Home»Débats»راهن التعيين في مناصب التسيير الإداري بالجامعة اختلالات مسطرية وتجاذبات حزبية

راهن التعيين في مناصب التسيير الإداري بالجامعة اختلالات مسطرية وتجاذبات حزبية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بقلم: بلقاسم الجطاري

   يعتبر التعليم العالي أحد القطاعات التي سعت الدولة إلى إصلاح بنياته ومخرجاته مع مطلع الألفية الثالثة، واتخذت لذلك مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تهدف إلى بعث الحيوية فيه وخلق نوع من الدينامية في مرافقه. وهكذا عمدت، في إطار إصلاح مؤسساتي حديث وشامل، إلى محاولة تحديث القطاع، وإعادة النظر في هيكلته، وتطوير آليات اشتغاله، ومحاولة ربطه بالمجتمع وقطاعاته الحيوية، وتوسيع صلاحياته ومهامه؛ فتم، في هذا الإطار، إدخال تعديلات جذرية على بعض التشريعات والقوانين التي تنظم القطاع وتحدد مهام مؤسساته وموارده البشرية، وذلك من خلال اعتماد مقاربة شعاراتها: الحكامة، البعد التشاركي، والانفتاح على المحيط السوسيومهني…
في ظل هذه النوايا والشعارات المعلنة من قبل المسؤولين، منذ مدة تزيد عن العقد من الزمن، ساد الانطباع لدى العامة والخاصة أن الدولة قد غيرت من نظرتها الى مجال التعليم العالي، وتجاوزت رؤيتها الكلاسيكية للقطاع، ونعني تعاملها مع الجامعة والمدارس العليا بوصفها مجرد ملحقات ذات مهام محدودة.
لقد تم التعبير، بشكل واضح وصريح، منذ اعتماد المقاربة الإصلاحية لسنة 2000، عن استراتيجية واضحة المعالم والمسار، وعن رغبة واضحة في إعادة رسم دور الجامعة وجعلها أحد أهم ركائز الدعم الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي للوطن. ومن منظور هذه المقاربة تم استدعاء مفهوم التنمية البشرية الشاملة، كرؤية وتصور، اتخذ من الجامعة، مركز انطلاق خارطة طريق تسعى إلى زرع بذور ثقافة التسيير العقلاني لدواليب الإدارة، واعتماد مفهوم حكامة الموارد، وربط المسؤوليات والمناصب العليا بمبدأ الفعالية والمحاسبة، وتقريب مؤسسات الدولة من المواطن (طالب العلم، أو غيره). وذلك وفق تصور يقيم أهمية بالغة لمفهوم الشراكة والتعاون مع  مكونات المجتمع الأخرى التي لا تنفصل عنها.
ولعل البادي للعيان، من هذا التصور الإصلاحي، وجود رغبة قطاعية في توجيه الاهتمام وتركيزه على دعامات أساسية، أهمها الجانب التشريعي، من خلال سن تشريعات جديدة تخص ميدان التعليم العالي، وتكوين الأطر، والبحث العلمي، تسعى أساسا إلى تحسين جودة المخرجات الجامعية، وتطوير أداء الموارد البشرية وحسن توزيعها،  وأجرأة الأهداف العامة والخاصة لكل مؤسسة، وتنزيل مشاريعها العلمية، وتجويد المداخل والمخارج (الشعب والتخصصات)، وتطوير مجال التأطير والشراكات الجامعية، والعلاقة بسوق الشغل والاحتياجات العامة للدولة المجتمع.
لقد عرف عدد الطلبة الوافدين على الجامعات، حسب تقارير المجلس الأعلى للتعليم، تزايدا كبيرا ما بين سنتي 2000 و2013، إذ انتقل العدد من 261 ألف طالب إلى 543 ألف  طالب. ويلاحظ بهذا الخصوص، أن المسالك ذات الاستقطاب المفتوح تحظى بأكبر نسبة من المسجلين، وأن العدد في ارتفاع متواصل. وحسب الإحصائيات دائما، فان نسبة 86,7 بالمائة من مجموع أعداد طلبة التعليم العالي توجهت نحو الجامعات، اي نحو الكليات ذات الاستقطاب الأكبر: كليات الآداب والعلوم الإنسانية، كليات العلوم القانونية والاقتصادية، وكليات العلوم التطبيقية. أما الطلبة الذين يتوجهون نحو المسالك ذات الاستقطاب المحدود (أي كليات الطب، والصيدلة، والهندسة، إلخ) فقد انتقل عددهم من 8,7 بالمائة سنة 2001 إلى 15,4 بالمائة سنة 2013. وهذا الوضع التشخيصي، بقدر ما يوضح النمو الايجابي الذي عرفته الجامعة المغربية، فإنه يدفع المسؤولين إلى طرح سؤال الإدارة والتسيير الجيدين لهذه الأعداد الهائلة الوافدة على الجامعة، والقدرة على توفير الجو المناسب لها من حيث الموارد البشرية (أساتذة، موظفون، أعوان، وتقنيون)، والمرافق الضرورية مثل المكاتب الخاصة بشؤون الطالب، المرافق الصحية، المختبرات، المكتبات، السكن الجامعي، الإطعام، الى غير ذلك من الضروريات. وهذا تحد كبير رأينا أن ننبش فيه، من زاوية نريد منها تشخيص بعض مكامن الخلل، واقتراح بعض الحلول التي من شأنها الإقلاع بالجامعة المغربية إلى مستويات أرقى مما هي عليه.
إن تصورنا لعملية الإصلاح يقضي، أساسا، بتجاوز الخلفية السياسية التي توجه القطاع، ونعني النظر إليه باعتباره مؤسسة شبه-تقليدية سماتها الركود، وافتقاد الفاعلية، وإنتاج طبقة اجتماعية من المتعلمين الذين يطغى عليهم التكوين النظري على حساب ما تحتاجه السوق من يد عاملة تتميز بالفاعلية والخبرة. وهذا القول يعني  ضرورة استشعار حساسية القطاع، ولزوم تمتين أواصر العلاقة بينه وبين غيره من القطاعات الأخرى، بصرف النظر عن الحسابات الاقتصادية الضيقة لمدى إنتاجيتها في هذه المرحلة، لأن قصور الإنتاجية راجع إلى واقع يتجاوز إمكاناتها، وهو الواقع الذي نرى بإمكانية تجاوزه من خلال إدراج مشاكلها ومعوقات تطويرها ضمن اهتمامات المؤسسة الجامعية.
يقضي تحديث قطاع التعليم العالي، أيضا، ضرورة خلق فضاء أكثر جاذبية للأفراد طالبي المعرفة؛ وللمؤسسات الإدارية، والسياسية، والثقافية التي تتغذى على المنتوج المعرفي والأكاديمي وتستثمره؛ والشركاء الاقتصاديين مثل الشركات، المصانع، والمختبرات العلمية والتقنية التي لا يمكن فصل دورة إنتاجها عن الجامعة كفضاء خاص بالتكوين النظري والتطبيقي.
وسعيا إلى لعب الدور المنوط بالجامعة وفق التصور الحداثي- التحديثي، نقترح، كفاعلين من داخل الجامعة، مجموعة من النقط التي نعتقد بأهميتها الشديدة، لتحديث آليات اشتغال الجامعة وجعلها فضاءً للإشعاع العلمي والثقافي الفاعل والفعال:

1-     ضرورة إعادة النظر في منهج هيكلة الجامعة وأدوار المؤسسات التابعة لها:

    إن أحد أهم نقط الارتكاز التي تتحكم في سير مؤسسة تعليم عالي مثل « الجامعة » هو مكتب رئاستها الذي يُؤَسس بموجب الظهير الشريف الأتي: (ظهير شريف بمثابة قانون / رقم 1.75.102 بتاريخ 13 صفر 1395 (25 فبراير  1975الذي نسخه ظهير 19 ماي 2000  و يتعلق بتنظيم الجامعات)، حيث نجد أدوار الجامعة منصوصا عليها في الجزء الأول، الخاص بالجامعة، في الباب الأول، حيث يتم تحديد مهمة الجامعة وإحداثها وفق خمسة فصول أساسية. بينما نجد في الباب الثاني من الظهير نفسه مهام رئيس الجامعة.
بشكل عام، يمكن القول أن الظهير المؤسس واضح من خلال ما يسطره من أدوار ومهام وواجبات، وليس هناك أي إشكال فيما يخص ما جاء به في ما يخص شكل هرم البنية الإدارية التي تنبني عليها باقي الهياكل المختصة في تسيير مؤسسة مثل الجامعة، إنما يظهر القصور واضحا، في عدم سعي المشرع الموازي، الذي من أدواره البارزة إيجاد القواعد، والقوانين، والآليات، والسبل التي تساهم بشكل فعال في تمكين رئيس الجامعة، أو بالأحرى مكتب رئاستها ككل، من منظومة متكاملة الأدوار، تؤدي مهامها بشكل فعال، لا يتنافى والمهام المنوط بها، ودون تشكيل نوع من العبء والثقل على كاهل الرئاسة الجامعية، التي لا يمكن، بأي شكل من الأشكال، تحميلها مسؤوليات جد مختلفة من حيث الطبيعة والشكل والدور.
إن تركيز السلطات في يد رئيس الجامعة سيحول، بداهة، دون تأديته للدور المنوط به. وهنا يجب القول أن وجود عمداء بالكليات، وإلى جانبهم فريق من رؤساء المصالح، لا يعفي الرئيس الأول من تحمل مسؤوليات جسام، كما أن الاستعانة بمجالس تؤدي ادوار مختلفة، لا يحل المشكلة، بل قد يزيدها تعقيدا، إذ يلاحظ عدم وضوح المهام، المفضي إلى التقصير، ونقصد في الموارد البشرية وفي تكوينها العملي، وهو ما يؤدي غالبا إلى عرقلة السير بالنسبة لرئاسة الجامعة ويحد من مردوديتها وفاعليتها تجاه المحيط.
وبتأمل المقتضيات التشريعية والتنظيمية، دائما، ومن خلال النظر في التركيبة الإدارية، على المستوى السطحي، تبدو وكأنها منسجمة مع مقتضيات القانون المؤسس والواقع اليومي. بل يمكن الحكم عليها، في إطار نظري محض، على أنها صيغة عملية، وبمقدورها أن تسهم بشكل فعال في تسيير شؤون أي مؤسسة جامعية بشكل واضح ودون أي تعثرات في المسار. لكن، إذا ما عدنا إلى واقعنا الذي تتحكم فيه متغيرات كثيرة لا علاقة للقانون وأنظمة التسيير بها، سنجد أن العقليات والطباع، في إطار غياب هياكل مراقبة وتنسيق، تؤدي بهذه القوانين والإجراءات إلى عدم تحقيق المردودية المرجوة والنتائج المبتغاة، حيث أنها تعرقل العديد من المشاريع وتسهم في نشر جو من الركود العام. وهنا نرى أنه يجب طرح التساؤل التالي: إذا كانت الجامعة تنبني على إطار تنظيمي-قانوني واضح، لكنها تعاني من مشاكل، ومردوديتها تبقى ضعيفة إزاء التحديات التي تم رفعها، فأين يكمن الخلل؟
الجواب على هذا السؤال، من منظورنا الخاص وتجربتنا المتواضعة، لا يكمن في التشريعات والأنظمة المهيكلة للمؤسسة الجامعية، إنما هو مشكل ناتج عن كون بعض العقليات التي تُمنح سلطة تسيير المؤسسات الجامعية، لا تفهم معنى التسيير إلا من خلال عقلية كلاسيكية لم تستطع لحد الآن، رغم التجربة والممارسة، أن تستوعب المقاربة الحداثية للتسيير المالي والإداري، التي ما فتئت الكثير من التشريعات الوزارية (قوانين، وقرارات، ومذكرات)، تَحثُ عليها بشكل متواصل، دون أن تجد أذانا صاغية  لمراسلاتها التي تنتهي، غالبا، داخل الرفوف، بذريعة عدم ملاءمتها للوضع/الواقع.
من هنا، يغدو واجبا اعتماد مقاربة متقدمة في تسمية المرشحين لمناصب المسؤولية، وذاك بغية حثهم على الالتزام بدفاتر تحملات واضحة تخص الجوانب الإدارية، والمالية، والبيداغوجية، وعلى تطبيق مضامين مشاريع العمل، وزرعها ضمن مجال سلطتهم، وذلك من أجل تفعيل مفاهيم من قبيل: الجودة، الحكامة، حسن التدبير، والانفتاح على المحيط. وتفصيلا للموضوع من جانب أكثر دقة، نقترح موضوع المناصب العليا كمدخل إلى إيجاد حل، في النقطة الموالية.

2-    توزيع كعكة المناصب العليا، الآفاق العلمية للجامعة، ودور الباحث الحقيقي:
بناء على ما تقدم ذكره، يعتبر موضوع إيلاء مناصب المسؤولية ضمن فضاء الجامعة أحد أكثر المواضيع حساسية. فالمناصب العليا (رؤساء الجامعة، العمداء، نواب العمداء، مدراء المدارس العليا، نواب المدراء)، كما يعلم الجميع، وعلى أرض الواقع، وليس على مستوى التشريعات والقوانين، غالبا ما تتم خندقته ضمن إطار المصلحة الحزبية، والقبائلية، والعشائرية، والعائلية، بدل المصلحة العامة. وهذا إشكال متجذر في هرم السلطة الجامعية، لا يمكن حله إلا باللجوء إلى إجراءات ومعايير كفيلة بأن تحد من هدر الزمن والموارد الخاصة بالمؤسسات الجامعية. فالجامعة، أو مؤسسات تكوين الأطر والبحث العلمي الموازية، لابد لها أن تنأى عن البعد الأيديولوجي في إطار أي تنصيب لأي فرد في إطار منصب مسؤولية ما، وأن يتم استحضار البعد الأكاديمي بالدرجة الأولى أولا وأخيرا. وبهذا المعنى فإن أي تنصيب خارج إطار الكفاءة العلمية والقدرة على الإبداع الخلاق في مجال التخصص سوف يؤدي بالمؤسسة الجامعية إلى عتبات أبواب الأحزاب السياسية، التي تعطي الأولوية للمصلحة الآنية الظرفية على حساب المصلحتين: العلمية الأكاديمية والإستراتيجية، وستبقى المؤسسات الجامعية عبارة عن ملحقات حزبية، تتحكم فيها الألوان السياسية والأهواء من داخل مكاتب الحزب، حيث يحضر البعد الإيديولوجي والمصلحة الخاصة قبل كل شي.
وللتذكير فقط، ومن أجل عقد مقارنة مباشرة بالواقع، نجد النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، ينص في الجزء الأول منه، باب الأحكام العامة، في المادتين 2 و 3 على ضرورة اعتماد مبدأ الحياد في إطار تحديد أدوار، وواجبات، وحقوق، ومهام أطر هيئة التدريس والبحث بالجامعة، إلا أن الواقع المعاش يؤكد وجود، معطيات عكس ما يحدده المشرع ويهدف إليه القانون. إذ يمكن الجزم بأن الواقع يخالف ما جاء به المشرع جملة وتفصيلا على مستوى جميع أبوابه، ولابد أن هذا يحصل في إطار غياب تصور يعالج بعض الوضعيات المخلة بالقانون والتي صارت عُرفا لدى بعض المشتغلين بالجامعة، لا سيما الذين يطغى عليهم طابع التفرغ للمصالح الشخصية، على حساب أداء المهام والواجبات في مجال الاشتغال.
وللإشارة فإن المهام الموكولة لهيئة الأساتذة الباحثين، كما تنص عليها المادة 4 من النظام الأساسي الخاص بهذه الفئة، تحدد مهام الأستاذ الباحث بشكل دقيق، ومن هذه المهام: المساهمة في إعداد برامج التعليم والتكوين والسهر على تنفيذها في شكل دروس رئيسية وأعمال توجيهية وأعمال تطبيقية / القيام، متى استلزمت الحاجة ذلك، وبتعاون مع الأوساط المهنية، بتحيين مضامين ومناهج التعليم / تنظيم وتوزيع حصص التعليم داخل الشعب أو المجموعات البيداغوجية وفقا لأحكام المادة 5 بعده / تقييم ومراقبة معلومات ومؤهلات الطلبة والمساهمة في الحراسة وفي لجان الامتحانات والمباريات / المساهمة في تنمية البحث الأساسي والتطبيقي والتكنولوجي وكذا الرفع من قيمته…
وبناء على مضمون هذه المادة، وانسجاما مع الغايات التي تؤطر تفاصيلها، يمكن صياغة مقترح تشريعي ومعرفي، من أجل حل مشكل الانحياز في إسناد مناصب المسؤولية العليا، وهنا يمكن استحضار التجربة الأمريكية في هذا الباب، ومبدأ Publish or Perish، الذي يمكن ترجمته كما يلي: « إما نشر الأعمال العلمية والأبحاث أو مغادرة الجامعة. » ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا مسجل بموجب قانون، لا يمكن لأي كان أن يتقلد منصب المسؤولية من داخل الجامعة إلا بشروط علمية وموضوعية صارمة جدا، تعطي الأولوية للبحث العلمي والفعالية في الوسط الأكاديمي على حساب باقي المهام والانشغالات التي يمكن أن تندرج ضمنها أنشطة المترشح. فالفعالية العلمية، والنشاط البحثي المتواصل، والإشعاع البيداغوجي، والتأطير العلمي للخريجين من الطلبة، والمشاركة في الورشات العلمية، هي أول وآخر الشروط التي يمكن أن تسمح لأي مترشح ولوج عالم المسؤولية الإدارية والعلمية بمؤسسة بحث علمي وتأطير أكاديمي.
ختاما، يبدو من البديهي القول باستحالة حصر جميع مهام الجامعة وإشكالاتها في مقال موجز، والحقيقة أن أقصى أمانينا أن نؤسس لمسار النقد والتقييم من منظور غيرة حقيقية عن الوضع الجامعي بالمغرب، وأن نحفز الباحثين للمساهمة في النقاش بهدف  تجاوز بعض المشاكل والاختلالات التدبيرية التي تعاني منها الجامعة المغربية، ومن ثم الرقي بها إلى مصاف الجامعات الدولية ذات الإشعاع والجاذبية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.