Home»Débats»عيد الأضحى بين الرؤية الشرعية والفتاوى السائبة

عيد الأضحى بين الرؤية الشرعية والفتاوى السائبة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

الدكتور عبد القادر بطار*

عيد الأضحى بين الرؤية الشرعية والفتاوى السائبة

طلعت علينا في هذه الأيام فتوى من الفتاوى السائبة، هدفها الأساس التشكيك في احتفال المملكة المغربية الشريفة بعيد الأضحى المبارك، وما يرتبط بهذه السنة الكريمة من شعائر دينية …
وأول ما يلاحظ على تلك الفتوى السائبة وغير الأمينة أنها لم تؤسس على أسس شرعية متينة، وقواعد فقهية وأصولية مشهودة، بل تأسست على قياس فاسد علته  حب الدينار والدرهم – تعس عبد الدينار-
نقول لصاحب هذه الفتوى السائبة: إن المغرب – كما هو متواتر- يعتمد الرؤية الشرعية أساسا في إثبات الشهور القمرية، وإذا كان هناك بلد في الدنيا يراقب الهلال مراقبة شرعية دقيقة، عبر جميع جهاته وأقطاره، فهو المملكة المغربية الشريفة بلا منازع. ومن المعلوم كذلك أن رؤية أهل المغرب للأهلة تؤكدها عادة المؤسسات العلمية المتخصصة في علم الفلك.
ولذلك فلا يلتفت إلى هذا اللغو العلمي، والتملق السياسي، والفتاوى السائبة التي أساسها حب الدينار والدرهم كما سلف.
وإذا كانت هناك إرادة في توحيد الرؤية الشرعية – وليس الحساب الفلكي كما جاء في الفتوى السائبة- فالمغرب وانطلاقا من المذهب المالكي يمتلك أسسا نظرية لذلك، يقول الشيخ خليل بن إسحاق المالكي الجندي (ت776هـ) في مختصره: « باب: يثبت رمضان بكمال شعبان أو برؤية عدلين … وعم إن نقل بهما عنهما لا بِمنفرد ».
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد المالكي المغربي الشهير بالحطاب (ت954 هـ) في شرحه لهذه العبارة: يعني أن الحكم بثبوت رمضان يعم كل من نقل إليه، إذا نقل بهما، أي بشهادة عدلين، أو نقل باستفاضة…(مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل).
وهذا القول الفقهي مؤسس على جملة من الأحاديث الصحيحة، من ذلك الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأقدروا له ». (الموطأ: كتاب الصيام)
يقول الإمام الباجي في شرحه لهذا الحديث: وقوله صلى الله عليه وسلم « حتى  تروا الهلال » الرؤية تكون عامة وخاصة، فأما العامة فهي أن يرى الهلال الجم الغفير، والعدد الكثير، حتى يقع بذلك العلم الضروري، فهذه لا خلاف في وجوب الصوم والفطر لمن رآه ومن لم يره… وهذا يخرج عن حكم الشهادة إلى حكم الخبر المستفيض…
وأما الرؤية الخاصة فهي أن يراه العدد اليسير، وذلك على ضربين، أحدها أن تكون السماء مغيمة، والثاني أن تكون صاحية، فإن كانت مغيمة فلا خلاف أنه يجوز فيها شهادة رجلين من أهل العدل، وإن كانت صاحية ثبت ذلك بشهادتهما عند مالك.
ومن فروع هذه المسألة الفقهية في المذهب المالكي أنه لا يثبت هلال رمضان بشهادة شاهد واحد، خلافا لأبي حنيفة والشافعي… (المنتقى شرح موطأ مالك للإمام الباجي ت494 هـ ج3 ص:3 طبعة دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة الأولى: 1430  هـ 1999مـ)
وفي المدونة الكبرى:  سأل الإمام سحنون الإمام ابن القاسم: أرأيت من رأى هلال رمضان وحده هل يرد الإمام شهادته ؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك ؟ قال: نعم. قلت أفيصوم هذا الذي رأى هلال رمضان وحده إذا رد الإمام شهادته ؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
وفي المدونة أيضا قلت: أرأيت هلال ذي الحجة ؟ قال: سمعت مالكا يقول: في الموسم إنه يقام بشهادة رجلين إذا كانا عدلين …(المدونة الكبرى، لإمام دار الهجرة مالك بن أنس برواية الإمام سحنون بن سعيد التونخي، ج1 ص: 193 طبعة دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى: 1425 هـ 2005مـ)
من الواضح أن هذه النصوص تتنزل على رؤية شهر رمضان، غير أنه يمكن إجراء ذلك على إثبات باقي الشهور القمرية، بما فيها شهر ذي الحجة الذي يرتبط بالوقوف بعرفة وبعيد الأضحى المبارك وما يصاحبه من شعائر دينية كالصلاة ونحر الأضحية…
كما يظهر جليا أن ثبوت الأهلة (جمع هلال) في المملكة المغربية الشريفة لا يخرج عن الرؤية العامة المستفيضة التي نص عليها الإمام الباجي آنفا.
وصفوة القول: فإن مسألة إثبات رؤية الأهلة مسألة خلافية، وهي مسألة فقهية قديمة جديدة، ترتبط بالمذاهب الفقهية المتبعة، والقول بتوحيد الرؤية يحتاج إلى اجتهاد فقهي جماعي، وإلى إرادة سياسية، بدل الفتاوى السائبة، والآراء الشاذة.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

* أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي في جامعة محمد الأول بوجدة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

7 Comments

  1. رجل تعليم
    07/10/2014 at 02:28

    اسمح لي سيدي الفقيه الجليل حتى هذه السطور التي تفضلت بها تنم عن مجموعة من القضايا التي تتطلب نقاشا علميا وموضوعيا، خصوصا لما دفعت بالإرادة السياسية، التي لا يمكن وضعها في مقدمة ضرورة التوحيد من حيث الجانب الديني والمعتقدات الإسلامية، حيث لا يمكن تصديق أو الإيمان بوجود اختلاف يوم فاتح محرم من السنة الهجرية، ويوم صوم رمضان، ويوم عيد الفطر، ويوم وقوف عرفة، ويوم عيد الأضحى، وعوما اليوم الأول من كل شهر من السنة الهجرية، فأي إرادة يتم انتظارها لتوحيد تواريخ وأيام السنة الهجرية وأعيادها المباركة؟؛

  2. متتبع
    07/10/2014 at 10:25

    ليس من الصعب أبدا توحيد التأريخ الإسلامي
    وتوحيد اليوم الأول من كل شهر من السنة الهجرية وذلك على صعيد الأمة الإسلامية

  3. عبدالقادر
    07/10/2014 at 23:06

    بسم الله الرحمان الرحيم
    أريد أن أحيل من يريد ان يستشير علماء الفلك عن رؤية الهلال على الموقع التالي: pgj calendrier lunaire. أن القاعدة المتبعة لتعيين أول الشهر القمري غير دقيقةبناء على المثالين التاليين: فقدكان ميلاد شهر رمضان يوم الجمعة على الساعة السادسة و12 دقيقة حسب توقيت كرنيتش ولم يعتبر يوم السبت هو فاتح رمضان إلا أن ميلاد شهر ذي الحجة فكان يوم الأربعاء على الساعة الثامنة و7 دقائق فاعتبر يوم الخميس هو فاتح ذي الحجة. والأمثلة عديدة على عبثية تحديد الشهر القمري عند بعض الدول بدعوى الرؤية الفلكية.

  4. احمد
    07/10/2014 at 23:58

    المسالة لا تحتاج الى اجتهاد فقهي فعيد الاضحى مرتبط بالوقوف بعرفةاراد الفقهاء ذلك ام كرهوا والنهار لايحتاج الى دليل

  5. عبد الحميد
    08/10/2014 at 08:58

    أقول للسيد أحمد، الوقوف بعرفة مرتبط برؤية شهر ذي الحجة، لأن التاسع من ذي الحجة هو يوم الوقوف بعرفة، والعاشر من ذي الحجة هو يوم العيد، ولذلك يقع الاختلاف في عيد الأضحى المبارك حسب رؤية كل بلد لشهر ذي الحجة.

  6. جمال الدين
    08/10/2014 at 09:10

    المقصود بالإرادة السياسية حسب ما يظهر من المقال: إرادة ولاة أمور المسلمين وعلماء الأمة، إذ يمكن أن تعمل الدول الإسلامية على تشكيل لجنة دائمة لمراقبة الأهلة في العالم الإسلامي، وأي بلد إسلامي رأى الهلال تكون رؤيته معتمدة لبداية الشهر في جميع البلدان الإسلامية. هذا هو المقصود بالإرادة السياسية، حسب ما يبدو، أما دور العلماء فهو يقتصر على التأصيل الشرعي لهذه النازلة.

  7. Anonyme
    08/10/2014 at 16:25

    رد علمي مركز ومفيد … شكرا للأستاذ الكريم الدكتور عبد القادر بيطار

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.