Home»Débats»المغرب العربي وصراع الإرادات

المغرب العربي وصراع الإرادات

0
Shares
PinterestGoogle+

المغرب العربي وصراع الإرادات
لقد راودت فكرة إنشاء اتحاد المغرب العربي رواد الحركة الوطنية حيث بدا الاهتمام بها مبكرا لا سيما في الخمسينات مع حرب التحرير الجزائرية كما أن الأزمات البنيوية العميقة التي أصبحت تعاني منها دول شمال إفريقيا دفعتها إلى محاولة إيجاد فعل جماعي ودلك عن طريق إحياء فكرة المغرب العربي ودلك للحد من مختلف الأخطار الداهمة حيث تم إنشاء اتحاد المغرب العربي في مدينة مراكش في 17 فبراير 1989 و ضم كل من المغرب الجزائر تونس ليبيا موريتانيا
لكن سرعان ما تم شل مؤسساته بعد التأجيل المستمر لاجتماع مجلس الرئاسة بفعل عوامل داخلية وخارجية فعلى الرغم من أن فكرة المغرب العربي ظلت تسيطر على الوجدان شعوب المنطقة ابتداء من استقلال المغرب وتونس سنة 1956 بعد عقد مؤتمر طنجة و سط تصاعد الثورة الجزائرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي تم عقد أول قمة مغاربية تمثل مجتمع الشعوب المغاربية وليس الحكومات حيث ضم الاجتماع كلا من حزب جبهة التحرير الجزائرية والحزب الدستورالتونسي وحزب الاستقلال المغربي
لكن ظل هدا البناء العظيم يواجه العديد من المعوقات بسبب الصراعات التي ظهرت بين هده الأقطار بعد الاستقلال خاصة على الحدود الموروثة على الاستعمار( النزاع المسلح الذي اندلع بين المغرب والجزائر سنة 1963) حيث ظهرت النعرات القطرية في ممارسات النخب الحاكمة أدى إلى جعل الاهتمام
بفكرة المغرب العربي تتراجع في ظل تصاعد مفاهيم السيادة القطرية على حساب العمل الجماعي كما هو الحال في شمال الإقليم في أوروبا
ولقد شكل إنشاء المغرب العربي 17فبراير 1987 حدثا هاما لشعوب المنطقة بعد الصراعات المحورية التي عرفتها مختلف أطرافه حيث تمخض عن هدا التأسيس جملة من النتائج الهامة في سبيل إزالة الفرقة بين أقطار هدا الإقليم الحيوي خاصة بعد أن عادت العلاقات المغربية الجزائرية بعد القطيعة الطويلة بعد لقاء المرحوم العاهل المغربي الحسن الثاني والرئيس الجزائري أنداك الشاذلي بن جديد بعد لقائهما التاريخي سنة 1988 حيث شكل هدا اللقاء تجاوزا لسياسة الاحتقان الطويلة بين النظاميين بعد أن سجلت المنطقة تراجعا في الضغط الأجنبي (الصراع بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي إبان الحرب الباردة ) خاصة مع تفكك الاتحاد السوفيتي كما أن توسع المجموعة الأوربية شكل تحديا لدول الجنوب دفعتها للتفكير جديا في إنشاء إطار إقليمي للحفاظ على مصالحها حيث عقدت أول قمة مغاربية بعد المؤتمر التأسيسي في تونس23يناير1990 حيث تم اتخاذ العديد من الإجراءات الهامة لتعزيز التعاون المغاربي
كما تم الاتفاق على توحيد المواقف السياسية تجاه مختلف الأزمات

لكن الملفت للنظر أن قمة الجزائر في يوليو 1990 سجلت بداية التراجع في البناء المغاربي خاصة بعد صعود الحركة الإسلامية عن طريق صناديق الاقتراع إلى السلطة وتخوف الأنظمة في المنطقة من المد الإسلامي كما أن اختلاف دول المغرب العربي في اتخاذ موقف موحد من قضية حرب الخليج الأولى أبان عن عدم انسجام كما أن أزمة لوكي ربي كشفت عن عمق الخلاف بين هده الأنظمة في التعامل مع الأحداث الدولية واتخاذ مواقف مشتركة فتعطل قطار المغرب العربي عمليا في سنة 1994 بعد انتقال الرئاسة الدورية إلى الجزائر
والواقع أن أهمية البناء المغربي مرتبطة أولا بالبناء الديمقراطي لان أسباب العطل والتي تحول دون ظهور قطب مغربي فاعل في السياسة الدولية تعود إلى غياب المرونة والقناعة الإستراتيجية والابتعاد عن سياسة الصراعات الضيقة والإيمان الفعلي بأهمية هدا البناء والدي في إمكانه المساهمة الفعلية في معالجة العديد من القضايا التي تنهك دول المنطقة خاصة في مجال التنمية والحد من البطالة بفضل الإمكانات الهائلة التي يتوفر عليها هدا الإقليم والدي يمكن أن يتحول إلى قطب محوري في الساحة الدولية ادا امن حكامه بحتمية الوحدة والتعاون الحقيقي لرفع المعاناة الاقتصادية والاجتماعية على شعوبه نظرا للخيرات الهائلة التي تتوفر عليها دول المنطقة بدل استجداء المساعدات الدولية وفق شروط أجنبية قد لا تخدم مستقبل المنطقة خاصة وان السنوات الطويلة التي ضاعت سجلت هروبا إلى الأمام من طرف الأنظمة دون وعي بأهمية التعاون المغاربي لأنه يشكل مصلحة للطبقة الحاكمة والتي تستطيع بفضل الإمكانات الموجودة لدى دول الإقليم من إنشاء مشاريع اقتصادية عملاقة يمكنها أن تسهم في الرفع من المستوى الاجتماعي لدى الساكنة
وللوقوف على مسالة التكامل الاقتصادي وأهميتها في البناء المغاربي لا بد من طرح مختلف الأطروحات النظرية المتعلقة بالتكامل الاقتصادي ثم مختلف العوائق التي تقف حجرة عثرة أمام التكامل الاقتصادي بين مختلف دول الإقليم
الواقع أن مسالة التكامل الاقتصادي عرفت الكثير من النقاش الفقهي حيث يمكن التمييز في هدا المجال بين المدرسة الواقعية والمدرسة الوظيفية في تفسير ظاهرة التكامل والملاحظ أن المدرسة الوظيفية عرفت بدورها تطورا في فهم طبيعة التكامل في حد ذاته حيث ظهر اتجاه جديد عرف بالوظيفية الجديدة
يتزعم هدا التوجه في العلاقات الدولية هانس موركانتو والدي يعتقد أن بناء العلاقات الدولية تخضع لعامل القوة وان الإنسان بطبعه له سلوك عدواني ويميل بالفطرة إلى التسلط والنفوذ والقوة وان حيازة كل دولة على مقدار من القوة تكرسه بنية النظام الدولي فالمجتمع الدولي هو عبارة عن مجموعة من الدول متفاوتة القوة لهدا تجد الدول الصغيرة نفسها مضطرة إلى العمل على رد هيمنة الدول الكبرى ومن هنا تبدأ عملية الصراع من اجل السلطة وتستند هده النظرية إلى ثلاثة عناصر أساسية في تفسيرها للعلاقات الدولية مفهوم المصلحة الوطنية ومفهوم القوة ومفهوم الأمن
فالسياسة الأمريكية مثلا في نظر كيسنجر هي سياسة واقعية تمليها المصالح الأمريكية فكل سياسة خارجية في نظر الواقعيين أساسها البحث عن المصلحة الوطنية

لكن الانتقاد الذي يتم توجيهه إلى النظرية الواقعية أن المجتمع الدولي لا يجب النظر إلى علاقات أشخاصه على أنها صراعات قوة دائما بل إنها تميل في كثير من الأحيان إلى تحقيق غايات لا يمكن إدراكها إلا في إطار التعاون السلمي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وهدا ما يعكس المنحى الذي تبناه أصحاب النظرية الوظيفية حيث تراجع التيار الواقعي والدي كان متأثرا إلى حد بعيد بصدمة الحرب العالمية الثانية

بعد تراجع المدرسة الواقعية في تفسير العلاقات الدولية ظهرت المدرسة الوظيفية ودلك من خلال كتابات ميتراني دافيد أن الدولة القومية حسب ها الاتجاه الفقهي لم تعد وحدة تنظيمية داخل البيئة الدولية حيث لم تعد قادرة على تلبية الحاجيات الأساسية للمجتمع ومرد دلك هو أنها توجد في رقعة جغرافية محدودة بينما حاجيات المجتمع تمتد أكثر من دلك المجال فتم التركيز على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب ودلك عن طريق تناسي الحدود السياسية بين الدول وإدخال تعديلات اقتصادية واجتماعية واسعة بقصد تحقيق التقدم الاقتصادي وتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع الدولي حيث امن أصحاب هدا الاتجاه بإمكانية إقامة مجتمع دولي خال من الحروب والنزاعات عن طريق التعاون في المجالات الاقتصادية عبر الاتفاقيات الدولية فالمدرسة الوظيفية تقوم على فكرة مؤداها أن التعاون يكون منطلقه ميادين السياسة الدنيا والمقصود بدلك القضايا الاقتصادية والفنية والتي يجب فصلها عن المجالات السياسية العليا كالشؤون السياسية وقضايا الأمن القومي والقضايا ذات الأهمية الأيديولوجية حيث يتم التركيز على الأساليب التي تؤدي إلى توفير الرخاء الاقتصادي لأنه المدخل الأنسب للتكامل الدولي
كما تعمل الوظيفية في توجهها العام على تخطي الإقليمية إلى العالمية في طرحها وهي نقطة الاختلاف المركزية مع الاتجاه الوظيفي الجديد والدي عمل على تطوير النظرية الوظيفية التقليدية ويتزعم هدا الاتجاه كل من كارل دوتش وارنست هاس وانزولوتي حيث تأثرت هده النظرية بنشأة الجماعة الأوروبية حيث تعد انعكاسا للإطار الفكري لها ويعتبر ارنست هاس من أهم منظري الوظيفية الجديدة في حين يعتبر جان موني من المبادرين إلى الاهتمام بالجانب العلمي الذي يعتمد على قيام مؤسسات فوق وطنية إقليمية لخدمة أهداف التكامل الاقتصادي على مستوى المجموعة الأوروبية فأغلبية التحاليل العلمية في الخمسينات ركزت على محاولات التكامل الجهوي ومن هنا يبرز أهم اختلاف بين الوظيفية الجديدة مع الوظيفية التقليدية خاصة وان تجربة الاتحاد الأوروبي بدأت في بعض المناطق الأوروبية وبعد نجاحها توسعت لتشمل أغلبية القارة الأوروبية

فالتركيز عند الوظيفيين الجدد على المناطق الجهوية جاء نتيجة فشل الطرح التقليدي للوظيفية والدي قام على أساس شمولي في توحيد مصالح الدول ولقد ركزت الوظيفية الجديدة على فكرة مؤداها هو تخلي الدول على سلطاتها في ميادين لا يمكن أن تتعاطى معها بفعالية بصفة انفرادية والتي منها بطبيعة الحال المجالات الاقتصادية ودلك بتشييد مؤسسات إقليمية تختص بشؤون هده المجالات ويعتقد ابو الوظيفية الجديدة ارنست هاس والدي تأثر كثيرا بالتجربة الأوروبية أن وجود مصالح مختلفة وغير متناقضة بالنسبة لإطراف التكامل وان الاختلاف هو الذي يولد الرغبة في البحث عن الحلول أما بالنسبة لشروط تحقق التكامل الاقتصادي يورد أصحاب هده النظرية العديد من المؤشرات أهمها ما يلي
– أن تكون خطة التكامل الاقتصادي محددة وظيفيا أي أن يكو لها مغزى للدول المعنية- أن يكون للقائمين على تجسيد مسار التكامل ثقل في اتخاذ القرار في بلدانهم- أن يكون هناك قدر من التجانس بين الدول المعنية – توفر نوع من تطابق وجهات النظر بمسار التكامل والعمل على إعادة تشكيل مصالحها فوق وطنية وهو الأمر الذي من شانه أن يدعم المركز الجديد للتجمع فوق وطني والدي سيؤدي في النهاية إلى تحقيق إطار تكاملي فوق وطني قادر على تحقيق أهداف الدول المعنية وبناء على ما تقدم تكون التجمعات الإقليمية اقدر على تحقيق التكامل الاقتصادي والدي يمكن أن يساهم في التكامل الشامل بين الدول المعنية كما أن عملية التكامل تتم بطريقة تراكمية نتيجة تطور المعاملات الاقتصادية والتي تؤثر في الجوانب السياسية والاجتماعية والتي تؤدي في النهاية إلى تقليص احتمالات الاعتداء المتبادل نتيجة انتقال العلاقات بين الإقليم إلى التعاون بدل الصدام
إن معاهدة إنشاء المغرب العربي والتي تمثل ميثاق الاتحاد والتي تمت الموافقة عليها في مراكش 17/2/1989 يمكن الوقوف فيها على الجوانب الاقتصادية بالرجوع إلى المادة الثانية والثالثة من المعاهدة والمتضمنتين للأهداف الأساسية للاتحاد والتي تشكل الجانب الأهم في مسالة التكامل
لقد تضمنت المادة الثانية ما يلي يهدف الاتحاد إلى تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها البعض- تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها – المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف –نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين – العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها

أما المادة الثالثة فقد أكدت على ضرورة تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهده الغاية خصوصا إنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هدا المجال والملاحظ أن معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي قد أعطت أهمية بالغة للجانب الاقتصادي حيث أكدت أن الهدف من المعاهدة هو تحقيق حياة أفضل للشعوب المغاربية والدفاع عن حقوقها ودلك عن طريق إنشاء المشروعات المشتركة وتطوير القطاع الزراعي والقطاع الصناعي وإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية وتسهيل عملية نقل البضائع وحركة الأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال وانه بالنظر إلى إمكانيات المغرب العربي نجدها واعدة فالقدرة الديمغرافية حوالي 80 مليون نسمة أما المساحة الجغرافية فتقدر بحوالي 5785591 كلم مربع أما القدرات المالية فتتمتع دو ل المغرب العربي مجتمعة بناتج قومي يتعدى 373859 مليار دولار أي ما يعادل 32 في المائة من إجمالي الناتج الخام للوطن العربي أما التجارة الخارجية للدول فيعد الاتحاد الأوروبي الزبون الأول في معاملات الاتحا حيث يصدر الغاز والبترول ثم الفوسفات والحديد الخام والسمك والتمر والنسيج والزيوت النباتية حيث تعد فرنسا الشريك التجاري الأول وتليها ألمانيا وايطاليا واسبانيا أما واردات دول المغرب العربي من أوروبا فهي المعدات المختلفة والأجهزة الميكانيكية والغداء ورغم الإمكانيات الهائلة لهدا الإقليم العربي فانه يلاحظ أن التدخلات السياسية مازالت تعرقل عمل الوحدة المنشودة حتى أصبح يطلق على هدا التجمع بنادي الزعامات حيث أن زعاماته مازالت غير مدركة لإمكانياتها
كما أن القرار السياسي ظل حبيس الحدود الموروثة عن الاستعمار فالسياسات القطرية وان كانت ناجعة في بعض الأحيان والتي اتبعتها دول المنطقة بعد الاستقلال لتكوين الدول القطرية لا يمكنها أن تصمد أمام التكتلات الإقليمية في الساحة الدولية وإلا أصبحت معزولة عن العالم كما أن أهمية التوافق بين الجزائر والمغرب يشكل البوابة الأساسية لتحريك هدا الإطار نظرا لقوتهما الاقتصادية والبشرية والدبلوماسية ودلك لتفعيل العمل المغاربي على غرار ما عملته كل من فرنسا وألمانيا بالرغم من خلافاتهما الحدودية في تحريك المجموعة الأوروبية نحو التوحد والاندماج لهدا فالتغيير الذي يمكن أن تشهده العلاقة بين المغرب والجزائر هو الكفيل بتحريك قطار المغرب العربي مثل محور باريس وبون سابقا في بناء الاتحاد الأوروبي لكن ما يعرقل البناء المغاربي هو الصراع المستمر بين المغرب والجزائر والدي سرعان ما يخبو ليعود إلى التأزم من جديد والدي يتخذ يافطة مسالة الصحراء تجليات له ضدا على مصالح الشعوب التي تنشد الوحدة حيث تجد أن مسعى الوحدة حلا للعديد من المعضلات ت الاجتماعية والاقتصادية التي أنهكت شعوب المنطقة والتي لو وجدت الوعي المخلص للنخب المنطقة لعاشت في بحبوحة من العيش وربما أحسن من الضفة الشمالية للمتوسط والتي لا تتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية التي يمتلكها المغرب العربي
فمند استقلال الجزائر سنة 1963 تميزت العلاقات المغربية الجزائرية بالتوتر ويعتبر البعض أن هدا العداء إنما مرده إلى طبيعة شرعنه الحكم في البلدين فالنظام المغربي يعتبر أن استمرار الملكية يشكل اختيارا استراتجيا داخل بنية النظام لا رجعة فيه وله أولويته القصوى داخل المنظومة الدستورية للحكم أما بالنسبة للنظام الجزائري فان الثورة ستفشل ادا كانت ستتوقف عند الحدود المغربية وان مسالة الصحراء ما هي إلا واجهة للصراع بين النظاميين حيث يرى كل واحد منهما تهديدا للأخر ضدا على مصالح شعوب المنطقة التواقة إلى الوحدة والاندماج خاصة وان المغرب وباعتراف الجزائر قدم كل الدعم للتحرر الجزائر فلقد قضى اغلب الوزراء الجزائر فترة المنفى في المغرب حيث كانت مدينة وجدة القاعدة الخلفية للمقاومة الجزائرية بشهادة كل المؤرخين
إن تحقيق الوحدة يقتضي بعد النظر للتطبيع بين البلدين فهو الشرط الأساسي لتحقيق الوحدة المغاربية لهدا فانه على الرغم من الاختراق الذي تم في العلاقات المغربية الجزائرية بعد التدهور الذي عرفته مند استقلال الجزائر باستثناء بعض فترات التحسن لكن التعثر في العلاقات الثنائية سرعان ما عاد بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ووقف المسار الانتخابي بعد أن اكتسحت الجبهة الإسلامية للاتقاد انتخابات المجلس الشعبي الجزائري سنة 1992 كما أن الأحداث التي عرفها نزل أطلس أسني في مراكش حيث تم الإشارة إلى تورط بعض الأفراد من أصول جزائرية ومغربية إلى انهيار جو التقارب الذي عرفته العلاقات المغربية المتدبدبة أصلا حيث فرضت السلطات المغربية التأشيرة على الموطنين الجزائريين لدخول وردت الجزائر بالمعاملة بالمثل لتعود العلاقات إلى الانسداد من جديد سنة 1994 لهدا يبقى من المشروع طرح مختلف العوائق التي لا تزال تقف دون إنشاء هدا الصرح العظيم
أن أهم العقبات التي ساهمت بشكل فعال في عرقلة مشاريع وحدة المغرب العربي الحدود الموروثة عن الاستعمار حيث تشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة حيث روجت فرنسا مقولة أن الجزائر ارض فرنسية و ضمت إليها أراضي من تونس والمغرب لكن بعد استقلال الجزائر ظهرت هده النزاعات على السطح ( الحرب الجزائرية المغربية سنة 1963)

إن التحرر الذي عرفته دول المغرب العربي عن الاستعمار توجه نحو إقامة دول قطرية حيث أصبح الدفاع عن الحدود الموروثة عن الاستعمار حقائق تاريخية لا يمكن مناقشتها كما أن فشل التكامل الاقتصادي مرده اختلاف في أساليب صناعة القرار السياسي في دول الإقليم مما انعكس بشكل سلبي على المجال الاقتصادي حيث يتم وضع السياسات الاقتصادية في نطاق قطري بدل الاخد بعين الاعتبار إمكانات التكامل الاقتصادي فالإغفال المتبادل لما تقوم به الدول الأخرى على صعيد الاطلاع على خطط التنمية يؤدي إلى تبديد في الموارد فالحاضر في سياسات دول الاتحاد الدولة الوطنية والتي أصبحت في حاجة إلى التكتل والتكامل لحماية مصالح مجموع دول الإقليم كما أن عامل عدم الجدية فيما يتفق عليه اد انه بالرغم من أهمية المشاريع المتفق عليها إلا أن بحث الدول القطرية عن النصوص للتهرب من الالتزامات المترتبة عليها كما أن عدم دخول الدول الأعضاء في الاتحاد في الترتيبات اللازمة لانجاز ما تم الاتفاق عليه خاصة في المجال التجاري يعرض ما تم الاتفاق عليه إلى الانهيار حيث تتداخل الأهداف السياسية مع القرارات الاقتصادية فالإرادة السياسية لها أهميتها في تحقيق التكامل الاقتصادي ودلك عن طريق تجسيد الأهداف التي تضمنتها معاهدة الاتحاد خاصة وان الإرادة السياسية هي المتغير الأساسي في تجسيد مضامين الوثائق المتفق عليها وإيجاد الأطر القانونية لدلك فان أهم الاتفاقيات التي تضمنتها معاهدة الاتحاد المغاربي الاتفاقية المتعلقة بالتجارة خاصة التعريفة الجمركية والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى وحدة جمركية قبل سنة 1995 وكذلك الاتفاقية الخاصة بإنشاء بنك مغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية حيث انه والى غاية 1995 قد تم وضع قائمة ستون منتجا لكن لم تدخل المرحلة العملية إلى يومنا هدا.

أما البنك فيبدو انه المشروع الوحيد الذي شهد بعض التقدم حيث تم توفير له إلى غاية1995 حوالي 30 مليون دولار كرأسمال عوض 150 مليون دولار والتي تم الاتفاق عليها سابقا
إن دول المغرب العربي اهتمت بالجانب السياسي في غفلة عن أهمية ومركزية الجانب الاقتصادي في دفع عجلة التكامل الاقتصادي فالتكامل الاقتصادي يسبق التكامل السياسي وهدا تطبيق للمنهج الوظيفي الجديد في تحليل العلاقات الدولية حيث يتم النظر إلى التقدم على مستوى قطاعات معينة كأساس لبناء تجربة تكاملية لان التكامل في مفهومه العام عبارة عن مسار مرحلة يتوقف نجاحه على نجاح كل مرحلة فالتطور المرحلي المتوازي في مجالات مختلفة هو الكفيل بتحقيق تكامل مختلف المحاور
كما أن مسالة الصحراء أصبحت هي العائق الأساسي لقيام المغرب العربي خاصة وان الجزائر تدعي أنها مع تقرير مصير شعب الصحراء وهو توجه يخفي حقيقة الصراع الخفي بين النظامين فادا كان الأمر بهده البساطة فلماذا يتم واد كل الجهود من اجل تحريك عجلة التنمية في المغرب العربي فعلى الأقل يمكن تحييد مسالة الصحراء بالرغم من أنها تناقض مسالة الوحدة المنشودة والانطلاقة الجادة نحو بناء المغرب العربي من الناحية الاقتصادية والثقافية لان مسالة البناء تشكل حلا للعديد من المعضلات التي يعاني منها المغرب العربي كمسالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة التواقة إلى الاندماج عوض التجزئة التي ضيعت جهود ومقدرات الأمة لسنوات طويلة اما الاستمرار في ترديد نفس النغمة حول تقرير المصير الذي يراد به تفتيت الأمة بادكاء نعرات الجهوية والفئوية هو الهاء للأمة عن معركتها الكبرى ضد الجهل والتنمية والتقدم الحضاري والتكنولوجي فعوض النضال من اجل الوحدة والمشاركة في إدارة الشأن العام داخل إقليم واحد يتم الاستمرار في خطاب التجزئة الذي يتم ادكاؤه في العالم العربي تحت مسميات مختلفة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو الحال في دارفور اليوم ودلك تجسيدا لمبدأ تقسيم المقسم إلى أجزاء وتقسيم المجزئ إلى فتات لتتم السيطرة على مقدرات الأمة من جديد لهدا فبناء المغرب العربي يتناقض مع دعوة الجزائر إلى استقلال الصحراء فعوض أن تبحث دول المغرب العربي على ادابة مظاهر التجزئة وإزالة الحدود الموروثة من الاستعمار وتمكين سكان هدا الإقليم من الاستفادة من مقدرات المنطقة والتي تذهب إلى إسعاد الأوربي في الضفة الشمالية يستمر الحديث عن تجزئة الوطن العربي
فهدا المنهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من إقصاء الأمة في صناعة القرار السياسي العالمي حيث يراد لها أن تبقى ضعيفة مقسمة إلى دوليات مجهريه فما تبحث عنه شعوب المنطقة هو مزيد من الوحدة الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الفاعلة في إدارة الشأن العام بواسطة انتخابات شفافة ونزيهة يتم من خلالها التداول السلمي على السلطة أما الاستمرار في لغة الصدام بين الأنظمة في المغرب العربي فهو ترجمة لصراعات في كثير من الأحيان شخصية أكثر منها مؤسساتية لهدا اعتقد أن إفساح المجال إلى نخب جديدة للوصول إلى مراكز القرار عبر الانتخابات وعودة العسكر إلى الثكنات كفيل بتفعيل وحدة المغرب العربي المحتاجة اليوم إلى خطاب وحدوي حضاري يؤمن بإمكانيات الأمة في هده المنطقة الإستراتيجية من العالم والتي يمكن أن تؤثر في مجريات الاحدات في العالم وان الاستمرار في ادكاء نعرات التجزئة والانفصال هو تمكين لأعداء الأمة التي يريدونها منقسمة على نفسها كما أن غياب المهارة في التعامل مع الخلافات الثنائية بالتضحية ببعض الأهداف الثانوية من اجل الأهداف الرئيسية مسالة حاضرة في الخطاب القطري فوتت العديد من فرص التكامل بين دول الاتحاد خاصة وان الأطماع الغربية في المنطقة بدأت تتصاعد وبدا التنافس الأمريكي الفرنسي واضحا في المنطقة
فبعد أن سيطرت النظرة القطرية في صناعة القرار لدى النخب الحاكمة أغلقت الحدود وسادت لغة الجمارك وتعطلت حركة الأشخاص والبضائع دون أن تتنازل هده الدول عن وهم السيادة في زمن التكتلات الاقتصادية و دون أن يتم التعالي عن هده الخلافات الضيقة و التفكير في مستقبل المنطقة على المدى البعيد

د . بنبراهيم بلقاسم باحث- مهتم بالقضايا الوحدوية
Beno_233@hotmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. بن يونس المرزوقي
    17/04/2009 at 14:40

    أتعجب كثيرا لندوة ومداخلات لا تأخذ بعين الاعتبار أنه لا يُمكن تأسيس اتحاد لا هوية له: فهل نحن نتحدث عن شمال إفريقيا أم عن المغرب الكبير أم عن المغرب العربي أم المغرب الأمازيغي أم المغرب الإسلامي؟؟؟
    أزمة الهوية لها اسبقية خاصة، وإلا فما معني أن الدساتير المغاربية نفسها تختلف في تحديد ملامح دولتها، ولهذا يجب التحلي بالموضوعية والشجاعة الكاملة للقول أنه لا مجال لتأسيس اتحاد غير واضح المعالم
    نحن في حاجة إلى مقاربة جديدة لا علاقة لها بالرواسب التي حان الوقت لتجاوزها
    وطل ندوة والمغرب الإسلامي الأمازيغي العربي … بخير

  2. MAROKKANER
    17/04/2009 at 14:40

    SADAKA MAN KALA .etafaka alarabe alla alla yatafiko.

    maomr alarab yatafiko madamo tahta reassat algharbe wa amreca .usa.

    nie jamie.

  3. أ. مصطفى التحضيتي
    26/04/2009 at 12:58

    … الجانب الآخر والهام الذي يمكن أن نفسر به فشل اتحاد الدول المغاربية في القيام بالدور المنتظر به ، والتي تزامنت نشأة الاتحاد مع « معضلة التنمية » بكل أبعادها وتجلياتها ، فالنمو الديموغرافي والبطالة والمديونية كلها مشاكل عويصة حملتها الدول المغاربية معها وهي تنشئ الاتحاد ، ولهذا فالتكامل واجه منذ بدايته الحدود المغلقة وحواجز الجمارك العتيدة وغياب البنية التحتية البينية لتسهيل تحرك السلع والأشخاص. بالإضافة إلى معوقات السياسة وفي مقدمتها استشراء القطرية وتكريس التجزئة بحجة الحفاظ على الكيان والسيادة لجميع الدول المغاربية ، وقضية الصحراء ، النزاع الذي تحطمت على صخرته مشاريع التكامل ، كل ذلك أسهم في تأجيل هذه المشروعات وتنفيذها .
    كما أن استخدام مفهوم أو مصطلح المغرب العربي ، لا يستقيم مع المكونات الحقيقية للمنطقة المغاربية والتي تضم الأمازيغ، والعرب والطوارق وأهل فزان،.. وأعتقد أنه من الخطأ بل ومن الحيف الجغرافي والتاريخي الحديث عن إمكان هذا المصطلح ، لأن ذلك سيمهد من وجهة نظري إلى نزعات انفصالية أخرى يمكن أن تطال القبائل، وتطال الطوارق، وتطال غيرها من المكونات. من هنا لا أسميه مغرب عربي ، نحن في المغرب في شمال إفريقيا يجمعنا الإسلام وتفرقنا العروبة عكس المشرق ، تجمعه العروبة ويفرقه الإسلام ، فيهم موارنة وأرثوذكس وغير ذلك ، نحن كلنا مسلمين وكلنا سنة ومالكيين والسلام.
    أ. مصطفى التحضيتي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *