Home»Débats»نخبة جديدة من الكفاءات.. فقط؟

نخبة جديدة من الكفاءات.. فقط؟

3
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الادريسي

« فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة ».

من خطاب العرش، في الذكرى العشرين:29يوليوز2019

رغم مرور عشريتين على اشتغال « المفهوم الجديد للسلطة » – عنوانا كبيرا لملكية محمد السادس – كما جلَّته العديد من الدراسات و الكتابات التي تعاورته ؛ورغم الكثير من المحطات السيادية ،التأسيسية والتنزيلية ،لهذا المفهوم ؛فان خطاب العرش لهذا العام يشكل مرحلة مفصلية ،من المُؤَمَّل أن ينبض بعدها قلب الدولة بعنفوان جديد؛ يؤهل الجسم كله لعبور العقبات الكأداء للمسافات التنموية؛ في اتجاه ترسيخ دولة المؤسسات القوية ،الذاتية الدينامية ،في جميع الظروف والأحوال؛ وحتى بدون غضبات ملكية ..
ليس في نيتي أن اقف محللا لكل ما ورد في هذا الخطاب الملكي ؛مكررا ما انتهى اليه غيري من خلاصات؛ بل سأقارب مجمل النص الملكي ،من زاوية المتلقي المغربي العادي ،أو البسيط، في الحواضر كما في البوادي؛ الذي ألفناه لامباليا ؛غير مستمع أصلا لا لأمير ولا لوزير؛ الا في المحطات الجُلَّى ،حيث تنتفض كل جوارحه ،ولا يملك الا أن ينخرط في الشأن الوطني النازلة.
حدث هذا ،مثلا، في خطاب المسيرة الخضراء للمرحوم الحسن الثاني ؛الذي وُفق الى حد اعتباره مدرسة خطابية في استنهاض الهمم ،وبعث وَهِيج الوطنية ،وشحذ الروح القتالية الأصيلة لدى المغاربة، حينما يتهددهم خطب خارجي.
ستستند صراحتي الى تحريض الخطاب الملكي العرشي – المفصلي – على الشجاعة في قول الحق؛ مهما كان مؤلما:
« وإننا ننتظر منها (اللجنة)أن تباشر عملها، بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع لنا الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول ».
وستستند الى المطلب الملكي الداعي الى انخراط جميع المواطنين في المرحلة الجديدة:
« وإلى جانب الدور الهام، الذي يجب أن تقوم به مختلف المؤسسات الوطنية، أريد هنا، أن أؤكد على ضرورة انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة. »
من أين هذه اللامبالاة؟
كيف للشريحة الواسعة من المواطنين، من المدن والقرى والبوادي- وهم المكتوون بفشل النموذج التنموي، وبعبوس الإدارة المحلية في وجوههم ، وبالقسمة الضيزى للثروة – ألا يهبوا وقوفا ،صارخين بمساندتهم لهذه الإدانة الملكية الثورية – في عيد العرش – لمؤسسات الدولة ،بما فيها الحكومة، وللنموذج التنموي ،ولما جرى به العمل في اسناد الحقائب الوزارية ،والمناصب العليا..
اننا ،بهذا، أمام مؤسسة ملكية معارضة ، لكن بدون مواطنين – من القاعدة الأوسع– يفهمون هذا الدور حق الفهم ،وينتصرون له ،حتى زحفا في الشوارع، مادامت المعارضة الحزبية انتهت – غالبا – الى أن تكون احترافية ،تهمها الحقيبة الوزارية ،والمقعد النيابي ليس الا.
ان الاسناد الشعبي ، لهذا الخطاب الملكي المفصلي، أهم من كل ما أعقبه من تحليلات أكاديمية وصحفية، تضيِّق النخبويةُ من دائرتها واشتغالاتها؛ لأنه خطاب بمنزع جماهيري، وبروح حراكية .
لا أقول بعدم وجود هذا الاسناد كلية، والناس في ضوائق شتى من أمورهم ،بشهادة حتى التقارير الدولية ،بل ببَكمه، أو خفوت صوته ؛ كنتيجة مباشرة لما اقترفته الأحزاب السياسية المغربية في حق المواطنة والمواطنين؛ حتى كادت تعطل كل حواسهم البيولوجية، بَلْهَ ملكات التحليل، النقد ،الشك و عفوية السؤال القلِق والمتوتِّر.
طبعا ليس هذا ،منها، لا في قانون الأحزاب ،ولا في أعراف العمل السياسي التربوي؛ ومن الجور في حق المال العام أن يصرف لها منه، تحت أي ذريعة من الذرائع؛مادامت لا تؤطر الا مصالحها.
ومن هنا أتفهم ألا ترقى الشريحة العظمى من المواطنين ، بالسرعة المطلوبة، الى التأقلم أو التناغم مع المعارضة الملكية لأداء الحكومة والمؤسسات؛ كمدخل للملكية البرلمانية المرتقبة.
ومن هنا ،أيضا، حيرة المواطنين ،وهم يستمعون الى ملك ينتقد ،وبيده الحل والعقد.
لقد تردد كثيرا سؤال : اذا كان الملك ،بجلاله وسلطته، يشتكي فماذا نفعل نحن « الغلابة »؟
وهذا السؤال العفوي ، المتكرر من العامة ، يتضمن سؤال: الى أي جهة سنُولي بوجوهنا؟
بهذا نكون أمام مفهوم ملكي جديد للسلطة، لم يفهمه المواطن العادي ؛وهو غالبا لا يتعلم لا من تحليل مكتوب ،ولا نص مسموع.
من الأسباب الموضوعية لخفوت السند الشعبي:

1.توقيت الخطاب:
نظرا لما أعقبه –باعتباره خطاب عزم وحزم واستنهاض- من تراخ اضطراري فرضه موسم العطلة الصيفية والاجازات.
2.تعطل العمل الحكومي لنفس السبب.
3.التراخي المعهود والملازم لأداء رئيس الحكومة ،وهو المخاطَب بلزوم البحث عن الكفاءات. انه لا ينهض للأمر، أي أمر، عازما حازما ؛اذ ينصرف أكثر جهده الى ما يطوقه من التزامات حزبية ضاغطة ،من اخوانه.
حتى ونحن نعيش الدخول السياسي، الآن ,لا يظهر على السيد رئيس الحكومة أنه في مستوى زخم اللحظة الملكية الفارقة؛ وبهذا ينضاف الى فتور السند الشعبي ،المبرر، فتور حكومي رئاسي غير مفهوم.
لا أعرف ما يدور في الخفاء، وسندي في حكمي ،هو انعدام أي تتبع من طرف أغلب المواطنين ،ل « مبارزات » رئيس الحكومة ،وهو يجلي تراب الأحزاب عن الكفاءات.
فعلا لقد أغلقت مدرسة بنكيران الشعبوية – على علاتها – أبوابها ؛ وانصرف الناس عن السياسة.
وهل تتوفر فعلا لدى الأحزاب الكفاءات ، المحددَة مواصفاتُها من طرف الملك، وهي التي انتحرت سياسيا منذ زمن؟
وهل هناك نهج « ثوري » يقطع مع المحاباة والزبونية، في معرض البحث ،في ظلال التهميش، عن الكفاءات المواطِنة المستقلة ،التي عافت النشاط الحزبي ،والتي أخطأتها كل التعيينات السابقة؟
4.غياب السند الإعلامي المحرض للمواطنين على الاقتناع – هذه المرة -بأن مغربا آخر سيولد ،فعلا، مع الدخول السياسي ؛ حتى يهُبوا للمشاركة وتحصين ما وعدوا به ملكيا.

ماذا بعد تنصيب الكفاءات؟
ان الإقرار بفشل النموذج التنموي ،رغم كل الانفاق العام الذي رُصِد له، على مدى عشرات السنين ؛وكذا الاعتراف بتخلف الإدارة العمومية ،وتعقد مساطرها ،واستعصائها على الإصلاح؛ يضاف الى هذا سؤال الثروة ،المؤسَّس على الحرمان الذي تعانيه الشرائح الهشة من المجتمع؛ وأسئلة التعليم ،العدالة، الصحة، والريع والفساد المستشريين ..
كل هذا الأخطبوط الذي يلتف بأذرعه خانقا الجنين الذي نحلم به جميعا – ملكا وشعبا – والمتمثل في مغرب جديد ،وفي لتاريخه ،وجغرافيته التي تجعله على مسمع معزوفة الحضارة القريبة منه جدا؛ مغرب المؤسسات القوية والعادلة المنصرفة للبناء وتحقيق الحياة الكريمة لجميع المواطنين..
كل هذا يقوم حجة على وجود لوبيات الفساد والافساد، بل مراكز قوى عَرفت كيف تشتغل في الخفاء والعلانية من أجل مصالحها ، في طلاق بائن لكل حروف المواطنة ؛وتخريب لئيم لكل جهود بناء دولة المغرب الحديثة و القوية ، دولة تقطع مع كل كبواتها الذاتية والموضوعية.
وعليه فبعد تنصيب الكفاءات، التي يقتضي اكتشافها ضربَ أكباد الابل في فيافي الحر والقر، حيث لا تصل الأحزاب؛ لا بد من شروعها ،بدءا، في تطهير المناخ التدبيري العام ،بإعمال القاعدة الدستورية:  » ربط المسؤولية بالمحاسبة » بكل همة وحزم .
لم يفشل النموذج التنموي بل أفشِل، لم تستعص الإدارة على الإصلاح بل هناك إصرار على الابداع في افسادها، لم يظهر الفساد من عدمٍ بل من كائنات متناسِلة، لم يفشل التعليم بل حُمل على الفشل ،لم ترتبك العدالة ،لفساد أصيل فيها ، بل أربِكت.
كل ما نعيشه ونكتوي به – ملكا وشعبا – بفعل فاعلين يتحركون بيننا « يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ».
يعرفهم الناس كما يعرفون أبناءهم ؛ ولم يبق الا أن يُشهرَ الخطاب الملكي الثوري في وجوههم ،ويُمسكون من حُجزِهم ويُقتادون الى سلطان العدالة.
وقتها فقط سيقتنع المواطنون ، بأن مغربا جديدا يولد، ولن يَنكص على عقبيه أبدا في جميع الظروف.
حينما يتهالك المحرك كله ،فلا فائدة في استبدال بعض قطع الغيار فقط..
ان مطلب الكفاءات يتضمن في تلافيفه مطلب الرّجَّات العميقة ،القادرة وحدها على النفاذ الى الشريحة الواسعة من المجتمع ،لتستعيد ثقتها في مؤسسات الدولة ،ولتحصن جهود المؤسسة الملكية التي تحولت الى المعارضة ،حينما ماتت المعارضة الحزبية.
ان ميلاد المغرب الجديد ممكن ، لأن الجسد قائم وحي، رغم الوهن، والرغبة العامة قوية هذه المرة.
ان ثورة الملك والشعب لا تسكن التاريخ فقط ،بل لها عود أبدي ،سيظل يحصن هذا الوطن دائما ،في جميع محطاته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *