Home»Débats»ماذا بعد انهيار جمهورية هواري بومدين؟

ماذا بعد انهيار جمهورية هواري بومدين؟

1
Shares
PinterestGoogle+
 

رمضان مصباح الادريسي

زمن الأخطاء الكبرى:
في كتاباتي السابقة عن الجزائر، والتي يضم أقدمها كتابي الرقمي « الجزائر بألوان متعددة: انتاج الزمن المغاربي الضائع » الكثير من الارهاصات والتوقعات التي يصدقها الربيع الجزائري اليوم؛ ربيع الجمهورية الثانية التي ستنهض على أنقاض الجمهورية الأولى:
جمهورية الراحل هواري بومدين، التي كادت تكبو وتسقط في رئاسة الراحل الشاذلي بنجديد(1979-1992)، لولا أن تداركها جنرالات الجيش الأقوياء ،وقتها- خالد نزار، وزير الدفاع؛ محمد العماري، قائد الجيش البري؛ ومحمد تواتي المستشار بوزارة الدفاع-.منقلبين على نتائج الانتخابات البلدية ،وعلى الرئيس نفسه ،الذي آمن بالجزائر المدنية الديموقراطية ،المتعددة الأحزاب ،والمنفتحة على محيطها المغاربي والعالمي.
نعم تم انقاذ جمهورية « جماعة وجدة » وقتها ، لكن بثمن غال ،توالى دفعه ،دما، على مدى العشرية السوداء، التي لا تزال الى اليوم ورقة في يد الجيش، يرهب بها الشعب المنتفض على دولة الغلبة والفساد ،العاضة على الرقاب .
حينما دخل عبد العزيز بوتفليقة قصر المرادية، رئيسا(1999م) كان عليه أن يحل معادلة بثلاثة مجاهيل:
1.مآلات جيش مستنْزَف ،ولغ في دم المواطنين،وذبح النهج الديموقراطي للشاذلي.
2. مصير جماعة إسلامية مسلحة ،أحرقت كل سفن العودة الى الحياة المدنية.
3. ثم مستقبل الشعب الجزائري الجريح ، الذي ارتهنه القتال بين فلول جمهورية بومدين ،المنتهية الصلاحية منذ زمن؛ وجبهة شعبية لم تجد غير الدين رداء، لتسقط استبداد جبهة التحرير ؛كما دجنتها جماعة وجدة ،بعد أن قضت –أو أبعدت – على من تبقى من قياداتها التاريخية، ومن سار على نهجهم.
تتشكل القيادة التاريخية من:
مصطفى بن بولعيد: اغتيل في 23 مارس 1956. العربي بن مهيدي: قتل سنة1957.
كريم بلقاسم: اغتيل بعد الاستقلال(18 اكتوبر1970). رابح بيطاط:ت1999.
محمد بوضياف: اغتيل في يونيه1992. ديدوش مراد: قتل سنة1955.
جلس بوتفليقة – أخيرا – على كرسي ، لم يكن يرى أحدا غيره أهلا له ؛بعد وفاة بومدين ، كولونيل جيش الحدود؛ لكن ظروف الوفاة – تسميما حسب الراجح من الرواية الروسية – وعدم خلو ذمته السياسية والمالية ؛خصوصا وقد لعب دورا محوريا في الانقلاب على الرئيس الأول أحمد بنبلة(رغم انتمائه هو أيضا الى جماعة وجدة) وتصفية بعض القيادات التاريخية ،وطرد بعضها –بوضياف ،آيت أحمد..- كلها أمور حالت بينه وبين تحقيق طموحه؛ بل دفعته صوب المنفى في دولة الامارات العربية.
وفي رواية غير مؤكدة يرد أن بوتفليقة زار الراحل الحسن الثاني في افران ،وطلب منه مساندته ،لكنه ووجه بالرفض.
بدا ،في استوائه على عرش الجزائر، وكأن الأقدار ادخرته ليُنعش جمهورية منهارة، ويعود بها الى سالف « بومديينيتها » ؛وهذا ما فعله بالضبط:
*بدل تحميل مسؤولية العشرية السوداء لقادة الجيش النافذين ،و تخليص الدولة من استبدادهم، والعودة بهم ،على الأقل -ان لم تتأت محاكمتهم- الى الثكنات ؛ كما حاول ذلك الشاذلي بنجديد ،في ظروف أخرى (وهو الجنرال)مكن لهم بوتفليقة ،وبسط أذرعهم الأخطبوطية ،في كل مؤسسات الدولة السياسية ،الإدارية والمالية.
كان هذا وعدا قطعه على نفسه ،منذ نزوله ضيفا بمنزل الجنرال العربي بلخير ،عائدا من منفاه الخليجي. انه الثمن الذي فَرش له البساط الأحمر، المفضي الى رعشة السلطة الكبرى؛ منتقما من السنين العجاف ،التي كان عليه فيها أن يكابد –من بعيد- الفشل المتوالي ل »الرؤساء المتدربين » على حد تعبيره، في خطاب تسلم السلطة من الجنرال ليامين زروال،وهو المهندس الحقيقي للوئام المدني.
وماذا عن أمراء الدم؟
بعد أن لمَّعت دولة عبد العزيز بوتفليقة أحذية القادة العسكريين ،ولم تترك بها أثرا لتهشيم الجماجم على مدى سنوات الرصاص ؛كان عليه أن يسترضي متمردي الجبال ،الذين سعوا منذ البداية الى معاودة اذكاء جذوة الجبهة الثورية الشعبية التي انقلبت عليها جمهورية هواري بومدين؛ حينما نصَّبت صوريا أحمد بنبلة ،وحينما انقلبت عليه.
ومن المفارقات ألا يكون المهندس الحقيقي ،في زمن الأخطاء هذا، غير وزير الخارجية الشاب عبد العزيز بوتفليقة.
هاهو اليوم وقد غدا سيد المرادية ،وهاهم الثوار –وقد ارتدوا ثوب المرحلة،وهو ديني – في قمم الجبال ،كما كان آباؤهم بالأمس.
سيعمل الداهية بوتفليقة على استرضائهم ، بتنظيف أثوابهم مما علق بها من دم أسود؛ ودعوتهم الى العودة الى الحياة المدنية بملفات قضائية في منتهى النظافة.
انه الوئام المدني ،الذي رحل به الرئيس – خطيبا مفوها- في كل الولايات الجزائرية ،محاولا استهلال « مُلك رئاسي « ،لا ثأر فيه لأحد على أحد؛ ولو ضدا على روح القوانين ودولة المؤسسات.
والختم بشراء الذمم:
لكل شيء ثمن ،ولا يغسل الدمَ الا المال ،يسيل بين يدي المواطنين ،والشباب بصفة خاصة، ينسيهم الآلام، ويوجه أنظارهم الى المستقبل ،لا غير، ماد ام الماضي لم يكن غير زمن تفريخ معضلات الدولة الجزائرية.
مهندس الانقلاب على نهج القيادات التاريخية،يصبح ،مرة أخرى، مهندسا للانقلاب على العدالة ،باعتبارها الدعامة الأساسية في صرح الدول.
الفارق اليوم أن الكل أصبح متواطئا،بكيفية أو بأخرى، ،مادام هناك سيولة ضخمة من عائدات المحروقات ،وصلت، لأول مرة، حتى الى أيادي الفقراء من عامة الشعب.
طبعا مع الاستمرار في اعتبار الجزائر مغربية الهوى:
وهذه من معضلات الجزائر الكبرى، لأن جماعة وجدة ،ومن شدة ارتباطها بالمغرب ،ومخالطة مواطنيه ،خصوصا ساكنة وجدة، صارت مغربية شعبية ؛ يتوزعها الولاء للنظام أحيانا ،والمعارضة أحيانا أخرى ،كسائر المواطنين؛ وهذا طبيعي جدا.
ألم يقل هواري بومدين،وهو رئيس ، للمرحوم الحسن الثاني:
« أنا أعرف الطريق من وجدة الى البيضاء افضل منك »؟
ألم ينحن بوتفليقة، وهو رئيسٌ ،اجلالا وخشوعا، أمام جثمان الراحل الحسن الثاني ؛ولعله تألم كثيرا لرحيل العاهل المغربي ،قبل استقباله بصفته رئيسا للجزائر؛ وقد كان سعى من أجل تحقق هذا اللقاء التاريخي .
بوتفليقة الشاب، وزير الخارجية، الذي منعه البروتوكول الملكي ،ذات تاريخ بمدينة السعيدية(1965)، من حضور لقاء الحسن الثاني وهواري بومدين(رواية المرحوم عبد الهادي بوطالب) يستقبل في القصر الملكي ،بصفته رئيسا .انه لأمر شخصي وعائلي عظيم لآل بوتفليقة الوجديين.
(كان جوابه للجنرال هاشم العلوي، وهو يغلق الباب في وجهه: أنت لا تعرف من يحكم في الجزائر.)
ماذا يفعل بوتفليقة الرئيس إزاء كل هذا الإرث من مفردات الحب والكراهية ،الانقياد والتمرد..؟
طبعا لم يكن له الا أن يمضي في الوجهة التي مضت فيها جمهورية هواري بومدين.
وجهة ارتهان جنرالات الجيش لمقدرات الشعب الجزائري ، بمسمى الجار المغربي الذي يتحين الفرص للانقضاض.
ولسائل ان يسأل :لماذا لم يوسع بوتفليقة سياسة الوئام المدني ،لتشتغل مغاربيا أيضا؟
ألم تكن العشرية السوداء التي كبلت دولة بأكملها ،وبثت الرعب في أوصالها،عشرية مغاربية سوداء أيضا؟
حينما أطيح بالرئيس الشاذلي بنجديد من طرف كبار الجنرالات ،ألم تتم الإطاحة حتى بأركان الاتحاد المغاربي ،الذي ساهم فيه الرجل بكل اخلاص وثقة؟
طبعا بوتفليقة يعلم هذا ،لكنه لا يمكن أن يشتغل الا على فيه بصماته وليس بصمات غيره.
وفي هذا تعصب مقيت لنفوذ العسكر الذي فرش له البساط الأمر.
هل فوت المرحوم الحسن الثاني الفرصة المغاربية،حينما تملص من لقاء بوتفليقة الرئيس؟ ربما ،لأن جلوسه مع « ملكه » ندا لند ،كان سيحل الكثير من عقده النفسية تجاه المملكة.
وُفق في إيجاد مجاهيل المعادلة،لكن..
لم يوفق في بعث الجزائر التي حلم بها و أرساها القادة التاريخيون لجبهة التحرير ،وكانوا بصدد حل هذه الجبهة ( رأي محمد بوضياف) حتى تترسخ التعددية الحزبية وبالتالي الديموقراطية.
ولم يكن له أن يوفق ،لأن نظرية العصبية والدولة ،كما نظر لها ابن خلدون ،تأبى عليه ذلك.
« طاب جنان » الجمهورية الانقلابية الأولى –على حد عبارة بوتفليقة نفسه- واستنفذت أغراضها التي تأسست من أجلها : التمكين لدولة العسكر ،وتقزيم الشعب المدني.
أتخم العسكر دولة ونفوذا ومالا ،دون أن يحقق شيئا يذكر للجزائريين:
*فشلت الثورة الاشتراكية ، بشقيها الفلاحي والصناعي.
*بعد ازدهار فلاحي كولونيالي،غذى فرنسا والجزائر،أصبحت الجزائر تستورد حتى حاجياتها من البطاطس والبصل.
*ترسيخ إرادة اللامَحيد عن تكريس المحروقات قطب الرحى في الاقتصاد.
انها سياسة الأسهل المتحكم فيه بدل الأفيد ،المكرس للمواطنة الحق.الفلاح أكثر تشبثا بالأرض وقيم البادية والوطن عموما.
الثروة السائلة لا تترك أي شيء ثابتا صلدا، لدى المواطنين.
*تبخر العائدات الفلكية من العملة الصعبة، ولا سبيل الى المحاسبة ،مادام الاقتصاد معسكرا ،وموجها غالبا لخدمة الآلة العسكرية ،حيث تتداخل مصالح الدول الكبرى المصدرة، مع الزبونية المحلية.
*تكريس معضلة قيام العقيدة العسكرية للدولة على العدائية المفرطة للمملكة المغربية؛ وحتى لو أغلق ملف الصحراء ،فستكون هناك ملفات أخرى تفتح؛ لأنهم هناك مقتنعون بأن قلب الجزائر العسكرية ،لا طاقة تنعشه عدا طاقة العداء للمغرب.
واختار المغرب ألا يتدخل في الشأن الجزائري:
لا يتدخل ولا يعلقno comment:
يكفي هذا ،على المستوى الرسمي ،وهو أفضل من الصمت الذي ساد الى يوم أمس(الجمعة16).
تصريح وزير الخارجية ، السيد ناصر بوريطة ،غني بالدلالات ،ذات الاشتغال المغربي والجزائري والمغاربي.
بهذا التصريح تكون الجزائر الرسمية قد خسرت دعم جيرانها الرسميين، ليستتب أمنها.
انها الجزائر التي أحرقت كل السفن ،ولم يبق لها الا أن تواجه البحر سباحة .
لقد حُرمت مما يمكن أن يفيدها في التأثير على الشارع المنتفض.
لا موضوع جديدا للعداء والاستعداء.
ورغم كل هذا أكرر دعوتي للتدخل في الشأن الجزائري ،باعتماد استراتيجية الدبلوماسية الموازية ،لأن ربيع الجزائر لا يمكن أن يكون على المدى المتوسط والبعيد الا ربيعا مغاربيا؛ يدفع صوب دولة مدنية ديموقراطية، تنحل فيها جميع المشاكل القائمة مع الجيران.
هذا حتمي لأنها مشاكل اصطنعها العسكر ، ويعتبرها من لوازم سيطرته السياسية والاقتصادية.
ان قيام الجمهورية الجزائرية الثانية، على انقاض جمهورية بومدين وبوتفليقة، شأن جزائري أولا ، وشأن مغربي أولا ،وشأن مغاربي أولا.
لا دفن لزمن الأخطاء بغير هذا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.