Home»Débats»VIDEOمعادلة التطرف والتكفير

VIDEOمعادلة التطرف والتكفير

0
Shares
PinterestGoogle+

معادلة التطرف والتكفير

 المختار أعويدي

ـ عندما يُصرح الصحفي المختار لغزيوي لأحد المنابر الصحفية اللبنانية، بإيمانه بالحرية الجنسية، بل واحترامه للحرية الجنسية لأمه وأخته، وعدم تدخله فيها. لا يُتهم بالتطرف، بل يوصف بالحداثة والمعاصرة والحرية والجرأة وتكسير الطابوهات. برغم كونه يخدش بذلك الحياء، ويوحي بالزنا إذا لم يكن يُحرض عليه. ولا يَخفى موقف الشريعة الإسلامية القطعي من الزنا.    
لكن عندما يَرد عليه الشيخ النهاري مستنكرا تصريحاته، التي يَعتبرها تحريضا على الزنا، ويَعتبر عدم الغيرة على الزوجة والأخت والأم هي مواصفات الشخص الديوث، وهو ما لا يُجيزه الإسلام، يُتهم الشيخ بالظلامية وبالتحريض على القتل، وبالمساس بحرية الآخرين، بل ويُحال على القضاء لردعه ووقفه عند حده.. ـ عندما يَعتبر السيد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي أن الإرث كما تنظمه الشريعة الإسلامية فيه تمييز ضد المرأة، وينبغي مراجعة أحكامه، وفق ما يضمن المناصفة بين الذكور والإناث، وأيضا عندما يدعو إلى تحريم وتجريم تعدد الزوجات واجتثاثه من مدونة الأسرة، مع أن النصوص القطعية في القرآن الكريم قد نظمت الأمر لحكمة إلهية بالغة. فإن الأمر لا يُعتبر تطرفا وتجرءا على أمور مقدسة وثوابت ثابتة، واستخفافا بقدسيتها، بل يُعتبر كل ذلك حرية فكرية واجتهادا وحداثة.

لكن عندما يقوم الشيخ السلفي عبد الحميد أبو النعيم باستنكار دعوات لشكر هذه، واعتبارها مسا بأصول ثابتة في القرآن الكريم، وتطاولا على كتاب الله، مما قد يجُر إلى الإلحاد والكفر ويحرض عليه، تقوم الدنيا ولا تقعد، وتتحرك جميع المنابر الإعلامية والهيآت الرسمية والحزبية.. منددة بالشيخ ومتهمة إياه بالتطرف وبالتكفير والخروج عن الإجماع، وداعية إلى مقاضاته ومعاقبته. وبسرعة البرق تتحرك آلة القضاء لإخضاع الشيخ لبحث دقيق، وعرضه على المحاكمة.
ـ عندما تقوم الممثلة لطيفة أحرار بالتعري بمناسبة وبدونها، والكشف عن أماكن حميمة من جسدها بدعوى ممارسة الفن. وأيضا عندما تستهزء بكتاب الله، بترتيلها لكلام سخيف بعيد عن النص القرآني، بالطريقة المغربية في الترتيل، لا يعتبر ذلك تطرفا ولا خروجا عن الثوابت..  
ـ عندما تقوم المغنية سينا بأداء ما تعتبره غناء، بطريقة مليئة بالإيحاءات الجنسية الفاضحة، مُعتبرة ذلك تعبيرا فنيا، واستجابة لمتطلبات المتلقي، لا يعتبر ذلك تطرفا أو تمردا عن الضوابط الدينية وأحكامها. 
ـ عندما تدعو حركة « مالي »  (الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية ) إلى الإفطار الجماعي العلني خلال شهر رمضان، والتحريض على عدم الصوم، بدعوى حرية العقيدة والتدين، علما أن الصوم ركن من أركان العقيدة، لا يصح الإسلام بدون أدائه، إلا لمن معه عذر شرعي، لا يعتبر ذلك خروجا عن الملة وزيغانا عن الدين.
ـ عندما تقوم فرقة مسرحية تدعي الحداثة، بتقديم عرض مسرحي بعنوان « ديالي »  (المقصود به العضو التناسلي للمرأة ) يَحتفي بالعضو التناسلي للمرأة بشكل مقزز، يفتقر إلى الحد الأدنى من الحياء، ويَستهزء بتقديس المجتمع للبكارة، ويدعو إلى حرية المرأة في التصرف في هذا العضو دون قيود أو سدود،  (لأنه باختصار « دْيالها »، ومن ذلك اشتق عنوان المسرحية: « ديالي » ) بدعوى مساهمة « الفن » المسرحي في خدمة قضايا المرأة وتحريرها من « أغلال » المجتمع، لا يعتبر ذلك عُهرا أخلاقيا يستوجب التدخل والردع..  

– عندما يؤسس الشواذ جمعية « كيف كيف » للشواذ الجنسيين للدفاع عن حقوق المثـليين، التي لا يمكن اختزالها سوى في ممارسة اللواط والدعوة إلى ارتكاب الفاحشة جهارا نهارا. فيتمخض « نضالها » عن قيام بعض الشواذ بتنظيم أعراس المثليين، كما حدث في عرس الشواذ بمدينة العرائش 2007 والقصر الكبير، لا يُعتبر ذلك انحدارا في مهاوي الفسق والرذيلة..
عندما يقوم بعض الملاحدة، بثقة غريبة عمياء، بإشهار إلحادهم على الهواء مباشرة، في برامج تذاع في إذاعات محلية، ويتبجحون بذلك أمام الرأي العام بدون حسيب أو رقيب  (أنظر الفيديو المرافق ) لا يعتبر ذلك كفرا بينا..  
عندما يَحدث كل هذا، وغير هذا في وطني العزيز، يستعصي على المرء فهم مسألة معادلة التطرف والغلو، وطبيعة المعايير المحددة لها، والحدود الفاصلة بين التطرف والإعتدال والحرية والحداثة والظلامية.. وغيرها من « مساحات الحرية » وفضاءات التعبير، ومتاهات الإنغلاق والتشدد التي قد تقسم المجتمع إلى « ملل ونحل« . ويتمظهر بجلاء شيء واحد يكاد يكون مؤكدا، هو سطوة وسيادة ازدواجية المعايير المعتمدة في تحديد التطرف والتشدد، والمتطرف والمتشدد من عدمه، وانتصاب العدالة وباقي أدوات وآليات المجتمع  (إعلام، هيآت، أحزاب.. ) في هذا المجال للضرب في اتجاه واحد دون سواه.  
إن مفاهيم « التطرف والظلامية والتشدد » التي تطفو على السطح في وطننا، تكاد تسري بل تلصق فقط بفئة محددة داخل المجتمع، تختزل في التيارات الإسلامية ومنظريها وفقهائها/علمائها، والحال أن للتطرف وجوها وسحنات متعددة وليس وجها واحدا. 
إننا في وطننا نرتج ونفزع عند سماعنا لفتوى تكفير. لكننا لا ننزعج ولا نحرك ساكنا، عندما نسمع حركة تدعو إلى عدم الصوم، بل تحرض على الإفطار العلني، وهي بذلك تدعو إلى إسقاط ركن من أركان العقيدة، مع ما يعنيه ذلك من إلحاد وخروج عن الدين. ففي مثل هاتين النازلتية، أيهما المتطرف والمتشدد؟؟ أهو الذي دعا إلى إسقاط ركن من أركان الشريعة؟ أم الذي وصف هذا الفعل بالكفر والمروق عن الدين؟؟   
إن الدعوة إلى إسقاط ركن أو أكثر من أركان الشريعة، شئنا أم أبينا، هو كفر وإلحاد جلي، وإن من وَصف هذا الفعل بالكفر عن طريق إصدار فتوى تكفير أو غيرها هو لم يأتي بجديد، إنما الأمر هو تسمية لمُسمى بين، بل هو تحصيل حاصل. 
فلماذا إذن يفزعنا لفظ أو بالأحرى بعبع « التكفير » إذا كان بعضنا يأتي أمورا تـُدخله فعلا في خانة التكفير؟؟ وإلا كيف سنسمي مَن يتجرأ على إسقاط ركن من أركان الدين (الصوم ) ويحرض على ذلك؟؟ أو مَن يدعو إلى اللواط وزواج المثليين؟؟ أو مَن يدعو إلى تغيير أحكام إلهية قطعية (إرث ـ تعدد.. ) بأحكام بشرية؟؟ أو من يخرج شاهرا إلحاده ومتبجحا به؟؟ هل لديكم أيها السادة مُسميات تليق بمثل هذه المواقف؟؟

لماذا تعوزنا الجرأة والشجاعة الأدبية على تسمية الأشياء بمسمياتها؟؟ فإذا كنا نأتي أمورا تدخلنا في خانة الكفر، فلا داعي للإنزعاج إذا قام أحدهم ووصفنا بالكفر؟؟ 
هناك كثيرون منا هم فعلا كفارا بمعتقداتهم، كفارا بممارساتهم، كفارا بسلوكاتهم، كفارا بأفعالهم. وهم يتبجحون بهذه الممارسات، ويُشهرونها ويُعلنونها، ويَعملون على إشاعتها وتحريض الناس على فعلها. لكنك حين تصفهم بما فيهم من إلحاد وكفر بين، تثير ثائرتهم وثائرة أمثالهم، فيثيرون الزوابع ونقع الغبار، ويقلبون عليك الطاولة. فتصبح أنت « المتطرف والمتشدد والظلامي.. » وما إلى ذلك من الأوصاف المصفوفة في قاموس التطرف المغربي. وهم « المعتدلون والحداثيون ودعاة الحرية..)  
إنه ليس للتطرف أبدا وجه واحد فقط، بل هو متعدد الوجوه مُتلون السحنات، له سدنة وخدام في صفوف الحداثيين كما الإسلاميين وغيرهم على حد سواء.      
أليست الدعوة إلى الإفطار العلني في شهر رمضان تطرفا وغلوا واستفزازا حتى؟؟   
أليس التعري الفاضح، والميوعة الفنية، الموظفة لأبشع الإيحاءات الجنسية تطرفا يستوجب الصدع والردع والتدخل؟؟   

أليس التطاول على كتاب الله ونصوصه القطعية، ووصفها بالتمييزية ضد النساء، والدعوة إلى مراجعة أحكامها كي تنسجم مع أحكام « الفكر الحداثي » لبعض المرتزقة المتاجرين بكل شيء حتى بالمقدسات، أليس كل هذا هو قمة بل صميم التطرف والظلامية الفكرية، التي تستوجب صرامة في التدخل، وجدية في ردع أهلها وإيقافهم عند حدودهم؟

إن مفهوم التطرف والتشدد، بناء عليه، يكاد يكون ملتبسا، أو يراد له أن يكون ملتبسا، ربما لخدمة أجندات معينة. ولذلك توظف لخدمة هذا الإلتباس كل هذه الهجمة التي شارك بل تورط فيها الجميع أحزابا وهيئات ومؤسسات عمومية وخاصة لحشر تيار معين عند الزاوية.. غير أن المؤكد أن هذا لا يخدم وطننا ولا يقوي ثوابته، بل يساهم في تفكك لحمة مجتمعنا، والتشكيك في ثوابته ومقدساته. وبالتالي ينذر بالكثير من المآزق والمطبات والعثرات.  
في الحقيقة لست ممن يصدر أحكام التكفير، ولست أصلا مؤهلا لفعل ذلك، ولا مدافعا عن أهله، كما ولست متحاملا على مُدعي الحداثة العرجاء. ولكن النقاش وحتى اللغط الذي يعرفه وطننا بشأن هذا الأمر، هو حقا نقاش مستفز ومقلق، لأن فيه الكثير من ازدواجية المعايير، بل وفيه غير قليل من التغليط. فالمد كله تقريبا يسير في اتجاه التنديد والإدانة بما يدعى  » تيار التكفير » على أثر صدور بعض فتاوى التكفير مؤخرا، نتيجة تصريحات الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي بشأن الدعوة إلى تغيير أحكام نصوص شرعية قطعية، وتهييج الرأي العام من خلال وسائل الإعلام العمومية وغير العمومية، وتأليبها ضد رأي دون غيره. من دون منح مساحة التعبير لكافة أطراف هذه القضية. ويكاد الجميع يتحدث لغة واحدة في هذا الأمر، ربما قناعة أو نفاقا أو تقية أو تبعية. في حين يتم السكوت أو حتى التماس التبرير لأنحرافات فكرية وسلوكية وعقائدية تتهجم على عقيدة البلاد وتعمل على دك حصونها من الداخل والتطاول على أركانها، من دون أن يحرك الأمر ساكنا. الجميع التزم الصمت، فلا حماة الملة والدين تحركوا، ولا الهيآت الدينية العليا تدخلت. فمن يحمي إذن ثوابت الأمة ومعتقداتها إذا بقي المجال مفتوحا هكذا لعبث العابثين يسرحون ويمرحون فيه من أمثال من ذكروا أعلاه؟؟؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبد الحفيظ كورجيت
    22/01/2014 at 00:32

    تحية للأستاذ العويدي.هناك سؤال يطرح نفسه:هل سيجرؤ هذه المرة رفاق المفتي إدريس على تقديم دعوى ضد المحجوبي بعد ما قاله في حق الشهيد كما فعلوا مع أبو نعيم ؟ ؟؟؟؟د

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *