Home»Débats»نقاش هادئ حول مزج الترانيم بالأذان

نقاش هادئ حول مزج الترانيم بالأذان

1
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
لقد اعتبرت زيارة البابا فرنسيس لبلادنا حدثا كبيرا وهاما حيث اختلفت جملة وتفصيلا عن الزيارات التي عادة ما يقوم بها رؤساء دول إلى بلادنا، وذلك ربما لأن البابا يعتبر شخصية دينية عالمية ورئيس دولة الفاتيكان ولأن الزيارة جاءت في ظرف كثر الحديث فيه عن التسامح والتعايش بين الأديان، كما جاء بعد الحدث الإرهابي بنيوزيلاندا الذي زلزل العالم وقلب المفاهيم حول الإرهاب الذي أصبح لا دين له ولا جنسية.
ومن ضمن جل الأنشطة التي قام بها البابا أثناء هذه الزيارة، نجد زيارته لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والتي أثارت نقاشا اختلفت حوله وجهات النظر إلى درجة أن الكثير منها قد خرج عن جادة الصواب من لباقة واحترام وتقدير وحسن تدبير للاختلاف.
ومما أجج النقاش هو البيان الذي صدر عن هيئة علماء المسلمين والذي كان على بعض المثقفين المغاربة الذين رفضوه جملة وتفصيلا ألا ينظروا إليه من زاوية كون رئيسه هو الدكتور أحمد الريسوني المغربي، كما كان عليهم أن يتعاملوا مع المضمون كرأي في القضية ووجهة نظر لها ما يسندها في الشرع، بعيدا عن منطق الفتوى، وبالتالي ما المانع من فتح نقاش صحي جدي يثري قضايا التسامح والتعايش عوض أن نتحول من دعاة إلى التسامح مع الغير إلى إطلاق النار على بعضنا البعض، فنكون قد ألغينا التسامح فيما بيننا وطالبنا بع مع غيرنا، ولا أعتقد أننا سنكون في موقع يسمح لنا بالحديث عن التسامح مع الآخر إذا لم نكن متسامحين مع بعضنا ونحسن تدبير الاختلاف بأخلاقيات الاختلاف التي جزء منها يكمن في عدم تجاوز اللباقة في المصطلحات وعدم انتهاج القذف والتجريح والطعن في الذوات.
إن ما كتب وما قيل حول ما وقع في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، خصوصا منه ما يتعلق بدمج التكبير والتوحيد بترانيم مسيحية ويهودية، كان يحتاج إلى مزيد من التريث وعرض القضية في ظل مقاصد بعيدة مع مراعاة التوترات العالمية التي عانى منها المسلمون تحديدا من جراء وسمهم بصفة الإرهاب ومعاداة التعايش والسلم والتسامح.
إن المعاناة التي عاناها المسلمون أكبر بكثير من عملية دمج التكبير مع ترانيم مسيحية ويهودية في مسرح، لأن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة، وما عاناه ولازال يعانيه مسلمو الروهينجيا في ميانمار، على سبيل المثال، والمسلمون مؤخرا في الصين وما تعرضوا له من تعذيب وتمثيل، لا يمكن وصفه، والذي تم في صمت رهيب دولي وعربي. ولذا فأي عملية رصد لأي تكتل عالمي ديني أو سياسي من شأنه أن يحقن الدماء سيكون في صالح مسلمي العالم المستضعفين والمضطهدين. ويبدو أن صلح الحديبية، أعطى درسا للمسلمين من حيث التريث وعدم التسرع في إصدار الأحكام، وظاهريا، بدا كأن الصلح قدم تنازلا لم يرضي الصحابة الكرام وذلك لقصر نظرهم ولجهلهم بأناس مؤمنين ونساء مؤمنات لو لم يعقد الصلح لذهبوا ضحية حرب معلنة جهلت وجودهم. ومن أجمل الدروس المستقاة من الاتفاق، وهو الشاهد هنا، قول عمر بن الخطاب واعترافه بخطإه حيث قال: « منذ صلح الحديبية وأنا أتهم رأيي » أي إن التسرع في بناء رأي في قضية شائكة من الممكن أن يفضي إلى كوارث لا تحمد عقباها. وما أجمل قول الدكتور يوسف القرضاوي حين قال: « كنا نظل الشهور الطوال نجمع المعلومات والمعطيات كي نصدر فتوى »، أي أنه ليس من السهل إصدار فتوى سريعة كأنها سندويش سريع، أو إبراز رأي ما في قضية يبدو أنها كانت تحتاج إلى مزيد من التريث من أجل تقليب الأمر على جميع أوجهه في ظل الأحداث الكثيرة المتسارعة التي عرفها العالم فيما يتعلق بالمسلمين، كما كان يمكن مدارسة الأمر في ظل منطق الربح والخسارة وحساب منفعة الإسلام، أي ماذا سيجني الإسلام وماذا كان سيربح المسلمون في كل بقاع العالم لو أننا نظرنا إلى الأمر على أنه حرام ولا يجوز وجريمة ارتكبت في حق الإسلام، وانطلقنا نثير ضجة ونقيم الأرض ولا نقعدها؟
وماذا لو انطلق المسيحيون المغاربة ومعهم اليهود على اعتبار أن المسيحيين يؤمنون بالتوراة لكونها امتدادا للإنجيل وأصدروا البيانات ودخلوا في مشاداة وتبعهم في ذلك مسيحيو العالم في صراع مع المسلمين وفتح نقاشات عالمية لا نهاية لها ولا تصل إلى حل جامع يهدئ من الوضع ويعيد الجميع إلى نقطة التسامح والتعايش وتوفير الأمن والسلام.
نحن نعرف بأن الأديان السماوية من غير الإسلام قد تم تحريفها، ولكن بما أن علماء الإسلام في كل بقاع الأرض بما فيهم علماء الإتحاد العام لعلماء المسلمين يقولون بالحوار بين الأديان وغالبا ما يستشهدون بقوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا)، وإذا كان الحوار من المنظور الإسلامي مطلوبا لتبيان الحقائق وإقناع الآخر بالمنطق والدليل والبرهان بالتحريف الذي تعرضت له كتبهم، ومن موقع كون الإسلام يملك كل الحجج والقوة في الإقناع فإن تحقيق التلاقي سيعد بهذا المنطق مقصدا يمكن أن نقدم دونه تنازلا أو غض الطرف عن الصدح بالتكبير والتهليل ممزوجا بترانيم مسيحية أو يهودية، ثم إن هذا التكبير والتهليل أي الصدح بأنه لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله يمكن أن ينظر إليه على أنه إحراج لليهودية والمسيحية من خلال التصريح علانية بأن الله واحد لا شريك له وأن محمدا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النبي الخاتم الذي على جميع أتباع الديانات الأخرى أن يتبعوه ويؤمنوا به لأن كتبهم أصلا قد بشرت به.
ومن عجائب الأمور أن ما حدث لم يخلق جدلا فيما بين المسلمين والمسيحيين واليهود المغاربة، بل خلقه بين المسلمين فيما بينهم، وقد استغله العلمانيون والملاحدة لمزيد من النفخ في النار وتأجيج الوضع، بل إن الوقاحة وصلت بهم إلى أن يكتبوا في الموضوع على أساس أنهم مسلمون غيورون على الإسلام فراحوا يرشقون العلماء بكل النعوت مدافعين عن الإسلام الذي لا يؤمنون به.
ثم ألا تأخذ الفتاوى أو الآراء في مثل هذه القضايا بعين الاعتبار الضعف الذي يعيشه المسلمون والمصائب التي تنزل فوق رؤوسهم بالليل والنهار، فضلا عن القتل والتنكيل والإرهاب الذي يفتك بهم ويلصق بدينهم، ألا يمكن أن نبني فتاوى معاصرة في علاقتنا مع الآخر كما فعل الأولون وقالوا بقاعدة « تغيير منكر يؤذي إلى منكر أكبر منه السكوت عنه أولى »؟
ماذا لو سكتنا عن هذه الترانيم وتحدثنا عن التسامح والتعايش ووظفنا إرثنا الطويل العريض في هذا المجال على الأقل لتوريط الآخر في صلح دائم وتعايش طويل المدى ينتفع به المسلمون الضعفاء في كل بقاع الأرض لعلهم ينعمون بالسلام ولا ينكل بهم باعتبارهم، ظلما وعدوانا، إرهابيين وأعداء للتعايش والسلم والتسامح؟ ونقوم بموازاة ذلك بإحياء الحديث عن « ميثاق الأخوة والتسامح » الذي لازال مداده لم يجف بعد؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. الطالب محمد
    14/04/2019 at 19:42

    الاهم من صلح الحديبية الهجرة الاولى وهي الهجرة الى الحبشة الى بلد كان يدين بالنصرانية وكان حاكمه النجاشي معروفا بعدله وانه لا يظلم عنده احد فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه بالهجرة اليها ولم يقل احد انه بلد نصراني او ما شابه فتعلق المسلمين بدينهم ليس محل نقاش ولن يغيره صوت الاجراس ولا الترانيم ……. بل وان من الواجب التدكير بما ورد في القران الكريم ==ولتجدن اقربهم مودة للدين امنوا الدين قالوا انا نصارى دلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون==لايستكبرون هده بشهادة من الله سبحانه تكفي لان يتريث المرء ويراجع قناعاته من خلال النظر الى اناس يلوحون باسلامهم من خلال الشكل والمنطق ولو سابق احدهم في سباق ترفيهي فسبق لاشعلها حربا من فرط كبره…

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *