؤلف المدرسي. ويغيب عنها المبرر والمسوغ الإبستيمي والسيكولوجي والديداكتيكي والاجتماعي والموضوعي والتربوي الذي أملى عليها هذا المسلك المنهجي والبيداغوجي دون المسلك الآخر؛ حيث ( في المجتمعات التي يحترم فيها الحاكمون مواطنيهم توجد كتب مدرسية متعددة ومتنوعة، ولا يكتفي واضع الكتاب المدرسي بتقديم توضيحات علمية حول كل الخطوات والعمليات العلمية التي أدت إلى إنتاج الكتاب، بل نعطي كل التعليلات العلمية، النظرية منها والتطبيقية، لكل ما يتضمنه، وتنشر نتائج تجريبه وتقويمه بالمقارنة مع كتب مدرسية أخرى. وعمل من هذا النوع يضمن الشفافية في علاقة المؤلف مع كل من المدرس والتلميذ والمؤطر، بل إن هذا الوضوح يؤدي إلى سهولة التواصل مع الكتاب وفهمه والقدرة على الاشتغال عليه واستعماله … إن مؤلف هذا النوع من الكتاب المدرسي، عندما يطلب من المدرس تدريس التفكير، فإنه يسمح له بالاطلاع والتفكير في ظروف إنتاج الكتاب المدرسي وكل الإجراءات والعمليات الفكرية التي أفرزته. وكتاب مدرسي من هذا النوع يحمل ثمرة تقدمه في ذاته، حيث وضوحه النظري والتطبيقي يمكن المدرسين من طرح أسئلة كثيرة عليه وتوجيه انتقادات له. مما يشكل تغذية راجعة يمكن أن نساهم في تطويره. لكن هذا النوع من الكتاب المدرسي لا يفرض على الأساتذة والتلاميذ والمؤطرين التربويين … وهو مطروح ضمن بدائل أخرى، لا يمكن أن يوجد إلا في المجتمعات التي يسودها، قولا وفعلا، التعاقد بين الحاكمين والمحكومين )[18]. وهو التعاقد المغيب جوهرا وحقيقة في المسألة التعليمية التعلمية الحاضر شكلا المؤسس للرذالة الفكرية والتسطيح العلمي. فمتعلم المستوى الأول ابتدائي الذي يدرس في كتاب مدرسي مشكول مثلا غير الذي يدرس في كتاب مدرسي غير مشكول!؟  والذي يدرس الأصوات اللغوية العربية وفق ترتيب معين غير الذي يدرس تلك الأصوات حسب ترتيب آخر مخالف في ظل غياب المعطى الإبستيمي والديداكتيكي والموضوعي الذي ألزم المؤلف بهذا الترتيب أو ذاك!؟ وهكذا؛ نجد لدينا تعليما ( ينفر من التعلم، فهو يفقد المتعلم متعة البحث الدؤوب عن المعرفة، ويميت لديه الرغبة في مواصلة التعلم بعد تخرجه، فكما هو معروف أن رحلة التعلم تبدأ من المدرسة، وكما يتغذى التعلم على نفسه حيث تزداد الرغبة في التعلم والقدرة على تحصيله كلما تقدمنا في مسيرته، كذلك يتغذى الجهل على نفسه، وسرعان ما يتحول النفور من التعلم إلى معاداة العلم والوقوع في شرك الخرافة وأشباهها, بقول آخر إن تدني أداء مؤسسات التعليم الرسمي وتفشي آفة التلقي السلبي يكادان يئدان مسيرة التعلم في مهدها )[19]. ومنه؛ يسبب الفكر الإداري انهيارات كبرى في النظام التعليمي المغربي في جميع الاتجاهات. ولنضرب لذلك مثالا يمكن سحب أمثلة أخرى كثيرة عليه، لنصل إلى إشكالية الكتاب المدرسي والفكر الإداري الرسمي. حيث يفيد مثالنا أن الفكر التربوي يطلب عددا معينا من التلاميذ في جماعة القسم الذي لا يتعدى على أكبر قدر 25 متعلما؛ نجد الفكر الإداري يذهب إلى عكس ذلك تماما بتحديد عتبة الاكتظاظ في 45 متعلما رسميا حلا لمشاكله الإدارية واللوجستية في تدريس العشرين من المتعلمين الزائدة عن 25 تلميذا. مما يسبب عوامل سوء التوافق الدراسي. كما يذهب إلى إلغاء مبدأ جودة الكتاب المدرسي عندما يصدر مذكرة وزارية باعتماد جميع الكتب المدرسية على مستوى النيابات من قبل لجان خاصة إقليمية تتكفل بتوزيعها على المؤسسات التعليمية، ويلغي اختصاص اختيار الكتاب المدرسي من قبل المجلس التعليمي والمصادقة عليه من المجلس التربوي وفق المادة 26 من الفرع الثاني من الباب الثاني موضوع آليات التأطير والتدبير التربوي[20]. وهو ما يؤدي إلى رفع مبدأ تكافؤ الفرص من النظام التعليمي. ويظل الفكر الإداري يتحكم في الكتاب الرسمي تأليفا وإقرارا وتنفيذا وغاية؛ ما يطرح بعض الملاحظات والتساؤلات حول هذا التحكم؟ ( فكيف يعقل أن يتحكم رجال من مكاتبهم بالوزارة في ميدان مطبوع بالتحول والغنى كميدان المعرفة، علما بأن جل الإداريين، إذا استثنينا ما يسمى بالخبرة الإدارية هم ليسوا أناس معارف ولا يتعاطون للقراءة والتدريس والتأطير بشكل مستمر؟ وتغليب الجانب الإداري على التربوي أمر قاتل للمدرسة.  والإلزام بخطية الكتاب المدرسي ليس طريقا مؤديا للتعلم، بل إنه إنجاز للطاعة والترويض. والفرض بواسطة الضغط القانوني ينتج عنه انسحاب التلميذ والأستاذ والمؤطر التربوي وكذلك المادة الدراسية، وهكذا تؤول العملية التعليمية إلى انمحاء شامل )[21]. وفي ظل تحكم الفكر الإداري في النظام التعليمي ( يصبح المدرس آلة من الآلات، في هذا المصنع العقيم الذي نسميه المدرسة، والذي تصنع فيه الوزارة مخلوقات مشوهة غير قادرة على الإنتاج. وبذلك يصبح المدرس أداة، وتصبح المدرسة مصنعا، ويصبح التلاميذ مادة، ويفقد التعليم والتربية أخص ما يحتجان إليه من مقومات التعليم والتعلم والحياة )[22]؛ وهو منبع سوء التوافق الدراسي في المؤسسة التعليمية. وعليه؛ فسوء التوافق الدراسي في المدرسة المغربية الابتدائية له محاضن متعددة ومتنوعة من بينها الكتاب المدرسي، الذي يشكل مساحة البحث في هذه الورقة. وأما الطرح المنهجي التناولي للورقة فيذهب إلى التحديد المصطلحي، وإلى التحليل مع إيفاد الأمثلة والحجج والأدلة من واقع التعليم والكتاب المدرسي، وإلى الاستنتاج والاقتراح ضمن النظرية النقدية التربوية التي تشكل الأساس في الرؤية والمقاربة، والتي يبخسها الفكر الإداري الرسمي قيمتها ودورها في معالجة قضايا التعليم والتربية وطرح الحلول والبدائل، ويعدها من باب المشاكسة والمعاكسة والطعن من الخلف. فيحاصر أهل النقد البناء، ويخفض ( من قيمة العمل النقدي والفكري لدى المدرسين والتلاميذ )[23] فضلا عن المفتش التربوي الذي يشكل عند البعض عقدة نفسية. كما أن الكتاب المدرسي يحجر على المتعلم والأستاذ التفكير منهجيا حين يقرر للحقل المعرفي نفس المنهجية وطريقة التدريس من ألف الكتاب إلى يائه رغم وجود اختلاف في مضامين وتيمات دروس الحقل المعرفي الواحد!؟ ونحن نعلن حسب معطى مناهج البحث أن لكل تيمة وموضوع إطار نظري وآخر منهجي يختلف عن التيمات والدروس الأخرى في نفس الحقل المعرفي. ولعل إطالة في أمهات الكتب  تجد اختلافا في الطرح المنهجي بين درس وآخر. حيث ( لم يتوصل العلماء والباحثون في التربية إلى تحديد أسلوب تدريس معين ينفع في جميع القاعات، ومع كل الأعمار، وفي جميع المواد الدراسية، وتحت كل الظروف والملابسات المكانية والزمانية. ذلك أن موقف التدريس موقف تفاعل يتكون من ]مجموعة عناصر[، وكل منها يسهم بطرق مختلفة، ودرجات متباينة حسب الظروف الزمانية والمكانية التي يحدث فيهما )[24]. ولأدل على ذلك هو الفارق الدال إحصائيا على رفع ناتج التدريس بالخريطة الذهنية لدرس التراكيب للمستوى الثالث ابتدائي مقابل تدريسه بالطريقة المعتادة المقررة في الكتاب المدرسي في إطار تجربة ميدانية بمجموعة مدارس أولاد داود بنيابة تاونات[25].

                ويقتضي الطرح المنهجي تحديد المصطلحات ضمن إطار عنوان الورقة والبناء الإشكالي، حيث نحدد:

للبناء الإشكالي مصطلحات:

                للمصطلحات تحديد وتوضيح ضمن سيرورة التناول المنهجي منها:

ـ محاضن: جمع محضن، في اللغة من الدخلة المعجمية ( ح ض ن ) و (الحِضْنُ ما دون الإِبْط إلى الكَشح وقيل هو الصدر والعَضُدان وما بينهما والجمع أَحْضانٌ ومنه الاحْتِضانُ وهو احتمالُك الشيءَ وجعلُه في حِضْنِك كما تَحْتَضِنُ المرأَةُ ولدها فتحتمله في أَحد شِقَّيْها وفي الحديث أَنه خرج مُحْتَضِناً أَحَدَ ابْنَي ابْنَتِه أَي حامِلاً له في حِضْنه والحِضْنُ الجَنْبُ وهما حِضْنانِ … وحَضَنَ الصبيَّ يَحْضُنُه حَضْناً وحِضانةً  ـ قوله « وحضانة » هو بفتح الحاء وكسرها كما في المصباح ـ  جعله في حِضْنِه وحِضْنا المَفازه شِقَّاها والفلاة ناحيتاها … وحِضْنُ الجبل ما يُطيف به وحِضْنُه وحُضْنُه أَيضاً أَصْلُه … وحضْنا الرجل جَنْباه وحِضْنا الشيء جانباه ونواحي كل شيء أَحْضانُه وفي حديث علي كرم الله وجهه عَلَيْكُم بالحِضْنَيْنِ يريد بجَنْبَتَي العَسْكَر … وحَضَنَ الطائرُ أَيضاً بَيْضَه وعلى بيضِه يَحْضُنُ حَضْناً وحِضانةً وحِضاناً وحُضوناً رَجَنَ عليه للتَّفْرِيخِ قال الجوهري حَضَنَ الطائرُ بَيْضَه إذا ضَمَّه إلى نفسه تحت جناحيه وكذلك المرأَة إذا حَضَنَتْ ولدها وحمامةٌ حاضِنٌ بغير هاء واسم المكان المِحْضَن … والمِحْضَنةُ المعمولة للحمامة كالقَصْعة الرَّوْحاء من الطين والحَضانةُ مصدرُ الحاضِنِ والحاضنة والمَحاضنُ المواضعُ التي تَحْضُن فيها الحمامة على بيضها والواحدُ مِحْضَن وحضَنَ الصبيَّ يَحْضُنه حَضْناً ربَّاه والحاضِنُ والحاضِنةُ المُوَكَّلانِ بالصبيِّ يَحْفَظانِهِ ويُرَبِّيانه وفي حديث عروة بن الزبير عَجِبْتُ لقومٍ طلَبُوا العلم حتى إذا نالوا منه صارُوا حُضّاناً لأَبْناء المُلوكِ أَي مُرَبِّينَ وكافِلينَ وحُضّانٌ جمعُ حاضِنٍ لأَن المُرَبِّي والكافِلَ يَضُمُّ الطِّفْلَ إلى حِضْنِه وبه سميت الحاضنةُ وهي التي تُرَبِّي الطفلَ والحَضانة بالفتح فِعلُها ونخلةٌ حاضِنةٌ خَرَجَتْ كَبائِسُها وفارَقتْ كَوافيرَها وقَصُرَت عَراجينُها حكى … وقال كراع الحاضِنةُ النخلةُ القصيرةُ العُذوقِ فهي بائِنة الليث احْتَجَنَ فلانٌ بأَمرٍ دوني واحْتَضَنَني منه وحَضَنَني أَي أَخْرَجَني منه في ناحية وفي الحديث عن الأَنصارِ يوم السَّقيفة حيث أَرادوا أَن يكون لهم شركةٌ في الخلافة فقالوا لأَبي بكر رضي الله عنه أَتُريدونَ أَن تَحْضُنونا من هذا الأَمرِ أَي تُخرِجونا يقال حَضَنْتُ الرجلَ عن هذا الأَمر حَضْناً وحَضانةً إذا نَحَّيْتَه عنه واسْتَبدَدْتَ به وانفردت به دونه كأَنه جعلَه في حِضْنٍ منه أَي جانبٍ وحَضَنْتُه عن حاجته أَحْضُنه بالضم أَي حَبَسْتُه عنها واحتَضَنته عن كذا مثله والاسم الحَضْنُ قال ابن سيده وحَضَنَ الرجلَ عن الأَمرِ يَحْضُنُه حَضْناً وحَضانةً واحْتَضَنه خَزَلَه دونه ومنَعَه منه ومنه حديث عمر أَيضاً يومَ أَتى سَقِيفةَ بني ساعدة للبَيْعة قال فإذا إخواننا من الأَنصار يُريدون أَن يَخْتَزِلوا الأَمرَ دونَنا ويَحْضُنونا عنه )[26]. وفي معاني هذه الدخلة نستشف معنى الاحتمال والأصل والجنب والضم والإخراج من الأمر، وهي معان نووية تقع في محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي، الذي أجده يحتضن ويضم عوامل سوء التوافق الدراسي بين جانبيه ويخرج عوامل التوافق الدراسي منه ويبعدها. وبما أنه مكان احتضان سوء التوافق الدراسي وسم باسم المكان لأن الصفة الحضن تلزمه مادام أداة ومكانا لعوامل سوء التوافق الدراسي.  وأما في الاصطلاح فهو الحيز الوجودي المكاني الذي يضم المحتضن كالطفل والبيضة والخزانة، والضم هنا قد يكون حقيقة أو مجازا. كأن نقول: احتضنت الخزانة الكتب، واحتضنت المؤسسة الخيرية اليتامى، فيكون الاحتضان مجازا لا حقيقة لانتفاء البعد السيكولوجي عنه، بينما احتضنت المرأة صغيرها يكون الاحتضان هنا حقيقة لاحتوائه على البعد السيكولوجي والاجتماعي. وبالتالي؛ احتضان الكتاب المدرسي لمواطن وعوامل سوء التوافق الدراسي احتضان مجازي ينصرف في البعد البنيوي إلى الاحتضان الحقيقي.

ـ سوء التوافق الدراسي: تركيب لغوي يضم مفردات معنمية هي: سوء، التوافق، الدراسي؛ ضمن عملية الإسناد والإضافة والنعت والوصف. حيث جاء في معجم مقاييس اللغة في معنى » سوء  » ( فأما السين والواو والهمزة فليست من ذلك، إنما هي من باب القبح. تقول رجل أسوأ، أي قبيح، وامرأة سوآء، أي قبيحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  » سوآء ولود خير من حسناء عقيم  » ولذلك سميت السيئة سيئة. وسميت النار سوأى، لقبح منظرها. قال الله تعالى: » ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى  » وقال أبو زبيد:

لم يهب حرمة النديم وحقت ********** يا لقومي للسوأة السوآء )[27].

و قيل في هذه الدخلة أنها من ( سوأ: ساءه يسوءه سوءا وسوءا وسواء وسواءة … فعل به ما يكره، نقيض سره. والاسم: السوء بالضم. وسؤت الرجل سواته ومساته، يخففان، أي ساءه ما رآه مني )[28]. ومن معانيها كذلك: الغم، والفجور والمنكر، والفساد، والخطيئة، والمكروه، والعورة. و » السوء  » هنا يفيد الفساد من حيث وجود اختلال في مدخلات التوافق الشخصي والاجتماعي للمتعلم، ما يؤدي به إلى الاضطراب النفسي والاجتماعي وتعتريه بعض المظاهر السلبية كالإحباط والصراع والعنف في تحقيق رغباته أو حاجاته، ويتخذه مثلا مسلكا لتوافقه مع البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه ظنا منه أنها الطريق السليم لتلبية الحاجات. وأما التوافق؛ فهو من الجذر اللغوي ( و ف ق ) وتعني الاتفاق والتظاهر والانسجام والمؤازرة والمشاركة والتضامن، وهي لفظة مأخوذة من وفق الشيء أي لاءمه، ووافقه موافقة، واتفق معه توافقاً. بمعنى الوفاق، والوفاق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام، فقد قيل: ( وفق: الواو والفاء والقاف: كلمة تدل على ملاءمة الشيئين. منه الوَفْق: الموافقة، واتفق الشيئان: تقاربا وتلاءما. ووافقت فلانا: صادقته، كأنهما اجتمعا متوافقين )[29]. وكأني بالكتاب المدرسي يؤازر ويتضامن مع المتعلم من أجل ملاءمته مع ذاته ومجتمعه. وأما اصطلاحا فــ ( إن مصطلح التوافق في أصله مصطلح بيولوجي ومازال حتى الآن يترك بصماته على الدلالة السيكولوجية للمصطلح، والتكيف في أصله يرجع إلى علم الحياة حيث إن علماء البيولوجيا هم أول من استخدموا هذا المفهوم وفقاً للمعنى الذي حددته نظرية دارون، المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء، ويعرف هذا المفهوم في علم الحياة بأنه : أي تغير يحدث للكائن الحي بجميع جوانبه في الشكل، أو الوظيفة يجعله أكثر قوة وقدرة على استمرار حياته والمحافظة عليها. ولقد أخذ علم النفس المفهوم البيولوجي للتكيف، والذي أطلق عليه علماء البيولوجيا مصطلح « المواءمة  » واستخدم في المجال النفسي الاجتماعي تحت مصطلح « تكيف »  أو « توافق » فالإنسان كما يتلاءم مع الظروف البيئية يستطيع أن يتلاءم مع الظروف الاجتماعية والنفسية التي تحيط به والتي تتطلب منه باستمرار أن يقوم بمواءمات بينها، وبينه في جميع مراحل نموه من الطفولة والشباب والرشد والشيخوخة، كل هذه المراحل تتطلب منه أن يزيد قدراته على التوافق الاجتماعي وتعديل سلوكه، ومن الطبيعي أن ينصب اهتمام علم النفس على البقاء السيكولوجي الاجتماعي للفرد أكثر من أن ينصب على البقاء الطبيعي والبيولوجي )[30]. لذا؛ فقد تعددت تعاريف التوافق لتعدد الباحثين والمهتمين والدارسين له في مجالات معرفية متنوعة ومن خلال زوايا متعددة، ما أفضى إلى تعريفات تتسع وتضيق حسب حدودها ومنظورها. وبذلك ( التوافق مصطلح مركب وغامض إلى حد كبير لأنه يرتبط بالتصور النظري للطبيعة الإنسانية وبتعدد النظريات والأطر الثقافية المتباينة وربما كان أحد أسباب غموض هذا المصطلح هو الخلط بين المفاهيم، ففي الإنجليزية نجد كلمات Accomodation ـ  Adjustement ـ Conformity ـ  Adaptation وفي العربية نجد كلمات: توافق، تكيف، تلاؤم، مسايرة، مجاراة )[31]. ومن بين تلك التعريفات نجد التوافق:

ـ ( تلاؤم الكائن الحي مع بيئته، إما بتغيير سلوكه أو بتغيير بيئته أو بتغييرهما معا )[32]. ومنه ( فرد متوافق: فرد على علاقات طيبة مع بيئته الطبيعية والاجتماعية، وبذلك يحقق لنفسه الاستقرار الوجداني )[33].

ـ ( كان من أوائل من عرف التوافق بشكل علمي أركوف  Arkoffعندما عرف التوافق بأنه: تفاعل الشخص مع بيئته. وأشار الشاذلي إلى المعنى اللغوي للتوافق: بمعنى الانسجام والمؤازرة والمشاركة والتضامن، وهو مصطلح  Adjustmentيعني التوافق وهو المفهوم الشخصي والاجتماعي وهو غير  Accommodation الذي تعني التلاؤم، وهو غيرConformity الذي يعني المسايرة وكذلك هو مصطلح اجتماعي، وهو غير Adaption الذي يعني التكيف وهو مصطلح بيولوجي .بينما يعرفه وولمان في معجم العلم السلوكي التربوي بأنه: »علاقة متناغمة مع البيئة، تنطوي على القدرة لإشباع معظم حاجات الفرد، وتجيب عن معظم المتطلبات الفيزيائية والاجتماعية التي يعانيها الفرد. بينما يعرفه يونغ youngعلى أنه:  « المرونة التي تتيح للكائن الحي أن يعدل ويغير في اتجاهاته وسلوكه بحيث يمكنه من مواجهة المواقف « . أما آيزنك وآرنولد  Eysenck & Arnold فيعرفان التوافق بأنه: « حالة تكون فيها حاجات الفرد من ناحية ومتطلبات البيئة من ناحية أخرى مشبعة تماماً، وتناغم بين الفرد والهدف والبيئة الاجتماعية ». ويعرفه أحمد بأنه:  » لحظة اتزان ناتجة عن قوى متصارعة بين الفرد وبيئته وإمكاناته والفرص المتاحة له في بيئته ». أما تعريف روس Ross فهو:  » الجهود الهادفة لحل مشكلة ما عندما تكون المتطلبات التي يواجهها الفرد متعلقة بمنفعته أو مصلحته أو احتياجاته الضرورية إلى درجة كبيرة ـ ذلك أن الحالة تكون مهددة للفرد أو أنها تعد بمكاسب ـ وعادة ما تكون هذه المتطلبات تتخطى مخزوناته وبراعته التوافقية » )[34].

ـ (هو العملية الدينامية المستمرة؛ التي تحقق للفرد أهدافه، وتعمل على إشباع حاجاته، كما تمده بالصحة النفسية، والجسمية، بالإضافة للتأقلم، والانسجام مع البيئة )[35].

ـ ( أنه حالة يتم فيها إشباع حاجات الفرد من جانب، ومطالب البيئة من جانب آخر إشباعاً كاملاً وهي تعني الاتساق بين الفرد،وما يهدف إليه من خلال البيئة الاجتماعي، كما أنها العملية التي تحقق بها هذه العلاقة ا لمتسقة، وهذه الحالة يمكن التعبير عنه من الناحية النظرية فقط أما من الوجهة العلمية فلا تصل إلى توافق نسبي للإشباع الكامل لحاجات الفرد والعلاقة غير المنتظمة مع البيئة )[36].

ـ (عملية التفاعل مع البيئة ويعتمد سلوك الشخص التوافقي على خصائص وقدرات الفرد، بالإضافة إلى خصائص الحالة أو الوضع القائم أي الظروف البيئية، والتوافق هو التغيرات والتعديلات السلوكية التي تعتبر ضرورية لإشباع الحاجات ومقابلة المطالب، حتى يتمكن الفرد من تحقيق علاقة متناغمة مع البيئة )[37].

ـ ( مفهوم يتضمن شقين هما :اتزان الفرد مع نفسه أو تناغمه مع ذاته بمعنى مقدرته على مواجهة وحسم ما ينشأ داخله من صراعات ويتعرض له من إحباطات، ومدى تحرره من التوتر والقلق الناجم عنها، ونجاحه في التوفيق بين دوافعه ونوازعه المختلفة، ثم انسجام الفرد مع ظروف بيئته المادية والاجتماعية عموما بما فيها من أشخاص آخرين وعلاقات وعناصر ومجالات وموضوعات وأحداث )[38].

ـ  ( العمليات التي يقوم بها الفرد في محاولته السيطرة على مطالب البيئة من جهة وعلى حاجاته النفسية الداخلية من جهة أخرى )[39].

ـ ( أن عملية التوافق ذاتية الصبغة وأن الفرد المتوافق هو الذي يخلو من الصراعات الداخلية الشعورية واللاشعورية، ويتحلى بقدر من المرونة، ويستجيب للمؤثرات الجديدة باستجابات ملائمة، وأنه مشبع لحاجاته الداخلية الأولية والثانوية المكتسبة، وأنه متوافق مع مطالب  النمو عبر مراحل العمر المختلفة، وهذا ينعكس بالطبع على بيئته التي يعيش فيها. ومن الذين يميلون إلى هذا الاتجاه التحليليون حيث يرون أن الشخص المتوافق هو الشخص صاحب الأنا الفعال الذي يسيطر على كل من الهو والأنا الأعلى ويستطيع أن يوازن بين متطلبات الهو وتحذيرات الأنا الأعلى وبالتالي يستطيع الفرد أن يقوم بعملياته العقلية النفسية والاجتماعية بالميل إلى أن عملية التوافق تكمن في مسايرة المجتمع بما فيه من معايير وأعراف وتقاليد وعدم الخروج عليها أو الاصطدام معها. ومن أنصار هذا الاتجاه السلوكيون فهم يرون بأن العمليات التوافقية متعلمة وأن الأفراد متى ابتعدوا عن المجتمع وأصبحوا أقل اهتماماً بالتلميحات الاجتماعية فإن سلوكياتهم تأخذ شكلاً شاذاً غير متوافق ج. الميل إلى التوازن وأن عملية التوافق هي عملية مواءمة بين الفرد ونفسه من جهة وبينه وبين بيئته من جهة أخرى، وأن الفرد المتوافق هو الذي يحقق حاجاته ومتطلباته المادية والنفسية ضمن الإطار الثقافي الذي يعيش فيه، وهو على قدر من المرونة وعلى التشكل ضمن البيئة التي يعيش فيها والمسايرة للمجتمع الذي يعيش فيه. وهناك من يرى بأن هناك أمور تلازم التوافق الجيد مثل السعادة النفسية كما يعتقد زهران. حيث يعرف التوافق بأنه « تحقيق السعادة مع النفس والرضا عنها وإشباع الدوافع والحاجات الداخلية الأولية الفطرية والعضوية والفسيولوجية والثانوية والمكتسبة، ويعبر عن سلم داخلي حيث يقل الصراع، ويتضمن كذلك التوافق لمطالب النمو في مراحله المتتابعة ». )[40].

ـ ( لا يرتبط مفهوم التوافق عند أدلر بقدرة الإنسان على تقويم ذاته تقويما واقعيا وخدمة أغراضه فحسب، بل يتعداه إلى المشاركة الاجتماعية المفيدة للآخرين. ولقد أعطى أدلر مفهوم الشعور بالنقص أهمية كبرى في قيادة كل مظاهر عدم التوافق التي ترتكز على نوع من التعويض، وعندما يكون التعويض صعبا فإن الفرد لا يستطيع مجابهة واقعة كما ينبغي، فلذلك يصبح سيء التوافق )[41].

                ومن هذا التنوع التعريفي للتوافق يمكن حصره ( في ثلاثة اتجاهات رئيسية: ـ الاتجاه الأول يرى أن التوافق عملية فردية تبدأ وتنتهي بالفرد ـ الاتجاه الثاني يرى أن التوافق عملية اجتماعية تقوم على الانصياع للمجتمع بصرف النظر عن رضا الفرد عن هذا الانصياع ـ أما الاتجاه الأخير فهو الاتجاه التكاملي وهو يوفق بين ما هو فردي وما هو اجتماعي )[42]. ويمكن الذهاب إلى تحديد تعريف إجرائي يتساوق مع موضوع هذه الورقة ويجمع المعنى النووي الاصطلاحي لتقاطع هذه التعاريف، حيث يفيد التوافق:  » الحالة الفردية الواعية بذاتها المتزنة في مناحي شخصيتها المنسجم مع مبادئها القادرة على تحقيق ذاتها بكل أبعادها المادية والمعنوية والاجتماعية، والقادرة على الفعل في البيئة ومجتمعها في إطار من التكيف والمرونة المتجددة التي تساير التغيرات والتطورات الواقعة في الذات أو البيئة أو المجتمع « . وهو تعريف يسمح ب:

ـ بتبئير التوافق على الذات بمفهومها الشامل؛

ـ التوافق هو مسألة فردية في ظل التوافق الجماعي؛

ـ التوافق حالة وعي وليس فقط توازن بيولوجي وفسيولوجي واجتماعي؛

ـ التوافق حالة شخصية قادرة على الفعل؛

ـ التوافق حالة تكيف ومرونة متجددة مسايرة للتغيرات والتطورات.

                والتوافق بهذا التعريف يمنح المتعلم مساحة من الحضور في المشهد التعليمي إن حصل له. فيكون فاعلا في الدرس مركزا له ولأنشطته. وإلا ينفي سوء التوافق حضور المتعلم في الدرس ومنه. وعليه يكون التوافق النفسي والاجتماعي أساس من أسس الدراسة والتعلم. وأما لفظ  » الدراسي  » المنسوب بالياء إلى الدرس، فقد عرف في اللغة من الجذر اللغوي  » درس  » الذي قيل فيه: ( الدال والراء والسين أصل واحد يدل على خفاء وخفض وعفاء. فالدرس: الطريق الخفي. يقال درس المنزل: عفا. ومن الباب الدريس: الثوب الخلق. ومنه درست المرآة: حاضت … ودرست الحنطة وغيرها في سنبلها. إذا دستها. فهذا محمول على أنها جعلت تحت الأقدام، كالطريق الذي يدرس ويمشي فيه. قال: سمراء مما درس ابن مخراق. والدرس: الجرب القليل يكون بالبعير. ومن الباب درست القرآن وغيره. وذلك أنه الدارس يتتبع من كان قرأ، كالسالك للطريق يتتبعه ومما شذ عن الباب الدرواس: الغليظ العنق من الناس والدواب )[43]. وكأني بالكتاب المدرسي الحالي يجمع بين طياته تلك المعاني النووية، ففيه الخفاء الإبستيمي والمنهجي والموضوعي، والخفض في المعرفة والمعلومات، والعفاء من التعلم لالتباس الكتاب المدرسي، والطريق الخفي الواقع فيه نتيجة أخطائه، وفيه من الحيض المعرفي والديداكتيكي والموضوعي الشيء الكثير، وما دس فيه من غموض وأهداف خفية يستوجب درجة عالية من الدراية والخبرة والتجربة والعلم لمقاربته، وفيه من جرب التأليف ما يشينه ولو ادعى لنفسه العلمية، وفيه يتتبع المتعلم ما قرأ درسا بعد درس، فيصير بذلك غليظ البناء هزيل النتائج بمفهوم الهدف الاستراتيجي للتعليم! وتركب لفظتا التوافق والدراسي في نسيج لغوي هو  » التوافق الدراسي  » الذي يفيد عدة تعريفات اصطلاحية منها: ( حالة تبدو في العملية الديناميكية المستمرة التي يقوم بها الطالب لاستيعاب مواد الدارسة والنجاح فيها وتحقيق التواؤم بينه وبين بيئته المدرسية ومكوناتها الأساسية: الأساتذة والزملاء والأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية ومواد الدارسة والتحصيل الدراسي، كما يعرف على أنه: المحصلة النهائية للعلاقة الديناميكية البناءة بين الطالب من جهة ومحيطه المدرسي من جهة أخرى بما يسهم في تقدمه ونمائه العلمي والشخصي، وتتمثل أهم المؤشرات الجيدة لتلك العلاقة في الاجتهاد في التحصيل العلمي، والرضا والقبول بالمعايير المدرسية والانسجام معها، والقيام بما هو مطلوب منه على نحو منظم ومنسق. كذلك يعرف بأنه: عملية دينامية مستمرة بين الفرد وذاته وما يحيط به من مؤشرات داخلية وخارجية، فالطالب المتوافق هو المقدر لذاته الساعي لتحقيقها من خلال إقامة نسيج يتلاقى مع الآخرين ومع زملائه ومعلميه وأن يكون متوازنا وفعالا ومنتجا في بيئة المدرسة بمختلف جوانبها وراضيا عن إنجازه الأكاديمي بما يحقق له السعادة. كما أن التوافق النفسي المدرسي هو عملية دينامية يتم تنفيذها من خلال إجراءات يقوم بها الطالب وصولا إلى تحقيق الأهداف، ويتعرض الطالب لتنبيهات ومثيرات داخلية أو خارجية تولد عنده حاجة ودافعية يسعى إلى تحقيقها من خلال عملية التفاعل المتبادل بينه وبين عناصر المواقف التعليمية المختلفة )[44]. وكذلك  (  » التوافق الدراسي يتضمن العلاقة السوية بالزملاء والمدرسين، كما يتضمن الاتجاه نحو الدراسة وتنظيم الوقت وطريقة الاستذكار » و » التوافق الدراسي هو السلوك السوي للطالب في مواجهة المشكلات الناشئة عن إشباع حاجاته النفسية والاجتماعية وتحقيقها من خلال إقامة علاقات اجتماعية بناءة مع وزملائه ومدرسية، ومساهمته الفعالة في ألوان النشاط الاجتماعي والثقافي والرياضي » و  » التوافق الدراسي هو الاندماج الإيجابي مع الزملاء والشعور نحو الأساتذة بالمودة والإخاء والاحترام، والاشتراك في أوجه النشاط الاجتماعي بالجامعة، والاتجاه الموجب نحو مواد الدراسة وحسن استخدام الوقت والإقبال على المحاضرات  » )[45]. ويمكن تلخيص تلك التعاريف اصطلاحا في التعريف الذي نألفه يجمعها، وهو:  » التوافق الدراسي هو قدرة المتعلمة/ المتعلم على التحصيل الدراسي، والانخراط في الفعل التعليمي التعلمي، وعلى الإنتاج التعلمي، والأداء الصفي ضمن علاقات اجتماعية سليمة وضوابط النظام التعليمي « . وأما إجرائيا فأجد التوافق الدراسي هو:  » وعي ذاتي وفعل واقعي للمتعلم المتوافق في الوسط المدرسي بما فيه حجرة الدرس في إطار التعلم والاندماج الاجتماعي داخل جماعة القسم والمجتمع المدرسي ضمن مراعاة قوانين الفعل التعليمي التنظيمية والاجتماعية مع قابلية التكيف بما يحقق الفعالية التعلمية عند المتعلم « . وهذا التعريف ينحو نحو:

ـ البعد التوافقي للمتعلم في حدود تعريف التوافق النفسي والاجتماعي السبب في التوافق الدراسي؛

ـ البعد الفردي للمتعلم النفسي والاجتماعي والعقائدي والإيديولوجي … المشكل للوعي الذاتي؛

ـ البعد الكفاياتي للمتعلم بما يحقق لديه الفاعلية في التعلم ضمن النظم القانونية والاجتماعية والمتحكمات في النسق الاجتماعي والتربوي للعملية التعليمية التعلمية؛

ـ البعد الاندماجي للمتعلم في الوسط التعليمي التعلمي؛ بمعنى اجتماعية المتعلم داخل النسيج المدرسي الذي يضمن له الحضور الفاعل فيه؛

ـ البعد التنظيمي القانوني والاجتماعي للمجتمع المدرسي الذي يشكل الحاضن الأساس للمتعلم ولتوافقه الدراسي وشروطه وضماناته؛

ـ البعد التكيفي للمتعلم مع تطورات ومستجدات الفعل التعليمي التعلمي والمجتمع المدرسي، ما يجعل التوافق الدراسي حالة مستجدة ومستمرة في نفس الوقت، ما يضمن حيوية وفعالية المتعلم في تحصيل أهدافه وغاياته؛

                وهذا التعريف الإجرائي يجمع أساسيات التعاريف الأخرى بما يحقق عند المتعلم وفق  » لازاروس  »  ( مطلبين أساسيين هما:

ـ مطلب اجتماعي يتعلق بالتعامل مع الآخرين، وينشأ بسبب الحياة الاجتماعية.

ـ مطلب داخلي ناشئ عن التكوين الطبيعي للفرد كالأكل والشرب والراحة والجنس والدفء  » حاجات عضوية  » والحاجة إلى التحصيل والحاجة إلى تقدير الذات وغيرها  » حاجات اجتماعية  » )[46]. وهما مطلبان يقعان معا داخل المجتمع المدرسي لكونه مجتمعا مصغرا عن المجتمع العام. فيه ما في هذا الأخير من علاقات وصراع وتجاذب وحراك اجتماعي داخل نسق تربوي بامتياز. وأما عن سوء التوافق الدراسي فيعني نفي التوافق الدراسي بما يفيد وجود اختلال ومعوقات وسلبيات عند المتعلم على المستوى الشخصي والاجتماعي ومداخلهما ما يؤدي به إلى اختلال في علاقته مع ذاته ومع الآخرين. وكأني أجد بين المتعلم وذاته من جهة أولى، ومن جهة ثانية بينه وبين مجتمعه المدرسي سطح تعرية بين معطاه الذاتي ومعطى واقعه الشخصي سواء ما تعلق به أو ما تعلق بمجتمعه المدرسي، كما يقع بين الطبقات الصخرية، حيث يعرف سطح عدم التوافق ب ( سطح تعرية أو سطح عدم ترسيب واضح ومميز يفصل ما بين مجموعتين صخريتين ويدل وجود عدم التوافق على وجود ثغرة زمنية في الترسيب )[47]. وقد عرف سوء التوافق بأنه (عجز الفرد عن تحقيق دوافعه وإشباع حاجاته نظرا لضغوط اجتماعية أو عجز عن التنسيق بين هذه الدوافع أو تم إشباعها بشكل يتنافى مع القيم الاجتماعية ولا يرضى من حوله لذلك فإن الفرد يتعرض لاضطرابات نفسية )[48]. كما تم تعريفه بأنه ( ضيق ذاتي أو اضطراب انفعالي يعكس عدم قدرة الإنسان على إقامة علاقات انسجام بينه وبين ذاته وكذلك بينه وبين أفراد المجتمع )[49]. بما يعني وجود فاصل بين مداخل التوافق ووظائفها بوجود ثغرة في بنائها على الوجه المطلوب عند المتعلم كطفل أولا ودارس ثانيا أو وجود خلل لدى المتعلم في توظيفها. وهو ما يدل على عدم سوية المتعلم في المؤسسة التعليمية بما تفيده من بعد تعليمي واجتماعي وتعلمي. ومنه فسوء التوافق الدراسي يعني ( عدم استطاعة التلميذ الوصول إلى المستويات التربوية التي تحددها المؤسسات التعليمية، أو حالة من عدم الرضا تنشأ بسبب التفاوت بين ميول التلميذ وقدراته، وبين نوع التعليم الذي ينخرط فيه )[50]. كما أن ( المقصود بسوء التوافق هو عدم مقدرة الفرد على التواؤم مع ظروف معينة، وعدم قدرته على تحقيق مطالب العالم الخارجي وعدم تغيير الظروف البيئية لتناسب مطالبه. أو بمعنى آخر هو عدم قدرة الفرد على التواؤم والانسجام بينه وبين بيئته وعدم قدرته على إشباع أغلب حاجاته، وتصرفه تصرفات لا اجتماعية لا تتناسب مع مطالب البيئة المادية والاجتماعية، وعدم قدرته على تغيير سلوكه وعاداته — عندما يواجه موقفا جديدا، أو مشكلة مادية، أو اجتماعية أو خلقية- تغييرا يناسب هذه الظروف الجديدة، ويبدو في عجزه عن حل مشكلاته اليومية على اختلافها عجزا يزيد على ما ينتظره الغير منه، أو ما ينتظره من نفسه. وسوء التوافق له جانبان، سوء توافق نفسي داخلي بين الفرد ونفسه، وسوء توافق بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها )[51]. وهو سوء التوافق الدراسي له عائد سلبي على التحصيل الدراسي، ذلك ( إن سوء توافق الطالب يبدو في عدة مجالات قد يكون أسريا أو اجتماعيا أو مدرسيا أو انفعاليا، وسوء التوافق في أحد هذه المجالات له أثر كبير في المجال المدرسي كون الطالب وحدة جسمية نفسية، وسوء التوافق لدى الطالب يظهر بقلة إنتاجه الفكري وانخفاض تحصيله الدراسي وزيادة مشكلاته )[52]. وهناك بعض المصطلحات تلامس مصطلح سوء التوافق الدراسي أو ترادفه عند بعض الباحثين كالفشل الدراسي؛ وإن كنت أجد فارقا بينهما من حيث العاملية؛ ذلك أني أجد سوء التوافق الدراسي أهم وأشمل من الفشل الدراسي، وأن أحد نتائج سوء التوافق الدراسي هو الفشل الدراسي. وتبقى هناك مقابل سوء التوافق الدراسي نفيا مصطلحات تتقاطع مع مصطلح التوافق الذي هو مدخل التوافق الدراسي كالتكيف والصحة النفسية عند بعضهم؛ لن نخوض غمار البحث فيها وتبيان الفارق بينها حفاظا على المساحة الورقية المطلوبة.

ـ الكتاب المدرسي: (1 ـ التعريف اللغوي لكلمة كتاب: الكتاب اسم مشتق من فعل كتب بمعنى خط، ومنه قول الشاعر:

أقبلت من عند زياد كالخرف

تخط رجلاي بخط مختلف

تكتبان في الطريق لام ألف

 وما خط مجموعا يسمى كتابا، وقد يطلق على الصحيفة، وعلى الدواة أيضا. ويختلف ما يخط من حيث مضمونه، لهذا نجد كلمة كتاب تطلق على الفرض والحكم والقدر. ولقد سمى الله تعالى الوحي المنزل من عنده على رسله صلوات الله عليهم كتبا. ولا يسمى كتابا إلا الوحي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا تكتبوا عني غير القرآن ” . والله تعالى سمى القرآن كتابا في أكثر من موضع في الذكر الحكيم منه قوله جلا وعلا : [ هو الذي أنزل عليك الكتاب ] أو قوله سبحانه : [ ذلك الكتاب لا ريب فيه ] . وقد اقترن ذكر الكتاب بذكر الخط في القرآن الكريم لقوله تعالى: [ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ] مما يدل على أن الكتاب هو ما خط باليد وجمع. ويسمي الله تعالى الملائكة الذين يخطون أعمال العباد كتابا في قوله سبحانه : [ وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ]. وخلاصة القول أن كل ما خط يسمى كتابا بغض الطرف عن حجمه سواء كان صحيفة أو صحفا ، وقد سمى الله خطابا قصيرا مكتوبا أو مخطوطا كتابا في قوله عز من قائل في وصف رسالة نبيه الكريم سليمان لملكة سبأ : [ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي واتوني مسلمين ] . فهذا نموذج الخطاب القصير المخطوط أو المكتوب الذي سماه الله تعالى كتابا.

2 ـ التعريف الاصطلاحي لمصطلح كتاب مدرسي : من التعريفات الاصطلاحية المتداولة للكتاب المدرسي أنه عبارة عن وثيقة تربوية في شكل وعاء يحتوي مادة تعليمية تعتبر مرجعا أساسا يستقي منه المتعلمون معلوماتهم ، وهو وسيلة تضم بكيفية منتظمة المواد والمحتويات والمنهجيات وأدوات قياس مكتسبات المتعلمين . وكلمة وثيقة في حد ذاتها توحي بالإحكام في جمع مواد الكتاب المدرسي وفق تخطيط مسبق دقيق ومحكم، لأن الشيء الوثيق في اللغة العربية هو المحكم، والأرض الوثيقة هي الكثيرة العشب الموثوق بها. وخلاصة القول أن مواد الكتاب المدرسي تجمع بدقة وعناية وتخطيط مسبق ومحكم.

3 ـ التعريف اللغوي لصفة مدرسي : صفة مدرسي مشتقة من فعل درس بمعنى دق أو أبلى ،أو أخلق ،أو عفا ،أو راض ، أو ذلل ، إذ يقال درس الأثر إذا عفا ، ودرس الثوب إذا بلي ، ودرس الناقة إذا راضها وذللها ، ودرس الحب إذا دقه ، ودرس الكتاب إذا ذللـه بكثرة القراءة حتى خف حفظه عليه ، وكأنه عانده حتى انقاد لحفظه. فالقاسم المشارك بين هذه الدلالات المختلفة هو كثرة الاستعمال فلا يعفو الأثر ولا يخلق الثوب و لا يدق الحب، ولا تراض الناقة ولا يذلل الكتاب إلا بكثرة الاستعمال. وتسمى كثرة القراءة دراسة حتى أن نبي الله إدريس سمي كذلك لكثرة دراسته أو قراءته أو تكراره لما أوحي إليه علما بأن اسمه حسب بعض المصادر التاريخية هو : ” أخنوخ ” . والعرب تقول درست الصعب حتى رضته، لهذا فصفة مدرسي بهذا الاعتبار تعني ترويض المعلومات للمتعلمين وتذليلها لهم.

4 ـ التعريف الاصطلاحي لصفة مدرسي : صفة مدرسي اصطلاحا ترتبط بمصطلح مدرسة الذي له تعريفات مختلفة تلتقي عند كون المدرسة هي مؤسسة اجتماعية تحل محل غيرها من المؤسسات الاجتماعية كالأسرة مثلا من أجل الاضطلاع بمهمة التربية بحيث تنتقل التربية من تربية أسرية خاصة إلى تربية مجتمعية عامة. وتقوم المدرسة بدور التكوين الأساسي للأفراد حسب كل فلسفة تربوية في المجتمع. وعندما يوصف الكتاب بأنه مدرسي فمعنى ذلك أنه يقوم بدور التكوين الأساسي للمتعلمين عقليا ونفسيا واجتماعيا. وهو يساير في ذلك الخط الرسمي لمؤسسة المدرسة حسب المراحل التعليمية، وحسب نوعية هذه المؤسسة، وحسب أعمار المتعلمين، وحسب نظام الدراسة إلى غير ذلك من المواصفات المحددة لمؤسسة المدرسة حسب الفلسفة التربوية للمجتمعات )[53].  والكتاب المدرسي ( منطق فلسفي مؤسس على نظرية أو نظريات معينة تحتويه منهجا وبناء ومضمونا، كما أنه منطق سياسي يحتوي فعلا سياسيا يتوخى مخرجات معينة لنسق اجتماعي معين،ومنطق اجتماعي يحتوي نظاما اجتماعيا بأبعاده المختلفة ومستوياته المتنوعة؛ فهو بذلك بناء حضاري يفصح عن مكنون إنسانه وبيئته وفلسفة حياته وبنية عقله وتفكيره وطموحاته، ومن ثم يتجاوز كونه وسيلة تقنية تعليمية في يد المدرس والمدرس تساعد في بناء الدرس إلى كونه رؤية عميقة للكون والذات والحياة، تتشكل منه رؤية الناشئ لهذه الأبعاد الثلاثة ضمن التنشئة الاجتماعية له. لذا تموضع من المنهاج الدراسي موضع القلب من جسم الإنسان )[54].  وهو بهذا المنطق يتعدى بعض التعريفات التي ترى فيه ( الوعاء الذي يحتوي على المادة التعليمية الذي يفترض فيها أنها الأداة أو إحدى الأدوات على الأقل التي تستطيع أن تجعل التلاميذ قادرين على بلوغ أهداف المنهج المحددة سلفا … وهو المرجع الأساسي الذي يستقي منه التلميذ معلوماته أكثر من غير من المصادر، فضلا عن أنه هو الأساس الذي يستند إليه المدرس في إعداد دروسه قبل أن يواجه تلاميذه في حجرة الدرس … والكتاب المدرسي ليس مجرد وسيلة بل إنه جوهر العملية التربوية لأنه يحدد المعلومات التي ستدرس للتلاميذ كما وكيفا … وهو سلطة علمية لا يتطرق إليها الشك في نظر واضعيه إذ يتجه التلميذ إلى قياس مكتسباته بما يقرأه في الكتاب المدرسي … وهو يترجم من وراء سلطته سلطة الجهات التي أقرته )[55]. والكتاب المدرسي إجرائيا في هذه الورقة هو الكتاب المدرسي المقرر رسميا في المدرسة الابتدائية بصيغة التعدد وفق المواد الدراسية الوارد في المناهج الدراسية للمستويات التعليمية الست في سلك التعليم الابتدائي. وهو الكتاب المدرسي المفترض فيه رفع اللبس عن المعلومات والطريقة والوسائل وتوضيح الغايات والأهداف والسبل إلى المعرفة بما يحقق عند المتعلم التوافق الدراسي من خلال تحفيزه ومساعدته على التفكير والأداء السليم.

ـ بقعة ضوء: البقعة لغة من الدخلة المعجمية « ب ق ع  » وتفيد عدة معان منها ما يوافق مقامه ومقاله: انتضح الماء على بدنه فابتلت مواضع منه … وذهب … والرجل الداهية والذكي العارف لا يفوته شيء ولا يدهى … والقطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جانبها … وذهب مسرعا … والثياب المرقعة[56] … والذي فيه سواد وبياض … وبقع الثوب فتبقع ترك فيه بقعا لم يصبها الصبغ … والمنزلة يقال: فلان حسن البقعة عند الأمير … وسنة بقعاء أي فيها خصب وجدب … والعام القليل المطر[57]. والبقعة في طب الجلد هي ( لطخة صغيرة يختلف لونها عن لون بقية الجلد المحيط بها، وتكون بنفس ارتفاع سطح الجلد )[58]. وهو ما يستدعي تمييز البقعة في مقامه بالضياء نسبة إلى الضوء المنبعث من اشتغال المفتش التربوي الساطع على سطح الثقافة الشعبوية والساذجة المترسبة في ذاكرتنا التربوية والعامة حول المفتش التربوي، والمنتشرة بين قوم جاهلين. والضوء ( النور … قام في ظلمة ليرى بضوء النار أهلها … ولا تستضيؤا بنار أهل الشرك منع من استشارتهم في الأمور )[59]. وكذلك الضوء: ( النُّورُ ، وهما مُتَرَادِفانِ، أَو الضوءُ أَقوى وأَسطعُ من النورِ، أَو الضوء لما بالذاتِ كضوءِ الشمس والنارِ، والنورُ لما بالعَرَضِ والاكتساب من جسم آخر، كنور القَمَرِ، وفي التنزيل العزيز: يونس آية 5 هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا )[60].وهنا اشتغال المفتش التربوي نبع للضوء بذاته لأنه بالإضاءة على سوء التوافق الدراسي في العملية التعليمية التعلمية ينير كالشمس التي تستمد منها الأجسام الحرارة والضياء والنور لتتجلى للغير ويراها ضمن حقل الرؤيا، الذي يشكل في عمقه وجوهره النقد التربوي. فإن كان المفتش كالشمس مصدر الضوء للآخرين، فعليه أن يأخذ معنى: الرجل الداهية والذكي العارف لا يفوته شيء ولا يدهى من معاني بقعة الضوء. وأعرف هنا بقعة الضوء بتلك المساحة النيرة والمضيئة من مجال اشتغال المفتش التربوي الرسمية وغير الرسمية التي تدخل في البعد العلمي من مهمته الإشرافية.

دائرة اشتغال المفتش التربوي: وهي الدائرة التي تفيد لغة ما يحيط بالشيء، والهزيمة، وشعر الإنسان الذي يستدير على القرن منه، والحلقة، والمصيبة، والنازلة المهلكة … وغيرها من المعاني التي نستقي منها اختصاص المفتش التربوي حيث يقال في اللغة: في دائرة اختصاصه: بمعنى في إطار ونطاق الاختصاص والتخصص، وفي حدود الصلاحيات الممنوحة له رسميا بموجب السلطة القانونية والتشريعات والقوانين، وفي حدود الاختصاص والتخصص العلمي والسلطة المعرفية التي يتمتع بها. وعليه أن يمارسها في حدود الاختصاص الترابي الممنوح لسلطته القانونية. والمفتش التربوي في نطاق هذا التخصص والاختصاص المهني والقانوني والعلمي يجب عليه مسح مجال اشتغاله ب 360 درجة حتى يضيء الدائرة كلها. ودائرته هذه تشمل الاختصاص التالي: ( تقوم هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، بمهام التأطير والمراقبة والتتبع والتقويم والتنشيط التربوي وتنسيق الوحدات الدراسية، باعتبار هذه المهام من أدوات استكشاف واقع السيرورة التعليمية، ومن وسائل توفير شروط تحسين الجودة، وذلك بمؤسسات التعليم الابتدائي، في مناطق للتفتيش توزع بين المفتشات والمفتشين العاملين بالنيابة الإقليمية بشكل مرن ولفترة زمنية لا تتجاوز أربع سنوات، خدمة لمبدأي التداول والتجديد. وتتحدد هذه المهام على النحو التالي:

  • التأطيـر التربـوي:

à تأطير الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي، والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي؛

à المساهمة في تأطير المكلفين بمهام الإدارة التربوية وفي الإشراف على بحوث الجدد منهم؛

à المساهمة في تأطير الطلبة المفتشين المتدربين ميدانيا؛

à المساهمة في تأطير الطلبة الأساتذة بمراكز التكوين؛

  • تأطير منشطات ومنشطي التربية غير النظامية ومحو الأمية؛
  • المساهمة في تأطير أطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية.
  • المراقبـة والتتبـع والتقويـم:

يقوم مفتشو ومفتشات التعليم الابتدائي بتتبع ومراقبة وتقويم:

  • عمل الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي العمومي والخصوصي والمربيات والمربين العاملين بالتعليم الأولي؛
  • عمل أطر الدعم التربوي المكلفين بمراكز التوثيق والمكتبات المدرسية الابتدائية؛
  • عمل منشطات ومنشطي التربية غير النظامية؛
  • تنفيذ البرامج والمناهج الدراسية واستعمال الكتب المدرسية؛
  • تنفيذ المشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية الابتدائية؛
  • جداول الحصص الخاصة بالأساتذة وفق التوجيهات الرسمية في الموضوع؛
  • عمليات الدخول المدرسي، وسير إيقاعات التعلم.
  • التنشيـط التربوي:

تقوم هيئة التفتيش بالتعليم الابتدائي بتنشيط:

  • الدروس التطبيقية والندوات التربوية الهادفة إلى الرفع من أداء الأساتذة وتحسين مردوديتهم؛
  • البحوث الميدانية والأنشطة التربوية والاجتماعية والفنية الهادفة إلى ربط التعليم والتربية ببيئة التلميذات والتلاميذ وحفزهـم على الانخراط في الحياة المدرسية؛
  • البرامج المحلية الموجهة في إطار الدعم الدراسي والتربوي إلى تلميذات وتلاميذ المدرسة.

           تنظيم العمل:

  • على مستوى منطقة التفتيش:
  • وضع برنامج عمل وفق جدولة زمنية دقيقة، ينسجم ومتطلبات المشروع التربوي للمنسقية الجهوية، ويستجيب لانتظارات الأساتذة والمؤسسات التعليمية؛
  • تكثيف الزيارات بشكل يضمن التقويم الموضوعي، والعمل على تشجيع المبادرات الإيجابية،
  • اعتبار الزيارات عنصرا من عناصر تكوين الأساتذة أثناء الخدمة، والتدخل المباشر لمساعدتهم على تذليل الصعوبات التي قد تواجههم في عملهم بمختلف المستويات الدراسية، وفي الحالات الاستعجالية يتم إنجاز تقرير خاص يتضمن عرض الحالة ومقترحات معالجتها، يوجه إلى النائب(ة) الإقليمي(ة).
  • إعداد تقارير دورية عن سير تنفيذ برنامج العمل، وتوجيهها إلى النيابة وإلى المنسقية الجهوية؛
  • تتبع الحياة المدرسية في مختلف تجلياتها داخل المنطقة التربوية، والمساهمة في إيجاد الحلول لما قد يلاحظ من تعثرات في سيرها.

         ـ على مستوى المفتشية الإقليمية:

تشارك هيئة التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، باعتبارها مكونا من مكونات مجموعات عمل المناطق التربوية والمجلس الإقليمي للتنسيق، إلى جانب مختلف هيئات التفتيش العاملة في نفس النيابة، في إنجاز العمل المشترك، وتستثمر للقيام بذلك بالإضافة إلى مهامها التخصصية، فضاءَ المفتشية الإقليمية وما يوفره من أدوات ووسائل عمل )[61]. كما أن هناك اختصاصات أخرى للمفتش المنسق الإقليمي أو الجهوي التخصصي أو المركزي التخصصي أو المفتش المكلف بتنسيق التفتيش الجهوي والمركزي[62] فضلا عن التكليفات بالمهام الصادرة عن السلطة الإدارية إلى المفتش التربوي إقليميا وجهويا ومركزيا. وهذه الاختصاصات والمهام هي التي تشكل دائرة اشتغال المفتش التربوي وتمنحه فرصة بقعة ضوء للإنارة على قضاياها ومشاكلها وإشكالياتها. فمقاربتها لا تكون فقط بتطبيق القوانين والتشريعات والتوجيهات التنظيمية فحسب، وإنما تكون ببعد البحث التربوي والتدخلي فيها بما ينعكس إيجابا على الفعل التعليمي التعلمي، ويمنحه التجدد والتطور، ويفتح في وجهه جملة أسئلة.

وبتحديد هذه المصطلحات الأساسية الدخلة للورقة رسمنا الإطار المفاهيمي الذي تتحرك ضمنه، كما أن هناك مصطلحات ومفاهيم أخرى سترد ضمن متن الورقة سيتم تحديدها في حينه. وانطلاقا من أهمية التوافق الدراسي نورد مبحثا عن التوافق والتوافق الدراسي لكي نقعد عليه الورقة.

التوافق مطلب إبستيمي أولا:

                يشكل التوافق تيمة بحث عدة علوم أخص منها علم النفس؛ خاصة منه البعد المرضي والصحة النفسية، وعلم الاجتماع؛ خاصة منه سوسيولوجيا التربية. حيث يعد التوافق من أهم مؤشرات التحصيل الدراسي والانسجام المدرسي ببعديه النفسي/ الشخصي والاجتماعي، إذ به يحقق المتعلم أولا التوافق مع ذاته داخل المؤسسة التعليمية بما فيها حجرة الدرس، ومع بيئته المدرسية بما فيها جماعة الأقران ومكونات تلك المؤسسة التعليمية البشرية. وبه يواجه المتعلم كل المواقف التعليمية التعلمية والاجتماعية التي تشهدها المؤسسة التعليمية بصلابة وثقة نفس وبنجاح مناسب من خلال إشباع حاجاته ودوافعه التعلمية والعلمية وتوازنه الفكري بما تتضمن من معارف ومهارات وقيم وسلوكيات ومناهج، وضمن متطلبات وشروط وضوابط المجتمع المدرسي بما فيه المؤسسة التعليمية والآخر، ومعاييره الشكلية وغير الشكلية؛ وهو ما يحقق لدى المتعلم التوافق المدرسي.

                وبعدا التوافق النفسي/ الشخصي والاجتماعي لهما مداخل لابد أن تتحقق في المتعلم وهي:

1 ـ مداخل التوافق النفسي/ الشخصي:

( 1 ـ الاعتماد على النفس: ويقصد به ميل الفرد إلى القيام بما يراه من عمل دون أن يطلب منه القيام به، ودون الاستعانة بغيره.

  2 ـ الإحساس بالقيمة الذاتية: ويتضمن شعور الفرد بأنه قادر على توجيه سلوكه وإن له الحرية في أن يقوم بقسط من تعزيز سلوكه.

 3 ـ الشعور بالانتماء: أي أن الفرد يتمتع بحب والديه وأسرته وبأنه مرغوب فيه من زملائه.

 4 ـ الاندماج الاجتماعي: أي ميل الفرد إلى الدخول في علاقات اجتماعية وعدم انطوائه.

 5 ـ الخلو من الأمراض العصابية: بمعنى أنه لا يشكو من الأعراض الدالة على الاضطراب النفسي كعدم القدرة على النوم أو الخوف أو الشعور بالتعب )[63].

2 ـ مداخل التوافق الاجتماعي:

( 1 ـ اعتراف الفرد بالمستويات الاجتماعية، أي أن يدرك حقوق الآخرين وضرورة إخضاع بعض رغباته لحاجات الجماعة.

 2 ـ اكتساب المهارات الاجتماعية: أي أنه يظهر مودته نحو الآخرين بسهولة ويساعدهم.

 3 ـ عدم وجود ميول مضادة للمجتمع: أي لأن الفرد لا يميل إلى المشاحنة والعراك وعصيان الأوامر.

 4 ـ علاقات أسرية سوية: أي أن للفرد علاقات طيبة مع أسرته بشكل متبادل.

 5 ـ علاقات مدرسية سوية: كتبادل المحبة بينه وبين زملائه ومدرسيه.

 6 ـ علاقات بيئية سوية: أي الانسجام والشعور بالسعادة مع كل الأشخاص الموجودين في بيئته )[64].   وهي مداخل تدل عليها مؤشرات من بينها: (

1 ـ أن تكون نظرة الفرد للحياة واقعية.

2 ـ أن تكون طموحات الفرد بمستوى قدراته وإمكانياته.

3 ـ الإحساس بإشباع الحاجات النفسية للفرد.

4 ـ أن تتوافر لدى الفرد مجموعة من السمات الشخصية من أهمها: الثبات الانفعالي واتساع الأفق والتفكير العلمي والمسؤولية الاجتماعية والمرونة.

5 ـ أن يكون مفهوم الفرد عن ذاته متطابقا مع مواقعه أو مع ما يدركه الآخرون عنه.

6 ـ أن تتوافر لدى الفرد مجموعة من الاتجاهات الاجتماعية الإيجابية التي تبني المجتمع كاحترام العمل وأداء الواجب واحترام الزمن وتقدير التراث.

7 ـ أن تتوافر لدى الفرد مجموعة من القيم أو نسق من القيم الإنسانية مثل حب الناس والتعاطف والإيثار والرحمة والإنسانية )[65].

3 ـ خصائص التوافق:

وللتوافق خصائص ذكر منها دمنهوري ستة،( وهي كالآتي:

1 ـ التوافق عملية كلية:

التوافق يشير إلى الدلالة الوظيفية لعلاقة الإنسان باعتباره كائنًا حيًا يتفاعل مع بيئته المحيطة بكيانه كله، ويعد التوافق بناءً على ذلك الخاصية المميزة لهذه العلاقة الكلية، فالاتساق بين جزئيه من مكونات الإنسان وبيئته لا يعد توافقًا، كما أن قصر التوافق على السلوك الخارجي مع إغفال تجاربه الشعورية الواعية لا يعد توافقًا، إن الاتفاق هو التفاعل الكلي الشمولي بين الفرد بكليته والبيئة المحيطة به.

2 ـ التوافق عملية دينامية:

التوافق لا يتم دفعة واحدة وبصفة نهائية، ولكنه يستمر ما استمرت الحياة، فالحياة ليست سوى سلسلة من الحاجات يحاول الفرد إشباعها، وجملة من الدوافع والحوافز يحاول الفرد إرضاءها، وعدد من الصراعات يحاول فضها، وعدد من التوترات يحاول خفضها. والدينامية تعني في أساسها أن التوافق يمثل المحصلة أو ذلك النتاج الذي يتمخض عنه صراع القوى المختلفة بعضها ذاتي والآخر بيئي، كذلك فإن بعض القوى الذاتية فطري والآخر مكتسب، والقوى البيئية كذلك بعضها مادي وبعضها قيمي وبعضها اجتماعي، والتوافق هو المحصلة النهائية لكل هذه القوى.

3 ـ التوافق عملية وظيفية:

إن التوافق ينطوي على وظيفة أساسية هي تحقيق التوازن مع البيئة، وهنا يجب أن نفرق بين التكيف أو التلاؤم (Adaptation)  الذي لا يعدو عن كونه مجرد تكيف مادي فيزيائي،  وبين التوافق (Adjustment) بمعناه الشامل والكلي، وهذا ما دعا بعض العلماء إلى التمييز بين التوافق التكيفي الذي يشمل حلولا إنشائية وأنماطا سلوكية مبتكرة وتوافقًا بمثابة حلول تفكيكية للشخصية ذات طابع مرضي ونكوص للمراحل السابقة.

4 ـ التوافق يستند إلى طبوغرافية النفس :

ترى مدرسة التحليل النفسي أن طبوغرافية الشخصية لها ثلاثة مكونات وهي النظام الأساسي للشخصية والذي تعتبره مستودع الطاقة النفسية الذي يغذي النظامين الآخرين وتطلق عليه الهو(ID)،وثاني هذه الأنظمة هو النظام الإداري وتطلق عليه الأنا(Ego) ، وهو نظام يعمل أساسا وفق مبدأ الواقع، وثالث هذه الأنظمة النظام الأخلاقي (Super Ego)، وأهم ما يقوم به هو إصدار الأحكام على ما يفعله النظام الإداري أو ما ينوي فعله. ومما سبق يتضح أن التوافق من زاوية طبوغرافية هو المحصلة التي تنتج عن صراع جميع القوى سواء أكانت ذاتية أم بيئية وهو في النهاية صراع بين النظام الإداري والنظام السياسي، وأحيانا بين النظام الإداري والنظام الأخلاقي للشخصية، وعندما ينجح النظام الإداري في حسم الأمر يصبح التوافق جليًا للعيان.

4 ـ التوافق عملية اقتصادية:

يرى علماء التحليل النفسي أن مصدر الطاقة النفسية هو النظام الأساسي للشخصية ، وتستمد هذه الطاقة من عمليات الهدم الكيميائية الناتجة من عمليات الأيض لدى الإنسان، بينما يستمد النظامان الآخران كلاهما الطاقة اللازمة لنشاطهما من النظام الأساس. وحيث أن كمية الطاقة محدودة فإن نتيجة الصراع تتوقف على كمية الطاقة المستثمرة في كل من القوتين المتصارعتين، وعلى سبيل المثال فإذا كان الصراع بين النظامين الأساسي والإداري وكانت طاقة النظام الأساسي أقوى فإن دفاعات النظام الإداري ستنهار وتبدو الغلبة للحاجات العضوية والدوافع الأولية .

6 ـ التوافق عملية ارتقائية :

ذلك أن التوافق لا يمكن التعرف عليه إلا بالرجوع إلى مرحلة النمو التي يعيشها الفرد، فالراشد يعيد توازنه مع البيئة بأسلوب الراشدين، ويتخطى بأسلوبه المراحل السابقة، ويتوقف عندها فإن ذلك يعني سوء توافق ونكوص إلى مراحل سابقة، وهذا يعني أن السلوك المتوافق في مرحلة نمو سابقة قد يعد سلوكًا لا توافقيًا أو مرضيًا إذا استخدم في مرحلة نمو تالية )[66].

4 ـ عوامل التوافق:

                وبما أن التوافق يتمتع بهذه الخصائص فإنه يتأثر بعوامل منها: (

أ ـ إشباع الحاجات الأولية: إذا لم تشبع حاجات الفرد العضوية أو النفسية فإنها تخلق نوعا من التوتر، وقد يلجأ إلى وسيلة تشبع الفرد وتختل عمليه التوافق.

ب ـ توافر المهارات لدى الفرد لإشباع تلك الحاجات: ولا شك أن هذه المهارات هي عادات تتكون في المراحل المبكرة من حياة الفرد، ولذا فإننا نجد التوافق عادة هو محصلة لتجارب الفرد وخبراته.

ج ـ معرفة الفرد لنفسه: ويتضمن معرفته لإمكاناته وحدوده التي يستطيع بها إشباع رغباته بشكل واقعي ممكن التحقق.

د ـ تقبل الفرد لنفسه: ويشير ذلك إلى وجود فكرة حسنة لدى الفرد عن نفسه، فالفرد الذي لا يتقبل نفسه سوف يتعرض لإحباطات كثيرة ويؤثر ذلك على توافقه ويدفعه إلى الانطواء والعدوان، وبالتالي تكون الحاجة إلى اعتبار الذات دافعا إلى صون الذات والدفاع عنها حيال كل ما ينقص من شأنها في نظر الغير وفي نظر الفرد وذلك بإخفاء عيوبه ونواحي نقصه عن الغير وعن ذاته نفسها.

هـ ـ المرونة: أي تقبل الفرد أي تغيير في حياته، فبقدر ما يفقد الفرد من مرونته يختل توافقه وتسوء علاقته بالآخرين )[67]. وكما يتأثر التوافق سلبا بعوامل عدة منها نفي العوامل السابقة أو اختلالها إزاء العوامل التالية: (

أ ـ الإحباط: وهي حالة يشعر بها الفرد نتيجة عدم إشباع حاجاته القائمة أو المحتملة، سواء أكانت داخلية ومن أأو خارجية، ومن مثلة هذه العوائق العيوب الشخصية كنقص الذكاء والتوجسات والتوقعات أو قيام الكوارث وانتشار الأوبئة.

ب ـ الصراع: ينشأ الصراع النفسي نتيجة تعارض دافعين لا يمكن إرضاؤهما في وقت واحد لتساويهما في القوة مثل التضاد بين رغبة الفرد في إرضاء دوافعه ورغبته في إرضاء الآخرين. والإحباط والصراع وجهان لعملة واحدة فالصلة بينهما وثيقة، إذ إن مواقف الصراع النفسي تقوم عادة على تعارض دافعين لابد وأن يحبط أحدهما.

ج ـ الضغوط: غالبا ما يجد الفرد نفسه أمام مصدرين للضغوط أحدهما داخلي ويتمثل في المستويات الخلقية غير الواقعية التي يؤمن بها، أما الثاني فيتمثل في ضغط الظروف الأسرية مثلا ويكون لكل ذلك قدرة على  تعطيل وتعقيد مساعي الفرد نحو تحقيق توافقه )[68].

د ـ فقدان الاتزان كوسط بين الاندفاع والإحجام يؤدي إلى القلق المعيق للتفكير الموضوعي والمنطقي، ويسبب عدم التوافق ميلا إلى الاندفاع المفرط أو الإحجام القاتل بمعنى الميل إلى التفريط أو الإفراط، ما يعطل دور الفرد في الفعل والتفاعل سواء مع ذاته أو مع بيئته.ويمكن هنا تشبيه عدم الاتزان كالخلل الوظيفي للأنا عند فرويد التي توفق بين الهو والأنا الأعلى بطريقة متوازنة دون أن تترك لإحداها السيطرة الكاملة على الأخرى؛ حيث يزعم فرويد أن بداية سوء التوافق وفاتحته تكون على الأغلب في مرحلة الطفولة المبكرة عندما تنمو أناه نموا غير سوي وغير سليم؛ فالنمو السليم والسوي للأنا يقودها إلى القوة والصلابة تجاه التوترات والقلق والضغوط  والمشاكل التي تواجه الإنسان عبر توظيفه حيل الدفاع اللاشعورية بطريقة مناسبة ودون الإفراط فيها والمبالغة في استعمالها، لأن ذلك يقوده إلى سوء التوافق كما يعقد فرويد. في مقابله يعتقد يونج  Jungأن التوافق السوي يتطلب الموازنة بين ميولنا الانطوائية و ميولنا الانبساطية؛ وهو ما يحقق الوسطية بينهما.

                وقد  ( حدد علماء النفس عوائق التوافق في النقاط التالية :

1 ـ العوائق الجسمية: ونقصد بها بعض العاهات والتشوهات الجسمية، ونقص الحواس التي تحول بين الفرد وأهدافه، فضعف القلب وضعف البنية قد يعوق الفرد عن المشاركة في بعض الأنشطة وتكوين الأصدقاء .

2 ـ العوائق النفسية: ونقصد بها نقص الذكاء، أو ضعف القدرات العقلية، والمهارات النفس حركية، أو هي خلل في نمو الشخصية تعوق الشخص عن تحقيق أهدافه، ومن العوامل النفسية التي تعوق الشخص عن تحقيق أهدافه الصراع النفسي الذي ينشأ عن تناقض أو تعارض أهدافه، وعدم قدرته على المفاضلة بينهما، واختيار أي منها في الوقت المناسب .

3 ـ العوائق المادية والاقتصادية: حيث يعتبر نقص المال وعدم توفر الإمكانيات المادية عائقاً يمنع كثيراً من الناس من تحقيق أهدافهم في الحياة، وقد يسبب لهم الشعور بالإحباط .

4 ـ العوائق الاجتماعية: ويقصد بها القيود التي يفرضها المجتمع في عاداته وتقاليده وقوانينه لضبط السلوك وتنظيم العلاقات )[69].

5 ـ أنحاء التوافق:

                وهذه العوامل والعوائق تمس التوافق في أنحائه المختلفة التي منها:

1 ـ الناحية الذاتية: وحينها نكون أمام التوافق الذاتي الذي هو: قدرة الفرد على الموازنة بين الرغبات والمطالب والحاجات وإشباعها ذاتيا بما يحقق رضاه عن نفسه وسعادتها. وتدبير الصراعات الداخلية القائمة بينها. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق الذاتي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق الذاتي أو سوء التوافق الذاتي.

2 ـ الناحية الاجتماعية: وحينها نكون أمام التوافق الاجتماعي الذي هو: يتعلق بتدبير العلاقات بين ذات الفرد والذوات الأخرى وتحقيقها في إطار الالتزام بمعطيات المجتمع الأخلاقية والقانونية والعرفية والدينية والقيمية التي يعتبرها شرطا في إنجاز تلك العلاقات، وضمن نسيج المجتمع وثقافته ومتطلباته الإنسانية والحضارية. ويتعلق بتحقيق رغبات الفرد الاجتماعية في إطار يرضى عنه المجتمع ويضمنها له بطرق سليمة ومشروعة. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق الاجتماعي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق الاجتماعي أو سوئه .

3 ـ الناحية العقلية: وحينها نكون أمام التوافق العقلي الذي هو: بنية عقلية ناضجة ومتكاملة عضويا وفسيولوجيا ووظيفيا ـ هنا الفسيولوجي يعني قيام العضو بوظيفته الأساسية العادية وأما الوظيفي يعني قيام العضو بوظائف إضافية مكتسبة وتفعيلها في مقاربة مجموعة المثيرات التي يتعامل معها الفرد وتواجهه في حياته ـ عبر تفعيل مكونات البنية العقلية ومداخلها: الإدراك الحسي، التأمل، التعلم، التذكر، التحليل، التعبئة … والاستعداد للقيام بوظيفتها ومهامها وأنشطتها على الوجه المطلوب لها، وفي إطار من التنسيق والتكامل فيما بينها. وبذلك يكون الفرد الذي يوظف بنيته العقلية وقدرتها على التعاطي مع مطالب ومتطلبات الحياة ومعالجة المثيرات الخارجية بنجاح وضمن الأطر التي تؤطرها. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق العقلي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق العقلي أو سوئه.

4 ـ الناحية الزوجية: وحينها نكون أمام التوافق الزواجي الذي هو: قدرة الفرد ومهارته في اختيار الشريك المناسب للحياة، وبناء أسرة ذات علاقات بينية منسجمة ومتكاملة بين أفرادها تحت سقف المحبة الزوجية والوالدية والولدية، والتعاون فيما بينهم ضمن إطار تحمل كل الفرد فيها كل مسؤولياته، ومواجهة المشكلات والمشاكل والخلافات والصراعات التي قد تعترض الأسرة في بعض مسيرتها الاجتماعية، وفي سيرورة تفاعلها الاجتماعي مع ذاتها الجماعية أو مع الآخر جامعة كان أو فردا أو أسرة رديفة. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق الزواجي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق الزواجي أو سوء التوافق الزواجي. وهناك من يطلق التوافق الأسري على التوافق الزواجي.

5 ـ الناحية المهنية: وحينها نكون أمام التوافق المهني الذي هو: قدرة الفرد على اختيار مهنة توافق كفاياته وكفاءاته وقدراته ومهاراته، ويرضى عنها ويقتنع بها ويرتاح إليها، ويجد نفسه فيها، ويواجه صعوبتها ويتكيف مع معطياتها. وينسج علاقات إيجابية مع مكوناتها البشرية، وينتج في إطارها.

6 ـ الناحية الدينية: وحينها نكون أمام التوافق الديني الذي هو: قدرة الفرد على تحقيق مطالب دينه، والعمل بأوامره واجتناب نواهيه، والانسجام مع بيئته الدينية في إطار ما تتطلبه معطيات دينه. وبما أننا مسلمون؛ فالإيمان بالله الواحد القهار العزيز الجبار وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والإيمان بأركان الإسلام وبواجباته ونواهيه ومستحباته … والعمل بكل ما أمر به واجتناب كل ما نهى عنه، والانسجام مع البيئة الإسلامية ومجتمعها والتوافق معها هو ما يعبر عن التوافق الديني عند المسلم. فقد أكدت دراسة حول التوافق الديني قام بها بيرسون Person وفيرجسون Fergson أن الحياة  الدينية والروحية والعقائدية في إطار التدين وقيمه وأخلاقه ومعاييره، كانت السبب في وقاية عدد من المرضى من الانهيار العقلي لأن الدين أعانهم وعاونهم على التكيف والتوافق[70]. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق الديني إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق الديني أو سوئه.

7 ـ الناحية السياسية: وحينها نكون أمام التوافق السياسي الذي هو: قدرة الفرد على الاختيار السياسي وفق توجهه الإيديولوجي وفكره وثقافته ومبادئه السياسية، والانتماء إلى منظمة سياسية تحقق له كل ذلك، والعمل داخل المجتمع السياسي حسب قواعده مع مراعاة الحقوق والواجبات والأطر القانونية المنظمة للعمل السياسي وللدولة. ويعمل على الممارسة السياسية الميدانية وفق لعبتها الديمقراطية ومؤسساتها الرسمية والمدنية بما يحقق مطامح الفرد والمجتمع. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق السياسي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق السياسي أو سوء التوافق السياسي، وهو أخطر على الفرد أولا ثم المجتمع ثانيا.

8 ـ الناحية الدراسية: وحينها نكون أمام التوافق الدراسي الذي هو: قدرة المتعلمة/ المتعلم على التحصيل الدراسي، والانخراط في الفعل التعليمي التعلمي، وعلى الإنتاج التعلمي، والأداء الصفي ضمن علاقات اجتماعية سليمة وضوابط النظام التعليمي. ومنه؛ تلحق تلك العوامل والعوائق أثرها بالتوافق الدراسي إيجابا وسلبا، فنكون أمام التوافق الدراسي أو سوء التوافق الدراسي الذي يشكل ضربة قاسمة لسيرورة التعلم عند المتعلم.

9 ـ الناحية الصحية: وحينها نكون أمام التوافق الصحي الذي هو: (تمتع الفرد بصحة جيدة خالية من الأمراض الجسمية والعقلية والانفعالية، مع تقبله للمظهر الخارجي والرضا عنه، وخلوه من المشاكل العضوية المختلفة وشعوره بالارتياح النفسي تجاه قدراته وإمكاناته وتمتعه بحواس سليمة، وميله إلى النشاط والحيوية معظم الوقت وقدراته على الحركة والاتزان والسلامة في التركيز مع الاستمرارية في النشاط والعمل دون إجهاد أو ضعف لمهمته ونشاطه )[71].

10 ـ الناحية الانفعالية: وحينها نكون أمام التوافق الانفعالي  الذي هو: ( قدرة الفرد على السيطرة على انفعالاته وضبطها أو التمكن من إخفائها عن الغير أو تزييفها وذلك تلبية لرغبات المجتمع الذي يعيش فيه )[72].

11 ـ الناحية الأكاديمية: وحينها نكون أمام التوافق الأكاديمي  الذي هو قدرة الطالب الجامعي على التكيف مع بيئته الجامعية والرضا عن نفسه فيها مع اقتناعه بأدائه الجامعي وقدرته على نسج علاقات بينية مع رفاقه وأساتذته ومكونات جامعته.

6 ـ معايير تحديد التوافق:

                للتوافق معايير يمكن بها معرفة قيام حسنه من سوئه، وقد عددها الباحثون في:

1 ـ المعيار الإحصائي: ويهم التوزيع الاعتدالي حسب معطى علم الإحصاء؛ بحيث يكون حسن وسوية التوافق حسبه للمتوسط العام لمجموعة الخصائص والأشخاص، فالشخص الذي يقع في الانحراف عن المتوسط العام في الاتجاه الموجب أو في المنحى السالب هو الشخص غير سوي التوافق. ( فمنحى التوزيع الاعتدالي يرشدنا إلى تحديد السواء والشذوذ في توزيع السمات والخصائص النفسية، حيث يتجمع معظم الأشخاص في التوزيع الاعتدالي عند منتصف المنحى ويفترض أن هؤلاء هم الأسوياء، وأن الحالات القليلة المتطرفة هم الشاذون، ويفترض المعنى الإحصائي للتوافق أن المدى السوي يضم حوالي ثلثي المجتمع الأصلي )[73]. ( والمفهوم الإحصائي بذلك لا يضع في الاعتبار أن التوافق عند الشخص ينبغي أن يكون مصحوبا بالرضا عنده وبتوافقه مع نفسه )[74].

2 ـ المعيار القيمي: يوظف معيار القيم والأخلاق الرائجة في المجتمع والتي يعتبرها في سلوك الأفراد السوي، بمعنى أن يعتبر الفرد مجموع القيم وقواعد المنظومة الأخلاقية الضابطة للسلوك الاجتماعي في سلوكه الفردي وينضبط إليها، ويعتبرها في سلوكه وتصرفاته داخل المجتمع أثناء تعامله مع الآخرين أشخاصا كانوا أو مؤسسات؛ وإلا اعتبر غير سوي وغير متوافق.  ( ولذلك فالشخص المتوافق هو الذي يتفق سلوكه مع القيم الاجتماعية السائدة في جماعته، وقد ينظر للتوافق بنظرة أخلاقية، وذلك في ضوء مبادئ أخلاقية أو قواعد سلوكية تقرها ثقافة المجتمع )[75]. وهو المعيار القيمي ما يطلق عليه البعض المعيار الحضاري في إطار  توسيع المفهوم من القيم إلى المعطى الحضارة، حيث ( يعتبر هذا المعيار أن سلوك الفرد يقترب من السواء أو الشذوذ طبقا لاقترابه أو الابتعاد عن السائد في الوسط الاجتماعي الحضاري المنتمي إليه. فالمجتمع بقسوة معاييره الثابتة لا يرحم أي انحراف إلا بالقدر الذي يؤكد الفردية في التعبير )[76].

3 ـ المعيار الباطولوجي: ويعتمد على الخلو من الأمراض النفسية وأعراضها على الخصوص، وقوة الشخصية، وسويتها في التوافق. والشخص المتوافق هو الغالي منها، في حين لا يوجد اليوم في ظل تشعبات الحياة وضغوطها وأزماتها ومتطلبات التي تتجدد كل يوم وأزمات الإنسان المستمرة في نطاق سيرورة التطور الاجتماعي والحضاري إنسان خال من الأمراض النفسية أو الضغوطات والأزمات الاجتماعية والفردية المؤثرة على توازنه وتوافقه. ولعل معدلات أدوية الأمراض النفسية والعصبية المصروفة من الصيدليات دليل على ثقل الهم المعيشي وأثره السلبي على الأفراد والأسر والجماعات والمجتمعات. وهذا المعيار يرى بعض الباحثين يتقاطع مع المعيار الإكلينيكي إن لم يكن هو ذاته؛ حيث ( يتحدد مفهوم التوافق أو الصحة النفسية في ضوء المعايير الإكلينيكية لتشخيص الأعراض المرضية، فالصحة النفسية تتحدد على أساس غياب الأعراض والخلو من مظاهر المرض. ويشير طلعت منصور إلى أن التوافق بالمعنى السابق يعتبر مفهوما مضللا وضيقا، فلا يكفي أن يخلو الفرد من الأعراض لكي نعتبره متوافقا، ولكن ينبغي أن تلقى أهدافه وطاقاته توظيفا فعالا في مواقف الحياة المختلفة ويحقق ذاته بشكل بناء، ولذلك فالمعيار الإكلينيكي لا يحدد التوافق على نحو إيجابي وذي معنى )[77].

4 ـ المعيار الطبيعي: ( يشتق التوافق طبقا لهذا المفهوم من حقيقة الإنسان الطبيعية، وأصحاب هذا الاتجاه يستنبطون مفهوم التوافق من البيولوجيا وعلم النفس وليس من نظرية القيم مباشرة. وهي نظرة تبحث عما ينبغي تحقيقه  » الينبغيات The Oughts  » ويستخلص مفهوم التوافق طبقا لهذا المعيار بناء على خاصيتين يتميز بهما الإنسان عن غيره من المخلوقات: الخاصية الأولى هي قدرة الإنسان الفريدة على استخدام الرموز، والخاصية الثانية هي طول فترة الطفولة لدى الإنسان إذا ما قورن بالحيوان. والشخص المتوافق طبقا لهذا المفهوم هو من لديه إحساس بالمسؤولية الاجتماعية، كما أن اكتساب المثل والقدرة على ضبط الذات طبقا لهذا المفهوم من معالم الشخصية المتوافقة )[78].

5 ـ المعيار المثالي: ويعتمد على المثالية في السمات وخصائص الشخصية، وعلى المثالية في العلاقات. فعنده الشخص أو الفرد المتوافق هو من يملك السمات والخصائص المثالية كأن يكون مرتفع الذكاء، صلب الكلمة، حاد الرؤية الفكرية، قوي البنية، فائق الجمال، ثاقب النظر، متزن الانفعال، عالي الهمة … لكن في الواقع؛ هذا المعيار متطرف وراديكالي، فهو يضع غالب المجتمع في خانة غير المتوافقين لأن هذا الغالب هو المتوسط والعادي، بينما المثالية هي مبالغة وانحراف عن المتوسط. فإن وجدت فلا بأس بها لأنها تفيد زيادة في السمات والخصائص نحو الأفضل. وبذلك فالوسطية هي السائدة والصفة الغالبة في المجتمعات.

6 ـ المعيار الثقافي: ويعتمد في التوافق على المرجعية الثقافية الجماعية للمجتمع من حيث المجتمع وثقافته من بين مداخل تشكل شخصية الفرد. فالفرد بثقافة مجتمعه وهويته من هوية هذه الثقافة. لذا فالشخص المتوافق هو الذي ينضبط إلى مرجعية ثقافة مجتمعه وضوابطها؛ فمثلا: الزواج المثلي في مجتمع عربي هو سلوك غير متوافق ومنه الشخص لا يأتيه لأنه مخالف لثقافة المجتمع العربي، بينما في مجتمع مثلي هو سلوك متوافق، ويعد آتيه شخصا متوافقا وإن خالف الطبيعة البيولوجية للخلق. وعليه فمسألة الثقافة هي مسألة نسبية، ومنظومتها تتفاوت بين المجتمعات والجماعات الإنسانية نتيجة لاختلاف مفهوم الثقافة ومعطياتها. والمعيار الثقافي هنا قد ينحو نحو المبالغة في مسلكية الثقافة، لأنه يعتبر المتوافق هو من يساير ثقافة المجتمع وأسلوبه في الحياة، وإن كانت ثقافته وأسلوبه غير سوي نتيجة بعض التطورات السلبية في ثقافته؛ فمثلا: المجتمع الذي تسوده ثقافة المجاملات الاجتماعية والنفاق الاجتماعي يرفض الأشخاص الذين لا يجاملون ولا ينافقون اجتماعيا. وبالتالي فهو يرفض النقد الاجتماعي، وعليه؛ فالفرد المجامل والمنافق اجتماعيا هو السوي والمتوافق وغيره غير ذلك. في حين قد يكون العكس هو الصحيح، مما يدعو إلى دراسة الثقافة دراسة نقدية لكي نطبق هذا المعيار.

7 ـ المعيار الذاتي/الظاهري: ( هو التوافق كما يدركه الشخص ذاته فبصرف النظر عن المسايرة التي قد يبديها الفرد على أساس المعايير السابقة فالمحك الهام هنا هو ما يشعر به الشخص وكيف يرى في نفسه الاتزان أو السعادة، أي أن السوية هنا إحساس داخلي وخبرة ذاتية فإذا كان الشخص وفقا لهذا المعيار يشعر بالقلق أو التعاسة فهو يعد غير متوافق. ورغم ما لهذا المعيار من أهمية في الإحساس بالتوافق ذاتيا إلا أن علماء النفس يقررون أن بعض المرضى النفسيين يعطون تقديرات ذاتية وانطباعات شخصية عن هدوئهم وإحساسهم بالسعادة، بالإضافة إلى أنه كثيرا ما يمر معظمنا بحالات من الضيق والقلق )[79].

8 ـ معيار النمو الأمثل: ( أدى قصور المعيار الإكلينيكي إلى تبني نظرة أكثر إيجابية في تحديد الشخصية المتوافقة يستند إلى تعريف منظمة الصحة العالمية لمفهوم الصحة النفسية على أنها  » حالة من التمكن الكامل من النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد الخلو من المرض » ورغم أهمية مفهوم النمو الأمثل في تحديد مفهوم الشخصية المتوافقة إلا أنه من الصعب تحديد نماذج السمات أو الأنماط السلوكية التي تشكل النمو الأمثل، فما يعتبر مرغوبا إنما يعكس ثقافة المجتمع كما يعكس المعتقدات والقيم الشخصية، ولذا فإن مفهوم النمو الأمثل يمكن اعتباره مبدأ عاما وليس محكا يمكن تحديده وقياسه )[80].

9 ـ المعيار النظري: ويعتمد على الإطار النظري الذي يؤطر مفهوم التوافق، فيكون التوافق وفق المرجعية التي يشتغل بها الباحث ومفهومها للتوافق. حيث ( هناك الكثير من النظريات التي وضعت لتفسير التوافق لدى الأفراد، وبطبيعة الحال يصعب سردها بأسرها، ولكن يمكننا أن نشير إلى أهمها كما يتضح من الشكل التالي:

نظريات التوافق

            النظرية البيولوجية الطبية                                               النظرية النفسية                                                النظرية الاجتماعية

نظرية التحليل النفسي                النظرية السلوكية                                                     نظرية علم النفس الإنساني                           نظريات نفسية أخرى

فرويد ـ يونج                         واطسون ـ سكينر                                                  روجرز                                                 لازاروس ـ شافر

أدلر ـ فروم                          بندورا ـ ماهوني                                                     ماسلو                                                  تندال ـ بل

أريكسون                            يولمان ـ كرامنر                                                      بيرلز                                                     لندجرين ـ ويتن )[81]. ومن بين هذه النظريات نجد:

( أولاً / النظرية السلوكية :

إن رواد النظرية السلوكية يشيرون إلى أن التوافق النفسي هو عملية مكتسبة عن طريق التعلم والخبرات التي يمر بها الفرد وإن السلوك التوافقي يشتمل على خبرات تشير إلى كيفية الاستجابة لتحديات الحياة التي سوف تقابل التعزيز أو التدعيم .

ولقد أعتقد كل من (واطسون Watson )، و(سكنر Skinner ) على أن عملية التوافق الشخصي لا يمكن لها أن تنمو عن طريق الجهد الشعوري ولكنها تتشكل بطريقة آلية عن طريق تلميحات البيئية أو إثباتها، كما أوضح كل من (يولمان Uolman) و( كراسنر Crisner) أنه عندما يجد الأفراد أن علاقاتهم مع الآخرين غير مثابة أو لا تعود عليهم بالإثابة فإنهم قد ينسلخون عن الآخرين ويبدون اهتماما ً أقل فيما يتعلق بالتلميحات الاجتماعية وينتج عن ذلك أن يأخذ هذا السلوك شكلا ً شاذا ً أو غير متوافق.

وقد رفض (باندورا Bandura) التفسير السلوكي الكلاسيكي والذي يقول بتشكيل طبيعة الإنسان بطريقة آلية ميكانيكية حيث أكد بأن السلوك وسمات الشخصية نتاج للتفاعل المتبادل بين ثلاثة عوامل هي مثيرات :

  1. الاجتماعية منها ( النماذج ).
  2. السلوك الإنساني.
  3. العمليات العقلية والشخصية.

كما أعطى وزنا ً كبيرا ً للتعلم عن طريق التقليد ولمشاعر الكفاية الذاتية، حيث يعتقد أن لمشاعر الكفاية أثرها المباشر في تكوين السمات التوافقية أو غير التوافقية.

ثانياً / نظريات التحليل النفسي:

أن عملية التوافق الشخصي كما يراها ( فرويد Freud  ) غالبا ما تكون لا شعورية أي أن الفرد لا يعي الأسباب الحقيقية لكثير من سلوكياته، فالشخص المتوافق هو من يستطيع إشباع المتطلبات الضرورية للهو بوسائل مقبولة اجتماعيا كما يرى بأن العصاب والذهان ما هما إلا عبارة عن شكل من أشكال سوء التوافق ويقرر أن السمات الأساسية للشخصية المتوافقة والمتمتعة بالصحة النفسية تتمثل في ثلاث سمات هي:

  1. قوة الأنا.
  2. القدرة على العمل.
  3. القدر على الحب.

كما يرى فرويد بأن الشخصية تتكون من ثلاثة أبنية نفسية هي:

  1. الهو.
  2. الأنا.
  3. الأنا الأعلى.

ويمثل (الهو) رغباتنا وحاجاتنا ودوافعنا الأساسية وهو بهذا مخزن للطاقة الجنسية ويعمل الهو بناء على مبدأ اللذة والذي يبحث عن تحقيق سريع للتوتر دون مراعاة للعوامل الاجتماعية ويمكن إتباع رغبات الهو عن طريق الفعل أو التصرف اللاإرادي ، وعلى العكس من ذلك يعمل الأنا وفق مبدأ الواقع حيث يعمل على تحقيق حاجات الفرد بطريقة عقلانية مقبولة لدى العالم الخارجي، (فالأنا) هو العنصر التنفيذي في الشخصية يكبح الهو ويحفظ بالاتصالات مع العالم الخارجي من اجل تحقيق الرغبات الشخصية المتكاملة، ويمثل (الأنا الأعلى) مخزنا للقيم المغروسة والمثل والمعايير الأخلاقية الاجتماعية، والأنا الأعلى يتكون من (الضمير والأنا المثالية) فالضمير ينسب إلى القدرة على التقييم الذاتي والانتقاد والتأنيب في حين أن الأنا المثالية ما هي إلا تصور ذاتي مثالي يتكون من سلوكيات مقبولة ومستحسنة.

وعلى أساس ما تقدم يربط فرويد التوافق بقوة الأنا حيث يكون المنقذ الرئيسي فهو يتحكم ويسيطر على الهو والأنا الأعلى ويعمل كوسيط بين العالم الخارجي ومتطلباتهم، كما يعد فرويد تعددت وجهات النظر التحليلية والتي أكدت في الغالب على أهمية العوامل الاجتماعية وفاعلية الأنا، فعلى سبيل المثال يرى (أدلر Adler ) أن كل فرد يسعى للتكيف مع بيئته وتطوير حياته وتحقيق امتياز وتفوق على الآخرين بطريقة فريدة بدافع الشعور بالعجز، وهذا ما اسماه بأسلوب الحياة الذي ينشأ نتيجة عاملين هما: الهدف الداخلي مع غاياته الخالية الخاصة، والقوى البيئية التي تساعد وتعوق وتعدل اتجاهات ومسيرة الفرد ولكل فرد أسلوب حياته يعتبر فريدا بسبب التأثيرات المختلفة للذات الداخلية وتركيباتها، إلا أن الطبيعة الإنسانية تعد أساسا أنانية، وخلال عمليات التربية فإن بعض الأفراد ينمو ولديهم اهتمام اجتماعي قوى وينتج عنه رؤية الآخرين مستجيبين لرغباتهم ومسيطرين على الدافع الأساسي للمنافسة دون مبرر ضد الآخرين طلبا للسلطة أو السيطرة، كما ذهب (ينج Jung) إلى تأكيد ذلك من خلال افتراضيه للاشعور التجمعي وأنماط الشخصية إلا أن تأكيد اثر العوامل الاجتماعية أصبح أكثر وضوحا في نظريات كل من (هورني Horny) والتي أكدت أهمية الحب الوالدي، و(فروم Fromm) المؤكد لأهمية العوامل الاجتماعية خارج الأسرة وخاصة الاقتصادية، و(سوليفان Sullivan) المؤكد لتأثير العوامل الشخصية المتبادلة حيث تنتج العوامل السوية شخصية منتجة في حين يؤدي سوء هذه العوامل إلى العديد من الاضطرابات السلوكية التي يمكن أن تنبثق جميعا عن الروح العدوانية تجاه الآخرين.

                وبظهور علماء نفس الأنا من أمثال أنا فرويد وأتباعها وأخيرا أريكسون ازداد التركيز على إبراز تأثير العوامل الاجتماعية والعوامل الشخصية ممثلة في فاعلية الأنا في بناء الشخصية وتشكل نظرية اريكسون واحدة من النظريات الحديثة في التحليل النفسي.

ويؤكد اريكسون على فاعلية الأنا وعلى النمو المستمر مدى الحياة وفقا لمبدأ التطور وذلك من خلال ثمان مراحل متتابعة تبدأ كل منها بظهور أزمة للنمو تحدد من خلال تفاعل العوامل البايولوجية والاجتماعية والشخصية وتنتهي بحل الأزمة، ويقاس التوافق الاجتماعي من خلال طبيعة الحل الايجابي أو السلبي للأزمة والتي تشمل جانبين يمثلا طرفي نقيض، وبالعودة إلى ما ذكر سابقا فإنه يمكن تلخيص مؤشرات التوافق والتي تعني فاعلية الأنا السوية في كل من الثقة، الاستقلالية، المبادرة، الانجاز، تشكل الهوية، الألفية، الإنتاجية، والحكمة في حين تمثل مؤشرات سوء التوافق في النقيض من ذلك وتشمل انعدام الثقة في الذات والآخرين، الاعتمادية والخجل والشك، المعاناة من مشاعر الذنب وفقدان روح المبادرة، الشعور بعدم الكفاية وعدم القدرة على الإنجاز فقدان الهوية واضطراب الدور، العزلة، الركود، واليأس.

ثالثاً / النظريات الإنسانية :

                ينظر رواد الاتجاه الإنساني إلى أن الإنسان ككائن فاعل يستطيع حل مشكلاته وتحقيق التوازن وأنه ليس عبدا للحتميات البايولوجية كالجنس والعدوان كما يرى فرويد أو للمثيرات الخارجية كما يرى السلوكية الراديكاليون من أمثال (واطسن وسكنر) وأن التوافق يعني كمال الفعالية وتحقيق الذات، في حين أن سوء التوافق ينتج عن شعور الفرد بعدم القدرة وتكوين مفهوم سالبا ً عن ذاته.

وتمثل نظريتي (روجرز Rogersوماسلو Maslo) أهم النظريات في هذا المجال حيث يربطان إجمالا التوافق بتحقيق الذات  Self Actualizationأو بلغة روجرز في كتاباته الأخيرة الشخص كامل الفاعلية Fully Functioning Person ، ويرى روجرز أن الشخص المنتج الفعال هو الفرد الذي يعمل إلى أقصى مستوى أو إلى الحد الأعلى وانه يتصف بما يلي:

  1. الثقـة: وهؤلاء الأشخاص قد يأخذون آراء الناس الآخرين وموافقة مجتمعهم في الحسبان لكنهم لا يتقيدون بها كما أن محور أو نواة عملية اتخاذ القرار موجودة في داخل ذويهم لتوفر الثقة في أنفسهم.
  2. الانفتاح على الخبرات: حيث يكون هذا الشخص مدركا وواعيا لكل خبراته فهو ليس دفاعيا ولا يحتاج إلى تنكر أو تشويه لخبراته.
  3. الإنسانية : هؤلاء الأشخاص لديهم قدرة على العيش والسعادة والاستمتاع بكل لحظة من لحظات وجودهم فكل خبرة بالنسبة لهم تعتبر جديدة وحديثة فهم لا يحتاجون إلى تصورات مسبقة لكل فكرة أو موقف لتفسير كل ما يحدث فهم يكتشفون خبراتهم خلال عملية التجربة أو المعايشة التي يمرون بها.
  4. الإبداع: وهؤلاء الأشخاص يعيشون بطريقة فاعلية في بيئاتهم ويتسمون المرونة والعفوية بدرجة تتيح لهم التكيف بصورة صحيحة مع المتغيرات في محيطهم وتجعلهم يسعون إلى اكتساب خبرات وتحديات جديدة وهؤلاء الأشخاص يتحركون بثقة إلى الأمام في عملية التحقيق الذاتي.
  5. الحرية: فهؤلاء الأشخاص يتصرفون بشكل سوي، خيارات حرة، يوظفون طاقاتهم إلى أقصى حد ويشعرون ذاتيا بالحرية في أن يكونوا واعين لحاجاتهم ويستجيبون للمثيرات على ضوء ذلك.

ويشير روجرز إلى أن الأفراد الذين يعانون من سوء التوافق يعبرون عن بعض الجوانب التي تقلقهم فيما يتعلق بسلوكياتهم غير المتسقة مع مفهومهم عن ذواتهم وأن سوء التوافق النفسي يمكن أن يستمر إذا ما حاول الأفراد الاحتفاظ ببعض الخبرات الانفعالية بعيدا عن مجال الإدراك أو الوعي، وينتج عن ذلك استحالة تنظيم مثل هذه الخبرات أو توحيدها كجزء من الذات التي تتفكك وتتبعثر نظرا لافتقاد الفرد قبوله لذاته وهذا من شأنه أن يولد مزيدا من التوتر والأسى وسوء التوافق.

                كما أكد ماسلو من خلال نظريته في تحقيق الذات وهرمه الشهير المعروف بهرم الحاجات إلى استمرارية كفاح الإنسان وفاعليته المستمرة لإشباع حاجاته، وإن هذه الحاجات تتدرج في أهميتها من الحاجات البايولوجية المرتبطة بوجود الإنسان المادي إلى حاجات الإنسان النفسية المرتبطة بوجوده النفسي، كما يؤكد ماسلو على أن أهمية تحقيق الذات في تحقيق التوافق السوي الجيد، لذا قام بوضع عدة معايير للتوافق شملت الإدراك الفعال للواقع، قبول الذات، التلقائية، التمركز حول المشكلات لحلها، نقص الاعتماد على الآخرين، الاستقلال الذاتي، استمرار تجديد الإعجاب بالأشياء أو تقديرها، الخبرات المهمة الأصلية، الاهتمام الاجتماعي القوي والعلاقات الاجتماعية السوية، الشعور بالحب تجاه الآخــرين، وأخيرا التوازن أو الموازنة بين أقطاب الحياة المختلفة )[82]. وقد

التوافق والتحصيل الدراسي وبعض المتغيرات معطى بعض الدراسات:

                يشكل التوافق بمختلف أبعاده ومجالاته مدخلا للكفاءة الأدائية عند الإنسان عامة، والتحصيل الدراسي خاصة؛ حيث اهتم الدارسون والباحثون بالتوافق وارتباطاته المتعددة على مستويين: مستوى السببية ومستوى النتيجة. مما يقودنا في إطار أهميته إلى إيراد بعض الدراسات التي همت التوافق النفسي والاجتماعي والمدرسي في ارتباطه بالتحصيل الدراسي. الأمر الذي يتيح لنا الانطلاق من هذه الدراسات إلى طرح بعض محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي. ومن بين تلك الدراسات نجد:

1 ـ  دراسة الدكتور محمد أحمد الرفوع وزميله الدكتور أحمد عودة القرارعة، التي هدفت ( إلى قياس درجة التكيف للحياة الجامعية لدى طالبات تربية الطفل وعلاقتها بالتحصيل الدراسي والمستوى الدراسي، وقد طبق مقياس التكيف للحياة الجامعية الذي طوره الباحثان على طالبات تربية الطفل في كلية الطفيلة الجامعية التطبيقية للعام الجامعي 2003/2004 كافة. وقد تم استخدام المتوسطات الحسابية وتحليل التباين الأحادي واختبار شافية لتحليل نتائج الدراسة. وقد دلت نتائج الدراسة على ما يأتي:

1 ـ  كان متوسط درجات التكيف لدى الطالبات أعلى من الوسط النظري للمقياس.

2 ــ لم تظهر النتائج أي علاقة ارتباطية دالة إحصائيًا عند مستوى 0.05  = α) ) بين التكيف للحياة الجامعية والتحصيل الدراسي.

3 ـ أظهرت فروقًا دالة إحصائيًا عند مستوى 0.05  = α) ) في التكيف للحياة الجامعية باختلاف المستوى الدراسي، لصالح طالبات السنة الثالثة مقارنة بطالبات السنة الأولى والثانية. اقترح الباحثان تفعيل الأنشطة الجامعية كمًا ونوعًا لتحسين الجو الجامعي بشكل أفضل، ودراسة أثر بعض المتغيرات في التكيف مثل: الدخل، ومكان السكن الأصلي ومسافة سكن أسرة الطالبة عن الجامعة )[83].

2 ـ دراسة الدكتور إبراهيم الخضر الحسن في أطروحته للدكتوراه تحت عنوان: » التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بالتحصيل الدراسي لدى طلاب أبناء المغتربين في الجامعات السودانية  » بجامعة إفريقيا العالمية بالسودان ( 1998 )[84]، والتي قاربت مفهومي التوافق والاغتراب والإحساس بالاغتراب النفسي في بلاد المهجر لدى طلاب الجامعات في النظريات النفسية وعند علماء النفس والاجتماع. حيث هدفت دراسة التوافق النفسي والاجتماعي لأبناء المغتربين السودانيين في البلاد العربية، والعلاقة بين ذلك والتحصيل الدراسي، والوقوف على الفروق بين طلاب الشهادة العربية وطلاب نفس المرحلة داخل السودان من حيث الجنس وإمكانية قياس وتحديد مستوى التوافق، وذلك من خلال العوامل المؤثرة وعلاقة الاتجاهات بالتحصيل الدراسي والقلق. اتبعت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي. فتوصلت إلى نتائج عديدة؛ أهمها وجود فروق في التوافق النفسي والاجتماعي بين الطلاب أبناء المغتربين وغير المغتربين, وأن هنالك ارتباطا بينه وبين التحصيل الدراسي, ولا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الطلاب والطالبات أبناء المغتربين فيما يتعلق بالتوافق النفسي والاجتماعي والتحصيل الدراسي.

3 ـ أورد الدكتور عبد المريد عبد الجابر في دراسته الموسومة ب  » التوافق مع الحياة الجامعية وعلاقته باحتمالية التسرب الدراسي لدى عينة من طلاب الجامعة  » بكلية الآداب بجامعة حلوان بعض الدراسات التي اهتمت بالتوافق والتحصيل الدراسي مع بعض المعاملات التي ترتبط بذلك فقال: ( سوء التوافق النفسي والاجتماعي من المتغيرات المرتبطة بعملية التسرب الدراسي، فتشير الدراسات إلى ارتفاع معدلات التسرب بين طلاب الجامعة الذين يعانون من مظاهر سوء التوافق النفسي والاجتماعي لتصل نسبة تسربهم إلى65%. فعلى سبيل الذكر توصلت  دراسات  » Cullinan et Sanbornie 2004  »  » Croninger et Lee 2001  »  » Lane et Smith 2004  »  » Suh ,L. et al , 2007  » إلى أن خبرة الطالب السلبية مع الحياة الجامعية نتيجة تعثره الدراسي وعدم انسجامه مع أقرانه ومدرسيه بالإضافة إلى معاناته من اضطرابات وجدانية كالاكتئاب والقلق تزيد من معدلات التسرب الدراسي … وتوصلت دراسة كل من رايش وهاملتون  » Rausch et Hamillton,2006  » إلى مجموعة عوامل مؤدية للتسرب الدراسي منها عدم القدرة على تكوين صداقات أو التكيف مع الحياة الاجتماعية داخل الجامعة وصعوبة الحصول على المعلومات التي تخص لوائح الجامعة وغياب الأهداف الواضحة في ذهن الطالب عن التعليم الجامعي … كذلك أجرى ميشيل وزملاؤه  »  Michel,et,al,2008  » دراسة طولية استهدفت الكشف عن القدرة التنبئية لسوء التوافق المدرسي في تسرب الطالب من دراسته، تكونت عينة الدراسة من طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة عددهم  » ن = 13300 نسبة 45% منهم من الذكور ونسبة 55% من الإناث. بلغ عدد من تسربوا دراسيا من أفراد العينة الكلية نسبة 3% طبق عليهم مقياس للتوافق الدراسي واستبيان التسرب المدرسي واستمارة البيانات الأولية، وقد أسفرت الدراسة عن أن سوء التوافق المدرسي ارتبط بصورة سلبية دالة بالتسرب المدرسي فالمشكلات التي يعاني الطالب في مدرسته وعدم اندماجه مع زملائه ومدرسيه ولها الصدارة في احتمالية ترك الطالب دراسته فضلا ارتبط سوء التوافق المدرسي بانعدام حافز الإنجاز الأكاديمي وأخيرا أشارت الدراسة إلى وجود فروق دالة بين الجنسين لصالح الذكور في كل من سوء التوافق المدرسي والتسرب الدراسي … وهدفت دراسة دانيال  » Danial,2010  » الكشف عن علاقة التوافق الاجتماعي والأكاديمي لدى طلاب السنة الأولى بالجامعة بالتسرب من التعليم، تكونت عينة الدراسة من ن= 545 طالبا من ثلاث كليات جامعية من صفوف وتخصصات دراسية متنوعة منهم ن=15 طالبا حصلوا على معدلات تراكمية منخفضة من طلاب السنة الأولى بالجامعة، طبق على العينة استبيانات خاصة بالتوافق الاجتماعي والأكاديمي وبيانات خاصة بالطالب، وقد انتهت الدراسة إلى وجود ارتباط دال سالب بين التوافق الاجتماعي والتسرب الدراسي فالطلاب غير المندمجين اجتماعيا مع زملائهم بالجامعة أكثر عرضة للتسرب وأن أعلى معدلات تسرب سجلت لدى الطلاب غير المتوافقين اجتماعيا وأكاديميا خاصة طلاب السنة الأولى بالجامعة، وأخيرا كشفت الدراسة عن وجود ارتباط دال موجب بين التوافق الأكاديمي والتوافق الاجتماعي للطالب )[85].

4 ـ دراسة الأستاذ الجنيدي جبارة بلابل لأطروحة الماجستير الموسومة ب  » التوافق الدراسي في علاقته بالتحصيل الدراسي والميل العلمي والميل الأدبي لدى طلاب الجامعة  » التي همت الفروض التالية: (

1 ـ هناك ارتباط دال موجب بين التوافق الدراسي كما يقاس بالاختبار المستخدم في البحث وبين التحصيل الدراسي كما يقاس بالمعدل التراكمي.

2 ـ هناك ارتباط دال موجب بين التوافق الدراسي وبين الميل العلمي لدى طلاب الأقسام العلمية.

3 ـ هناك ارتباط دال موجب بين التوافق الدراسي وبين الميل الأدبي لدى طلاب الأقسام الأدبية.

4 ـ هناك ارتباط دال موجب بين التحصيل الدراسي لدى طلاب الأقسام العلمية كما يقاس بالمعدل التراكمي وبين الميل العلمي المقاس باختبار كيودر المستخدم في الدراسة.

5 ـ هناك ارتباط دال موجب بين التحصيل الدراسي لدى طلاب الأقسام الأدبية كما يقاس بالمعدل التراكمي وبين الميل الأدبي كما يقاس باختبار كيودر المستخدم في الدراسة.

6 ـ هناك فروق ذات دلالة إحصائية في الميل العلمي بين طلاب الأقسام العلمية وبين طلاب الأقسام الأدبية لصالح الأقسام العلمية.

7 ـ  هناك فروق ذات دلالة إحصائية في الميل الأدبي بين طلاب الأقسام الأدبية وبين طلاب الأقسام العلمية لصالح طلاب الأقسام الأدبية.

8 ـ يمكن التنبؤ بالتحصيل الدراسي في كل من الأقسام العلمية والأقسام الأدبية باستخدام الميل العلمي والميل الأدبي.

9 ـ هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الطلاب المتوافقين دراسيا وبين الطلاب الأقل توافقا دراسيا في معدلاتهم التراكمية   » التحصيل الدراسي « . ] حيث أفضت الدراسة إلى النتائج التالية: [

1 ـ تحقيق الفرض الأول: العلاقة بين التحصيل الدراسي والتوافق الدراسي موجبة وقيمتها 0,193 وذات دلالة إحصائية عند مستوى 0,001.

2 ـ  تحقيق الفرض السادس: لوجود فروق دالة في الميل العلمي لصالح الأقسام العلمية حيث تساوي قيمة ت = 6,23 دالة عند مستوى 0,001.

3 ـ تحقيق الفرض السابع: لوجود فروق دالة في الميل الأدبي ولصالح الأقسام الأدبية حيث تساوي قيمة ت = 5,21 دالة عند مستوى 0,001.

4 ـ تحقيق الفرض التاسع: وجود فروق دالة إحصائيا بين الطلاب المتوافقين دراسيا وبين الطلاب الأقل توافقا في تحصيلهم الدراسي حيث قيمة ت = 3,07 ودالة عند مستوى 0,01.

                ولم تتحقق باقي فروض الدراسة )[86]. ومنه نستنتج بأن التحصيل الدراسي له ارتباط مع التوافق الدراسي طرديا.

من محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي:

                سنقارب محاضن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي على مستويات أربع فقط. ونترك المستويات الأخرى لدراسة قادمة إن شاء الله تعالى، وهذه المستويات هي: المستوى المتني، و المستوى المعرفي، والمستوى الديداكتيكي، والمستوى السيميائي. حيث نذكر بأن هذه المستويات ترتبط بالمستوى السيكولوجي الذي يظل حاضرا في الحسبان.

1 ـ المستوى المتني: وهو مستوى يتعلق بالمتن التعليمي المقرر على التلميذ في المدرسة الابتدائية، حيث تفيد النظرية المعرفية والنظرية الديداكتيكية أن المتن التعليمي حامل للكفايات عبر مضمونه الذي يتضمن الحدث الإنساني والزمني والمكاني والمعطى التاريخي عبر سيرورة الحدث الاجتماعي والتواصلي والتفاعلي بين الأفراد والشعوب والدول في صيغ أدبية وعلمية ونظرية وعملية تبني عند المتعلم تلك الكفايات. حيث ( يرتبط موضوع العلاقات بين المعارف والكفايات بكل تأكيد، بالسيكولوجيا المعرفية والديداكتيكا. لكنه أيضا مشكل سوسيولوجي، لأن المعارف هي تمثلات اجتماعية ولأن تعبئتها وكذلك التكوين على الكفايات وتقييمها، هي رهانات حيوية بالنسبة للتنظيمات والمجتمعات الإنسانية، كما تلعب هذه المفاهيم دورا أساسيا في استراتيجيات التمايز والترتيب وعمليات الانتقاء والتوجيه في الحياة المدرسية والمهنية بشكل عام، في كل مجالات الممارسة الاجتماعية فالعلاقات بين المعارف والكفايات تشغل بال الفاعلين الاجتماعيين وبالتالي فهي تهم السوسيولوجيين )[87]. و ( تتأسس أغلب الكفايات على المعارف، سواء كانت عالمة أو معارف الخبراء والمهنيين والممارسين أو معارف ناتجة عن التجربة ومرموزة بالكاد لكن المعارف ليست في حد ذاتها سوى شروطا ضرورية للكفاية )[88]. وهو الأمر الموجب مراعاة معطى المتعلم النفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعرفي والفكري والثقافي … في وضع أو اختيار ذلك المتن التعليمي ليناسب معطى المتعلم بما فيه معطى الأداء التعلمي. وهنا؛ إن لم يضبط الكتاب المدرسي بناءه على معطى المتعلم ويستحضر معطى علم النفس النمو، فسيطرح على المتعلم تحديات تعوق تعلمه مما يسبب له سوء التوافق الدراسي. فمثلا: لا يراعي الكتاب المدرسي السن الزمني للمتعلم ومتعلقات هذا السن من الكفاية اللغوية والقدرة العقلية والحصيلة المعرفية والقدرة الأدائية والتفكيرية والوعي المعرفي … ذلك؛ أن الكتاب المدرسي يخاطب متنه متعلم المستوى الرابع بلغة أدبية تناسب متعلم مستوى التعليم الأولي أو ما قبله. فنص  » الحمامة والطفلة « [89] في إطار الوحدة الثانية ذات التيمة  » الحياة الثقافية والاجتماعية  » وهو نص مسترسل يستصغر عقل المتعلم زمنيا ويخاطبه بأسلوب الطير والحكاية والكناية ـ ونحن نعلم أن الكناية لها فوائد جمة وأبلغ في موقفها؛ لكن الموقف مع متعلم في مرحلة الطفولة المتأخرة وفي تيمة هي علمية الجوهر لا أدبيته تستوجب الخطاب الصريح والمباشر والموضوعي والمنطقي ـ  بدل أن يخاطبه بلغة علمية معبرة عن الحياة الثقافية والاجتماعية، ونقله من الحياة البيولوجية إلى الحياة الاجتماعية بأسلوب علمي مقنع بضرورة تفعيل القيم الاجتماعية في المجتمع. ولا يبقيه في الأدب وفي التفكير الأدبي ـ رغم أهميته ـ ويبعد عنه لغة العلم والموضوعية فضلا عن النأي به عن المنهج العلمي الوصفي والتحليلي للظواهر الاجتماعية والثقافية.

فهذا النص ينزع المتعلم من زمنيته ومكانيته وحدثيته الراهنة، ومن مرحلة الطفولة المتأخرة. ويغرقه في زمنية ومكانية وحدثية ماضوية، وفي مرحلة الطفولة المبكرة، لتشده إلى الخلف وتُعَوِّقَ تفكيره وتعلمه، وتنكص شخصيته في طفولة صغيرة مازال عقلها العلمي يتشكل، لربما الواقع المعيش في عصر المعرفة والتكنولوجيا والمعلوميات يفيد أنها تجاوزت معطياتها وأصبحت في حكم المتقادم نظرا لتعاطي صغار اليوم مع المعلوميات والأجهزة الإلكترونية والشبكة العنكبوتية بطريقة مبهرة تشي بأن عقلهم عقل علمي واقعي لا خرافي. فهو نص يصرح للمتعلم بطريقة ماورائية النص أو بالمعنى العميق بيداغوجيا: أنك أيها المتعلم غير مؤهل عقليا وتعلميا وأدائيا أن تقارب نصا علميا يتحدث عن الحياة الثقافية والاجتماعية بأسلوب علمي يتضمن مفاهيم ومصطلحات ثقافية واجتماعية صريحة إزاء حمولة قيمية من بنية المجتمع الثقافي والاجتماعي. فأنت أيها المتعلم مازلت قاصر الفهم والاستيعاب للعلاقات الثقافية والاجتماعية وللبنيات الفكرية والمفاهيم والآليات والميكانيزمات الخاصة بالحياة الثقافية والاجتماعية. وأن الخطاب العلمي يفوق كفايتك اللغوية والعقلية، ومعجمك اللسني وحصيلتك العلمية والمعرفية!؟ لذا؛ سيبقيك الكتاب المدرسي في مستوى الخطاب الأدبي بلغة الحيوانات، ويبقيك في مستوى التفكير الخيالي والعاطفي والأسطوري لا الواقعي والعلمي والموضوعي، ويرديك في لغة حفرية لا تنتج لديك سوى العاهات المعرفية والوظيفية. فكيف لحمامة أن تستنفر الإنسان بلغته وتسوقه إلى التعاطف والتعاون والتكافل الاجتماعي وتقيم حفلا تكريميا للفتاة سمر وتقنع المتعلم بقيمة هذا السوق التداولية في المجتمع إن لم يأتيه السبب والهدف والحدث ملموسا في واقعه الاجتماعي البشري؟! فتظل هذه القيم من باب الخيال، لأن النص يرفعها إلى ذلك بأدبيته وخياله المتدفق ولا يمنحها حضورا بالواقع المعيش أو الواقع المحسوس الذي يشدها إلى اهتمام المتعلم ويعطيها دلالة لديه. هذا المتعلم الذي يفكر بثقافة مجتمعه ويسلك سلوكه الاجتماعي المحمول في جيناته المعرفية والفكرية والثقافية وفي مفردات تنشئته الاجتماعية. والتي تسمح باستدماجه فيه لأنه ( ليس من مجتمع إنساني، مهما يكن بسيطا، دون نظام تربوي. ذلك أن كل مجتمع يتجدد تجددا مستمرا عن طريق دخول أعضاء جدد صغار. وليس ثمة أي استعداد سابق فطري، نوعا كان أو عرقيا، يعد الصغار إعدادا مسبقا للدخول في شكل معين من الحياة الاجتماعية؛ والمجتمع يبدأ بأن ينظر إلى الوليد نظرته إلى كائن غريب عن بنيته الخاصة. ولهذا كان لابد له، كيما يغدو مقبولا في الجماعة، من طائفة من الطقوس الملائمة التي تبرز مراحل نموه الجسدي والنفسي … يضاف إلى هذا أن كل مجتمع مقسوم إلى حد ما ـ إلى جانب أنماط انقسامه الأفقية ـ إلى طبقات تتبع السن  » المجتمعات الحديثة منقسمة إلى أجيال متعاقبة « ، تقوم كل واحدة منها بوظيفة تأمين التدريب اللازم للطبقة التالية لها، على حياة الجماعة بكاملها … وفي مقابل ذلك، ليس من تربية بلا مجتمع. فليس ثمة فرد من بني الإنسان يبقى مستسلما لحياة بيولوجية خالصة، أي للعزلة الكاملة ـ إذا استثنينا بعض العاجزين من غير الأسوياء ـ ولا يستطيع أي فرد أيضا أن يبلغ بنفسه وبقواه وحدها المراتب العليا من الحياة الروحية. والحياة الاجتماعية تقوم بين هاتين: الحياة البيولوجية والحياة الروحية، كوسيلة للتخلص من الأولى وبلوغ الثانية. ولتحقيق هذا الانطلاق، في الحدود الممكنة، يجد الفرد نفسه مزودا بقوى ليست هي فقط قواه الذاتية المشغولة بعمليات الحياة البيولوجية، وإنما هي خاصة جميع الوسائل الخارجية التي تقدمها له الأجيال العديدة التي سبقته. إن كل تربية تتم إذن بوساطة الجيل الذي بلغ مرحلة الرشد. فغدا بسبب ذلك الحامل الفعلي لتلك التجارب الإنسانية المتراكمة. هكذا يدخل المجتمع في بنياته الكائن الصغير الذي يحتاج إليه من أجل بقائه واستمراره؛ كما يتمثل الكائن الصغير المجتمع الذي يحتاج إليه من أجل بقائه ونموه. والنظام التربوي لأي مجتمع يلبي هذين المطلبين )[90]. ولا أخال هذا النص وأمثاله[91] من النصوص الرائجة في الكتب المدرسية تحقق المطلبين المذكورين لمفارقتها واقع المتعلم وارتفاعها عن أهدافها. لذلك كان من المفترض أن يضع المؤلفون/ المؤلف للكتاب المدرسي نصا يتساوق مع تيمة  » الحياة الثقافية والاجتماعية  » من حيث يقدم معلومات ومعارف تحمل قيما اجتماعية وثقافية وسلوكية مباشرة وصريحة بأسلوب علمي واضح بسيط، يبين للمتعلم بنية المجتمع المغربي وثقافته ونمط اجتماعيته وطبقاته الاجتماعية والمجتمعية على مختلف مستوياتها الاقتصادية والمهنية والثقافية …  ويبين له أنماط العلاقات الرائجة فيه وكيفية تدبيرها والتوافق معها، في مقابل أن يهتم ببناء الفكر وتشكيل القدرة والكفاية على النقد والتحليل والتركيب وبناء الذات لدى المتعلم حتى يربط النص بينه وبين الكفايات المستهدفة على افتراض وجودها ككفاية. ففي سياق معطيات مرحلة الطفولة المتأخرة يجب على المؤلفين/المؤلف اعتبار خصائصها[92] في التأليف المدرسي لكي لا يقع في خلافها كما وقع مع نصه المذكور. ومنها مثالا لا حصرا:

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على التمييز الحسي للموضوعات الخارجية؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على الوصف الدقيق؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على إدراك العلاقات البسيطة الواضحة سواء أكانت زمنية أو مكانية أو علاقة تشابه أو علاقة تباين؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على تفسير بعض القضايا البسيطة ويدرك الفروق بين الأشياء؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على الالتصاق بمضمون محيطه وبخبراته المباشرة؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على الاكتشاف بمضمون علامتي الاستفهام: كيف؟ ولما؟ بما يقوده إلى البحث والاهتمام بالحل وبالتركيب الهادف ( ويستمر نمو الطفل العقلي في هذه المرحلة، ويتقدم إدراكه للعلاقات بين أجزاء الأشياء المركبة، ويتسع مدى هذا الإدراك، ويزيد وضوحا، ويصبح الطفل أقدر على تركيب الأشياء المعقدة )[93]، ( وفي هذه المرحلة تبدأ كل القوى العقلية من تذكر وتفكر وانتباه في النضج، ولا سيما بعد سن التاسعة. ولذلك يرى علماء النفس خطأ الفكرة القديمة القائلة بضرورة أن يحفظ الطفل في هذه المرحلة كثيرا من مواد الدراسة حفظا آليا. فالواجب إذا هو الاعتماد على البحث والتفكير وعلى الذاكرة المنطقية، وعلى حفز الطفل للعمل والتكرار عن طريق ميوله، ومصادر الشوق لديه )[94]؛

ـ قدرة المتعلم في هذه المرحلة العمرية على التفكير المجرد والإمساك بالمفاهيم والانتباه والتخيل الواقعي الإبداعي والتعاطي مع المعقد والتركيز؛ حيث في هذه المرحلة ( يستمر التفكير المجرد في النمو، ويقوم على استخدام المفاهيم والمدركات الكلية. ويستطيع التفسير بدرجة أفضل من ذي قبل. كذلك يستطيع التقييم وملاحظة الفروق الفردية. ويزداد مدى الانتباه ومدته وحدته، وحبذا لو كانت موضوعات الانتباه منظمة تنظيما خاصا، والعلاقة بينها بسيطة، وتزداد القدرة على التركيز بانتظام. وتنمو الذاكرة نموا مطردا، ويكون التذكر عن طريق الفهم. ويتضح التخيل الواقعي الإبداعي. وتزداد القدرة على تعلم ونمو المفاهيم ويزداد تعقدها وتمايزها وموضوعيتها وتجريدها وعموميتها وثباتها … ويزداد استعداد الطفل لدراسة المناهج الأكثر تقدما وتعقيدا، ويمكنه استيعاب الدراسات الاجتماعية، ويزداد اهتمامه في أوجه النشاط الخارجة عن المنهج. وتحمس الطفل لمعرفة الكثير عن البيئة المباشرة وعن بلده وعن البلاد الأخرى وعن العالم من حوله. ويزداد لديه حب الاستطلاع وقد وجد ماو وماو Maw and Maw أن الأطفال الذين لديهم حب الاستطلاع أعلى يكون مفهوم الذات لديهم أكثر إيجابية وتكون اتجاهاتهم الاجتماعية وتفاعلهم الاجتماعي أفضل إذا قورنوا بزملائهم الذين لديهم حب استطلاع أقل. ويلاحظ النقد الموجه إلى الكبار والنقد الذاتي. والطفل, إن كان يهتم بآراء وأفكار الآخرين إلا أنه بين الحين والآخر يتحدى هذه الآراء وتلك الأفكار في أسلوب جدلي )[95].

                فنص  » الحمامة والطفلة  » لا يستحضر هذه الخصائص في التعامل مع متعلم المستوى الرابع، ولا يستثمرها في مقاربة الحياة الثقافية والاجتماعية، ولن ينطبع في ذهن المتعلم أي رصيد علمي حول هذه الحياة، ولن يوطن مفاهيم تخصصية وخاصة بها في معجمه اللسني، ولن يرسخ قيما صريحة لديه تمتن علاقاته الاجتماعية وتثري حصيلته الثقافية، ولن يمنحه فرصة ضبط بنية المجتمع الثقافية والاجتماعية وكيفية اشتغالها والتعامل معها وتفسيرها، ولن يمكنه من فهم نسقية المجتمع في كليته … ويفوت عليه فرص تنمية تلك القدرات. فهو يتجاوزها ويسكنها على مستوى من الفعل ثابت وقار. وتطرح في وجه المؤلفين/ المؤلف أسئلة من قبيل: ما المعطيات الواقعية التي اقتضت إدراج هذا النص على هذه الشاكلة اللغوية؟ ما المسوغ العلمي النظري والتطبيقي الذي يبرر إدراجه بشكله ونصه؟ وأي مجتمع يتحدث عنه النص؟ وما قيمه الثقافية والاجتماعية الضابطة لنسقيته وحدثيته؟ وهل يترك لدى المتعلم متعلقات بالحياة الثقافية والاجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن المتعلم من فهم دور القيم في تمتين النسيج الاجتماعي ويرفد ثقافته بالقيم الاجتماعية والثقافية؟ أيشكل هذا النص دلالة عند المتعلم؟ أيبني الكفاية الثقافية والاجتماعية عند المتعلم؟ … أسئلة جوهرية لابد من استحضارها في وضع أو اختيار نصوص وحدة الحياة الثقافية والاجتماعية.

                وبناء على المعطى الأدبي والتطبيقي العام لعلم نفس النمو والمعطى البيداغوجي والسوسيولوجي للمتعلم كطفل أولا ثم كتلميذ ثانيا في حدود المعرفة العامة عن الطفولة، أجد هذا النص لا يراعي الخصائص الواجب اعتبارها في التأليف المدرسي. وبذلك يشكل موطنا لسوء التوافق الدراسي للمتعلم باعتباره نكوصا عما يجب أن يكون. حيث سيصيبه ـ أي المتعلم ـ ب:

ـ عدم الاعتماد على النفس؛ لأنه مازال صغيرا تستهويه لغة الطيور وخطاب الحكاية، والأسلوب البسيط، والتفكير السطحي المسطح … فهو مايزال يعتمد على غيره في مقاربة المواضيع علميا …

ـ عدم إحساس المتعلم بالقيمة الذاتية؛ حيث وجهت الحمامة شعوره وحركته نحو التضامن مع الطفلة على تقدير حصول هذا، بما يشعره بعدم قدرته على تعزيز سلوكه من واقع معيش هو سيده والفاعل فيه عبر كفاية توجيه سلوكه نحو الفعل بحرية.

ـ اضطراب الانتماء إلى مجتمعه المغربي لالتباس المجتمع عليه في النص؛ هل هو مجتمع حيواني أو إنساني؟ والإنساني: هل هو المغربي أم العالمي أو الإقليمي؟ فالنص أدبي بامتياز يتطرق إلى مسألة اجتماعية صرفة. تتطلب الأسلوب العلمي الملتزم بالحقل الاجتماعي ومعطاه الموضوعي والمفاهيمي والمنهجي والاصطلاحي …

ـ التباس الاندماج الاجتماعي عند المتعلم، أيندمج في عالم الحمائم التي قادت الإنسان إلى التضامن مع الطفلة سمر وحاكت لها لباسا وأقامت لها حفلة أم في عالم الإنسان المسلوب الإرادة في هذا النص الخيالي، التابع لعالم الحيوان؟ وما متطلبات الاندماج التي يقرها النص ليصبح فردا من عالم الحيوان أم عالم الإنسان؟ وما هي العلاقات الممكن نسجها في إطار المجتمع الافتراضي للنص؟

                ومنه؛ فالنص يدخل المتعلم في سوء التوافق النفسي/ الشخصي مما يؤسس عنده أحد مداخل سوء التوافق الدراسي، ويفقده التفكير المنطقي والعلمي والموضوعي خاصة أنه بدأ يتعاطى مع القضايا الكلية وتفسيرها، ويفقده اكتساب المعرفة العلمية التخصصية بالمجال الثقافي والاجتماعي. وأخال المتعلم يوجه أسئلة جوهرية تتعلق بالحياة الثقافية والاجتماعية لهذا النص، الذي لم يزده إلا تأوها وتمتمة بالتباسه وغموضه المعرفي. فيقول له ما قاله التلميذ  » كالفن  » لأستاذته في سياق عدم إجابته عن سؤاله: ( بصراحة كنت أنتظر جوابا مقنعا بدل أن أهدر طاقتي في هذه الأشياء التافهة )[96]. وهنا؛ على المفتش التربوي أن ينبه إلى خطورة هذا النص على عملية تفكير المتعلم في المجتمعات ودراستها سوسيولوجيا في أبسط معطياتها من قبيل: تشكل المجموعات والمجتمعات البشرية، وتحليل التفاعلات الاجتماعية، والتعرف على القواعد والعمليات الاجتماعية التي تربط وتفصل البشر أفرادا وجماعات ومجتمعات ومؤسسات، والاهتمام بالسلوك البشري. وبما أن الحياة الثقافية والاجتماعية تشكل مبحثا من مباحث حقل علم الاجتماع، فهي تتطلب المقاربة العلمية لا الأدبية كما يدعو إلى ذلك أوغست كونت حتى يتكون عند المتعلم التفكير الاجتماعي. ويجب أن يوجه المدرس إلى وجوب امتلاكه كفاية النقد التربوي وحسه ليقف على المنزلقات التي يتضمنها المتن التعليمي. ويرشده إلى كيفية التصحيح أو تجاوز النصوص إلى نصوص ملائمة للمتعلمين، وبديلة مناسبة للوحدة المدرسة ولكفاياتها وظواهرها اللغوية المقررة وأطرها المرجعية الديداكتيكية والبيداغوجية والفلسفية ضمن إطار التفاوض مع التلاميذ؛ حيث ( يعدل المعلم المحتويات بحسب مستوى ومواقف التلاميذ وفي إطار تفاوض Négociation صريح أو ضمنني معهم، لكي تكون هذه المحتويات في متناولهم وتسمح بأجرأة التعاقد الديداكتيكي )[97]. ويوجهه في مقامه إلى طرح نص بديل يتطرق إلى الحياة الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي أو للمجتمع العربي المماثل له، حيث يتمثل النص مثلا: المفاهيم الثقافية والاجتماعية المنظمة له والناظمة لعقده ويحقق الكفاية الثقافية والاجتماعية عند المتعلم التي تمنحه التوافق الثقافي والاجتماعي مع المجتمع وتمكنه من الانسجام والتفاعل معه والفعل فيه. حيث تقرر نظرية المنهاج أن يتناول المتن التعليمي ( تجارب خارج الإطار المدرسي بالجماعة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، مع ضرورة مشاركة التلاميذ في ذلك مشاركة إيجابية نشيطة … فإن المواقف التربوية ينبغي أن تستفيد من المعارف المتوافرة عن المجتمع المحلي وقيمه وأنماط معيشته ومشكلاته وعن خصائص البيئة الطبيعية. لذلك يمكن للموضوعات الدراسية الخاصة بالمجتمع المحلي وما تعرضه من المواقف ذات المشاكل فيه أن تندرج على هذا النحو كعناصر في أنشطة التعلم، من لحظة اتضاح علاقتها بأهداف المقررات الدراسية ومضامينها )[98]. ولها صلة  وأن يقدم للمدرس المسلك المنهجي الذي يحقق التعلمات والقدرات والمهارات لدى المتعلم، ويمكنه من الفهم الصحيح لأهمية دور القيم في المجتمع المغربي خاصة والمجتمعات الإنسانية عامة.

2 ـ المستوى المعرفي: ونقصد به هنا البعد المعرفي في المتن التعليمي، وكيف يطرح نفسه على المتعلم؟ أيطرح نفسه بطريقة مناسبة لكفايات المتعلم المعرفية أم بطريقة معقدة تخلق عنده تحديا في الفهم والإمساك والتوظيف؟ أيراعي شروط تنظيم المتن التعليمي أم لا؟ أيستحضر معايير اختيار المتن التعليمي ذاته أم لا؟ … ولا نقصد هنا ذلك المجال المعرفي ودرجاته ومراتبه ومراقيه كما هي في صنافة  » بلوم  » Bloom، وخاصة منه العتبة وهي المعرفة، التي تعني قدرة المتعلم على الحفظ والتذكر للمعارف والحقائق العلمية والمعلومات … وإنما كيف تواجه المعرفة في الكتاب المدرسي المتعلم؟ وكيف يجدها في منحى التعلم؟ وهي مسألة إبستيمية ومنهجية وبيداغوجية في نفس اللحظة. تتطلب الكثير من الاشتغال النقدي، والقدرة على تحليل المعطى المعرفي المتضمن في المتن التعليمي وفي السيناريو التعليمي بما يتضمن من منهجية، وشروط الإنتاج والتنزيل والإجراء ومعاييرها. وهنا؛ يتدخل بشكل مباشر النقل الديداكتيكي القناة الرئيسية في نقل المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية ثم إلى المعرفة المدرسة. وما يعتريه من خلل لدى غير المختص في التأليف المدرسي. فقد أجمع المختصون على عدة معايير اختيار المتن التعليمي المتضمن للمعرفة، منها مثالا لا حصرا : ( ـ عدد المضامين وأنواعها، ومدى ما تتيحه للتلميذ من فرص ممارسة مختلف أنواع الأنشطة العقلية، وذلك بحسب الأهداف المتوخاة.

ـ أهميتها كمكتسبات يجب توافرها مسبقا حتى يمكن اكتساب مضامين لاحقة.

ـ ملاءمتها النفسية ـ التربوية، أي مدى قابليتها لتكون موضوعا للنشاط العقلي وتماشيها مع تطور القدرات والمواقف التي تسعى إلى تحقيقها أهداف التعلم، وذلك وفقا لمستوى التلاميذ الدراسي.

ـ مدى ما يمكن أن تثيره من اهتمام لدى التلاميذ، وقدراتها على حفزهم. ذلك أن الاضطلاع بأنشطة عقلية يكون أسهل على المتعلم عندما يجد في موقف التعلم مضامين تتجاوب مع اهتماماته أو تستثيرها، سواء كانت هذه الاهتمامات علمية؛ أو تقنية؛ أو زراعية؛ أو اجتماعية؛ أو جمالية؛ أو غير ذلك من أنواع الاهتمامات التي يمكن أن تكون نابعة من صميم وجدان الشخص نفسه أو ناتجة عن طبيعة الوسط الاجتماعي ـ الاقتصادي الذي ينتمي إليه.

ـ الأنواع المختلفة من التلاميذ واهتماماتهم المختلفة بحسب أعمارهم وخصائصهم الاجتماعية ـ الاقتصادية ووسطهم المعيشي )[99]. وهي المعايير التي تغيب عن بعض مقترحات الكتب المدرسية. ففي المتن التعليمي الموسوم ب  » حمة سيدي حرازم  » [100] للكاتب المغربي عبد المجيد بن جلون باستحضار البعد التاريخي الزمني، والبعد المعرفي مفارقات لواقع المتعلم المغربي من حيث:

ـ حدثية الزمن والمكان: النص يتحدث عن حدثية قديمة زمنيا معطياتها تفارق واقع المتعلم الراهن، وتفارق حدثية المكان. ذلك أن الحدث المتعلق بالسفر بالسيارة تجاوزه الزمن إلى السفر بعدة وسائل نقل مختلفة واستغرق السفر إلى الحمة حتى المشي على الأقدام في إطار الثقافة الرياضية والصحية لساكنة مدينة فاس. فحدث السفر في النص يوحي للقارئ ببعد هذه الحمة عن مدينة فاس، وهو ما كان فعلا في زمن الكاتب حين كانت مساحة فاس الحضرية والعمرانية غير واسعة وشاسعة. وأما اليوم فعكس ذلك؛ امتدت فاس الحضرية إلى خارج منطقة باب الفتوح. كما أن الحدث الجغرافي والطبيعي في النص يفيد بوجود الحمة في مكان طبيعي بكر  » الانحدار إلى الحمة؛ تحت النخيل الباسق؛ فوق ربوة صغيرة  » وهو المعطى الذي دخله العمران بالتغيير، فسكن الحمة الفندق والمسابح والساحة وموقف السيارات، وانتظم ماء الحمة في حنفيات فضلا عن انحصاره لاستغلاله من طرف شركة تعبأة ماء سيدي حرازم. وانحصر في الحمة ماء السباحة كذلك، فلم يعد بتلك الصورة التي رسمها النص  » سبحنا ما شاء لنا نشاطنا « . وهي تعبر بطريقة ضمنية عن تدفقه ووفرته. فالنص في هذه الحدثية يمد المتعلم بالمعلومات التالية عن الحمة:

ـ فاس منطلق الرحلة وهي مكان العبور إلى حمة سيدي حرازم؛

ـ حمة سيدي حرازم ذات مياه معدنية طبيعية دافئة؛

ـ باب الفتوح مكان الانطلاق لوجود موقف سيارات الأجرة به؛

ـ الحمة تقع عند سفح المنحدر؛

ـ الحمة تسمح بالسباحة؛

ـ الحمة توجد في منطقة نخيل باسق؛

ـ  توجد في الحمة ربوة صغيرة.

                وهي معلومات قديمة في بعض معطياتها، مما يشكل للمتعلم التباسا معرفيا بل مفارقة معرفية. ذلك أن المعطى الزمني تغير، والمعطى المكاني دخلته بعض التغييرات، وأصبح المكان في شكله غير المكان المذكور في النص. والطبيعة من حول الحمة تغيرت بفضل تدخل الإنسان بالعمران، والزمن بتغير مناخه وتساقط أمطاره، وهو ما انعكس على الحمة. ولم تعد كما كانت في صبى الكاتب الذي ولد في 1919، ويتحدث من عمق هذا التاريخ. وبذلك؛ فالنص يحمل من الماضوية ما ينعكس سلبا على معرفة المتعلم لتيمته. وبذلك؛ يفارق زمن المتعلم الحاضر معرفيا ويغلق عليه في زمن الكاتب الماضي. فهب، أن متعلما لم يزر اليوم حمة سيدي حرازم وقرأ النص، وطلبت منه وصف الحمة؛ فما الرصيد المعرفي الواقعي والحقيقي الذي سيصف به الحمة؟ فلن يتعد معلومات النص. وبذلك تنحصر معرفته في القديم وليس الجديد، وهو ما يعد موطنا لسوء التوافق الدراسي عندما نعيد المتعلم إلى الماضي ونغلق عليه! وهذا خطأ ديداكتيكي وبيداغوجي ومعرفي بامتياز. فالمتعلم يجب أن يعيش راهنيته. وعندما نتحدث له عن الماضي لابد أن نضعه في سياقه حتى يستحضر التغيرات والتطورات التي تحصل على الماضي. أما أن نترك المتعلم فيه دون إشارة بأن ذلك ماض فذلك خلل معرفي ومهني لابد من استدراكه. وهذه الهفوة المعرفية ما كانت لتكون في الكتاب المدرسي لو أنه ابتعد عن الأسلوب الأدبي في رواية الحقائق العلمية. فعالم  » الأسفار والرحلات والألعاب  » عالم الحقائق العلمية، وعالم الوصف الدقيق، وعالم تحليل الظواهر الاجتماعية والطبيعية … فالكتاب المدرسي هنا مبهور بالأسلوب الأدبي وبالحكي دون أن يستحضر في الحسبان بأنه كتاب مدرسي لا يدرس فقط اللغة وإنما الحقائق والمعارف العلمية كذلك. وفي مقاربة هذا النص مع تلميذة من المستوى السادس لموسمه الدراسي 2014/2015 من التعليم الخصوصي، وقع التباس معرفي في الجواب عن سؤالي القائل: أين تقع حمة سيدي حرازم؟ فكان عندها الحمة تقع في المسبح! فحين قلت لها هل النص يشير إلى ذلك. قالت: لا. وإنما صورة نص تشير إلى ذلك. ولابد هنا من الإشارة إلى أن صورة المسبح وخمسة أطفال ووضعية الطفل المستلقي على الأرض تشوش معرفيا على فهم النص. وهي صورة مفارقة لمضمون النص! ومفارقة لزمنية النص. وهي من مستجدات معطى حمة سيدي حرازم التي لم تكن في عهد الكاتب. كما أن سؤال وصف حمة سيدي حرازم: أجابت عنه بمعلومات ضئيلة ملتبسة عليها معرفيا نتيجة سيميولوجية النص، فقالت:  النخيل ـ المسبح ـ الماء الساخن. واستبعدت المنحدر والربوة الصغيرة. ومع الأسف الشديد أن يكون الكتاب المدرسي لا يراعي قواعد التأليف ولا شروطه، ويكون من هب ودب يدعي التأهيل لتأليف الكتاب المدرسي.

                وهذا النص يطرح قضايا معرفية أخرى من بينها:

ـ التوثيق: نعلم بأن التوثيق هو أحد دعائم العمل الإنساني كيفما كان هذا العمل خاصة في المجال العلمي وفي التأليف والبحث. فالنص لا يشير إلى مصدره بدقة، وإنما كتب  » عبد المجيد بن جلون ـ بتصرف ـ  » وهو توثيق ناقص، ولا يفيد المتعلم في التوثيق حيث المتعلم بصدد تعلم التوثيق. والطامة الكبرى أن الكتاب المدرسي تصرف في النص؛ فحبذا لو أنه أدخل على النص بعض المستجدات كاستدراك.

ـ المشوشات: في سيميولوجية النص صورة المسبح تشوش معرفيا على المتعلم. حيث تبقى لديه أسئلة معلقة من قبيل: هل يوجد المسبح في الحمة؟ هل الحمة هي المسبح؟. كما أن وضع الأطفال في الصورة يشوش على النص من حيث كون يوم الأطفال حسب نصه مر في نشاط ومتعة، بينما الطفل المستلقي على أرض المسبح توحي وضعيته بأنه في مشكلة!

ـ ترسيب المتعلم شرح المفردة اللغوية في ذاكرته بمعنى واحد مثل:  » الحمة  » بانحصارها في المعنى المعجمي من خارج السياق. وبذلك لا يكون المتعلم أمام تنمية الرصيد اللغوي. وإنما نكون في تنمية الرصيد اللغوي حين نشرح الكلمة في سياق لغوي مرادف، ثم نخرجها إلى المعجم اللغوي، فنتعرف على سياقات لغوية أخرى ذات دلالات مختلف للكلمة، ومثله:  » حمة  » في سياقه النصي: لنتوجه من فاس إلى حمة سيدي حرازم. فيكون السياق المرادف: لنذهب / لنسافر إلى عين سيدي حرازم الدافئة مياهها والشافية. فيعلم المتعلم بأن  » الحمة  » هي عين دافئ ماؤها يستشفى به من الأمراض. ونخرج كلمة  » حمة « [101] من هذا السياق ونذهب بها إلى المعجم، فنجد المعاني التالي للفظة حسب سياقات أخرى:

ـ  حم الشحمة: أذابها         الذوبان؛

ـ حم الماء: سخنه           التسخين؛

ـ حم الظهيرة: شدة حرها               الشدة؛

ـ الحمة: نزل على وجهي العرق            العرق؛

ـ حما الارتحال: عجله                العجلة؛

ـ حما الله له كذا: قدره وقضاه له              القدر والقضاء؛            المعاني المتجمعة وفق سياقاتها: الذوبان ـ التسخين ـ الشدة ـ العرق ـ العجلة ـ القدر والقضاء ـ الاهتمام ـ التسويد

ـ حم الأمر فلانا: أهمه                        الاهتمام؛                   ـ الحمى ـ المتعة ـ الأغلبية … وهي المعاني والمفردات اللغوية الجديدة التي ترفع رصيد المعجم اللسني للمتعلم.

ـ حمم الشيء: صيره أسودا                   التسويد؛

ـ حم الرجل: أصابته الحمى                   الحمى؛

ـ حمم المرأة: متعها بشيء بعد الطلاق           المتعة؛

ـ حم الشيء وحمه: معظمه                  الأغلبية؛

ـ …

                وبهذه الطريقة نكون أمام تنمية الرصيد اللغوي حقيقة، وهي تنمية معرفية تساهم في رفع رصيد المتعلم اللغوي بالمعلومات والمعارف والحقائق العلمية واللغوية. في حين بطريقة الكتاب المدرسي يسكن معجم المتعلم اللسني ويستقر كما ونوعا. وهي مسألة معرفية بامتياز.

ـ أسئلة النص لا ترقى إلى تحفيز المتعلم على التفكير لأنها تتعاطى ببلادة معه. فسؤالا:

ـ ما هي أقرب مدينة كبيرة إلى سيدي حرازم؟ بماذا عرفت ذلك؟

ـ هل وصل الأطفال إلى سيدي حرازم راكبين أم راجلين؟ بماذا عرفت ذلك؟

                والنص يفيد فاس والركوب في السيارة. ففي ماذا سيفكر المتعلم؟ أيمكن أن ندرج السؤالين في مفردة  » أفكر وأستنتج « ؟ أهي بلادة الكتاب المدرسي أم استبلاد المتعلم؟ وكان من الممكن من منطلق منزلق سيميولوجة النص أن نجعل المتعلم يفكر بطريقة مثيرة، لو سألناه: لماذا لم يرد المسبح في نص الكاتب؟ أو ندعوه إلى تحديد سن تقريبي للكاتب حين سافر إلى حمة سيدي حرازم انطلاقا من ملحقات النص أو التماس توقعات المتعلم حول تطور الحمة عبر الزمن. هنا يمكن أن نستفز تفكير المتعلم بدل استبلاده. والذي يشعر معه بالغباء نحو ذاته أو نبلد تفكير المتعلم؛ ما يعوق تطوره المعرفي ويؤدي به إلى انخفاض درجة التفكير عنده مقارعة المشاكل والإشكاليات أو الأنشطة التعليمية المعقدة والمشكلة  » الوضعيات المشكلة  » فيؤدي به إلى سوء التوافق الدراسي.

                والكتاب المدرسي يحمل محاضن سوء التوافق الدراسي من خلال المستوى المعرفي عندما يطرح بعض التعلمات والموارد والأنشطة المعقد على مستوى التجريد والصورنة والمفهمة والبنية والوظيفة. فمثلا: نفس الكتاب المدرسي يطرح في مادة الصرف والتحويل  » المعرف بـ < ال > وبالإضافة  » بعد مأساة المقاربة الديداكتيكية للموضوع استنتاجا[102] يفيد:

ـ يأتي الاسم معرفة أو نكرة.

ـ الاسم المعرف يدل على إنسان أو حيوان أو نبات أو شيء معروف ومعين.

ـ يعرف الاسم النكرة بـ < ال > أو الإضافة.

                فالاستنتاج يبقى مستغلقا على المتعلم، لأنه لا يمكن المتعلم من المعرفة الحقيقية التي تبين عمل لام التعريف في الاسم حتى يصبح معرفا ـ هنا معنى العمل ليس معنى نحويا ـ ، فيظل المتعلم يطرح سؤال:كيف تعرف  » ال  » الاسم النكرة؟ وكيف تعرفه الإضافة؟ وما هي العوامل التي تساهم في ذلك؟ … وهو أسئلة مبحث فلسفي ومنطقي فضلا عن كونها أسئلة مبحث مدرسي يقع في مادة الصرف والتحويل. فالمتعلم الذي يع ماهية التعريف سهل عليه أن يمسك بالقاعدة هنا. لكن في المقابل الذي لا يعرف ماهية التعريف يجد صعوبة في الإمساك بهذا التجريد المغلق. فهو ـ أي المتعلم ـ سيتمثل القاعدة في أحسن حال على مستوى السطح وبطريقة ميكانيكية دون الوعي بها والإلمام بكنهها. مما يستوجب على المفتش التربوي إرشاد الأستاذ/ة إلى وجوب البحث عن سبب إفادة  » ال  » والإضافة تعريف الاسم. ذلك ( ذهب المحققون من المتأخرين كالسيد الشريف العلامة وملانا النحرير التفتازاني الفهامة وغيرهما، أن التعريف يقصد به معين عند السامع من حيث هو معين، فهو إشارة إلى تعيين المعني وحضوره. فإذا دخلت اللام على اسم جنس، فإما أن يشار بها إلى حصة معينة منه، فردا كان، أو أفرادا، وتسمى لام العهد الخارجي. وإما أن يشار بها إلى الجنس نفسه وحينئذ إما أن يقصد الجنس من حيث هو كما في التعريفات ] [103][، فاللام حينئذ تسمى لام الحقيقة والطبيعة، وقد تسمى لام الجنس، ونظيره العلم الجنسي. وإما أن يقصد الجنس من حيث من حيث هو موجود في ضمن جميع الأفراد، وتسمى لام الاستغراق، أو في ضمن بعض الأفراد الغير المعين، وتسمى لام العهد الذهني. ولما جعل العهد الخارجي قسما للجنس، والذهني والاستغراق قسمان منه وكان في وجهه خفاء سماه بعض العلماء تحكما. والعلامة القوشجي شارح التجريد على خلاف التحقيق، وذهب إلى أن التحقيق أن اللام موضوعة للإشارة إلى الماهية لا بشرط شيء. ويتشعب منها أربع شعب، لأنه إن اكتفى بأصل الموضوع له ولم يقصد زائد تسمى لام الحقيقة، وإن قصد به الماهية في ضمن فرد أي بشرط شيء ـ فإن عين ذلك الفرد لسبق ذكره أو علمه أو غير ذلك ـ تسمى لام العهد الخارجي. وإن لم يعين قرينة ذلك البعض لكن دلت على إرادة البعض، كادخل السوق، فإن الدخول قرينة العموم فهو لام الاستغراق. والقصد إلى الماهية بشرط لم يعتبروه ولم يلتفتوا إليه؛ لأنه لا يقع إلا في المحاورات )[104]. وعليه يتأسس تفهيم المتعلم كيفية إدخال لام التعريف التعريف على الاسم كما جاء في نصه السابق، وكذلك هو نفس المسلك مع التعريف بالإضافة. فالمتعلم الذي لا تشفي المؤسسة التعليمية غليله وتروي عطش أسئلته، يقع في موطن سوء التوافق الدراسي، فينبذ المؤسسة والتعلم أو يقارعها من باب الإلزام فقط. وأية فرصة سانحة له للتسرب، يجد نفسه في الشارع. ومن هنا كان على المؤسسة التعليمية تدقيق كتبها المدرسية. ومن مكامن سوء التوافق الدراسي في الكتاب المدرسي تأسيس المعلوم على الغائب المجهول، وذلك مثل: تأسيس أغلب الصيغ الصرفية على السماع والحضور بالشكل والحرف للصيغ دون معرفة مصدرها، وهو الميزان الصرفي الذي يغيب عن المنهاج. وبذلك فالمتعلم يسير على التقليد والنسج على المنوال. فما أن يصادف طلب صيغة لم يتداولها لا يعرف كيف يصيغها. فهو لا يعرف الحروف الأصلية للكلمة ولا كيفية استخلاص أصل الكلمة ووضعه في الميزان الصرفي، وكثيرا ما وقفت في حصة الصرف والتحويل أدرس للمتعلمين الميزان الصرفي. والغريب أن الأجيال الجديدة من هيئة التدريس لا تعرف الميزان الصرفي ولا تتعاطى معه. وكذلك جداول الصرف والتغيرات التي تحدث على الفعل وبنيته إن كان معتلا وغير ذلك من القضايا المعرفية التي تقف حجرة عثرة أمام تعلم المتعلم. وهو ما يسبب له سوء التوافق الدراسي وتجده محرجا عندما تسأله كيف صغت يا صغيري هذه الصيغة الصرفية؟ وهناك قضايا معرفية معقدة لا محل لإثارتها الآن. لذا أعتقد أن جهاز التفتيش التربوي يجب أن يكون بحاثة متمرسا على البحث التربوي ضرورة بل ركنا حيث ينهدم الكيان بانعدامه. ولكي يفيد المؤسسة التعليمية ويرفدها بالجديد وبالإبداع فتتطور وتتجود.

3 ـ المستوى الديداكتيكي: وهو مستوى يلازم المستوى المعرفي ويسببه في كثير من الأحيان قضاياه الإشكالية. وسأضرب مثالا فقط تنسحب عليه كثير من الأمثلة وفي مختلف الكتب المدرسية! فمثلا: في نفس الكتاب المذكور سابقا نجد  » الحال « [105] موضوعا للتراكيب، فيه الكتاب المدرسي يطرح جدولا لملاحظته ـ المحطة الديداكتيكية: ألاحظ ـ  وهي محطة للملاحظة العلمية تؤدي إلى الاكتشاف وطرح الأسئلة التي تساهم في بناء الإشكالية، كما هي المدخل التعليمي لتمكين المتعلم من كيفية الملاحظة وأهميتها بالنسبة للبحث العلمي وللعلم ذاته. كان من المفترض أن نحترم شروطها ومتطلباتها كأداة بحث وتقصي للمعلومة. لكن لم يقع من ذلك شيء؛ فقد احتوى جدول الملاحظة على معلومات جوابية مجانية لن يجد المتعلم أية صعوبة في مقاربة الأسئلة من خلالها، ولن يبذل جهدا تفكيريا يذكر، فعينه كفيلة بالتقاط الجواب وقراءته!. فالجدول يفيد:

الجملصاحب الحالالحال
استيقظ الرجل متأخرا

انظلق على دراجته مسرعا

نزل صاحب السيارة مذعوا

الرجل

مصطفى ( ضمير )

صاحب السيارة

معرفة

معرفة

معرفة

متأخرا

مسرعا

مذعورا

نكرة

نكرة

نكرة

وأسئلة الملاحظة الخاصة به تفيد كذلك:

ـ كيف استيقظ مصطفى؟       كيف انطلق على دراجته؟

ـ كيف كانت حال صاحب السيارة عندما نزل؟

ـ ما بينت لنا هذه الأسماء: [ متأخرا، مسرعا، مذعورا ]؟      ماذا نسمي كلا منها؟

ـ هل معرفة أم نكرة؟                   ما حركة آخرها؟

                هذه الأسئلة؛ أجوبتها معلنة مسبقا، وعلى التلميذ فقط سوى النظر إلى الجدول والإجابة عنها.  ولن يبحث عن الحال أو صاحبه أو معرفة أو نكرة أو حركته. فإذا كانت هذه مرحلة الملاحظة لدى الكتاب المدرسي، فما تعريفها عنده؟ أهي النظر إلى الجدول وملاحظة الكلمات لقراءتها أم هي التي توجه الحواس والانتباه والتفكير إلى الظواهر والوقائع والقضايا للوقوف عليها، واكتشاف علاقاتها البينية ودور مكوناتها ومحاولة تفسيرها والاستفادة منها في وضع القوانين العلمية والنظريات والأنساق المعرفية ؟ فهي توظف الحواس والعقل والأدوات في اشتغالها، وتحرك التفكير نحو المناطق المظلمة أو الرمادية أو الملتبسة لتجليتها والإنارة عليها. وقد اعتمد الكتاب المدرسي على الملاحظة منذ زمن بعيد لأن (ملاحظة الأمثلة، تربي الانتباه في الأطفال، والإدراك الحسي، وملاحظة أوصاف التشابه، وتجريدها، لتركيب القواعد النحوية، هي أعمال عقلية أخرى مفيدة في تربية الحكم العقلي )[106]. وهي الملاحظة التي حاول هذا الكتاب المدرسي استنساخها واستثمارها، لكن شوهها. فالملاحظة المعتمدة في الكتب المدرسية القديمة كانت تتم في إطار الحوار والمناقشة دون إظهار المطلوب والإفصاح عنه. ويتم الوقوف عليه من خلال الأسئلة والحوار. بينما؛ ما قامت به مرحلة ألاحظ في هذا الكتاب المدرسي يدخل في الملاحظة العادية إن لم تكن العابرة. وبذلك لا تمكن المتعلم من امتلاك أسس ومبادئ الملاحظة العلمية. وبالتالي تخلق لدى المتعلم العاهة المعرفية العميقة. فالمتعلم والأستاذ والكتاب المدرسي يعتقد أنه يدرس الملاحظة للمتعلم كمدخل المعرفة، لكن الواقع خلافه. وهذا موطن من مواطن سوء التوافق الدراسي الخفية. وهذا المسلك المنهجي نجده كذلك في الكتب المدرسية[107] بكثرة. مما يدعو التفتيش التربوي إلى التنبيه إليه لتجاوزه، والمساعدة على مقاربته. كما أن الإشكال الديداكتيكي يؤدي إلى الإشكال المعرفي. فمثلا: الكتب المدرسية تأخذ بالطريقة الكلية في تدريس الأصوات اللغوية العربية. وهي طريقة محفوفة بالمخاطر المعرفية؛ لأنها تنطلق من الكل إلى الجزء وفق لنظرية الإدراك الكلي، والذي يتماشى مع منطوق سياق تداول اللغة، لكن في الغالب الأعم تؤدي إلى عدم اتقان المتعلم للأصوات اللغوية العربية وعدم التمكن منها. فالانطلاق من كلمة إلى الصوت المدروس يستوجب عند المتعلم التعاطي مع مجاهل صوتية. فلنفترض أن الظاهرة الصوتية المدروسة هي  » تَ  » والمدرس يقدمها له في كلمة:  » استدرك « . فالمعلم لكي يضبط الصوت المستهدف يجب عليه معرفة باقي الأصوات الأخرى. فإن لم يكن كذلك ـ وهو كذلك أي لا يعرفها ـ فإننا نكون أمام تدريس مجهول بمجاهل، وهي عملية لا تستقيم منطقيا وعقليا. وبذلك تستجلب للمتعلم استغلاقا معرفيا، وهو ما وقفت عليه عدة دراسات وما أثبتته التجربة والممارسة اليومية للتدريس والزيارات الصفية. وما يؤدي بالمتعلم إلى سوء التوافق الدراسي. وقد كنت نصحت بتوظيف الطريقة التركيبية أولا في تدريس جملة من الأصوات منفردة كوحدات لغوية وصوتية لها دلالة التعريف بالصوت. ثم الانتقال إلى الطريقة التحليلية التي تبدأ بالكل. حيث تظل أصوات الكلمات أو الجمل الحاملة للظاهرة الصوتية المستهدفة معلومة ومعروفة عند المتعلم دون الظاهرة المستهدفة. وبذلك يسهل تعليم أصوات اللغة العربية. وبذلك يذهب هذا المقترح إلى التأكيد على الفهم والإدراك للأصوات وليس على المران والتكرار والببغاوية في ترديد الجمل والكلمات والأصوات دون الوعي بها كأصوات. ولعل المسألة الديداكتيكية تشكل الإعاقة المنهجية في الكتاب المدرسي لأنها تتوارث في ظل النقل والنسج على المنوال عبر تاريخ تأليف الكتاب المدرسي. مما جعل دورسنا تتخذ نفس المنهجية وفي مختلف دروس المادة الدراسية الواحدة! في حين لكل درس طريقته ومنهجية تصريفه لمعطى خصوصيته وتفرده في ذاته عن ذوات الدروس الأخرى في نفس المادة المدرسية. ونتجت هذه المشكلة المنهجية عن اعتماد نفس الأطر النظرية لمقاربة المواد الدراسية كالطريقة الكلية، والاستقراء … دون توظيف منهجيات وتقنيات أخرى في تقديم الدروس كالاستنباط مثلا، وذلك بدعوى التمسك بمعطيات تربوية ونفسية يمكن إثبات هشاشتها في ظل الذات السيكولوجية ومعطياتها النفسية والتربوية والمعرفية والتواصلية والاجتماعية … وتطور الأبحاث والعلوم في مجال التدريس ودراسة الإنسان.

4 ـ المستوى السيميائي: وهو مستوى يتعلق هنا بالرمزية، والرمزية سواء تعلقت بالصور أو بالرموز المضمنة في الكتاب المدرسي أو الإشارات اللغوية والاستعارة والكناية … وستقارب الورقة في هذا المستوى الصور والرسومات والإشارات، حيث ( تعد الرسوم التوضيحية من أهم عناصر محتوى الكتاب المدرسي في المرحلة الابتدائية, فهي أول ما تقع عليه عين المتعلم. كما أنها تساعد في توضيح, وتفسير العديد من الأفكار التي يصعب التعبير عنها بالكتابة. وهى أيضا تساعد التلميذ في تصور المحتوى العلمي تصورا صحيحا يتطابق مع ما يرمى إليه المؤلف للمادة العلمية, كما تساهم في فهم كثير من المعلومات, واستيعاب الأفكار المركبة والحقائق التي قد يصعب عليه فهمها من خلال الكلمات, وعلى ذلك يمكن تلخيص أهمية الرسوم التوضيحية في النقاط التالية:

  • تجعل الكتاب أكثر حيوية؛ حيث إنها تقطع رتابة النص المكتوب.
  • تساعد على تزويد المتعلم بالخبرات التي تساعده على تكوين المفاهيم والصور الذهنية الواضحة المتضمنة لصفات الأشياء التي يرمز إليها بالألفاظ والكلمات.
  • توضح تتابع أنشطة تعليم العلوم في سهولة أكثر, حيث تغنى عن كثير من الكلمات, كما أنها مثلها مثل النصوص المكتوبة يتطلب التعامل معها القدرة على القراءة, والتفسير والتحليل, والقدرة على النقد.
  • ويؤكد هنش وآخرون Heinich et al (1993) أن كتب العلوم المدرسية تعتمد على تقديم شرح جزء كبير من مادتها العلمية من خلال اللغة غير اللفظية وخاصة الرسوم الخطيةGraphics  والمتمثلة في الرسوم التوضيحية Diagrams أو اللوحات  Charts أو الرسوم البيانية Graphs, والرسوم التوضيحية التتابعية Sequence Diagrams وغيرها من الأنماط الأخرى للرسوم الخطية؛ نظرا لأنها تساعد التلميذ على تخيل النص المكتوب بسهولة أكثر

 ويضيف ماير وآخرون Mayer et al,(1995) أن الرسوم التوضيحية تشغل مساحة كبيرة من مساحة صفحات كتب العلوم المدرسية تتراوح ما بين ثلث إلى نصف مساحة الصفحات من هذه الكتب, حيث تساعد التلاميذ في عملية التعلم, وتعلمهم كيف يفكرون بوضوح, ويعالجون المعلومات وينظمونها )[108]. وهو ما لا تحققه الكتب المدرسية في التعليم الابتدائي، فمثلا: نص  » حمة سيدي حرازم  » تتضمن صورة مفارقة للنص وهي إسقاط الحاضر على الماضي ما يشوش الفهم على المتعلم كما وقع مع التلميذة التي أجريت عليها اختبار تدقيق مقاربة النص فتبين أن صورة المسبح تشوش على الفهم وكذلك وضعية المتعلمين تشوش هي الأخرى وترفع عن النص المرح والفرح والانبساط. وكذلك سيميائية المرأة في الكتاب المدرسي تلك المرأة الفقيرة المتسولة الخادمة، فمثلا صورة المرأة[109] التي تصطحب معها ولدها وأحد الرجال يتصدق عليها تحط من قيمة المرأة في المجتمع وتشعر القارئ والمتلقي للصورة بدونية المرأة في المجتمع وعالتها عليه، في حين المرأة تجاوزت هذه الوضعية التقليدية التي ترسخت في الثقافة الشعبية وحتى عند بعض المثقفين وبعض الكتاب. فالذاكرة الجمعية المغربية مازالت تحمل الكثير من الصور الدونية للمرأة المغربية مما يدعو إلى تغيير هذه الثقافة في سيميائية الكتاب المدرسي. هذه التي تخالف حتى العقائد الدينية وهي تريد تعليم المتعلم الصلاة بالصور. فقد جعلت القبض في الصلاة يتم بوضع اليسرى على اليمنى[110] وليس العكس مما يبين أن الرسام لا يعرف للصلاة طريقا أو سها عنها ولم يكلف نفسه عناء السؤال للمختص في الدين ليضبط رسمه؟! وهو ما وقع في الصورة الثانية بعد التكبيرة الإحرام وكذلك صورة الركعة الثانية، حيث يضع الشخص المصلي يده اليسرى على اليمنى! ومنه؛ فعلى الكتاب المدرسي مراجعة سيميائيته لانعكاسها السلبي على المتعلم وعلى توافقه الدراسي. فالتلميذة التي تقف على صورتها وهي امرأة تتسول وتحصل على الصدقة تفقد الثقة في المستقبل وتشعر بانحطاط نفسيتها في المجتمع وهو ما ينعكس سلبا على أدائها المدرسي وتحصيلها التعلمي. فيؤدي بها إلى سوء التوافق الدراسي، ولربما التسرب الدراسي. وهذه الوضعية الهشة لسيميائية الكتاب المدرسي تقود المفتش التربوي إلى التنبيه إليها وتقديم البدائل إما بتصحيحها أو بتجاوزها بالنقد وتوضيح مخاطرها على معنى النص وعلى الكتاب المدرسي كما على المتعلمة والمتعلم وعائدها السلبي عل الفعل التعليمي التعلمي.

لابد للورقة من ختم:

                من خلال هذه الإطلالة القصيرة على التوافق وسوئه ومواطن سوئه في الكتاب المدرسي يمكن لنا المساهمة في إنارة أداء هيئة التدريس إلى وجوب قراءة الكتاب المدرسي قراءة نقدية وعلى مستويات عدة، وعلى الأقل المستويات الأربع المذكورة. كما يمكن للمفتش الاشتغال مع هيئة التدريس على تيمة التوافق وسوئه في تجاه الكتاب المدرسي والمتعلم والأستاذ والإدارة التربوية والتفتيش التربوي والنظام التعليمي والمجتمع. لأن هذا كله يشكل نسقا متفاعلة مكوناته بينها. ولكي نخرج من بوثقة الأحادية في الاشتغال على هذه التيمية يمكن تشكيل مجموعة البحث التدخلي لغرض دراسة مناطق سوء التوافق في المؤسسة التعليمية وبشكل جماعي ليقف كل مكون وعضو في مجموعة البحث عن موقع تدخله ونوع هذا التدخل وكيفية التدخل. ما ساهم في المعالجة والتصحيح والارتقاء بالفعل التعليمي وخلق ما يحقق التوافق الدراسي والنفسي والاجتماعي للمتعلم والمدرس على أقل تقدير إن لم يحققه للنسق التعليمي كله.

                وعلى العموم؛ فتيمة التوافق وسوئه تستحق البحث والدراسة خاصة الدراسة الميدانية لنشكل قاعدة معلومات في تيمته للمتدخلين والمشتغلين في الحقل التعليمي، ونؤسس قاعدة خاصة بالمدرسة المغربية بدل الاعتماد على القاعدة العالمية والأجنبية في دراسة هذه التيمة. ولله المنة والحمد.

عبد العزيز قريش

المفتش التربوي السابق

المـــــــــــــــراجــــــــــــــــــــــــــــــــــع

المراجع كما وردت في النص:

1 ـ المراجع الورقية:

 ـ د.توماس أ. هاريس، التوافق النفسي: تحليل المعاملات الإنسانية، ترجمة: ذ. إبراهيم سلامة إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1992.

ـ ذ.عبد العزيز قريش، القضايا المعرفية والإشكالات الديداكتيكية في المتن التعليمي بين المتعلم ووعي المدرس؛ نماذج من المدرسة الابتدائية للدرس وللوعي، عالم التربية، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2014، العدد 25.

ـ د. علال بن العزمية، المنظومة التربوية المغربية من الأزمة إلى الاختلالات، مجلة عالم التربية، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2014، العدد 25.

ـ ذ. محمد الامام الفكيكي، دور علوم التربية في تطوير الإشراف التربوي، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1992، العدد13.

ـ د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، دار الكتاب العربي، دمشق/القاهرة، سوريا/مصر، 2012، ط1.

ـ ذ. كمال زاخر لطيف، المعرفة بين التكوين والتكويم، مجلة الطفولة العربية، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الكويت، 2002، المجلد3، العدد11.

ـ د. أحمد محمد عبد الخالق، أصول الصحة النفسية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 2001، ط3.

ـ د. أحمد شبشوب، مدخل إلى بيداغوجيا المواد: الديداكتيك، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1992، العدد13.

ـ د. نبيل علي ود. نادية حجازي، الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، العدد 318.

ـ د. نبيل علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2009، العدد 369، الجزء1.

ـ د. يزيد عيسى السورطي، السلطوية في التربية العربية، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،  الكويت، 2009، العدد 362.

ـ د. سليمان عبد الواحد، سيكولوجية التفكير لدى المتعثرين دراسيا، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2011، ط1، ص.: 18.

ـ د. محمد بوبكري، تأملات في نظام التعليم بالمغرب، مطبعة فيكيك، الدار البيضاء، المغرب، 1996، ط1.

ـ المرسوم رقم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى1423(17 يوليو 2002 ) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، كما وقع تغييره وتتميمه.

ـ د. عمر بشير الطويبي، التدريس والصحة النفسية للتلميذ، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، ليبيا، 1992، ط1.

ـ ذ. محمد تويس، التدريس بالخريطة الذهنية: دراسة ميدانية،  تحت إشراف ذ.عبد العزيز قريش 2013/2014، عرض مقدم بم/م أولاد داود، نيابة تاونات.

ـ ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، د.ت.، مجلد13، صص.: 122 ـ 124، وكذلك انظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج4.

ـ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ب.، د.ت.، الجزء3.

ـ ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، مجلد1، صص.: 92 ـ 99. وانظر: القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج1، صص.:18 ـ 19.

ـ د. عبد الحميد محمد شاذلي، التوافق النفسي للمسنين، المكتبة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 2001.

ـ لجنة علم النفس والتربية، معجم علم النفس والتربية، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر، 1984، الجزء1.

ـ ذ. محمد يوسف أحمد راشد، التوافق الدراسي والشخصي والاجتماعي بعد توحيد المسارات في مملكة البحرين: دراسة ميدانية على طلبة المرحلة الثانوية بالمحافظة الوسطى، مجلة جامعة دمشق ،المجلد 27 ملحق2011.

ـ ذ. عبد المطلب القريطي، في الصحة النفسية، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر،  2003، ط2.

ـ د. عفراء إبراهيم خليل العبيدي، التفكير الإيجابي ـ السلبي وعلاقته بالتوافق الدراسي لدى طلبة جامعة بغداد، المجلة العربية لتطوير التفوق،2013، المجلد 4، العدد7.

ـ د. بيداء كيلان محمود، التوافق النفسي، كلية التربية الرياضية، جامعة بغداد، 2013، محاضرة مطبوعة، ص.: 12.

ـ د. محمد سلامة محمد غباري، أدوار الأخصائي الاجتماعي في المجال المدرسي، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2004.

ـ د. هدى عيسى إبراهيم الجبوري، أثر النمذجة ولعب الدور في التوافق النفسي الاجتماعي والتحصيل الدراسي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، كلية التربية للبنات، بغداد، غير منشورة.

ـ ذ. عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية: مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك 1، سلسلة علوم التربية9 ـ10، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب،1994، ط1.

ـ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج3.

ـ المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط29.

ـ وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم: 114 موضوع تنظيـم التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق ل: 21 شتنبر 2004.

ـ المادة 89 من مرسوم رقم 2.02.854 صادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية كما تم تعديله.

ـ ذ. صاحب أسعد ويس، التوافق الدراسي لدى طلبة الجامعة، مجلة سر من رأى، كلية التربية، جامعة سامراء، العراق، 2010، المجلد6، السنة6، العدد 20.

ـ د. سعيدة أبو سوسو، مدخل علم النفس في ضوء القران والسنة، دار الفكر العرب، مصر،2003.

ـ د. زينب شقير، العنف والاغتراب النفسي بين النظرية والتطبيق، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر،2005، ط1.

ـ د. كاملة الفرخ شعبان وعبد الجابر تيم، النمو الانفعالي للطفل، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999، ط1.

ـ د. مدحت عبد الحميد عبد اللطيف، الصحة النفسية والتفوق الدراسي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1999.

ـ د. محمد أحمد الرفوع ود.أحمد عودة القرارعة، التكيف وعلاقته بالتحصيل الدراسي: دراسة ميدانية لدى طالبات تربية الطفل بكلية الطفيلة الجامعية التطبيقية في الأردن، مجلة جامعة دمشق ، سوريا، 2004،المجلد20، العدد 2.

 ـ د. إبراهيم الخضر الحسن، التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بالتحصيل الدراسي لدى طلاب أبناء المغتربين في الجامعات السودانية  » بجامعة إفريقيا العالمية بالسودان، كلية التربية و الدراسات الإنسانية، جامعة إفريقيا العالمية بالسودان، 1998، غير منشورة.

ـ د. عبد المريد عبد الجابر، التوافق مع الحياة الجامعية وعلاقته باحتمالية التسرب الدراسي لدى عينة من طلاب الجامعة، كلية الآداب، جامعة حلوان، مصر، مطبوعة.

ـ . الجنيدي جبارة بلابل، التوافق الدراسي في علاقته بالتحصيل الدراسي والميل العلمي والميل الأدبي لدى طلاب الجامعة، كلية التربية، قسم علم النفس، جامعة أم القرى، أطروحة ماجستير، غير منشورة.

ـ فليب غابيليي وآخرون، الممارسات البيداغوجية المعاصرة، ترجمة د. عز الدين الخطابي ود. عبد الكريم غريب، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2013، ط1.

ـ ذ. مصطفى عسو وآخرون، المفيد في اللغة العربية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي: كتاب المتعلم، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ط 2003.

ـ رونيه أوبير، التربية العامة، ترجمة د. عبد الله عبد الدائم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1979، ط4.

ـ د. حامد عبد السلام زهران، علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1982، ط5.

ـ د. أحمد زكي صالح، علم النفس التربوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، د.ت.، ط10.

ـ د. عبد العزيز عبد المجيد وذ. صالح عبد العزيز، التربية وطرق التدريس، دار المعارف بمصر، القاهرة، مصر، 1976،الجزء1، ط12.

ـ روجيه سيغان، وضع المقررات المدرسية وتنفيذها،  دليل منهجي، قسم التعليم والبحوث، اليونسكو، د.ت.، د.ب.

ـ الشريف الجرجاني ، التعريفات، وضع حواشيه وفهارسه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009، ط3.

ـ د. محمد بن علي بن علي خيرات الدغريري، رسالة في لام التعريف لعيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها،1430/ 2009، العدد1.

ـ ذ. محمد غياتي وذ. محمد بلقزيز، كيفية تسيير الدرس: من وحي التربية وعلم النفس، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، 1957.

ـ ذ. الحسين بادو وآخرون، في رحاب اللغة العربية للمستوى السادس، مكتبة السلام الجديدة والدار العالمية للكتاب، الدار البيضاء، المغرب.

ـ د. مندور عبد السلام فتح الله، أثر التفاعل بين قراءة الرسوم التوضيحية والأسلوب المعرفي على التحصيل والاتجاه نحو قراءة الرسوم التوضيحية بكتاب العلوم للصف الخامس في المرحلة الابتدائية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، السعودية، العدد 106، مستلة.

ـ د. سعيد ربيع وآخرون، في رحاب التربية الإسلامية للمستوى الأول ابتدائي، الدار العالمية للكتاب ومكتبة السلام الجديدة ومكتبة التراث العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1424/2003، ط1.

ـ ذ. محمد القريشي وآخرون، الممتاز في التربية الإسلامية للسنة الثانية من التعليم الابتدائي، مكتبة الأمة، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 2003.

2 ـ المراجع الرقمية:

 ـ د. جمال الدين محمد مزكى عبد الرحمن، التوافق النفسي والاجتماعي والدراسي في أواسط طلاب جامعة المدينة العالمية ماليزيا، مقال منشورPDF، 2011.

 ـ د. جمال الدين محمد مزكى عبد الرحمن، التوافق النفسي والاجتماعي والدراسي في أواسط طلاب جامعة المدينة العالمية ماليزيا، مقال منشورPDF، 2011.

 ـ ذ. صالح إبراهيم محمود كباجة، التوافق النفسي وعلاقته بالسمات الشخصية لدي الأطفال الصم بمحافظات قطاع غزة، أطروحة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين، 2011، منشورة PDF.

ـ ذة. عبير بنت محمد حسن عسيري، علاقة تشكل هوية الأنا بكل من مفهوم ألذات والتوافق النفسي والاجتماعي والعام لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية بمدينة الطائف، جامعة أم القرى كلیة التربیة قسم علم النفس، 1423هـ، أطروحة ماستر PDF.

ـ ذ. ناجية بن الزاوي ،علاقة أساليب المعاملة الوالدية بالتوافق الدراسي لدى تلاميذ مرحلة المتوسط: دراسة ميدانية ببعض متوسطات مدينة تقرت، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، الجزائر، أطروحة ماستر PDF.

ـ ذة. دليلة بوصفر، الاستقلال النفسي عن الوالدين وعلاقته بالتوافق الدراسي لدى الطالب الجامعي المقيم: 18 ـ 21 سنة؛ دراسة ميدانية  بجامعة مولود معمري ولاية تيزي وزو، جامعة مولود معمري، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم علم النفس وعلوم التربية والأورطفونيا، الجزائر، أطروحة ماسترPDF.

ـ موسوعة ويكيبيديا.

ـ د. هاني عبد اللطيف، ما المقصود بسوء التوافق؟، http://www.youm7.com

ـ ذ. محمد شركي، الكتاب المدرسي: الوظيفة والاستعمال:عرض نظري خاص بحلقة التكوين المستمر لفائدة أساتذة مادة اللغة العربية بالتعليم الثانوي، /national-article-17657-ar/national-article-17657-ar.html

ـ ذ. عبد العزيز قريش، الكتاب المدرسي والنظرية النقدية، http://www.startimes.com/?t=9631062

ـ http://www.webteb.com/terms/1898/%D8%A8%D9%82%D8%B9%D8%A9

ـ معجم المعاني الجامع،

http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&word=%D8%B6%D9%88%D8%A1

ـ د. زياد بركات، التوافق الدراسي لدى طالبات الجامعة: دراسة مقارنة بين المتزوجات وغير المتزوجات في ضوء بعض المتغيرات، جامعة القدس المفتوحة، طولكرم، فلسطين، 2006، PDF.

[1]  د.توماس أ. هاريس، التوافق النفسي: تحليل المعاملات الإنسانية، ترجمة: ذ. إبراهيم سلامة إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1992، ص.: 45.

[2]  انظر على سبيل المثال الدراسة الأخيرة المنشورة لي في مجلة عالم التربية الموسومة ب:  » القضايا المعرفية والإشكالات الديداكتيكية في المتن التعليمي بين المتعلم ووعي المدرس؛ نماذج من المدرسة الابتدائية للدرس وللوعي »، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2014، العدد 25، صص.: 259 ـ 314.

[3]  د. علال بن العزمية، المنظومة التربوية المغربية من الأزمة إلى الاختلالات، مجلة عالم التربية، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2014، العدد 25، صص.: 5 ـ 15.

[4]  ذ. محمد الامام الفكيكي، دور علوم التربية في تطوير الإشراف التربوي، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1992، العدد13، صص,: 60 ـ 64.

[5]  د. جمال الدين محمد مزكى عبد الرحمن، التوافق النفسي والاجتماعي والدراسي في أواسط طلاب جامعة المدينة العالمية ماليزيا، مقال منشورPDF، 2011، صص.: 1 ـ 31. وهو نفسه بصيغة أخرى عند: د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، دار الكتاب العربي، دمشق/القاهرة، سوريا/مصر، 2012، ط1، صص.:63 ـ 64.

[6]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:63.

[7]  نفسه، ص.:64.

[8]  ذ. كمال زاخر لطيف، المعرفة بين التكوين والتكويم، مجلة الطفولة العربية، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الكويت، 2002، المجلد3، العدد11، صص.: 78 ـ 89.

[9]  د. أحمد محمد عبد الخالق، أصول الصحة النفسية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 2001، ط3، ص.:61.

[10]  د. أحمد شبشوب، مدخل إلى بيداغوجيا المواد: الديداكتيك، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1992، العدد13، صص,: 65 ـ 94.

[11]  د. نبيل علي ود. نادية حجازي، الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، العدد 318، ص.:302.

[12]  د. نبيل علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2009، العدد 369، الجزء1، ص.:106.

[13]  د. نبيل علي، مرجع سابق، ص.: 107.

[14]  د. يزيد عيسى السورطي، السلطوية في التربية العربية، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،  الكويت، 2009، العدد 362، ص.:82.

[15]  د. سليمان عبد الواحد، سيكولوجية التفكير لدى المتعثرين دراسيا، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2011، ط1، ص.: 18.

[16]  نفسه، صص.ك 15 ـ 16.

[17]  د. نبيل علي ود. نادية حجازي، الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة، مرجع سابق، العدد 318، ص.:301.

[18]  د. محمد بوبكري، تأملات في نظام التعليم بالمغرب، مطبعة فيكيك، الدار البيضاء، المغرب، 1996، ط1، صص.: 42 ـ 43.

[19]  د. نبيل علي ود. نادية حجازي، الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة، مرجع سابق، العدد 318، ص.:302.

[20]  المرسوم رقم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى1423(17 يوليو 2002 ) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، كما وقع تغييره وتتميمه.

[21] نفسه، صص.: 45 ـ 46.

[22]  نفسه، ص.: 46.

[23]  د. محمد بوبكري، تأملات في نظام التعليم بالمغرب، مرجع سابق، ص.: 151.

[24]  د. عمر بشير الطويبي، التدريس والصحة النفسية للتلميذ، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، ليبيا، 1992، ط1، ص.:28.

[25]  ستنشر الدراسة التي قام بها الأستاذ محمد تويس تحت إشراف المفتش التربوي عبد العزيز قريش خلال الموسم الدراسي 2013/2014.

[26]  ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، د.ت.، مجلد13، صص.: 122 ـ 124، وكذلك انظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج4، ص.:217.

[27]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ب.، د.ت.، الجزء3، ص.: 113.

[28]  ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، مجلد1، صص.: 92 ـ 99. وانظر: القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج1، صص.:18 ـ 19.

[29]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، الجزء6، ص.: 128.

[30]  ذ. صالح إبراهيم محمود كباجة، التوافق النفسي وعلاقته بالسمات الشخصية لدي الأطفال الصم بمحافظات قطاع غزة، مرجع سابقPDF، ص.:15.

[31]  د. عبد الحميد محمد شاذلي، التوافق النفسي للمسنين، المكتبة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 2001، صص.: 25 ـ 26.

[32]  لجنة علم النفس والتربية، معجم علم النفس والتربية، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر، 1984، الجزء1، ص8.

[33]  نفسه، ص8.

[34]  ذ. محمد يوسف أحمد راشد، التوافق الدراسي والشخصي والاجتماعي بعد توحيد المسارات في مملكة البحرين: دراسة ميدانية على طلبة المرحلة الثانوية بالمحافظة الوسطى، مجلة جامعة دمشق ،المجلد 27 – ملحق2011، صص.: 701 ـ 740.

[35]  د. جمال الدين محمد مزكى عبد الرحمن، التوافق النفسي والاجتماعي والدراسي في أواسط طلاب جامعة المدينة العالمية ماليزيا، مقال منشورPDF، 2011، صص.: 1 ـ 31.

[36]  ذ. صالح إبراهيم محمود كباجة، التوافق النفسي وعلاقته بالسمات الشخصية لدي الأطفال الصم بمحافظات قطاع غزة، أطروحة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين، 2011، منشورة PDF، ص.:8.

[37]  نفسه، ص.:17.

[38]  ذ. عبد المطلب القريطي، في الصحة النفسية، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر،  2003، ط2، ص.: 50.

[39]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:64.

[40]  ذة. عبير بنت محمد حسن عسيري، علاقة تشكل هوية الأنا بكل من مفهوم ألذات والتوافق النفسي والاجتماعي والعام لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية بمدينة الطائف، جامعة أم القرى كلیة التربیة قسم علم النفس، 1423هـ، أطروحة ماستر PDF، صص.: 35 ـ 36.

[41]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، صص.:67 ـ 68.

[42]  د. عبد الحميد محمد شاذلي، التوافق النفسي للمسنين، مرجع سابق، صص.: 26 ـ 27.

[43]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، الجزء2، ص.: 268.

[44]  ذ. ناجية بن الزاوي ،علاقة أساليب المعاملة الوالدية بالتوافق الدراسي لدى تلاميذ مرحلة المتوسط: دراسة ميدانية ببعض متوسطات مدينة تقرت، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، الجزائر، أطروحة ماستر PDF، ص.: 30. وهو تعريف مأخوذ عن د. عفراء إبراهيم خليل العبيدي، التفكير الإيجابي ـ السلبي وعلاقته بالتوافق الدراسي لدى طلبة جامعة بغداد، المجلة العربية لتطوير التفوق،2013، المجلد 4، العدد7،صص.: 123 ـ 152.

[45]  ذة. دليلة بوصفر، الاستقلال النفسي عن الوالدين وعلاقته بالتوافق الدراسي لدى الطالب الجامعي المقيم: 18 ـ 21 سنة؛ دراسة ميدانية  بجامعة مولود معمري ولاية تيزي وزو، جامعة مولود معمري، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم علم النفس وعلوم التربية والأورطفونيا، الجزائر، أطروحة ماسترPDF، ص.:18.

[46]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:64.

[47]  موسوعة ويكيبيديا، تعريف  » لا توافق « .

[48]  د. بيداء كيلان محمود، التوافق النفسي، كلية التربية الرياضية، جامعة بغداد، 2013، محاضرة مطبوعة، ص.: 12.

[49]  د. هاني عبد اللطيف، ما المقصود بسوء التوافق؟،: http://www.youm7.com ينظر هذا السؤال في موقعه الأسبق الموجه يوم الأحد 27/11/2011.

[50]  لجنة علم النفس والتربية، معجم علم النفس والتربية، مرجع سابق، ص69.

[51] د. محمد سلامة محمد غباري، أدوار الأخصائي الاجتماعي في المجال المدرسي، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2004، ص.: 35.

[52]  د. هدى عيسى إبراهيم الجبوري، أثر النمذجة ولعب الدور في التوافق النفسي الاجتماعي والتحصيل الدراسي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، كلية التربية للبنات، بغداد، غير منشورة، ص.:7.

[53]  ذ. محمد شركي، الكتاب المدرسي: الوظيفة والاستعمال:عرض نظري خاص بحلقة التكوين المستمر لفائدة أساتذة مادة اللغة العربية بالتعليم الثانوي، /national-article-17657-ar/national-article-17657-ar.html

[54]  ذ. عبد العزيز قريش، الكتاب المدرسي والنظرية النقدية، http://www.startimes.com/?t=9631062

[55]  ذ. عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية: مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك 1، سلسلة علوم التربية9 ـ10، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب،1994، ط1، صص.: 188 ـ 189.

[56]  الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج3، صص.:6 ـ 7.

[57]  المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط29، ص.: 45.

[58]  انظر: http://www.webteb.com/terms/1898/%D8%A8%D9%82%D8%B9%D8%A9

[59] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مرجع سابق، ج1، صص.:21 ـ 22.

[60]  معجم المعاني الجامع،

http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&word=%D8%B6%D9%88%D8%A1

[61]  وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم: 114 موضوع تنظيـم التفتيش التربوي للتعليم الابتدائي، بتاريخ: 06 شعبان 1425 الموافق ل: 21 شتنبر 2004.

[62]  المادة 89 من مرسوم رقم 2.02.854 صادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية كما تم تعديله.

[63]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:68.

[64]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:69.

[65]  ذ. صاحب أسعد ويس، التوافق الدراسي لدى طلبة الجامعة، مجلة سر من رأى، كلية التربية، جامعة سامراء، العراق، 2010، المجلد6، السنة6، العدد 20، صص.: 190 ـ 210.

[66]  د. زياد بركات، التوافق الدراسي لدى طالبات الجامعة: دراسة مقارنة بين المتزوجات وغير المتزوجات في ضوء بعض المتغيرات، جامعة القدس المفتوحة، طولكرم، فلسطين، 2006، PDF، صص.: 8 ـ 9.

[67]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، صص.:70 ـ 71.

[68]  نفسه، صص.: 71 ـ 72.

[69]  ذ. صالح إبراهيم محمود كباجة، التوافق النفسي وعلاقته بالسمات الشخصية لدي الأطفال الصم بمحافظات قطاع غزة، مرجع سابقPDF، ص.:30.

[70]  انظر: سعيدة أبو سوسو، مدخل علم النفس في ضوء القران والسنة، دار الفكر العرب، مصر،2003، ص47.

[71]  د. زينب شقير، العنف والاغتراب النفسي بين النظرية والتطبيق، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر،2005، ط1، ص:5.

[72]  د. كاملة الفرخ شعبان وعبد الجابر تيم، النمو الانفعالي للطفل، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999، ط1، ص.:16.

[73]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، ص.:69.

[74]  د. عبد الحميد محمد شاذلي، التوافق النفسي للمسنين، مرجع سابق، ص.: 28.

[75]  نفسه، ص.: 28.

[76]  د. غزوان ناصيف، الصحة النفسية والعلاج النفسي، مرجع سابق، صص.: 69 ـ 70.

[77]  د. عبد الحميد محمد شاذلي، التوافق النفسي للمسنين، مرجع سابق، ص.: 30.

[78]  نفسه، صص.: 28 ـ 29.

[79]  نفسه، صص.: 29 ـ 30.

[80]  نفسه، صص.: 30 ـ 31.

[81]  د. مدحت عبد الحميد عبد اللطيف، الصحة النفسية والتفوق الدراسي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1999، ص.: 85.

[82]  د. بيداء كيلان محمود، التوافق النفسي، مرجع سابق، صص.: 2 ـ 5. وهو نفسه عند: ذة. عبير بنت محمد حسن عسيري، علاقة تشكل هوية الأنا بكل من مفهوم الذات والتوافق النفسي والاجتماعي والعام لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية بمدينة الطائف، مرجع سابق، صص.: 36 ـ 40. كما يمكن التوسع في: [82]  د. مدحت عبد الحميد عبد اللطيف، الصحة النفسية والتفوق الدراسي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1999.

[83]  د. محمد أحمد الرفوع ود.أحمد عودة القرارعة، التكيف وعلاقته بالتحصيل الدراسي: دراسة ميدانية لدى طالبات تربية الطفل بكلية الطفيلة الجامعية التطبيقية في الأردن، مجلة جامعة دمشق ، سوريا، 2004،المجلد20، العدد 2، صص.: 119 ـ 146.

[84]  رسالة دكتوراه تحت إشراف الدكتور عبد الرحمن أحمد عثمان، كلية التربية و الدراسات الإنسانية، جامعة إفريقيا العالمية بالسودان، 1998، غير منشورة.

[85]  د. عبد المريد عبد الجابر، التوافق مع الحياة الجامعية وعلاقته باحتمالية التسرب الدراسي لدى عينة من طلاب الجامعة، كلية الآداب، جامعة حلوان، مصر، مطبوعة، صص.: 7 ـ 15.

[86]  ذ. الجنيدي جبارة بلابل، التوافق الدراسي في علاقته بالتحصيل الدراسي والميل العلمي والميل الأدبي لدى طلاب الجامعة، كلية التربية، قسم علم النفس، جامعة أم القرى، أطروحة ماجستير، غير منشورة، صص.: « ط » و »ى » و »ك ».

[87]  فليب غابيليي وآخرون، الممارسات البيداغوجية المعاصرة، ترجمة د. عز الدين الخطابي ود. عبد الكريم غريب، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2013، ط1، ص.: 163.

[88]  نفسه، ص.: 210.

[89]  ذ. مصطفى عسو وآخرون، المفيد في اللغة العربية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي: كتاب المتعلم، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ط 2003، صص.: 51 ـ 53.

[90]  رونيه أوبير، التربية العامة، ترجمة د. عبد الله عبد الدائم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1979، ط4، صص.: 130 ـ 131.

[91]  انظر أمثال هذا النص في مقالي:  » القضايا المعرفية والإشكالات الديداكتيكية في المتن التعليميين بين المتعلم ووعي المدرس، عالم التربية، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2014، العدد25، صص.: 259 ـ 314.

[92]  للتوسع تنظر كتب الاختصاص ومنها مثلا :

ـ د. حامد عبد السلام زهران، علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1982، ط5.

ـ د. أحمد زكي صالح، علم النفس التربوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، د.ت.، ط10.

ـ د. عبد العزيز عبد المجيد وذ. صالح عبد العزيز، التربية وطرق التدريس، دار المعارف بمصر، القاهرة، مصر، 1976،الجزء1، ط12.

[93]  د. عبد العزيز عبد المجيد وذ. صالح عبد العزيز، التربية وطرق التدريس، دار المعارف بمصر، القاهرة، مصر، 1976،الجزء1، ط12، ص.: 109.

[94]  نفسه، صص.: 109 ـ 110.

[95]  د. حامد عبد السلام زهران، علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1982، ط5، صص.: 240 ـ 241.

[96]  انظر تفاصيل الحوار في: فليب غابيليي وآخرون، الممارسات البيداغوجية المعاصرة، ترجمة د. عز الدين الخطابي ود. عبد الكريم غريب، مرجع سابق، ص.: 209.

[97]  فليب غابيليي وآخرون، الممارسات البيداغوجية المعاصرة، ترجمة د. عز الدين الخطابي ود. عبد الكريم غريب، مرجع سابق، ص.: 11.

[98]  روجيه سيغان، وضع المقررات المدرسية وتنفيذها،  دليل منهجي، قسم التعليم والبحوث، اليونسكو، د.ت.، د.ب.، ص.: 59.

[99]  روجيه سيغان، وضع المقررات المدرسية وتنفيذها،  مرجع سابق، صص.: 59 ـ 60.

[100] ذ. مصطفى عسو وآخرون، المفيد في اللغة العربية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي: مرجع سابق، صص.: 194 ـ 195.

[101]  انظر في معانيه المتعددة المعاجم اللغوية، وعلى سبيل المثال: المنجد في اللغة والأعلام، مرجع سابق، صص.: 150 ـ 152.

[102]  ذ. مصطفى عسو وآخرون، المفيد في اللغة العربية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي: مرجع سابق، ص.: 173.

[103]  انظر تعريف الجنس في: الشريف الجرجاني ، التعريفات، وضع حواشيه وفهارسه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009، ط3، ص.:83.

[104]  د. محمد بن علي بن علي خيرات الدغريري، رسالة في لام التعريف لعيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها،1430/ 2009، العدد1، ص.:37. ويمكن التوسع في لام التعريف من خلال هذه الرسالة القيمة.

[105]  ذ. مصطفى عسو وآخرون، المفيد في اللغة العربية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي: مرجع سابق، ص.: 126.

[106]  ذ. محمد غياتي وذ. محمد بلقزيز، كيفية تسيير الدرس: من وحي التربية وعلم النفس، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، 1957، ص.:181.

[107] ذ. الحسين بادو وآخرون، في رحاب اللغة العربية للمستوى السادس، مكتبة السلام الجديدة والدار العالمية للكتاب، الدار البيضاء، المغرب، ص.: 140.

[108]  د. مندور عبد السلام فتح الله، أثر التفاعل بين قراءة الرسوم التوضيحية والأسلوب المعرفي على التحصيل والاتجاه نحو قراءة الرسوم التوضيحية بكتاب العلوم للصف الخامس في المرحلة الابتدائية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، السعودية، العدد 106، مستلة، ص.:5.

[109] د. سعيد ربيع وآخرون، في رحاب التربية الإسلامية للمستوى الأول ابتدائي، الدار العالمية للكتاب ومكتبة السلام الجديدة ومكتبة التراث العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1424/2003، ط1، ص.: 66.

[110]  ذ. محمد القريشي وآخرون، الممتاز في التربية الإسلامية للسنة الثانية من التعليم الابتدائي، مكتبة الأمة، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 2003، ص.:62 وص.: 67.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *