Home»Débats»رحم الله باها:كدت أقول « بيريغوفوا » المغرب

رحم الله باها:كدت أقول « بيريغوفوا » المغرب

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الإدريسي

ركن سيارته وانقاد لقدره:
في سنة1992 عين الرئيس الفرنسي « ميتران » Piere Béregovoy وزيرا أولا،في ظرف سياسي واقتصادي حرج؛اتسم بفتح ملفات الإنفاق العمومي غير المراقب؛وانخفاض العائدات الضريبية   مما أزم وضعية الخزينة الفرنسية .
يضاف الى هذا توالي المتابعات القضائية ،بتهم الارتشاء، لعدد من المقربين للرئيس.
آلى الوزير الأول على نفسه محاربة الارتشاء السياسي والمقاولاتي بلا هوادة؛ وفي تقديمه لبرنامج حكومته ،أمام الجمعية الوطنية،بتاريخ 8أبريل 1992،أكد على:
« الاستعجال،أخيرا، في محاربة الرشوة..مع وزير العدل « ميشال فوزيرت » أصرح علانية بمساندتي للقضاة الذين يلاحقون الفساد ،انتصارا للقانون لاغير.هناك شكوك تثار حول بعض الأشخاص العموميين الذين اغتنوا  بطرق غير مشروعة؛فإذا كانوا أبرياء يجب أن ينصفوا ،وإذا كانوا مذنبين يجب أن يعاقبوا.. وفي جميع الحالات يجب أن تسود العدالة ..وأقدم دعمي أيضا للشرطة التي تعمل.. »        عن ويكيبديا

لم تعوز لوبيات الفساد الحيل لتدمير الرجل ،فراحوا ينقبون في حياته الشخصية ،وعلاقاته،ومعاملاته المالية الخاصة،عن منافذ للريح.على  مدى شهور لم يكن هم الصحافة الفرنسية غير الحديث عن امتيازات استفاد منها ،بصفة شخصية مباشرة ،أو من خلال عائلته.  وحينما ارتقى الأمر إلى انكشاف قرض بدون فائدة ،وظفه في شراء شقة بباريس ،وكون المقرض من محيط ميتيران استلت كل السكاكين ،وتسابقت الأيادي نحو رقبة الوزير الأول.
في مساء يوم السبت فاتح ماي1993- بعد شهر من مغادرته « ماتنيون »- وبالضبط على الساعة السادسة وثمانية عشر دقيقة ،أُشعرت الوقاية المدنية بمدينة NEVES بوجود « بيريقوفوا » ،صريعا،على جانب إحدى ترعات المدينة؛وبرأسه أثر طلق ناري.  انتهى التحقيق إلى تأكيد انتحاره بمسدس حارسه الشخصي.
وعلى الطريقة الفرنسية المعروفة،لم تتوقف الأمور عند هذه الخلاصة الرسمية فظهرت روايات عدة وسُجلت أشرطة ،تحاول أن تؤكد أن الرجل لم ينتحر وإنما قتل.  حتى الاستعلامات العامة الفرنسية لم تؤكد منذ البداية نتيجة التحقيق.
كل ما هو مؤكد أن الرجل ركن سيارته ،وانقاد لخطواته  صوب الترعة حيث لقي حتفه بطلق ناري.
في جنازة الوزير صرح الريس ميتران بالآتي:  « كل تفسيرات العالم لا تبرر كوننا سلمنا للكلاب شرف رجل،وفي النهاية حياته؛بثمن جنوح مزدوج لمتهميه ،عن القوانين الأساسية للجمهورية،تلك التي تحمي شرف وحرية كل واحد منا.
ان الذهول ،الحزن والألم الذي أصاب عمق الضمير الشعبي ،منذ الإعلان عن ما حدث يوم السبت ،هل سيوجه صوب  سبل جديدة للمواجهة –على أساس الاحترام المتبادل-مما يعطي معنى جديدا للحياة السياسية؟أتمنى ذلك وأطالب به،وأُلجأ الى قضاء الفرنسيين ،بخصوص الإنذار الخطير الذي يتضمنه الموت المرغوب فيه ل »بيير بيريقوفوا ». »
من neves الى بوزنيقة:
تستحم المأساة الفرنسية في مياه المحيط الأطلسي  الشاسع ،مخلفة فيه كل خصوصياتها الجوهرية؛لتعبر الى شاطئ بوزنيقة،ومنه الى قنطرة وادي الشراط لتعيد تمثيل ما ظل عالقا بها من متشابهات:
*وزير دولة ،مكانته بالنسبة لرئيس الحكومة ،بمنزلة هارون لموسى –كما  كانت منزلة بريقيفوا من ميتران- يقرر هو بدوره ،تقريبا في نفس التوقيت المذكور،أن يركن سيارته ثم ينقاد لخطواته وهي تتجه به صوب الترعة –مرة أخرى- حيث قضى غرقا رجل برلمان صديق له. انقاد لخطواته أكثر من تفكيره؛لأن الظلمة لم تكن لتسعفه في رؤية ما كان يود رؤيته.
ولأنه ترك ما كان يريد رؤيته في السافلة،وصعد إلى السكة؛ربما لكي لا يموت،رحمه الله، إلا عاليا كنسر عمر أبي ريشة.
أكاد أجزم أن رئيس الحكومة لو استشاره في نفس الزيارة الغريبة –توقيتا ومكانا- لنهاه ،ولأقسم عليه ألا يفعل.
لهذا أقول انقاد ولا أقول ذهب.في الشريط المأساوي يُسمع صوت وهو يقول للوزير الرباح: سبحان الله كم من أرواح أزهقت في هذا المكان.كأنه آهل بأهله.  طبعا هذا من باب تفسير الغريب بالغريب.
وليس لنا الا أن نقول مع الشاعر:  لكن إذا حم القضاء على امرئ***فليس له بر وليس له بحر
*الانتحار الذي ثبت رسميا في حق الوزير الفرنسي،مستبعد جدا بالنسبة لرجل دولة – حسب النعت الملكي السامي-يمثل مدرسة في الإيمان والحكمة والنصح؛حسب شهادات كل من خالطه سياسيا وشخصيا. ومن جهة أخرى فان من يصادق،لعشرات السنين -مستشارا- بن كيران، لايمكن ألا تصيبه عدوى التفاؤل والضحك،حتى في أحرج اللحظات.
* وكما هو الأمر بالنسبة لبيريقوفوا –ولكل وزير حازم- لا بد أن يكون المرحوم عبد الله باها  قضى وهومثقل الوجدان والفكر بقضايا الدولة التي يطلعه عليها رئيس الحكومة؛وهي قضايا غير هينة ،اعتبارا للوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد،أسوة بمحيطها الدولي.  واعتبارا لقضايا الوحدة الترابية للمملكة ،والمحيط العربي المتداعي،وموت الأخلاق الدولية.
وإذا كانت أبواب جهنم فتحت على الوزير الفرنسي ،في أمور لها مساس – ظلما-  بذمته المالية ،فان المرحوم عبد الله باها وافد جديد على السلطة ،ولم يعرف له ثراء مشبوه. الرجل ينعت بالعلبة السوداء مما يعني أن كل ثروته في رجاحة عقله ووفائه وتواضعه؛وكل ذهبه في الصمت الحكيم،والعمل الدؤوب.
*خلافا للوزير الأول الفرنسي لم تتعرض الصحافة الوطنية لعبد الله باها بسوء ،وربما حتى بخير؛لأن الرجل ظل خارج
حلبة المصارعة ولا أقول المعارضة؛يتابع القصف والقصف المضاد في البرلمان ،لكنه لايرد مباشرة،على الأقل.في هذه ،ربما، لم يكن بن كيران يستمع  لنصح رفيقه وصَفِيه.
*وكما تلاحقت الطعون في خلاصة التحقيق الفرنسي الرسمي ،وقد أكد فرضية الانتحار؛تقاطرت ،في وسائط التواصل ،وفي المواقع الإخبارية،فرضيات التصفية السياسية، و حتى غير السياسية لوزير الدولة.
طبعا لاينكر أحد أن كل الشروط توفرت لتفسير ذهول المواطنين، وهم  يخبرون بأن وزيرا قضى تحت عجلات قطار؛وهو في مهمة غريبة،اعتبارا لتوقيتها. نعم قيل عن وزراء العدالة والتنمية إنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق،ويركبون القطارات ؛لكن أن يضاف إلى هذا كونهم يموتون تحت عجلاتها أيضا ،فهذا لا يستسيغه أحد؛وان كان حصل.
لينقشع هذا الغبش لا بد أن يقدم تقرير التحقيق ،الجاري،ما يكفي من التفاصيل للمواطنين،فهذا من حقوقهم.
هذا الإلحاح  على أدق التفاصيل مؤشر ايجابي يدل على الحيوية والتتبع؛وهما شرطان من شروط المواطنة الحق.
الظاهرة الخطيرة  التي أصبحت تتيحها شبكات التواصل هي توزيع الاتهامات ،بكل نزق شبابي وعشوائية؛وقد رأينا كيف
انهار الوزير الأول الفرنسي ،متألما من نهش صحافة غير نزيهة.وكيف تألم ميتران  لموت وزيره وصديقه – نهشا-وتمنى أن يجد الجميع في المأساة درسا لحسن تدبير الخلاف والمواجهة.
إن شهيد المغرب وزير دولة ،من حزب كبير،وللدولة مؤسساتها القضائية ووسائلها لتفسير كيف جرى ما جرى.
تعزية خاصة:
لصاحب الجلالة ،حفظه الله،في فقد رجل دولة كَبُر أداؤه وتواضعه.
للعائلة الصغيرة التي ستظل تنتظر الأب والزوج، في أوقات دخوله المعتادة؛لكن المرحوم لن يعود؛اذ عاد روحا إلى خالقه عز وجل.فصبرا صبرا آل باها..
للمغاربة جميعا ،فحيثما وليت وجهك وسمعك، يتناهى إليك الألم العام لهذا المصاب الجلل ؛وقد بكى الأباعد كما بكى الأقارب والأصحاب.
ولرئيس حكومتنا الذي فقد خلا وفيا ووزيرا عاملا ومستشارا ناصحا.نعم نعرف أنك فقت أخا لم تلده أمك؛وكنت وفيا أروع ما يكون الوفاء.
تقبلك الله يا شهيد في عالي المراتب.
mesbahamdane@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. مجيد المهياوي
    12/12/2014 at 17:00

    إذا كان البون شاسعا بين الرجلين فلماذاتقارن بينهما؟

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *