Home»Débats»الحجر والبشر أيهما أحق بالاهتمام؟

الحجر والبشر أيهما أحق بالاهتمام؟

1
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحجر والبشر أيهما أحق بالاهتمام؟

أحاطت وسائل الإعلام بصفة عامة والفرنسية على الخصوص حدث الحريق الذي شب بكاتدرائية نوتردام بفرنسا بهالة كبيرة، حتى أن الرئيس الفرنسي أجَّل الخطاب الذي كان من المقرر أن يتوجه به إلى الشعب الفرنسي والذي يُفترض أن يعلن فيه عن الخلاصات التي خرج بها النقاش الوطني الكبير الذي جاء نتيجة الأزمة التي خلقتها السترات الصفراء، وعن الإجراءات العملية التي سيقدم على اتخاذها لإنهاء المظاهرات التي توالت لأسبوعها الثالث والعشرين.

وما يثير الانتباه هو السرعة التي بادر بها عدد كبير من الأفراد والهيئات والمؤسسات الفرنسية وغير الفرنسية للتبرع بمبالغ مالية مهمة لترميم هذا الآثار التاريخي، حيث بلغت مليار يورو في ظرف 24 ساعة، في الوقت الذي لا زالت مطالب السترات الصفر التي تتلخص أساسا في الجانب المادي تراوح مكانها، حتى أن إحدى المتظاهرات تساءلت في إحدى القنوات الفرنسية كيف يمكن الاستجابة بهذه السرعة للحجر (رغم قيمته الرمزية عندهم) ولا يُستجاب للبشر الذي بحت حناجره من كثرة الصراخ؟

إذا كان هذا هو تعاملهم في التمييز بين شريحة من بشرهم وحجرهم، فماذا عسى أن يكون تعاملهم في التمييز بين بَشَرِهم وبَشَرِنا بل بين حَجَرِهم وبَشَرنا؟

منذ الاستعمار القديم إلى الاستعمار الحديث مرورا بأحداث شارلي والباتكلان وهم يحاولون ولا زالوا يبذلون قصارى جهدهم لإيهامنا بأن بَشَرَهُم خير وأهم من بشرنا، وهو الأمر الذي نجحوا فيه إلى حد كبير، حيث أصبح جزء كبير من نخبنا بل وحتى من عامتنا يُسبِّحون بحمدهم صباح مساء، ويتَّبعونهم شبرا بشبر ويعملون جاهدين على أن يدخلوا مهم جحر الضب على نتانته المتمثلة في كل ما يتنافى مع قيمنا السمحة والأخلاق الفاضلة التي يحث عليها ديننا الحنيف، بل وأصبحوا يستميتون في الدفاع عن لغتهم واعتمادها في التدريس على الرغم من تخلفها إن على مستوى الاستعمال العلمي أو على مستوى عدد الناطقين بها.

وحادثة اليوم تبين بالملموس بأنهم يعتبرون ليس بشرهم فحسب وإنما حجرهم خير وأهم من حجرنا وبشرنا على السواء، وإلا كيف يمكن أن نفهم كل هذا الضجيج وهذا الاهتمام الفائق بحدث يمكن اعتباره عاديا عند أمم أخرى في الوقت الذي يتمادون في تدمير وتخريب حجرنا بمساجده ومتاحفه ومستشفياته ومنازله وتقتيل بشرنا صغيره وكبيره، كهله وشيخه، ذكره وأنثاه، عبر مختلف البلدان الإسلامية من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى ليبيا … إما عبر القصف المباشر لبشرنا وحجرنا وإما بالنيابة عنهم من خلال التحريض على خلق النعرات والنفخ فيها ثم تزويد أذنابهم بالسلاح لإدامة الاقتتال من جهة وصفقات  الأسلحة المدمرة من جهة ثانية، وكل هذا يقع وهم يتظاهرون بالعمل على حماية السلام وحقوق الإنسان في ربوع العالم بينما الواقع يفند ذلك.

من هنا يحق لنا أن نتساءل عن مدى احترامهم لكرامة الإنسان الذي كرمه الله بالمطلق عندما قال « ولقد كرمنا بني آدم… » وعن مدى حرمته في سياساتهم ومخططاهم التي تَبين من خلال هذه الواقعة أن الأسبقية تعطى للمصلحة لا غير في الوقت الذي يؤكد فيها الدين الإسلامي على حرمة النفس حيث قال عز من قائل » من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا » وقال رسول الله في مقارنة حرمة المؤمن بحرمة أقدس مكان على وجه الأرض: عن عبد الله بن عمر قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيرًا « رواه ابن ماجة. وقال أيضا « لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم » رواه الترمذي.

فشتان بين قيمة البشر عندنا وعندهم، ومن ثم فلا يُستغرب أن يعطوا الأهمية للحجر على حساب البشر، وهو أمر يتعين على المستلبين بهم وبما يبدون من مظاهر الحرية وحقوق الإنسان، أن يراجعوا حساباتهم، وأن يستمسكوا بالعروة الوثقى بالرجوع إلى دين الحق والعدول عن اللهث وراء الطاغوت مصداقا لقوله تعالى:  » فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » صدق الله العظيم.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. أحمد الجبلي
    23/04/2019 at 01:17

    حييت أخي حسن على هذا المقال الرائع الذي أجدت فيه وأبدعت حيث عبرت فأحسنت التعبير وقلت فأحسنت القول وهمزت وغمزت وأحسنت الهمز والغمز لأناس يحملون المظلة في المغرب حين يسقط المطر في بارس. بارك الله فيه وبارك في علمك وقلمك.
    مجلك أحمد الجبلي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *