Home»Débats»VIDEOهل فعلا قراءة الحزب جماعة بدعة ؟

VIDEOهل فعلا قراءة الحزب جماعة بدعة ؟

12
Shares
PinterestGoogle+

ذ / امحمد رحماني

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
فمما ابتليت به الأمة في وقتنا هذا إطلاق الأحكام والفتاوى دون علمٍ بها أو بظروفها وحيثياتها وإدراكٍ لضوابطها وغاياتها ، فأصبح من السهلِ بمكانٍ القولُ بالتحريمِ والتبديعِ والتجهيلِ دون أدنى تفكير ، لمجرد الاختلاف الفقهي الفرعي البسيط ، وسهولةُ هذا الاطلاق آتية من قدرة قائلها على قولها دون توفر الكفاءة العلمية فيه ، فإنها لو اشترطت لما تكلم ولا تجرأ على ذكر شيء من ذلك ، فتجد الرجل يُبَدِّعُ الناس في عباداتها ومعاملاتها ويجتهد في ذلك ، بل ويقيم حياته كلها على الجهر بتبديع الناس وتجهيلهم ، ناسيا أنه هو في حدِّ ذاته بدعة يجب أن يُنْهَى عنها وجهل يجب أن يُمْحَى لأنه مع تبديعه ذلك تجده لا يحسن طريقة الوضوء فيتهم الناس بالبدعة وهو أجهل الناس بها وبتعريفاتها أو لا يعرف الفرق بين فرض وفضل في الصلاة ، وعنده من السهولة بمكان التكلم في الأمور التي تتطلب علماً وحلماً واجتهاداً ، فيا حبذا لو طلب العلم قبل ذلك وجلس عند ركب الشيوخ يأخذ علمهم وأسانيدهم وقبل ذلك سمتهم ثم بعد ذلك يتبرز لما تبرز له ، أما أن تجد الرجل لا يحسن من أمور حياته إلا بيع الخضر وطبخ الببوش ويتكلم في المهمات العلمية العويصة التي اختلف فيها أرباب الفكر والحجا فهذا هو الخبال بعينه ، ولو سئل مثلا عن قضية تكرار النزول في القرآن الكريم ورأيه فيها هل يعد نزولا بوحي جديد أم هو نزول بوحي سابق ؟ لما استطاع أن ينطق ببنت شفة لأنه لا يحسن إلا القول ببدعية القراءة الجماعية للقرآن الكريم والقول فيها بالبدعة أخطر من القول في المسألة الأولى والانتصار لمذهب معين فيها ، لأنه ضرب في مصدر القرآن وكيفية تواتره ، وهذا أمر كنت أشهده يوميا فكثيرا من المرات يأتيني شاب أو اثنان يحاجان  في أمر من الأمور المختلف فيها بين الفقهاء وهما ينتصران لرأي معين ولا يقبلان غيره ، وقبل أن أجيبهما أسألهما عن مكانتهما في العلم وكيف حالهما في طلبه فلا يرضيان بهذا السؤال ، فأقول لهما : كيف لا تقبلون بسؤال واستفسار عن حالكم في العلم وطلبه وعلاقتكم بالقرآن وحفظه وتنكرون علينا أننا لا نقبل تعصبكم وتشددكم فيما اختلف فيه ؟ ، والحقيقة أن هذا السؤال يحرجهم لأنهم لا يملكون له جوابا فليس لهم باع في العلم ولا مكان في حفظ القرآن الكريم غاية أمرهم أنهم يحفظون من النصوص النبوية أحاديث معينة والكثير من الأشرطة الوعظية التي لا تقر لأصحاب الخلاف بحال ، والسؤال عن القرآن وعلاقة الرجل به كان من فعل علمائنا الكرام فعن الوليد بن مسلم رحمه الله تعالى قال : كُنَّا إِذَا جَالَسَنَا الأَوْزَاعِي فَرَأَى فِينَا حَدَثاً قَالَ : يَا غُلاَم : قَرَأْتَ القُرْءَآنَ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : اقْرَأْ } يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ  { وَإِنْ قَالَ لاَ قَالَ : اذْهَبْ تَعَلَّمْ القُرْءَآنَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَ العِلْمَ. وَعَنْ أَبِي هِشَامٍ الرِفَاعِي رحمه الله تعالى قَالَ : كَانَ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ رحمه الله تعالى إِذَا جَاءَهُ غُلاَمٌ أَمْرَدٌ اسْتَقْرَأَهُ رَأْسَ السَّبْعِين مِنَ الأَعْرَافِ وَرَأْسَ السَّبْعِين مِنْ يُوسُف فَإِنْ قَرَأَهُ حَدَّثَهُ وَإِلاَّ لَمْ يُحَدِّثْهُ وهذا الأمر من علماءنا الكرام سنة متوارثة عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً ذَا عدة فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ القُرْءَآنَ فَأَتَى عَلَى أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ : »مَا مَعَكَ مِنَ القُرْءَآنِ ؟ » قَالَ : مَعِي كَذَا وَمَعِي كَذَا وَمَعِي سُورَة البَقَرَة ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : »أَمَعَكَ سُورَة البَقَرَةِ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : »اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ » قال المحقق يوسف عثمان فضل الله جبريل رحمه الله تعالى [ يستفاد من هذا الحديث فوائد شتى : السؤال للناس عن المقدار الذي عندهم من العلوم ليترتب على ذلك ما ينبغي من الأمور ، إنما يقع السؤال عن القرآن لأنه العلم كله منه يؤخذ وعنه يؤثر وكان مقدار الرجل في العلم يعرف بما عنده من القرآن ](1) وقد ذُكِرَت هذه الفوائد وغيرها في عارضة الاحوذي بشرح صحيح الترمذي .
وهذا أمر طبيعي فأنا لا أقبل من رجل لا يحسن كيفية وضوءه إنما حفظ حديثا أو اثنين فجاء بهما يصحح لي عقيدتي ، فالأولى له أن يتجه إلى تكوين نفسه وطلب العلم قبل أن يقول ويتكلم وينهى ويأمر ويصحح ، وَقَدْ بَوَّبَ البُخَارِي رحمه الله تعالى فِي صَحِيحِهِ بَاباً فَقَالَ [ بَابُ العِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ ] انطلاقا من قوله تعالى }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ {  فبدأ بالعلم ثم ثنى بالعمل ، وهذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه رضوان الله عليهم ، والغريب أن تجد الرجل ينهى عن بدعة في اعتقاده يزاولها الناس وينسى أنه هو في حد ذاته بدعة لأنه خالف السنة الإلهية والنبوية بضرورة طلب العلم قبل العمل ، فهو سبَّق العمل على العلم وهذه من أكبر البدع التي يجب أن ينهى الناس عنها ، فما عليه لو ترك الأمور لأهلها أو شد العزم فطلب العلم من مظانه فيتبين له كبير خطأه وعظيم فحشه إبان جهله ، وقد علم من أمر الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم الإكثار من « لا أدري » خوفا من إطلاق حكم دون علم .
القول ببدعية القرآءة الجماعية للقرآن الكريم
من الأمور التي شهدناها مؤخرا القول ببدعة القراءة الجماعية للقرآن الكريم حتى إن بعض المنتسبين للعلم الشرعي شنعوها تشنيعا عظيما فبلغ الأمر ببعضهم إلى الاعتداء على القراء ومنعهم من القراءة بالقوة ، وهذا من الجهل الخطير المفضي إلى تشتيت الأمة وتفريقها ، ولو استمعت الأمة لمثل هذه الأقوال لما تقدمت ولا أقدمت على جعل القرآن في مستوى تطلعات الناس اليوم في عصرنا المعاش فيهيأ إلكترونيا حتى يستفاد منه بشكل واسع ويذاع على أثير القنوات والفضائيات حتى يسمعه العدد الكبير من الناس ، ويطبع على طريقة برايل حتى يقرأه العميان ويترجم إلى اللغات العالمية والحمد لله فقد وصلت ترجمة القرآن إلى إحدى وعشرين لغة وتم تسجيله صوتيا كاملا برواية حفص وورش وقالون وغيرهم .
والخطورة في القول بالبدعية تظهر في :
أن المسألة لا تتوقف عند حد القول فقط ، بل تتجاوز إلى أن الإنسان يجتهد ويدير حياته كلها من أجل محاربة قراءة القرآن جماعة ، وهذا فيه اعتداء على الإسلام وعلى رحابة الإسلام بتضيقه وكأنه ليس هناك مشكل في الإسلام إلا قراءة القرآن جماعة ، فالإنسان لا علاقة له بالقرآن مطلقا فلا هو يحفظه ولا هو يشتغل به ولا هو يعرف مصادره(1) ، فلم يؤدي أن فريضة من حقوق القرآن عليه إنما له كلمة وحيدة أن قراءة القرآن جماعة بدعة وكأن الله تعالى سيعفو عن كل ما أضاعه من القرآن لمجرد هذه الكلمة أنه قال : قراءة القرآن جماعة بدعة  أو أنه حينما يقف أمـام رب العزة يوم القيامة فيسأله عن القرآن الكريم سيتجاوز عن تقصيره وتضيعه لكتابه سبحانه لأنه سيقول له : يا رب كنت أنهى الناس عن قراءة كتابك جماعة لأنها بدعة .
–    أن المسألة لا تتوقف عند حد الاقتناع وإنما تتجاوز إلى أن الإنسان يرى أولئك الذين يقرؤون القرآن جماعة مبتدعون وجهلة وضالون وخارجون عن الشرع بل وفي بعض المرات كافرون ، فإذا كان الإنسان يقول لمن يقرأ القرآن جماعة أنت مبتدع وضال ، فماذا يقول لمن لا يقرأ القرآن أصلا ؟ ماذا ترك من كره وبغضاء لمن يحارب القرآن ؟ وماذا يقول لمن يعارض قراءة القرآن والعمل به ويضع لذلك البرامج والمناهج لكي لا يقرأ القرآن وبأن يحارب القرآن ويحاصر في حياة المسلمين ، والخطير في الأمر أن يحذف جزء كبير من القرآن الكريم من المقررات الدراسية لأبنائنا والناس غير مبالين بذلك ولا يعرفون شيئا عنه لأنهم في الحقيقة مشغولون بمحاربة قراءة القرآن جماعة .
–    أن حال القرآن في واقع المسلمين لا يدفع لهذا الأمر مطلقا ، لأن وضع القرآن مبكي وبئيس في حياتنا ، فوجود القرآن يكاد يكون معدوما في جامعاتنا ومدارسنا وإداراتنا وبيوتنا أفنزيد على هذا الوضع البائس بأن نحارب ما تبقى من وجوده بيننا ويكاد الناس يتخلون عنها . وأعرف من الناس من يفرحون فرحا تكاد تطير له أرواحهم إذا لم يقرأ الحزب الراتب في يوم من الأيام ، وهم لم يطلعوا على وضع القرآن وحالته فينا فهو يشكو إلى الله هجرنا وابتعادنا عنه .
تأصيل تاريخي
من المؤكد تاريخيا أن قراءة القرآن الكريم ضاربة في القدم حيث اقترنت بنزوله على محمد صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن عليه صلى الله عليه وسلم لكي ينير به درب الأمة ويهديها به إلى صراط الله المستقيم ويجعلها من أفضل الأمم وأخيرها ، فتنوعت بذلك المقاصد والغايات من قراءة القرآن ونزوله ، فيقرأ تعبدا ويقرأ تفسيرا وشرحا ويقرأ استدلالا وبرهنة ويقرأ تعليما وتحفيظا ويقرأ تعهدا ومراجعة ويقرأ تذكيرا وبركة فكما تعددت وتنوعت المقاصد والغايات من قراءة القرآن كان من الطبيعي أن تتعدد طرق ومناهج قراءة القرآن فطريقة قراءته تعبدا ليست هي طريقة قراءته تعليما وطريقة قراءته تفسيرا ليست هي طريقة قراءته تعليما وتحفيظا ، لذلك فعبر التاريخ الإسلامي منذ عصر النبوة إلى يومنا هذا قُرأ القرآن انفرادا وجماعة ، فالأصل في الأمة هو قراءة القرآن أما فكرة منع قراءة القرآن الكريم بأي طريقة معينة فهي فكرة وافدة على تاريخنا ونظام ديننا ، لذلك فالأصل في النقاش والمناظرة أن يورد الوافد على الأصل أدلة تعزز رأيه الوافد به على فعل الناس وتدينهم ، فلا يتصور أن تتعاون الأمة على مدى أعصار متعاقبة وتجتمع على الضلالة ومخالفة أمر الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفيها من العلماء والأعلام ما لا يعد ولا يحصى ، وذلك هو المراد من قول ابن لب رحمه الله تعالى [ أن العمل بذلك تضافر عليه أهل هذه الأمصار والأعصار وهي مقاصد من يقصدها فلن يخيب من أجرها](1) وقول صاحب العمل الفاسي رحمه الله :
وَمِنْهُ أَنْ يَجْتَمِعَ القُرَّآءُ عَلَى    قِرَاءَةٍ لِلْقُرْآنِ مُرَتَلاَ
وقال الأديب الفقيه محمد الطاطي في أرجوزة التأنيب :
قِرَاءَةُ النَّاسِ بِصَوْتٍ وَاحِـدِ    مُجْـتَمِعِينَ مَثَـلاً بِـمَسْجِدِ
أَوْ غَيْرُهُ فِيهَا خِلاَفٌ مُسْتَطَرْ    بَيْـنَ رِجَالِ العِلْمِ أَنْجُم البَشَرْ
فَمَالِكٌ إِلَى الكَـرَاهَةِ ذَهَبْ   كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِي وَابْنُ رَجَبْ
وَذَلِكَ مُقْتَضَى كَلاَمِ المُتَّقِـي   سَحْنُونٌ عَنْ ذَاكَ الإِمَامِ العَتْقِي
وَهُوَ الذِّي شَهَرَهُ فِي المُخْتَصَرْ   أَبُـو الـمَوَدَّةِ خَلِيلٌ المُشْتَهَرْ
وَالنَّوَوِي مَالَ إِلَى اسْتِصْحَابِ   مَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِالاسْتِحْبَابِ
دليل المانعين
يستدل المانعون للقراءة الجماعية للقرآن الكريم على أمرين :
–    نصوص نبوية ، ونصوص مذهبية .
وهؤلاء الذين يضعون أنفسهم في خانة المانعين المعاندين للقراءة الجماعية للقرآن الكريم هم من الصحفية الذين لا شيوخ لهم إلا أوراق الكتب والرسائل ، يقول اللقاني رحمه الله في مقدمة كتابه قضاء الوطر [ الشُّيُوخُ بِمَنْزِلَةِ الأَبَاءِ فَمَنْ لاَ شُيُوخَ لَهُ لاَ آبَاءَ لَهُ وَلاَ نَسَبَ لَهُ ] ومما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى قوله [ شَرُّ البَلِيَّةِ تَشَيُّخُ الصُّحُفِيَّةِ ] يعني الذين تلقوا علمهم من الصحف أي الكتب ، وروي عنه أيضا قوله [ مَنْ تَفَقَّهَ مِنْ بُطُونِ الكُتُبِ ضَيَّعَ الأَحْكَامَ ] وقال بعض السلف [ مَنْ كَانَ الشَّيْخُ كِتَابَهُ كَانَ خَطَؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَوَابِهِ ] وقال أبو زرعة رحمه الله [ لاَ يُفْتِي النَّاسَ صُّحُفِي وَلاَ يُقْرِئُهُمْ مُصْحُفِي ] وكان ثور بن يزيد رحمه الله يقول [ لاَ يُفْتِي النَّاسَ الصُّحُفِيُّونَ ]. وهم أيضا أنصار بدعة دخيلة على السنة الجارية في طلب العلم الشرعي وهي ثقافة الأشرطة والهواتف فتجدهم يشترونها يوم الخميس ويسمعونها يوم الجمعة ويفتون بما فيها يوم السبت .
فأما بالنسبة للأمر الأول وهو : استدلالهم بالنصوص النبوية ، وهو أقوى ما يستدل به المانعون ، ومن تلك النصوص :
ما روته أُمُّنَا عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : »مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ »
وَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ رضي الله تعالى عنه مَرْفُوعاً إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : »إِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة »
وبمقتضى هذه الأدلة يستدل المانعون أن قراءة القرآن جماعة محدثة وهي بدعة ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، وليس للمانعين غير هذه الأدلة .
فبالنسبة للحديث الأول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ فالشرط في أن يرد هذا المحدث أن يكون خارجا عن أمر الدين لقوله صلى الله عليه وسلم « ما ليس منه » وبذلك سيكون معنى الحديث بدليل المخالفة : »من أحدث في ديننا ما هو منه فليس برد » قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح [ ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح ] ويقول أيضا [ فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه] .
فهل قراءة القرآن جماعة ليست من الدين وخارجة عنه وهي محدثة ؟ إذا لم تكن قراءة القرآن من الدين فما هو الدين أصلا ؟ إن قراءة القرآن الكريم بأي صفة استطاعها الإنسان هي دين ومن الدين ، بل وجاء من أجلها الدين .
أما القول بأن طريقة معينة لقراءة القرآن هي أمر محدث فهذا أمر يجب أن يعاد فيه النظر ، لأن المسلمون الأوائل سخروا جهدهم وشغلهم الشاغل من أجل حفظ القرآن وخدمته فطلبوا لذلك كل سبيل فلا يتصور أنه مع وجود هذا الجهد الجبار في خدمة القرآن وتعليمه وتحفيظه أن لا ينتج عنه إلا طريقة واحدة لقراءة القرآن وهي قراءة الرجل لوحده ، فالقول بهذا ضرب وتشكيك في جهود الصحابة والتابعين وتابعيهم رضوان الله عليهم في حفظ القرآن الكريم وخدمته ، إن من الكبائر العظام أن يأتي من لم يقدم شيئا للقرآن ولا علاقة له بالقرآن فيقول قولا أو يطلق حكما ينسف به كل الجهود والأعمال التي قدمها المسلمون للقرآن الكريم .
أما بالنسبة للحديث الثاني وهو : »كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » فإن الحديث لا يفهم على تقييده أي أن كل محدثة هي بدعة وإنما يفهم على عمومه وشموله ودخول الاستثناء تحته ، وإلا فسيكون قول عَائِشَةَ رضي الله عنها : »كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ » مناقض ومعارض لقولها : »كَانَ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً »وقولها : »مَا صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهْراً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَان » ، لأنه سيدل في الأول على صيام ثلاثين يوما وفي الثاني على صيام أقل من ذلك .
لذلك يجب فهم الحديث على أصله فيكون قول عائشة رضي الله عنها : : »كَانَ رَسُولُ اللهِ B يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ » ، أي جله ، قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح [ أي كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال : »جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله »] . فكل في اللغة تعني الشمول بلا استثناء كقوله تعالى } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ {. ومرات تعني الشمول باستثناء كقوله تعالى } كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ  وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ  {فقد آمن أفراد من الأمم المذكورة ، فجاءت على سبيل التغليب والإطلاق .
لذلك فليست كل محدثة بدعة ولو أن الغالب في المحدثات أنها بدع ولكن يفرق فيها بين ما هي من الدين وما هي خارجة عنه.
فالبدعة المنهي عنها في دين الله لا بد لها من شرطان :
الأول : أن تكون حادثة : أي لم تكن في الصدر الأول من النبوة.
الثاني : أن تناقض أصلا من أصول الإسلام .
فإذا اجتمع هذان الشرطان كان الأمر المحدث بدعة ، وإذا لم يجتمع هذان الشرطان كأن يكون الأمر غير محدث لوجوده في الصدر الأول فلا يكون بدعة ، أو أن يكون محدثا ولكنه لا يناقض أصلا من أصول الدين فلا يكون حينئذ بدعة وإن أطلق عليه لفظ البدعة فإنما هو إطلاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الديني فالأمر المحدث إن كان حسنا فمقبول وإن كان قبيحا فمردود والقبيح ما ناقض أصلا من أصول الدين والحسن ما وافقها ، وفي « مناقب الشافعي » للبيهقي قول الشافعي رحمه الله تعالى [ المحدثات ضربان : ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك هذه محدثة غير مذمومة ]. وتحت هذا الأمر يندرج العديد من المسائل التي أضيفت ولم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها أمر محمود وممدوح لأنها موافقة للدين وهي منه ، كـ :
الاجتماع لصلاة التراويح : التي قال فيها عمر رضي الله عنه : »نعمت البدعة هذه » فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [ وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال « نعمت البدعة هذه » فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا مالم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
إحداث عثمان للأذان الثالث لصلاة الجمعة : كما روى ذلك السائب بن يزيد رضي الله عنه : »كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَلَمَّا كَانَ زَمَنَ عُثْمَان رضي الله عنه وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ ».
قراءة القرآن من المصحف : فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ القرآن من المصحف ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يحسن القراءة والكتابة ، قال تعالى } وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {  قال ابن كثير [  وهكذا كان صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم القيامة ، لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم].
ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب فكان يقرؤه من حفظه ، فإذا كان كل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة فستكون قراءة القرآن من المصحف من أكبر البدع لأنها لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
جمع القرآن في مصحف واحد :فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ : »إِنَّ القَتْلَ قَد اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّآءِ القُرْءَآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّآءِ بِالمَوَاطِنِ فَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ القُرْءَآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْءَآنِ » قُلْتُ لِعُمَر: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: »هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ » وهذا الأمر الذي دعا عليا رضي الله عنه أن يقول فيه : »أَعْظَمُ النَّاسِ فِي المصَاحِفِ أَجْراً أَبُوُ بَكْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللهِ »ولم ينكر بعضهم على بعض أو اتهم بعضهم بعضا بالبدعة أو بشيء آخر،حتى إن عمر قال « هذا والله خير »فلو كان الأمر كما يدندن البعض فكيف سيكون الخير في أمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما روي عن مُصْعَبٍ بنِ سَعْدٍ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنهما قَوْلُهُ : »أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرِينَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُمْ عَابَ مَا صَنَعَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي المَصَاحِفِ » .
قال اللكنوي رحمه الله تعالى في كتابه « إقامة الحجة » [ قال المحقق سعد الدين التفتازاني في إلهيات « شرح المقاصد » المحققون من الماتريدية والأشعرية لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة خلافا للمبطلين المتعصبين حتى ربما جعلوا الاختلاف في الفروع أيضا بدعة وضلالة كالقول بحل متروك التسمية عمدا وعدم نقض الوضوء بالخارج من غير السبيلين وكجواز النكاح بدون الولي والصلاة بدون الفاتحة ولا يعرفون أن البدعة المذمومة هو المحدث في الدين من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعيين ولا دل عليه الدليل الشرعي ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة وإن لم يقم دليل على قبحه تمسكا بقوله عليه السلام « إياكم ومحدثات الأمور » ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه ] .
لذلك كان التريث أمرا ضروريا في كل المحدثات قبل إصدار الأحكام فيها فلا بد من عرضها على أدلة الكتاب والسنة وأصول الدين فيكون حكمها ما نصت عليه هذه الأدلة بغض النظر عن كونها محدثات أو غير محدثات ، ومما أثر عن الإمام القرافي رحمه الله تعالى في هذا الباب قوله [ البدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشريعة وأدلتها فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به ].
فعلى استحضار شرطي البدعة أتكون قراءة القرآن جماعة بصوت واحد بدعة ؟
أما أنها محدثة : أي لم تكن في وقت صدر النبوة فمختلف فيها بين قولين من أهل الفقه :
فريق من العلماء يقول بأنها محدثة وعلى رأسهم الإمام مالك رحمه الله عند قوله [ لاَ أَعْرِفُهُ عَنِ السَّلَفِ ] وما روي عن ابن وهب رحمه الله قال : قلت لمالك : أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها ؟ فأنكر ذلك وعابه ، وقال ليس هكذا كان يصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه.
وفريق يقول بأنها كانت في الصدر الأول قال النووي رحمه الله [ اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهرة ] واستدلالا من قول علي رضي الله عنه لَمَّا سَمِعَ ضَجَّةً فِي المَسْجِدِ فَقَالَ : مَا هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ القُرْءَآنَ وَيُقْرِؤُونَهُ فَقَالَ : »طُوبَى لِهَؤُلاَءِ ، هَؤُلاَءِ كَانُوا أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم »  وقيل ضجتهم نابعة من قراءتهم القرآن جماعة ، فكيف سيكونون أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بفعلهم هذا في وجوده صلى الله عليه وسلم حتى تجب لهم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم . واستدلالا من العديد من الأحاديث التي تفيد أن الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعقدون حلقات لحفظ القرآن وتعلمه وتعليمه فينهجون في سبيل ذلك ما استطاعوا من الوسائل والآليات والمناهج التي من ضمنها قراءة القرآن جماعة فَقَد رَوَى ابنُ أَبِي دَاودَ رحمه الله أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه كَانَ يَدْرُسُ القُرْءَآنَ مَعَ نَفَرٍ يَقْرَؤُونَ جَمِيعاً. واستدلالا من حديث أبي هريرة  أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : »مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ » فلو اجتمع قوم في بيت وقرأوا القرآن جماعة بصوت واحد لما خرجوا عن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ولشملهم بما فيه من الأجر والثواب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : »اجتمع » وقال: »يتلون » بصيغة الجمع، ولا يجوز إخراج لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عن معناه إلا بدلالة إن وجدت ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: »يتلون كتاب الله » يشمل الجماعة أيضا لما فيه من لفظ الجماعة واستدلالا بحديث : »وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُ » فيجوز أن يندرج فيه قراءة الرجل القرآن مع الملأ جماعة ولا شك أنه من ذكر الله في الملأ .
ثم إنه من المعلوم من الدين بالضرورة أنه ليس كل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بدعة فلو كان كل ما لم يفعله رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بدعة يجب أن يبتعد الناس عنها لأصبحت الأمة بدون علم واحد من العلوم ولكنا أكبر وأعظم أمة جاهلة على وجه الأرض لأنه حين ذاك سيكون علم الرسم القرآني والترتيب والفاصل والمناسبة والمكي والمدني والقطعي والظني بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيكون علم الجرح والتعديل من أكبر البدع في حياتنا وتاريخنا لأنه علم قائم على إظهار ما في الناس من العيوب والأسقام ، ولما وصل المصحف إلى التابعين على أن يصل إلينا بعد هذه القرون الطويلة لأنه سيبقى حبيس صدور الصحابة رضوان الله عليهم لأن كتابته وجمعه في مصحف واحد سيكون من قبيل البدعة.
وقد أحدث المسلمون من التابعين تنقيط المصحف بقسميه نقط الإعجام ونقط الإعراب لضبط ألفاظ القرآن الكريم وصونه من الخطأ في الكتابة ومن اللحن في القراءة ولم يتهم بعضهم بعضا بالإحداث أو البدعة وهم الأعلم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاله .
وقد [ اتفق المؤرخون على أن العرب في عهودهم الأولى لم تعرف اصطلاحات التنقيط في كتاباتهم التي كان يكتبها كُتَّابهم وحتى مجيئ الإسلام فكان الصحابة ينطقون بالقرآن الكريم واللغة العربية بألفاظ مضبوطة المخارج دقيقة الحركات الإعرابية بحسب سليقتهم وفطرتهم العربية من غير لحن ولا غلط وذلك لما كان متأصلا في نفوسهم من الفصاحة والبلاغة فلاِستقامة ألسنتهم وسلامة نطقهم لم يكونوا بحاجة إلى معرفة القواعد الإعرابية ولهذا لما كتبت المصاحف في عهد النبوة كانت مجردة من الشكل والنقط اعتمادا على هذه الأصالة وتلك السليقة ] .
أما أنها تناقض أصلا من أصول الدين : فالعكس هو الصحيح فهي لحماية أصل الدين وهو القرآن والزيادة في حفظه وخدمته .
وأما بالنسبة للأمر الثاني : وهو استدلالهم بالنصوص المذهبية: وعلى رأس ذلك ما ورد عن الإمام مالك رحمه الله عندما سئل عن هذه المسألة فقال ( لاَ أَعْرِفُهُ عَنِ السَّلَفِ ) فليس فيه نهي عن ذلك وإنما هو إشارة من الإمام مالك رحمه الله إلى كون هذا العمل لم يكن في المدينة المنورة قال الدكتور عبد الهادي احميتو [ ومن الأمر القديم غاية ما هنالك أنه ظهر بالشام لا بالمدينة فلم يعرفه مالك ] وغاية ما وصل إليه مالك رحمه الله هو القول بالكراهة دون تحريم أو نهي وقد تُؤُوِلَت كراهيتة لذلك على أمرين
الأول : لاحتمال التقطيع في كلام الله تعالى ، قال محمد البناني رحمه الله [ وقد عللوا النهي عن قراءة القرآن جماعة بالتقطيع ومع ذلك قالوا النهي للكراهة لا أنه منع ] وهذا يرد عليه بأن للمتعلم الذي يشق عليه القرآن أجران كما في الحديث ، فإنه لو كانت الكراهة لاحتمال التقطيع لما قرأ المتعلم كتاب الله خوفا من الخطأ فيه وليس فقط من تقطيعه .
الثاني : لإيثار الاتباع : قال ابن لب رحمه الله تعالى [ أما قراءة الحزب في الجماعة على العادة فلم يكرهه أحد إلا مالك على عادته في إيثار الاتباع وجمهور العلماء على جوازه واستحبابه وقد تمسكوا في ذلك بالحديث الصحيح ].
وكراهية الإمام مالك رحمه الله لذلك ككراهته التعجيل بتعليم الطفل القرآن خشية أن ينطق به على خلاف ما ينبغي له من إقامة الحروف وإخراجها من مخارجها على أن الأخبار التعليمية عند المسلمين تفيد أن  التعليم في الصغر أكبر فائدة وأعظم أجرا كما أشار إلى ذلك ابن خلدون رحمه الله بقوله [ إن التعليم في الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده ] وأن كثيرين حفظوا القرآن في سن مبكرة ومن ذلك ما ذكر من أن الشافعي رحمه الله حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأن السيوطي رحمه الله تعالى حفظ القرآن وهو ابن ثمان سنين.
ولذلك فمذهب الشافعية والحنابلة عليهم رحمة الله استحباب قراءة القرآن جماعة بصوت واحد وهو القول الثاني عند الأحناف قال البهوتي رحمه الله في شرح منتهى الإرادات [ ولا تكره قراءة جماعة بصوت واحد ] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى [ وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد وللمالكية قولان في كراهتها وكرهها مالك وأما قراءة واحد والباقون يستمعون له فلا يكره بغير خلاف وهي مستحبة].
فهذه غاية الاستدلال بالنصوص المذهبية القول بالكراهية فلا بدعية ولا تحريم.
دور الجماعة في حفظ القرآن
إن القول ببدعية قراءة الجماعة للقرآن الكريم بطريقة معينة هو في الحقيقة جهل بتاريخ القرآن وطريقة نقل القرآن وجمع القرآن وتواتره ، فإن مما هو معلوم من الدين بالضرورة أن القرآن نقل إلينا بالتواتر أي جماعة عن جماعة وأي قراءة اختل فيها هذا الشرط كانت قراءة شاذة وهذا يظهر مدى أهمية ودور الجماعة في حفظ القرآن الكريم يقول أبو عمرو الداني رحمه الله [ وأئمة القراء لا تعتمد في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها ] وما جاء في حديث عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت من الصحابة وعن عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز من التابعين رضي الله عنهم أجمعين أنهم قالوا [ القِرَاءَةُ سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الآخِرُ عَنِ الأَوَّلِ فَاقْرَؤُوا كَمَا عُلِّمْتُمُوهُ ] .
أما فيما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الباب قوله :[ اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَد كُفِيتُمْ ] فيفسره قول علي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقْرَؤُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ أي كيفية نطق القرآن وأن لا يبتدع الرجل قراءة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتواتر عنه كما تواترت القراءات العشر وهو الذي أشار إليه أبو عمرو الداني رحمه الله بقوله [ ومن قرأ بقراءة لم يقرأ بها أحد من أئمة القراءة فهو يكون بذلك مبتدعا وعليه فقراءته باطلة لا أصل لها ] وقول البغوي رحمه الله كذلك [أجمعت الصحابة فمن بعدهم على أن القراءة سنة متبعة فليس لأحد أن يقرأ أحرفا إلا بأثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موافق لخط المصحف أخذه لفظا وتلقينا  وأن اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة لا يجوز فيها مخالفة المصحف الذي هو إمام ولا مخالفة القراءة التي هي مشهورة وإن كان غير ذلك شائعا في اللغة ] .
ولا دخل لطريقة القراءة فيها بأي صفة كانت فقد ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم وغيرهم القراءةُ بالقراءةِ الواحدة بطرق متعددة فيقرؤون الجمع : عشرا عشرا ويقرؤونهم انفرادا : فردا فردا ويقرؤونهم دفعة واحدة .
فمن أتى بقراءة لم تنقل جماعة عن جماعة ردت عليه قراءته ومما ورد عن نافع بن أبي نعيم رحمه الله تعالى في هذا الباب قوله [ قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته وما شك به واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة ] وقال مكي بن أبي طالب حموش القيسي المقرئ رحمه الله تعالى [ ولكونه نقل آحادا والقراءات لا تثبت بذلك ] أو من أتى بقراءة لم يعلم تواترها ومن أمثلة ذلك ما نقل عن شعبة أنه قال [ قراءة حمزة بدعة ] فتعقب عليه علم الدين السخاوي فقال [ ولم يكن أبو بكر يعرف غير قراءة عاصم فلما سمع ما لم يعرفه أنكره وسماه بدعة ] ومن ذلك أيضا إنكار أبي عمرو البصري رحمه الله قراءة } فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ  {بفتح الذال ، قال السخاوي رحمه الله [ وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر وإنما تواتر الخبر عند قوم دون قوم وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر ] فهؤلاء القراء العشرة رحمة الله عليهم ينكرون على بعضهم البعض لعدم بلوغهم ومعرفتهم بتواتر قراءة من يخالفهم ، فكانت الجماعة الناقلة للقرآن القارئة له أصل وسبب في قبول القراءة أو ردها ، ولهذا يجب التنبيه على أن جميع ما يقع في الحزب الراتب من طرق القراءة والوقف والابتداء وتغيير الصيغة في آيات عن آيات ورفع الصوت وخفضه في آيات عن آيات وغيرها مأخوذ عمن سبق بطريق التواتر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبتكر فيه أحد من نفسه شيئا أو ابتدعه ، ومنه ما عرف في الحزب الراتب أثناء قراءة الحزب الأخير من القرآن الكريم فلا يقف القارؤون عند نهاية القرآن بل يزيدون فيفتتحون القراءة من جديد إلى أن يصلوا إلى قوله تعالى } أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {من سورة البقرة فيختمون حزبهم ، وذلك لتواتر العمل بهذا الأمر جماعة عن جماعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي رحمه الله أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَيِّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : »الحَالُ المُرْتَحِلُ » قَالُوا :وَمَا الحَالُ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ : »الذِّي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ » ويريد بذلك عليه أفضل الصلاة والسلام الذي يختم القرآن ثم يفتتحه من جديد وهكذا ، وبهذا الحديث أخذ عبد الله بن كثير رحمه الله أحد الأئمة القراء السبعة فقد روي عنه ابن أبي بزة المكي رحمه الله بإسناده إليه أنه كان يأمر القارئ إذا ختم عليه القرآن أن يفتتح بعقب ذلك فيقرأ } الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ { وخمس آيات من البقرة ليكون مرتحلا من ختمة حالا في ختمة أخرى اتباعا للحديث الشريف .
فللجماعة دورها وأهميتها في نقل القرآن وتواتره وحفظه والاهتمام به حتى إنه مما شاع بين علماء القراءات مصطلحات يطلقونها على القراءة التي فقدت شرط نقل الجماعة فيها فيقولون لمن لم يتحقق في قراءته ذلك ( متروك القراءة ) أو ( قراءة بدعة ) لعدم العلم بتواترها وقد سبق بيان قول شعبة عن قراءة حمزة رحمهما الله لمّا لم يبلغه تواترها ، فكانت البدعة وصفا للقراءة التي اختل شرط الجماعة فيها وليس التي وجدت الجماعة فيها ، ومن المصطلحات كذلك ( قراءة العامة ) أو ( قراءة الناس ) أو (قراءة العوام ) وصفا للقراءات المنقولة بالتواتر .
تعدد طرق قراءة القرآن
إن السلف الأول من هذه الأمة قد بلغ شأوا كبيرا في خدمة القرآن الكريم والاهتمام به ، لذلك فمن المستحيل أن لا ينتج عن هذا الجهد إلا نوع واحد من القراءة ، لأنه من الطبيعي تبعا لهذا الجهد الجبار والعظيم أن تتعدد القراءات وطرق أدائها وتحملها ، والذين يقولون ببدعية القراءة الجماعية للقرآن لا يعرفون تاريخ أمتهم ولو وجد هذا القول في بدايات نزول القرآن لما وصل إلينا القرآن أصلا ولما تعددت لنا قراءاته حتى صارت عشرة قراءات بل أربعة عشرة قراءة وما يربو على عشرين رواية فورش وقالون والبزي وقنبل والدوري والسوسي وهشام وابن ذكوان وشعبة وحفص وخلف وخلاد والليث وابن جماز وروح وروس وإدريس وإسحاق عليهم رحمة الله ، لذلك برع المسلمون في طرق قراءة
القرآن الكريم فكان منها :
الإقراء الجماعي العام : وهو صور كثيرة نذكر منها :
الأول:أن يقرأ الشيخ على الجمع الكثير في المسجد وهم يتلقون الآيات كما في الصحيحين وغيرهما من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لمَّا نَزَلَتْ الآيَاتُ مِنْ آخر سورة البقرة في الربا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون ذلك أيضا فيما بينهم فيقرأ قارئ منهم وهم مستمعون.
الثاني : أن يقرأ المتعلمون واحدا واحدا ويستمع الشيخ لكل واحد منهم فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم  فكدت  أساوره
في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرأك  هذه  السورة  التي سمعتك تقرأ ؟   قال  :  اقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »أرسله ، اقرأ يا هشام » فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : »كذلك أنزلت » ثم قال  : »اقرأ يا عمر » فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةٍ أَحْرُفٍ فَاقْرَءوُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ »
الثالث : أن يقرأ الشيخ ويعيد الجمع كلهم دفعة واحدة فقد روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه كانت له حلقة عظيمة في مسجد دمشق يحضرها ما يزيد على ألف وستمائة شخص يقرؤون عشرة عشرة ويتسابقون عليه وكان أبو الدرداء  رضي  الله  عنه يصلي الصبح في الجامع وكان يجمع الطلبة حوله وكان يقسم طلبته صفوفا ويعين لكل صف عريفا وهو بنفسه يقف في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فسأله عن ذلك وقد تخرج من مدرسة أبي الدرداء قضاة وعلماء كبار مثل إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة المشهور رحمه الله  .
وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء كان يدرس القرآن معه نفر يقرأون جميعا ، وفي « غاية النهاية » عن سلام بن مشكم كاتب أبي الدرداء قال  قال لي أبو الدرداء : اعدد لي من يقرأ عندي القرآن  فعددتهم ألفا وستمائة ونيفا وكان لكل عشرة منهم مقرئ وكان أبو الدرداء يكون عليهم قائما وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء .
وروي أن الشيخ شمس الدين بن الجزري رحمه الله لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الحلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة وقد نقل الإمام أبو العباس الونشريسي رحمه الله أنه [ شوهد الإمام ابن عرفة رحمه الله يجمع الثلاثة والأربعة في حزب واحد للتجويد، وشوهد أبو الحسن البطرني يجمع الثلاثة في القراءة ] وكان في قصر زبيدة بنت أبي جعفر المنصور وزوجة هارون الرشيد وأم ولده الأمين رحمها الله مائة جارية تقرأ القرآن فكان يسمع من قصرها دوي كدوي النحل من القراءة وهذا لوحده كاف في الرد على من يبدع قراءة الجماعة للقرآن الكريم .
ومما يتنبه له في هذا الباب كما قرر أرباب القراءات أنه تجوز القراءة على الشيخ ولو كان غيره يقرأ عليه في تلك الحالة إذا كان بحيث لا يخفى عليه حالهم وقد كان الشيخ علم الدين السخاوي رحمة الله عليه يقرأ عليه اثنان وثلاثة في أماكن مختلفة ويرد على كل منهم أي يصحح خطأهم إذا أخطؤوا .
الإقراء الفردي الخاص : وفيه حديث فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : »إِنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ » قال ابن حجر رحمه الله [ المراد به يستعرضه ما أقرأه إياه والمعارضة المفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يسمع ].
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستقرؤون النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم بإقرائهم كما حصل مع عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه فإنه كان يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يظهر صناديد قريشوفي بعض الروايات كان يقول « يا محمد استدنني » وفي بعض « يا رسول الله أرشدني » وفي بعضها الآخر « يا رسول الله علمني مما علمك الله » وكما وقع مع عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : تبعت النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو راكب فوضعت يدي على يده فقلت يا رسول الله ؟ اقرئني من سورة هود ومن سورة يوسف.
أو أن يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي فيعيد الصحابي بعده فعن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال : كُنْتُ أَكْتُبُ الوَحْيَّ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُمْلِي عَلَيَّ فَإِذَا فَرَغْتُ قَالَ « اقْرَأْ » فَأَقْرَأُهُ فَإِذَا كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ ثُمَّ أَخْرُجُ بِهِ إِلَى النَّاسِوفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : »اقْرَأْ عَلَيَّ » فقلت يا رسول الله B اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : »نَعَمْ إِنِّي أُحِّبُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي » .
الإقراء الثنائي : أن يكون تعلم القرآن وتعليمه ثنائيا فقد دخلحذيفة رضي الله عنه المسجد فمر على قوم يقرئ بعضهم بعضا فقال :[ إنا كنا قوما آمنا قبل أن نقرأ وإن قوما سيقرأون قبل أن يؤمنوا ] فقال رجل من القوم تلك الفتنة ؟ قال :[ أجل قد أتيتكم من أمامكم حيث تسوء وجوهكم ثم لتأتينكم ديما ديما إن الرجل يرجع فيأتمر الأمرين أحدهما عجز والأخر فجور].
وقد كانت لكل طريقة جلستها الخاصة وضوابطها وآدابها التي يجب أن يتحلى بها القارئ فأما بالنسبة للإقراء الجماعي عرف ما يسمى بالحلقة وهي كما في فيض القدير [ القوم الذين يجتمعون متراصين وذلك للاستفادة مما يلقيه شيخ الحلقة من العلوم ويبثه من أحكام الشريعة وتعليم الأمة ما ينفعهم في الدارين ] وقد وردت كلمة الحلقة بهذا المعنى في كثير من الأحاديث .
وكان صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه على الاجتماع على تلاوة القرآن وتدارسه بينهم وتكوين حلقات جانبية ولو كانت دون إشرافه عليها ، وشاعت هذه الوسيلة في العهد النبوي حتى اعتادها الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس إليه أصحابه حلقا حلقا وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقرئ تلاميذه القرآن بعد أن يجلسهم حلقا حلقا وصارت لهذه الحلق آداب وضوابط فلا يقعد الرجل وسطها ، فقد قعد رجل وسط حلقة فقال حذيفة رضي الله عنه [ ملعون على لسان محمد أو لعن الله على لسان محمد من قعد وسط الحلقة ] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظم كيفية تحلق الصحابة بنفسه في حلقات الإقراء وغيرها فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :كنت في حلقة من الأنصار وإن بعضنا ليستتر ببعض من العري وقارئ لنا يقرأ علينا كتاب الله إذ وقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد فينا ليعد نفسه معهم فكف القارئ فقال صلى الله عليه وسلم : « مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ ؟ » فقلنا يا رسول الله كان قارئ لنا يقرأ علينا كتاب الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وحلق بها يومي إليهم أن تحلقوا فاستدرات الحلقة وكان صلى الله عليه وسلم يشرف على الحلقات الأخرى التي لا يباشر فيها التعليم بنفسه فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : كنا في المسجد نتعلم القرآن فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم علينا فرددنا عليه السلام فقال : »تَعَلَّمُوا القُرْآنَ وَاقْتَنُوهُ وَتَغَنَّوْا » ومما يدل على هذا الإشراف أيضا ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى المسجد فوجد أصحابه عزين يتذاكرون فنون العلم فأول حلقة وقف عليها وجدهم يقرؤون القرآن وجلس إليهم فقال : « بِهَذَا أَرْسَلَنِي رَبِّي » .
أما بالنسبة لجلسة الاقراء الفردي الخاص فقد ذكرها ابن مسعود  رضي الله عنه في قوله [ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن ].ومما يجب التنبيه عليه في هذا الموضع أن هناك فرقا في قراءة القرآن بين قراءة التلقي والعرض والتحمل وبين قراءة التعلم والحفظ والتصحيح ، والكراهة الواردة عن بعض أهل العلم في قراءة القرآن جماعة مندرجة في القسم الأول فلابد فيه من قراءة المعلم على المتعلم اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم أما فيما يخص القسم الثاني فلا حرج في أي طريقة اتخذت للتعلم والحفظ قال السخاوي رحمه الله [ كان القرآء في الأمر الأول يقرأ المعلم على المتعلم اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يتلو كتاب الله على الناس كما أمره الله وكذلك جبريل يعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل قوله }فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ {  وكانوا يلقنونه من يتعلمه خمسا خمسا ويقولون إن جبريل كذلك كان يلقن الرسول فهذا حال التلقين وأما من يريد تصحيح القراءة أو نقل رواية أو نحو ذلك فلا حرج على المقرئ أن يقرئه ما شاء] .
على العلم أن من العلماء من أجاز الاقراء بأي طريقة يتطلبها الظرف عند الضرورة إما لازدحام على الشيخ أو قلة وقته أواحتمال إذايته أو حلول سفره أو وقوع مرضه فلا يستطيع إقرائهم واحدا واحدا فيقرؤهم جماعة ، على أن كثيرين ممن يدندنون بالبدعة لا يفرقون بين العرض والتعهد بل لا يعرفون شيئا عن ذلك كما سبق بيانه فيحكمون بالبدعية دون تمييز متجاوزين كل ما ذكره العلماء من الأقسام والفروق فكل قراءة للقرآن جماعة عندهم بدعة ، على أن القائلين بجواز واستحباب القراءة الجماعية للقرآن الكريم لا يقولون بذلك في العرض والإقراء والتلقي وإنما يقولون بذلك في التعهد والتعلم ، فإنك لو دخلت مدارسنا فلن تجد مجموعة من الطلبة يعرضون على الشيخ سورة واحدة جماعة بصوت واحد ، وإنما يعرضون واحدا واحدا لأنه أثناء ذلك لن تكون هنالك أية أهمية في امتحان الطالب في حفظه إن كان يقرأ جماعة أو تصحيح خطأ صدر منه ، أو حينما يحفظ القرآن من الشيخ يحفظه في جماعة وإنما يأخذ عنه القرآن كما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل بطريق السماع والمشافهة ، وهذا ما عليه مدارسنا فالشيخ يقرأ والطالب يستمع ثم بعد ذلك الطالب يقرأ والشيخ يستمع ، أما في تكرار القرآن وتعهده فلا بأس فيه بنهج أي طريقة تـحقق غـاية تعهد القرآن الكريم وعدم نسيانه . والذي يجاهد نفسه بحفظ القرآن الكريم ومراجعته في المدارس والمعاهد القرآنية سيعلم الكثير من المصطلحات القرآنية الرائجة في المدارس والمعاهد والتي لها دلالة قوية على التمسك  بالسُّنَّة  في حفظ القرآن الكريم كـ [ العرض ( عرض اللوحة على الشيخ ) ، التكرار ( مراجعة المحفوظ ) ، السلك أو الفتية ( تصحيح المكتوب على الشيخ )].
66
وقد اشتهر في العهد العمري مدارس في تحفيظ القرآن الكريم وتعليمه يقوم عليها أكابر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه المدرسة المكية التي كان على رأسها ابن عباس رضي الله عنه وهذه المدرسة المدنية عليها زيد بن ثابت رضي الله عنهما وهذه المدرسة البصرية عليها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وهذه المدرسة الكوفية عليها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهذه المدرسة الشامية عليها عبادة بن الصامت رضي الله عنهما وهذه المدرسة الدمشقية عليها أبو الدرداء رضي الله عنه وهذه المدرسة الفلسطينية عليها معاذ بن جبل رضي الله عنه ، وهكذا المدرسة المصرية وغيرها من المدارس الفرعية كلها تفرعت من جامعة المدينة التي كان يترأسها العالم الفقيه الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا فضل مرده لعمر بن الخطاب  ومما يذكر في ذلك أن الخليفة عمر أول من جمع الأولاد في المكتب وأمر من يلازمهم وجعل رزقه من بيت المال .
شدة  أصحاب الحديث في التبديع
ومما يجب أن يقف عليه طالب العلم ويتنبه له أن أصحاب الحديث بالخصوص كانوا أشد العلماء تبديعا للعلماء إذا رأوا منهم ما ظنوه خروجا عن الكتاب والسنة فبدعوا تبويب الحديث النبوي والتصنيف تحته وقد مر بك في التعليق إنكار المحدث حماد بن أسامة الكوفي رحمه الله على عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى التبويب والتصنيف في الحديث ولا يشك أحد في منفعة وأهمية التبويب في الحديث فهو تسهيل على الطلاب في الوصول إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقل وقت ممكن وهو من خدمة الحديث النبوي ومع ذلك كان طائفة من المحدثين ينكرونه ويرونه خروجا عن السنة ، كما كان أصحاب الحديث لا يحتملون الأشعار وحفظها وترديدها وقد مر بك في التعليق قول مصعب بن عبد الله الزبيري رحمه الله : قرأ عليّ محمد بن إدريس الشافعي أشعار هذيل حفظا ثم قال لي : لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا .
كما كانوا ينهون عن كتب سفيان الثوري ومالك والشافعي وابن سلام وإسحاق بن راهويه رحمهم الله أجمعين لاشتمالها على شيء من آرائهم واجتهاداتهم الفقهية فقد كانوا يرون أن ذلك من قبيل البدعة ، نقل الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه « مناقب الإمام أحمد » قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى لعثمان بن سعيد رحمه الله [ لا تنظر في كتب أبي عبيد ولا فيما وضع إسحاق ولا سفيان ولا الشافعي ولا مالك وعليك بالأصل ] .
كما كانوا ينكرون الكتابة في الخواطر والخلجات والمقاصد والنيات ويرون ذلك بدعة محدثة في الدين فقد روى الخطيب البغدادي رحمه الله في تاريخ بغداد بسنده إلى سعيد بن عمرو البردعي عليه رحمة الله قال [ شهدت أبا زرعة رحمه الله وقد سئل عن الحارث المحاسبي رحمه الله وكتبه فقال للسائل إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب ] ويعلل الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله نهي أبي زرعة وأحمد وغيرهما عن مسلك الحارث المحاسبي في كتابه « جامع العلوم والحكم » عند حديث « استفت قلبك وإن أفتاك المفتون » قال [ وإنما ذم أحمد وغيره المتكلمين على الوساوس والخطرات من الصوفية حيث كان لكلامهم في ذلك لا يستند إلى دليل شرعي بل إلى مجرد رأي وذوق كما كان ينكر الكلام في مسائل الحلال والحرام بمجرد الرأي من غير دليل شرعي ] وعند ابن الجوزي رحمه الله في « مناقب الإمام أحمد »  عن [ إسحاق بن حية الأعمش قال : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الوساوس والخطرات فقال : ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون ]. كما كانوا ينكرون التكلم في علم الكلام ويرونه من أكبر البدع قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [ وكان أحمد بن حنبل يكره للحارث نظره في الكلام وتصانيفه الكتب فيه ويصد الناس عنه ] فعلى طالب العلم أن يقف على هذا الأمر حتى لا يخرج على الناس بالتبديع استدلالا بأقوال أهل الحديث إن وقع عليها في أحد الكتب فقد علمت كيف كان حالهم مع العلماء والصلحاء فلا يذهبن بك الحال على حسب أقوالهم أن عبد الله بن المبارك والشافعي ومالك وسفيان الثوري عليهم رحمة الله أجمعين كانوا مبتدعة فهم أنصار السنة بحق وإنما هذا أمر جرى بين العلماء فلا يشغل الإنسان به حاله ومن أحسن ما قيل في هذا قول ابن السبكي في « طبقات الشافعية » [ ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك وإلا فاضرب صفحا عما جرى بينهم فإنك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك ولا يزال طالب العلم عندي نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضي لبعضهم على بعض فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري أو بين مالك وابن أبي ذئب أو بين أحمد بن صالح والنسائي أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك فالقوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لم يفهم بعضها فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ] .
نشر القرآن في الأصقاع كلها غاية المسلمين
إن نشر القرآن وتبليغه من أسمى المهام التي طلبت من الرسول  صلى الله عليه وسلم قال تعالى } تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {ولكي نجعل من هذا القرآن نذيرا للعالمين يجب أن نستغل أي وسيلة وطريقة توصلنا إلى نشر القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه ودفع الناس لمعرفته والإشهار به ، كل ما أتيح لنا من الوسائل والآليات الكفيلة بذلك من تلفزة ومذياع ولوحة وإنترنيت وموجات صوتية وكهرومغناطيسية من أجل تبليغ كتاب الله للعالمين ، هذه الوسائل التي استغلها أعدائنا وشغلنا عنها نحن بترهات الأمور والمجادلة العقيمة التي لا تثمر إلا الشقاق والنزاع ، مع العلم أن هناك إحصائيات تشير إلى أن هناك ( 22500 ) موقع وصفحة إلكترونية لخدمة النصرانية وأن هناك أكثر من ( 5800 ) موقع وصفحة لخدمة اليهودية بينما لا تتعدى المواقع والصفحات التي تتحدث عن الدين الإسلامي الحق ( 500 ) موقع وصفحة ، واللافت للنظر أن أعداء الإسلام ينشطون في تبليغ الإنجيل والتوراة باستخدام قوائم البريد الإلكتروني بحيث يقدمون للمشتركين آية واحدة كل يوم أو يتعهدون بتقديم الإنجيل كاملا خلال عام واحد للقراء من خلال الانترنيت بينما لا تجد من يستغل تلك المعطيات والتقنيات الحديثة لإبلاغ كلام الله الخالد والحديث الشريف باستخدام هذه الوسيلة التي يستخدمها أكثر من 600 مليون شخص في عالمنا المعاصر(1) وإن حاول أحدنا استخدامها وجد أمامه قوما له بالمرصاد يتهمونه بالبدعة وبمخالفة السنة وأن هذا العمل لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحذر من إيذاء حفظة القرآن والاعتداء عليهم
فكثير مما لا فقه لهم ولا علم ولا أدب ولا خلق ولا حلم إذا رأوا مجموعة من الحافظين يقرؤون الحزب الراتب أو القرآن جماعة حملوا عليهم بالضرب والتفريق والسب والشتم ظنا منهم أنهم يحاربون البدعة وأنهم مأجورون في ذلك لنهيهم عن منكر في منظورهم الضيق ضيق صدورهم وعقولهم من العلم الصالح النافع فإنهم قوم لا يقرؤون ولا يفقهون  ، وإنما فعلوا ذلك لصفاقتهم وقلة أدبهم وجهلهم وقد وقع مثل هذا في كثير من مساجدنا والحقيقة لو أن هؤلاء دخلوا مدارسنا القرآنية ووجدوا الطلبة يراجعون القرآن جماعات جماعات لأغلقوا دور القرآن وهدموها بحجة ممارسة الطلبة للبدعة وتناسوا أن هذا من أخطر الأمور وأفظعها وهي إذاية حامل القرآن فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »القُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَمَنْ وَقَّرَ القُرْآنَ فَقَدْ وَقَّرَ اللهَ وَمَن اسْتَخَفَّ بِالقُرْآنِ فَقَد اسْتَخَفَّ بِحَقِّ اللهِ حَمَلَةُ القُرْآنِ هُمُ المَحْفُوفُونَ بِرَحْمَةِ اللهِ المُعَظِّمُونَ كَلاَمَ اللهِ المُلْبَسُونَ نُورَ اللهِ فَمَنْ وَالاَهُمْ فَقَد وَالَى اللهَ وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَد اسْتَخَفَّ بِحَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ».
منافع قراءة القرآن جماعة
لا يختلف اثنان أن أحسن طريقة تعبدية في قراءة القرآن أن يقرأ كل واحد القرآن وحده في خلوة مع نفسه ، أما القراءة التعليمية والتعهدية والتذكيرية التسميعية فلا بأس بأن تكون بطرق متعددة ، لما يرجى فيها من الخير العميم والثواب العظيم  قال ابن خالويه [ والاشتغال بتعليم القرآن وتعلمه والبحث عن علومه ليس كالاشتغال بسائر أصناف العلوم لأن فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ] وإن القراءة الجماعية للقرآن الكريم لتجمع منافع عظيمة جدا ، منها :
تصحيح القراءة على الشيخ : فربما يرتكب القارئ لوحده أخطاء في قراءة القرآن الكريم قد تخرج التلاوة عن معناها وما أراده الله سبحانه من الآية فلا يفطن لذلك الخطأ وذلك لعدم وجود من يصحح له خطأه ، ومن أشهر ما روي في هذا أن حمزة أحد أئمة القراءات السبع كان يقرأ وهو في سن تعلم الهجاء من المصاحف فتلا قولهتعالى ( ذلك الكتاب لا زيت فيه ) وأبوه يسمع بدلا من } لاَ رَيْبَ فِيهِ { فقال له أبوه :[ دع المصحف وتلقن من أفواه الرجال ] .
وإن القراءة الجماعية للقرآن الكريم في شكل الحزب الراتب تمكن القارئ من أن يسمع القراءة الصحيحة من أفواه القارئين المتقنين أثناء قراءتهم للحزب فيسمع القراءة الصحيحة وكيفية النطق بها ، ثم يمكنه من بعد الانتهاء من الحزب أن يسأل الشيخ عن القراءة الصحيحة سؤالا تفصيليا ، فتكون القراءة الجماعية أفضل طريقة تطبيقية وتمثيلية لتصحيح الأخطاء في قراءة القرآن الكريم ويمكن للإنسان من خلالها أن يتقن قراءة القرآن الكريم كاملا خلال أربعة أو خمسة شهور فكثير من الناس الأميين الذين لم يدخلوا كتابا ولا مدرسة أتقنوا قراءة القرآن الكريم من خلال قراءة الحزب الراتب يوميا ، وكثير منهم كذلك إذا سمع قراءة خاطئة لآية من القرآن سـرعان مـا يصححها بسبب كثرة استماعه ومداومته لقراءة الحزب الراتب ، ولا حرج فيما يقع للقارئ من أخطاء أثناء قراءته وتعلمه فله في ذلك أجر كبير فقد روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : »الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو  يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ».
تعاهد القرآن بالنسبة للحافظين : وهي أفضل طريقة بالنسبة للحافظين القرآن الكريم ولا وقت لهم لمراجعته بسبب انشغالهم بأعمالهم فيكون حضور الحزب الراتب يوميا في ذلك الظرف التي لا عمل في وقته أحسن طريقة لمراجعة القرآن وتعاهده خوفا من نسيانه ، فيستطيع الرجل أن يراجع القرآن كله في شهر واحد بمداومة قراءة الحزب الراتب ويجد في ذلك العون والمساعدة ولا يصيبه في ذلك ملل لكثرة القارئيين للحزب ، لذلك فهذه الطريقة مهمة جدا للحافظين القرآن الكريم وليس لهم وقت لمراجعته  أما الذين لا يحفظون القرآن أصلا فيقولون ما يحلوا لهم  لأن الإنسان الذي يحفظ القرآن ويخاف عليه النسيان يبحث عن أي طريقة ممكنة تجعله يتعاهد القرآن ولا ينساه ، وقد كان النبي B يرشد الصحابة إلى ما يقوي حفظ القرآن فيقول فيما رواه الشيخان : »إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت » ويقول فيما رواه ابن نصر في كتابه قيام الليل : »إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه ».
تقرير القرآن في حياتنا : وهي من الطرق العظيمة التي يقرر ويركز بها المسلم وجود القرآن الكريم في حياته اليومية ، لأن الحزب الراتب يقرأ مرتين في اليوم يقرأ بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب وهما ظرفان مهمان في حياة المسلم فلا يبدأ يومه حتى يقرأ شيئا من القرآن ولا يختم يومه حتى يقرأ شيئا من القرآن الكريم فيبدأ يومــه بالقرآن ويختمه بالقرآن ، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ في رمضان في المصحف بعد الفجر فإذا طلعت الشمس نامت وعن أبي الأحوص عن عبد الله قال : »اقرأوا القرآن في كل سبع وليحافظ أحدكم على حزبه في يومه وليلتهّ ».
تعليم القرآن الكريم : وهذه من أعظم منافع قراءة الحزب الراتب فإنه سبب في تعلم قراءة القرآن الكريم وسماع نطقه بالطريقة الصحيحة على حسب الرواية المقروء بها من أفواه الحفظة القارئين وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : »خيركم من تعلم القرآن وعلمه » قال أبو عبد الرحمن رضي الله عنه : فذاك أقعدني مقعدي هذا وكان أبو عبد الرحمن يعلم القرآن وعند الطبراني بإسناد جيد : »خيركم من قرأ القرآن وأقرأه ». وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ذكر رجل عند النبي B بخير فقال : »أولم يتعلم القرآن » والحزب الراتب يجمع ما بين الأمرين فهو قراءة وإقراء ، وقد فرَّغ النبي B جماعة من أصحابه لحفظ القرآن ومدارسته فيما بينهم ليكونوا مهيئين لتعليم الداخلين في الإسلام قراءة القرآن فقد روى الواقدي :[كان من الأنصار سبعون رجلا شببة يسمون القرآء كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية المدينة فتدارسوا وصلوا ] وهم الذين استشهدوا في غزوة بئر معونة التي وقعت في شهر صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من هجرة رسول الله B. قال ابن حجر [ قد بين قتادة في روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية ثابت : ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون ].
–    تمكين من لا يستطيع القراءة من سماع القرآن : فالكثير من المسلمين من لم يوفق في حياته الدراسية فلا يحسن القراءة والكتابة ، فيتحرق شوقا لقراءة القرآن والارتشاف من معانيه وحكمه والتنسم من بركاته فيبكي الدم على عدم قدرته على ذلك ، ولكن القراءة الجماعية للقرآن تتدارك هذا النقص الواقع في حياة الأميين من المسلمين فتمكنهم من سماع القرآن الكريم كله يوميا في شهر واحد ، فيسمعون القرآن ويتبركون به ويشنفون أسماعهم بحلو منطق آياته وعباراته ، وقد قيل [ القارئ حالب والمستمع شارب ] ومما روي في هذا الباب عن أبي هريرة أن رسول الله B قال : »من استمع إلى آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة ».
دعوة لتعمير بيوت الله :  فلا  يخفى  على أحد الأوضاع التي تعيشها المساجد من فراغها من أهلها ، فقد ملأ الناس المقاهي والأندية ودور الترفيه  وتركوا المساجد تشكوا  إلى الله هجر أصحابها ، لذلك فقراءة القرآن جماعة مدعاة للمسلمين بالبقاء في المساجد وتعميرها بعد صلاة المغرب والصبح من أجل سماع القرآن ونيل الثواب منه ، فيحصل بذلك اجتماعهم في المساجد وتعميرها بهم .
فهل فعلا قراءة القرآن جماعة بدعة ؟ ويفسق صاحبها أو يحكم له بالنار ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *