Home»Débats»توجيه الرأي بالركوب على استطلاعات الرأي

توجيه الرأي بالركوب على استطلاعات الرأي

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

توجيه الرأي بالركوب على استطلاعات الرأي

يعتبر استطلاع الرأي من بين التقنيات المستعملة للتعرف على ميولات مجتمع ما نحو منتوج معين، وذلك بهدف استثمار نتائجه إما للترويج لصالح منتوج معين أو لصالح منتوج على حساب آخر وما إلى ذلك من التقنيات التي أصبحت تتحكم في توجيه الاستهلاك في مسارات معينة. هذا فيما يتعلق بالجانب المادي، أما فيما يتعلق بجانب التوجُّهات الفكرية فاستطلاع الرأي لا يقل أهمية عن سابقه لكونه يقوم بجس نبض المجتمع بخصوص نظرته أو موقفه من قضية من القضايا والعمل على أساس ذلك، إما لحشد همة أنصار القضية وإحباط عزيمة مناهضيها، وإما لتعويم القضية وإفراغها من محتواها.

ولعل استطلاعات الرأي التي صاحبت الانتخابات الرئاسية الفرنسية أو تلك المتعلقة بانتخابات البرلمان الأوروبي وكيفية استثمارها من قبل مختلف الفرقاء، لخير دليل على أهميتها في توجيه الرأي العام حسب السياقات المختلفة. ومما لا شك فيه أن الاستطلاع « الناجح » يستلزم عددا من الشروط والمعطيات أهمها التحديد الدقيق للهدف المتوخى، والذي من خلاله يتم التحكم في باقي المتغيرات من مثل عدد أفراد العينة وكيفية اختيارهم وطبيعة الأسئلة المعتمدة، وتوقيت إجراء الاستطلاع إلخ…

ومن المسلم به أن استطلاع الرأي يختلف عن الدراسة من جوانب متعددة أهمها سرعة الإنجاز وقلة التكلفة مع وجود هامش للخطأ أكبر منه في الدراسة الشاملة.

وإذا كان الدخول في تقنيات إجراء الدراسات من جهة واستطلاعات الرأي من جهة أخرى وطرق استثمارهما ليس بالأمر الهين، لكون ذلك يندرج ضمن مجال الاختصاص الذي لا يمكن وُلُوجه بيسر، فإن ذلك لا يمنع، بل من واجب أي مواطن واع بدوره في المجتمع، أن يتساءل عن طبيعة الهدف أو الأهداف المتوخاة من الدراسة أو الاستطلاع المعني حتى يكون موقفه منها وتفاعله مع نتائجها منبثق من قناعة راسخة وتفكير منفتح على مختلف المستجدات، وليس عن طريق التخدير والاستدراج إلى ثقافة القطيع إن أمكن استعمال مصطلح الثقافة تجاوزا.

ولعل السياق الذي دفعني إلى الخوض في هذا الموضوع هو مقال أوردته إحدى الجرائد الإلكترونية بتاريخ 25 يونيو 2019 تحت عنوان: « استطلاع يكشف تضاعف نسبة غير المتدينين في المغرب 4 مرات » يشير فيه صاحبه إلى « كشف دراسة حديثة، أجرتها شبكة البارومتر العربية البحثية المستقلة لفائدة شبكة « بي بي سي » البريطانية، عن معطيات مثيرة حول الدين والتوجه الجنسي والهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ». مفادها أن المعطيات التي تضمنها الاستطلاع، الذي شمل 25 ألف شخص من عشر دول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية، فإن نسبة الذين يَصفون أنفسهم بغير المتدينين ارتفعت منذ عام 2013 من 8 في المائة إلى 13  في المائة، ويضيف أن  الاستطلاع صنف المغربَ ضمن البلدان التي تعرف تزايدا لغير المتدينين، إذ تضاعف عددهم أربع مرات، بينما تضاعف عددهم مرتين في مصر، وتحتل تونس المرتبة الأولى، حيث يعتبر ثلث سكانها أنهم غير متدينين، ويَعتبر ربُع الليبيين أنفسهم كذلك، بينما جرى العكس في اليمن، حين انخفضت نسبة غير المتدينين من 12 في المائة في عام 2013 إلى 5 في المائة في عام 2019.

وسعيا وراء نشر ثقافة القراءة الواعية التي تبحث عن الحقيقة فيما بين السطور بسبب تعمد البعض تغييبها والتمويه عليها، فإني أطرح مجموعة من التساؤلات التي أعتبرها منهجية للاستفادة من هذا المقال:

  1. ما المقصود بغير المتدينين؟ هل يتعلق الأمر بغير المؤمنين أصلا؟ أو بالمؤمنين الذين لا يمارسون الشعائر الدينية؟ ثم ما هي الديانة المقصودة؟ ألا يعتبر هذا نوعا من التعميم الذي يضر بمصداقية النتائج؟
  2. يلاحظ خلط في استعمال مصطلحي الاستطلاع والدراسة ما بين العنوان ومحتوى المقال، وهذا أمر له أهميته لكون نتائج الدراسة تتميز بمصداقية أكبر عكس نتائج الاستطلاع الذي يفسح المجال لهامش من الخطأ كبير، وهذا عامل مشوش يضفي نوعا من عدم المصداقية على المعطيات المعبر عنها.
  3. إن عينة مكونة من 25000 فرد موزعة على عشر دول، لا يمكن أن تكون معبرة لا من حيث العدد ولا من حيث الانسجام بين أفرادها، خاصة إذا كنا نتكلم عن دراسة؛ وهذا معطى آخر يقلل من مصداقية هذا النتائج.
  4. إن التركيز على هذا الموضوع تحديدا وفي في هذا الوقت بالذات وعلى بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصا يطرح أكثر من سؤال، بسبب التحول النوعي الذي تشهده الساحة في التعامل مع استفزازات الطبقات الرافضة لكل تغيير في اتجاه الانعتاق من مختلف أشكال الاستعمار، خاصة مع بروز مجموعة من المؤشرات التي تبرهن على أن عامل الدين عامل مركزي، كاعتصامات السودان خلال شهر رمضان، وتظاهرات الجزائر المرتبطة بيوم الجمعة ذو الرمز الجوهري، وصلاة الغائب على جنازة الرئيس المصري المنتخب، والمظاهرات الرافضة لقمة المنامة، واضطرار المصلين للصلاة في الشوارع بسبب عدم استيعاب المساجد لهم أثناء صلاة التراويح…
  5. إذا كنا ننطلق على الأقل على المستوى الداخلي رغم اختلاف مواقعنا وتوجهاتنا من « مسلمة سعي الكل إلى خدمة وتنوير المجتمع المغربي » على العموم والمتتبع لما ينشر على الخصوص، فإن السؤال الوجيه الذي يفرض نفسه على أي كاتب هو: ما القيمة المضافة المتوخاة من فعل الكتابة عموما ومن مقال معين على صفحة جريدة ورقية أو إلكترونية بشكل خاص، مع العلم أن المستهدف من الكتابة هو عموم الناس؟ وفي هذا الصدد، وبغض النظر عن صحة أو خطإ المعطيات الواردة في المقال المشار إليه، يبقى السؤال الأهم هو: ما الفائدة المتوخاة من تزويد عموم قراء المقال بمثل هذه المعطيات؟ وما تأثيرها في الواقع العملي على قناعاتهم بخصوص معتقدات وممارسات مختلف مكونات المجتمع.

بعد النظر في الأمر من زوايا متعددة، لم أجد شيئا يستفيده القارء العادي من هذه المعطيات، سوى أنها تعمل على التقليل من أهمية الدين والدين الإسلامي على وجه التحديد في تأطير انتفاضة شعوب هذه البلدان في التحرر والانعتاق من مختلف أشكال الهيمنة والتبعية للغرب وثقافته التي أصبح يُرسخها بالترغيب أحيانا والترهيب أحايين كثيرة، ومن ثم ترسيخ الاعتقاد لديه بأن هذه المجتمعات على العموم والمجتمع المغربي على الخصوص أصبح ينسلخ من معتقداته الدينية، مما يعني بشكل مباشر أو غير مباشر أنه أصبح يَتبَنَّى الفكر الحداثي والعلماني الذي يُراد ربطه بشكل تعسفي بالانحلال الخلقي والممارسات الشاذة التي أصبح مجموعة من المستلبين والمستدرجين يُغالون في الدفاع عنها وهم يعلمون علم اليقين أنهم هم أول من سيتضرر بعواقبها على غرار ما يلاحظ لدى الفئات المنحلة في مجتمعاتها الأصلية.

ختاما أقول لكل غيور على قيم ومقومات هذا البلد العزيز أن يتحرى الحذر قبل نشر مثل هذه المقالات والكتابات التي تتوخى الهدم أكثر مما توخى البناء، وعدم التحول إلى بوق لمصالحَ وحساباتٍ نحن في غنا عنها من خلال العمل بقاعدة التبين القرآنية إذ يقول جل من قائل في الآية 6 من سورة الحجرات:  » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ  » صدق الله العظيم.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. قارئ
    27/06/2019 at 02:19

    المشكل مع القداسة هو أنها تجرد صاحبها من الموضوعية والعقلانية وتفرض عليه رفض وإنكار معطيات الواقع حينما لا تساير مع يعتقده

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *