Home»Débats»مسار خريج التعليم العتيق والنسق الاجتماعي

مسار خريج التعليم العتيق والنسق الاجتماعي

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمان الرحيم
إن مسار خريج التعليم العتيق في علاقته بالنسق الاجتماعي مسار متجذر عبر التاريخ، وقد حقق المتخرجون عبر مسارهم هذا نجاحات كبيرة؛ لتوافر دواعي تلك النجاحات ، ومن ثم يحسن تمحيصها لضمان استمرارها. والنظرة التمحيصية للأشياء هي التي تفسح الطريق أمام العمل الرزين والمتواصل ليستمر ، وتضبط منهج التسيير والتدبير، بإدراك عمق الواقع وقيمة الإمكانات المتوفرة والمتجددة،مما يضمن تسد يد مسار العمل المستقبلي لخريج التعليم العتيق .
وسأتناول في هذا العرض أهم الأسباب الداعية إلى إعادة النظر في مسار خريج التعليم العتيق في علاقته بالنسق الاجتماعي ، إذ تكاملت عدة عوامل فأمدت مسار الخريج بقوة دفع استوجبت إعادة النظر في آليات عمل الخريج مما سيمكنه من الاستمرار في أدائه للمهام الجديدة عبر أحقاب مديدة

  فماذا عن مسار خريج التعليم العتيق بمعهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية ؟

من المعلوم أن انخراط الخريج في النسق الاجتماعي يسمح بتجدد رغباته وتنوع حاجاته لأدوات عمل جديدة، مما يفرض عليه الانفتاح على حقول معرفية متنوعة تتسع وتضيق بقدر ما يحدث للناس من أقضية ، فيصبح الحديث ضروريا عن:
علاقة الخريج في مساره بالمكتبة الشرعية خاصة وبالمكتبة عامة ، وعن سبل التأهيل العلمي للخريج،  وعن الخبرة العلمية العملية للخريج؛ والتي تنمو بالتوسع في مناهج البحث ، وعن مسار التخطيط المناسب لتلبية الاحتياجات المتزايدة لكل فئة من فئات المجتمع .
كما يصبح الحديث ضروريا عن مسار الحالة النفسية للمتخرج ومدى قدرته على تحمل مختلف الضغوط وتجاوز العقبات التي تقف في طريق أدائه لوظائفه في التوجيه والإرشاد والفتوى، والبحث في إطار التكوين الذاتي والتكوين المستمر مما يسمح له بتحيين معارفه ومواقفه ومواجهة كل التطورات والتحولات الطارئة وامتلاك نظرة تبصرية في قراءة الواقع .
وكذا عن الوقت الذي يستغرقه الخريج لتحرير بحث وفق الضوابط المنهجية أو تحرير فتوى وفق القواعد التأصيلية علما بأن متوسط زمن البحث في الدراسات العلمية يتراوح بين ساعة واحدة وخمس ساعات يوميا وزمن البحث ليس هو زمن المطالعة الذي قد يصل إلى18 ساعة يوميا والأول أقل لأنه مضن ويحتاج إلى جهد أكبر في القراءة والفهم والتحليل والتركيب والتقويم والتأويل والتركيز والمقارنة والترجيح .
كما أن المسار يفرض الحديث عن القدرة على استعمال اللغات الأجنبية لمعرفة مدى استخدام الخريج لمصادر من لغات مختلفة وما إذا كان عدم إلمام الخريج بأية لغة أجنبية  يعوق عملية التواصل والوصول للمعارف والمعلومات المطلوبة . علما بأن حاجة الخريج لإتقان اللغة الانجليزية تحديدا مهمة لإغناء أبحاثه بالإطلاع على كل ماهو جديد ، خصوصا وأن جل المعارف الجديدة على شبكة الإنترنيت وغيرها تقدم باللغة الانجليزية.
وبالمناسبة فاللغة ليست مقصودة لذاتها ، وإنما لوظيفتها التي تستجيب لخدمات مجال تخصص الخريج وهو المجال الديني والتديني عامة والفتوى خاصة والمعلومات الضرورية للخريج في وقت محدد من أجل حل مشكلة أو الإجابة على مسألة ، واللغة وسيلته في كل ذلك بالتفصيل الآتي :
أولا:   لغة التعامل مع الشرع ـ اللغة العربية ـ
ثانيا:  لغة التواصل المحلية ـ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.ـ قد تكون اللغة الرسمية للبلد الذي يقيم فيه الخريج .
ثالثا : اللغة الانجليزية باعتبارها لغة البحث العلمي المعاصر .
علما بأن احتياجات الخريجين تختلف من خريج لآخر حسب مسارات كل واحد منهم  وأن الحاجة اللغوية للخريج هي الحالة التي تستخدم فيها لغة محددة لإنجاز مهمة مشروعة شرعا ارتباطا باستفسارات السائل والإجابة عنها؛ وهذه حاجة إنسانية وشرعية ؛ وبهذا يجد الخريج نفسه منخرطا في تلبية حاجات اجتماعية، ويكون بإتقانها  وإتمامها قد استخدم قناة اتصال رسمية ، فكان لابد من تحويل اتجاه الحاجة إلى اللغة من منظور تواصلي فحسب إلى منظور تواصلي وظيفي، وبذلك يتحقق شرط الاهتمام باللغة التي تضمن وتكفل للخريج استعمال مصادر معلومات انطلاقا من المحيط المجتمعي الذي يعيش فيه

 وهذا يفرض الحديث عن احتياجات الخريج:

لقد تم ضبط احتياجات الخريج من خلال استجواب عينة من الخريجين يفوقون المائة  من خلال استمارة يدور موضوعها حول البحث عن المعلومات والمعارف لدوافع خارجة عن التحصيل الدراسي ، فكانت النتيجة أن نسبة 38% لم يستخدموا أي مكتبة أو أي مركز للمعلومات إلا عند متابعة الدراسة من أجل إنجاز الأبحاث التي كلفوا بها  وهم أصناف :
صنف: يحتاج إلى معارف ومعلومات من الممكن الحصول عليها عن طريق خدمات محددة. صنف: سبق له فعلا استخدام مصادر معرفية بغض النظر عن كيفية الانتفاع من ذلك الاستخدام.
صنف: جنى ويجني منافع جمة من استخدام مصادر معرفية متنوعة .
صنف:  تتوفر لديه النية لاستخدام خدمات من مصادر معرفية إلا أنه لم يستخدمها بعد

مهمة الخريج والنسق الاجتماعي

تحتل مهام الخريج مكانا مرموقا في النسق الاجتماعي، ولا نكاد نجد باحثا في العلوم الشرعية إلا وظهرت في أعماله وتفسيراته ومنهجه خصائص الوظيفية؛ بل إنها من أوسع الدراسات في ارتباط العلم بالعمل.
وترجع الجذور التاريخية للوظيفية إلى النظرة العضوية للمجتمع،  وتتمثل في نظرية الأنساق ، التي تدور حول فكرة أساسية وهي أن كل عضو وكل جزء من النسق (الكائن ) يقوم بوظيفة أو عدة وظائف ضرورية لبقاء المجتمع حيا، فالنظرية الوظيفية الاجتماعية جعلت من النسق الأساس الذي تنطلق منه في أية دراسة ، بحيث اعتبرت أن المجتمع هو كل يتألف من عدد من العناصر المترابطة والمتفاعلة بينها ولها علاقة بالكل، وكل جزء داخل المجتمع يؤدي وظيفة محددة والخريج فرد من أفراد المجتمع فهو بذلك يشكل جزءا من المجتمع  ؛ أي أن النسق الوظيفي الاجتماعي يستند إلى فكرة الكل الذي يتألف من أجزاء يقوم كل جزء منها بأداء دوره في تناغم تام مع غيره فهو بذلك معتمد على غيره من الأجزاء ومن تم يقوم التساند الوظيفي بين الأفراد والنسق الاجتماعي ككل  وهو ما يعبر عنه بالعمل الجماعي  وفي علوم التربية ببيداغوجيا المشروع .
وبذلك تعني الوظيفية الاجتماعية للخريج: الدور الذي يلعبه أو يؤديه الخريج في البناء الاجتماعي ، شبكة العلاقات المتبادلة، والتي يفسرها البعض بأنها ضرورية لتحقيق التشابك والتفاعل بين  النظم التي تؤلف حياة المجتمع ككل ونصيب كل فاعل منها في الحفاظ على تماسك المجتمع  واستمراريته ووحدته وكيانه ، كما أنها تشير أيضا إلى الإسهام الذي يقدمه المجتمع الكبير للجماعات الصغيرة التي يضمها .
ونظرا لتشابك وتعقد العلاقات الاجتماعية فإن تحديد مسار خريج التعليم العتيق في علاقته بالنسق الاجتماعي كان ضرورة من أجل معرفة الأشكال المختلفة للتفاعلات والترابطات الاجتماعية ؛ لأن ما يحدد المعالم النوعية للنسق هو ما يستخدم من طرق لتحليل الظواهر الاجتماعية التي يضمها النسق.
فالعمليات الاجتماعية وما يتولد عنها من علاقات اجتماعية إنما تمثل نماذج سلوكية وليدة شعور الأفراد باعتماد بعضهم على البعض الآخر، وهذا شأن خريجي منظومة التعليم العتيق،وحاجاتهم لتبادل المشاعر،وترابط الأفكار  والنشاط، وهذا هو الإطار الذي نجتمع حوله، والذي يؤدي إلى ترابطات بنائية في العلاقات الوظيفية اجتماعيا

 وكمثال على ذلك فإننا سنقوم بالتركيز على ثلاثة أنواع من الوظائف:

– وظيفة خريج  فاعل بالنسبة للمجتمع ( بصفته الفردية ).
– وظيفة مجموعة من الخريجين الفاعلين دينيا و اجتماعيا ( يشكلون فريق عمل يشتغل على إنجاز مشروع ثقافي أو اجتماعي)
– وظيفة خريج فاعل مؤسساتي ( بصفته منتميا لمؤسسة رسمية نظامية )
ومن خلال هذا المثال يبدو كيف أن التعرف على مسار خريج التعليم العتيق يتطلب الكشف عن النسق الاجتماعي ويتطلب الكشف عن ارتباط الجزء وهو الفرد خريج التعليم العتيق بجميع الأجزاء وهم أفراد المجتمع ومؤسساته الرسمية .
وعلى ذلك فإن الحديث عن  الاتجاه الوظيفي لخريج التعليم العتيق  جاء نتيجة لنظرة العلماء إلى المجتمع على أنه نسق واحد يتألف من عدة عناصر متفاعلة ومتساندة تؤثر في  بعضها. وبذلك يعني مسار خريج التعليم العتيق في علاقته بالنسق الاجتماعي ؛ الدور الذي يقدمه أو يؤديه الخريج في البناء الاجتماعي انطلاقا من الاهتمام في دراسة الظاهرة الاجتماعية بالنتائج والآثار المترتبة على وجود الظاهرة، إلى جانب إيلاء الأولوية للبحث عن الأسباب أو مصدر نشأتها.
وإذا كان الإلمام بمفهوم النسق ضروريا في الدراسات الاجتماعية فإن الأمر يبدو أكثر أهمية عند دراسة النسق الاجتماعي للمجتمعات المعاصرة ، والتي لا يمكن التعامل  مع الأنساق داخلها كحقيقة قصوى ، نظرا للتغيير الشديد الذي تعرفه المجتمعات اليوم ، وهو ما يفرض اكتساب الأدوات والوسائل الضرورية لتتبع التغيير والمتغيرات .
وبذلك يصبح مسار خريج التعليم العتيق  في علاقته بالنسق المجتمعي منهجا واضح المعالم لما سيقبل عليه الخريج من مشاريع في مجال  الدراسات الاجتماعية  التي تعمل على تحليل المجتمع وفهم ظواهره .
نسأل الله لخريج التعليم العتيق التوفيق والسداد في هذا المسار الايجابي البناء

د. عبد الله منار.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.