Home»Débats»إقبال وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية على الحديث عن جرائم القتل شجع على انتشارها واستفحال أمرها

إقبال وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية على الحديث عن جرائم القتل شجع على انتشارها واستفحال أمرها

0
Shares
PinterestGoogle+
 

محمد شركي

منذ مدة طويلة وأنا أتردد في تناول موضوع  إقبال بعض وسائل الإعلام خصوصا الرسمية على الحديث عن جرائم القتل البشعة ، حتى طالعتنا آخر جريمتين  في مدينتي تاوريرت ووجدة ، وهما من صنف الجرائم الوحشية حيث مثل مرتكباها بجثتي الضحيتين شر تمثيل على الطريقة الأسيوية كما صرح  بذلك ذات يوم أحد خبراء الشرطة الفرنسيين عندما عثر على قطع جثة في أكياس البلاستيك ، وكان  ذلك أول عهد الفرنسيين بهذا النوع من الجرائم . وبالفعل كان الجاني أسيويا  يومئذ ،لأن الإجرام أيضا تحكمه ثقافته الخاصة ، وهي مختلف بين شعوب الأرض. والخطأ الذي وقعت فيه وسائل الإعلام  خاصة الرسمية المرئية منها ،أنها خصصت  حيزا كبيرا للحديث عن الجرائم ، وعن أخطر المجرمين ، وعن أسرارخبرات أجهزة الأمن في ملاحقة الجرائم

. ولم يخطر ببال وسائل الإعلام هذه أنها تقدم خدمة مجانية للمجرمين ، الذين باتوا يطورون  طرق إجرامهم على ضوء ما يقدم في هذه  البرامج المخصص للجرائم . إن معدي هذه البرامج لم يضعوا في حسابهم أن الهدف الذي سطروه لها ،  سيرافقه مع مرور الزمن هدف آخر وهو تقديم العون والخدمة المجانية للمجرمين لتطوير أساليب إجرامهم اعتمادا على تجارب غيرهم  من المحترفين أو من الهواة الذين اتكبوا الفظائع التي تقشعر لها الأبدان ، وتنقلع لها القلوب. فلا أحد يناقش دور هذه البرامج التوجيهية والتربوية ، لأن الكشف عن الجريمة  قد يكون محاربة لها، ولكن عند الناس الأسوياء ، في حين أن غير الأسوياء من  الناس سواء المجرمين المحترفين أو الهواة ،لا يمكن أن تؤثر فيهم هذه البرامج بشكل إيجابي  أي توجيهي وتربوي ، بل بالعكس  ستتيح لهم فرص التطبيع مع الجرائم  ، ويقع في وجدانهم أن المجتمع فيه استعداد كبير للتطبيع مع الجرائم ،التي تصير بحكم الحديث الإعلامي اليومي أو الأسبوعي عنها أمورا عادية ، وغير مستغربة أو مستهجنة. والإعلام أحيانا لا يراعي الفوارق بين المستهلكين لمواده الإعلامية ، والذين يختلفون من حيث مستوياتهم التعليمية ، ومن حيث ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. والخطاب الإعلامي لا يراعي في الغالب هذه الفوارق ، بل ينطلق من خلفية التسوية بين  جميع المستهلكين لمواده الإعلامية . وهذا في حد ذاته خطأ فادح . فضعف المستويات التعليمية ، وطبيعة الانتماء الاجتماعي تنعكس على سلوك المستهلكين للإعلام . وبعض وسائل الإعلام المكتوبة المحلية تستغل المادة الإعلامية المتعلقة بالجرائم لتسويق منتوجها  الإعلامي خصوصا بين الفئات  شبه المتعلمة، دون التفكير في  عواقب هذا التسويق على سلم المجتمع المدني ، وأمنه واستقراره .

فأسبوعيا تطالعنا صور مثيرة ومقززة أحيانا للمجرمين مع ضحاياهم ، فيكون ذلك سببا في إقبال المستهلكين غير المؤهلين على المنتوج  المغري بهذا الشكل ، ويكون  ضمن  هؤلاء المستهلكين من لا يؤثر فيه وعظ أو إرشاد ، أو تربية ، أو توجيه ، بل عكس ذلك  يكون المنتوج الإعلامي  حول الجرائم حافزا لهم على تعاطي الجرائم  والإقبال عليها . وأكثر من ذلك يكشف لهم أسرار المجرمين المحترفين الذين يحاولون التمويه على جرائمهم . وكشف مصالح الأمن عن أسرار المهنة في تعقب المجرمين ، يساعد هؤلاء أيضا على تطوير آليات      و طرق مواجهة  مصالح الأمن، حيث يصير المجرم على علم بتقنيات الشرطة العلمية المتخصصة ، والشرطة المختصة بمكافحة الإجرام  فيستفيد منها لتطوير طرق الإفلات منها ، وهو أمر يشجع على الإقبال على الجرائم طمعا في هذا الإفلات. ويمكن لطريقة واحدة أن تؤتي أكلها ، وهي عدم الكشف عن خفايا الجرائم خصوصا المرتكبة من طرف المجرمين المحترفين ، مقابل تصوير عملية تنفيذ حكم الإعدام فيهم ليكون ذلك رادعا لهم . أما عندما تعرض وسائل الإعلام أبشع الجرائم ، ثم  يسمع  المجرمون أ والمؤهلون للإجرام الأحكام  غير المناسبة لحجمها  ، فإن ذلك يكون تشجيعا مباشرا لهم على  الإجرام، لأنهم يستقلون مدد السجن، ويستهينون بها  مقابل ما يرتكبون من جرائم بشعة ، وهو سجن تحول إلى  ما يسمى إصلاحيات تحت ضغوط القوى الخارجية عوض أن يصير سجنا بالمعنى الدقيق والصحيح  للسجن . فرب العزة سبحانه في كتابه الكريم سمى السجن باسمه باعتبار وظيفته  فقال جل من قائل : (( و دخل معه السجن فتيان )) ولم يقل دخل معه الإصلاحية .  ولسنا أرأف، ولا أرحم من الله تعالى بخلقه عندما نسمي السجن إصلاحية نزولا عند رغبة منظمات  بلدان أجنبية استفحل فيها أمر الإجرام ، وهي تعيش تناقضا صارخا بين شعارات حقوق الإنسان، وبين ازدياد نسب الجرائم حتى صار المجرمون  يطالبون بحقوق على غرار باقي الناس الأسوياء وكأن لهم بالفعل حقوق مع أنهم مجرمون .

ولقد انتقل هذا المنطق المغلوط  والمتناقض إلينا ، فلا يكاد المجرمون  المتلبسون عندنا يقعون في قبضة  مصالح الأمن حتى  يبادروا بالحديث عن حقوقهم منها حق توفير الدفاع ، و بنوع من التنطع ، لأنهم يفهمون الحقوق  بمقاسهم الخاص بحيث يزهقون أرواح الأبرياء بدم بارد ، ويطالبون بحقوقهم . ولعمري لست أدري كيف يجرؤ المجرمون على المطالبة بحقوقهم ، وهم لا يفكرون في حقوق  ضحاياهم .  وأمام تفاقم جرائم القتل لا زالت بعض الأصوات الشاذة والمستلبة فكريا وثقافيا تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام جريا وراء المجتمعات المفلسة ، والتي  يمنعها غرورها من الالتفات إلى إفلاسها . فالمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بالنسبة  للقتل العمد  تجاسر واضح على شرع الله عز وجل ، واستخفاف واضح بأرواح الأبرياء من الناس . فلو التزم المجتمع تنفيذ عقوبة الإعدام في المجرمين المرتكبين للقتل العمد لحد ذلك مع مرور الزمن من جرائم القتل التي ألحقتنا بالمجتمعات السائبة في واقعها المعيش ، والمتعالية على مستوى الشعارات الفارغة . ولا بد أن يضغط المجتمع المدني انطلاقا من خلفيته الدينية  لحمل المسؤولين على تطبيق شرع الله عز وجل في جريمة القتل العمد ، وتطبيقها في أماكن يحضرها الناس ، وتنقل عبر وسائل الإعلام ، ليكون المجرمون عبرة لغيرهم . أما الأساليب المتبعة حاليا في التعاطي مع جرائم القتل العمد سواء إعلاميا أم أمنيا أم قضائيا ، فقد ثبت بأنها لم تعد تجدي نفعا من خلال مؤشر ارتفاع هذا النوع من الجرائم في بلدنا المسلم ـ يا حسرتاه ـ  .

وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تراجع طريقة تعاطيها للمادة الإعلامية المتعلقة بالجرائم عموما ، وبجرائم القتل خصوصا. وعلى أجهزة الأمن أن تلتزم بحفظ أسرار مطاردة المجرمين ، والكشف عنهم لمنع المجرمين من  تعديل خطط إجرامهم  من خلال  نشر طرق مكافحة الجرائم . وعلى الجهات المسؤولة وبمناسبة  وصول حزب ذي خلفية دينية إلى مركز صنع القرار، وتنفيذه أن يراجع أساليب التعامل مع الجرائم إعلاميا وأمنيا ، وقضائيا حفاظا على السلم المدني للوطن الذي بات مهددا بشكل غير مسبوق في أمنه وسلمه بسبب هذه الجرائم المتناسلة ،وهو ما صار مصدر قلق المواطن العادي الضحية الأول لجرائم القتل  وغيرها من الجرائم  .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.