Home»Débats»حفظة كتاب الله عز وجل يتحولون إلى أجواق عرض بسبب تزايد الطلب عليهم

حفظة كتاب الله عز وجل يتحولون إلى أجواق عرض بسبب تزايد الطلب عليهم

0
Shares
PinterestGoogle+

حفظة كتاب الله عز وجل  يتحولون إلى أجواق عرض بسبب تزايد الطلب عليهم

 

محمد شركي

 

اعتاد المغاربة بحكم تدينهم التبرك بكتاب الله عز وجل في أفراحهم وأتراحهم تيمنا به ، حتى صار استدعاء حفظة كتاب الله من أوجب الواجبات عندهم . ولا يوجد بيت من بيوت المغاربة لم يتردد عليه هؤلاء الحفظة  دون أن يسأل الناس عن سرائرهم ،لأن من انتسب إلى القرآن الكريم حظي بثقة المغاربة الذين يقدسونه أيما تقديس . وتوارث المغاربة استضافة الحفظة من قراء كتاب الله عز وجل ، وإطعامهم ، وصلتهم بصلات ما قل منها وما كثر حسب أحوال المستقبلين لهم . ودأب الحفظة على التكتل في مجموعات تعرف أحيانا باسم أحدهم . وكان الناس يحرصون على التبرك بأكثر المجموعات ورعا  وتقوى استجلابا للخير واليمن والبركة ، والدعاء الصالح في كل مناسبة من مناسباتهم. ومع مرور الزمن بدأ بعض الشباب يحرص على تجويد أدائه لكتاب الله عز وجل ، والمغاربة يشتهرون أيضا  بطرق مختلفة في التجويد حسب جهات الوطن ، ويتنافسون في القراءات الفردية والجماعية ، ويتفاخرون بذلك أيما افتخارا . ومعلوم أن التغني بالقرآن الكريم من سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ولكنه التغني المشروع المضبوط بقواعد معلومة  ،لهذا يتنافس المجودون والمرتلون في تجويده وترتيله ، وهم مأجورون  إن شاء الله تعالى على ذلك . وغالبا ما تجلب أصوات المجودين والمرتلين الناس إلى بعض بيوت الله عز وجل ، ويرغبون في أن يدخل هؤلاء بيوتهم لجمال أصواتهم . وإذا كان الناس فيما مضى يحرصون على التبرك بأهل التقوى من الحفظة ، فإنهم في هذا العصر لم يعودوا يشترطون الصلاح والتقوى والورع في المقرئين والحفظة ، بل صاروا يفضلون أصحاب الأصوات الجميلة  والمؤثرة بغض الطرف عن سرائر وأخلاق أصحابها .

  وصار هذا الذوق الذي فرضه العصر هو المهيمن على غالبية الناس حتى تحول حفظة كتاب الله عز وجل إلى ما يشبه الأجواق الفنية ، وصار بعضهم يستعمل الآلات والأجهزة الحديثة  للتحكم في الأصوات على طريقة أهل الطرب والغناء. وخرجت سنة التغني بالقرآن الكريم عن إطارها  الصحيح ، وصار القرآن الكريم طربا لا يطلب لدلالته وقدسيته ، وإنما يطلب لأصوات  الذين يتغنون به. ولما أحس هؤلاء المطربون بإقبال الناس طربهم تحولوا إلى أجواق طرب ينتقلون بين البيوت ، ويشترطون عوض الصلات التي كان الناس فيما مضى يصلون بها الحفظة الأثمان على غرار أثمان الأجواق الموسيقية . وتنافس الناس في هذه الأثمان حيث أغلاها أصحاب البيوت الموسرة الشيء الذي أفسد طباع الحفظة ، فصاروا لا يقبلون إلا دعوات أهل اليسار ، ويتجنبون بيوت بسطاء الناس  وفقرائهم . و كنت أسمع حكايات بعض هؤلاء الحفظة ولا أكاد أصدقها ، وأعتبر ذلك من قبيل التعريض بأهل القرآن الكريم حتى جاء اليوم الذي كلفني أحد الأصدقاء بدعوة بعض المقرئين ، فدعوت بعضهم ، وجاءوا بآلاتهم المتحكمة في الصوت والصدى ، وقرءوا بما  عرفنا وما جهلنا وأنكرنا من القراءات . وفوجئت بهم وهم يتبادلون النظرات والهمسات الساخرة فيما بينهم ، وطننت بهم خيرا، وأولت ذلك على أنه تفاهم بينهم على كيفيات الأداء . وانصرفت المجموعة  وكانت مكونة من خمسة أعضاء ، وكنت على يقين من أن صديقي سيحسن صلتهم في مناسبة تشييع والدته رحمة الله عليها إلى مثواها الأخير. وفي الغد اتصل بي أحد أعضاء فرقة الطرب القرآني يشكو ضآلة الصلة ، فوعدته للتو، وقبل سؤال صديقي عما كان منه من بخس صلتهم بتعويض لجبر خواطرهم ،لأنني كنت واسطة بينهم وبين صديقي صاحب المصيبة . وبعدما تبينت الأمر مع صديقي تأكد لي أنه وصلهم بمبلغ 1200 درهم ، فلما راجعت عضو الجوقة  في شكواه الباطلة ، أخذ يعدد لي فاتورة الأداء التي تضمنت آلات التحكم في الصوت ، والهاتف الخلوي المحمول ، وسيارة النقل  تماما كما تعدد الأجواق الموسيقية فواتيرها ، وكما تدقق النكافة مصاريفها .

وبعدما كنت أكبر هؤلاء الحفظة صغروا في عيني  أيما صغار لما صاروا عليه من دناءة ، وسوء خلق لا تليق بحملة كتاب الله عز وجل . وعدت بذاكراتي إلى ما كان  بينهم من غمز وإسرار للقول وسخرية ، وهم في مقام تلاوة كتاب الله عز وجل ، ومدح رسوله صلى اله عليه وسلم . و بعد هذا الحدث خبرت أمر بعض هؤلاء مرة أخرى ،عندما طلب مني أحد الأقرباء استدعاءهم لحفل عقيقة ، فحصلت على وعد من قائد جوقة قرائية ، فلما حضر موعد  نقله هو وفرقته إلى بيت المحتفي بهم ،اعتذر بدعوى أن غيره سبقني إلى دعوته لحفل زفاف مع أنه كان قد وعدني بحضور حفل العقيقة من قبل  . ومع أن الفرق طفيف بين حفل العقيقة وحفل الزفاف، لأنهما معا مناسبتان سارتان خلاف مناسبة الجنائز التي تكون وجبتها أقل إغراء من وجبات المناسبات السارة عادة ، وتكون صلتها أكبر قيمة ، إلى جانب كون حفلات الزفاف فيها ما يغري أعضاء الشباب بالطرب  ، والتنفيس عن المكبوت وما لا يعلمه سواهم من الأسرار الخفية . وبالأمس تكرر نفس الحدث مع رئيس جوقة قرآنية أخرى، حيث وجهت له دعوة خلال بداية الأسبوع ، فوافق عليها ، وتم الاتفاق على نقله  بعد صلاة العشاء من مسجده هو وجوقته، إلا أنه اعتذرفي آخر لحظة بدعوى أنه تذكر وعدا كان قد وعد به غيري لإحياء الليلة معه ، وذلك قبل أسبوعين ،فأنساه الشيطان ذكر الوعد السابق، فأعطى وعدا لاحقا على وعد سابق  ، لينقض آخر وعد حرصا على المروءة  .

ولعل هذا الشاب المطرب الذي يعرف قيمة طربه قد قارن بين الدعوتين فاختار أيسرهما ـ  من اليسار ، وليس من اليسرـ  كما  جاء في السنة . ومن غبائه الذي خيل إليه أنه فطنة وذكاء ،أحالني على فرقته من الدرجة الثانية أو الثالثة ، وقد علمت أن لهؤلاء درجات ورتب ، وما كنت أصدق ذلك حتى عاينته . وانصرفت تاركا  فرقة التعويض في انتظاري ، حيث وعدت بالعودة إليها بنية إخلاف الوعد إن شاء الله تعالى ، ليذوق قائدها الشاطر ما أذاقني من مرارة  إخلاف الوعد في آخر لحظة ، ولو أنه أخبرني عقب صلاة المغرب، لالتمست من يعوضه . وعدت إلى صاحب المناسبة ، فأخبرته بما حدث ، فعمد إلى المصاحف ، ووزعها على المدعوين فقرءوا ما تيسر من كتاب الله عز وجل دون » جميل الكراب » كما يقول المغاربة . وتألمت كثيرا لما آل إليه أمر بعض الحفظة الذين ركبهم الغرور، لأن الناس صاروا يقبلون على قراءتهم ، وصاروا يعرضون أداءهم كما تعرض البضاعة والأزياء ، وصاروا يتعاملون بمنطق الربح والخسارة  عوض منطق الأجر المحتسب عند الله عز وجل . وما أظن البركة واليمن تكون حيث يكون هؤلاء ، وقد صارت عيونهم تتطلع إلى بيوت اليسار ، وما فيها من الطيبات وحسن الصلات ، وتزدري بيوت الفقر ، وما فيها من بسيط الطعام وهزيل الصلات. وأنصح بيوت الفقر من الآن فصاعدا  أن يقتني أصحابها المصاحف للتبرك بكلام الله عز وجل في مناسبات السراء والضراء ، وقد أخبرت أن هذه الظاهرة بدأت بالفعل تنتشر بسبب غلاء الأجواق القرآنية ، وانصرافها إلى بيوت اليسار، وانحرافها عن تلاوة كتاب الله عز وجل ابتغاء وجهه  والدار الآخرة . ولقد تغير كل شيء في هذا الزمن حتى التبرك بكتاب الله عز وجل صار من ضمن المعروضات والمبيعات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *