Home»Débats»هل يحقق السجل الاجتماعي المبتغى؟ !

هل يحقق السجل الاجتماعي المبتغى؟ !

1
Shares
PinterestGoogle+
 

في ظل هشاشة السياسات العمومية، وتبعا لما خلفته الخيارات الفاشلة لحكومة عبد الإله ابن كيران، من غليان شعبي وتصاعد الاحتجاجات في مختلف أرجاء البلاد، خاصة ما ارتبط منها بالتوظيف بالتعاقد وتحرير أسعار المحروقات وإلغاء دعم بعض المواد الأساسية بدعوى إصلاح صندوق المقاصة، وانعكاسات ذلك على القدرة الشرائية للمواطنين، دون القيام بما يلزم من تدابير مرافقة، إن على مستوى الدعم المباشر أو الرفع من الأجور، لحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من نيران الغلاء.
أبى ملك البلاد محمد السادس الذي يولي الشأن الاجتماعي اهتماما بالغا منذ تقلده مفاتيح الحكم، إلا أن يصدر تعليماته في خطاب افتتاح الدورة الأولى للبرلمان خلال أكتوبر 2017، بضرورة مراجعة النموذج التنموي الذي أصبح متجاوزا وعاجزا عن مواكبة المتغيرات، وتلبية مطالب المغاربة الملحة وحاجياتهم المتزايدة، لاسيما منها ما يرتبط بتوفير تعليم نافع لأبنائهم، تعميم التغطية الصحية الضرورية وخلق فرص الشغل المنتج والحافظ للكرامة، قضاء حر وعادل وإدارة ناجعة، تقليص نسب الأمية والهدر المدرسي، الحد من الفوارق الطبقية والتفاوتات المجالية وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية… داعيا إلى الانكباب العاجل على وضع نموذج تنموي جديد، ينسجم وطموحات الشعب بكافة فئاته.
وفي يوليوز 2018 عاد حاملا بشرى أخرى عبر خطاب العرش بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة، ممثلة في مشروع اجتماعي استراتيجي هام وواعد، يخص فئات واسعة من المجتمع المغربي، وهو « السجل الاجتماعي الموحد » الذي يستهدف الأسر الأكثر عوزا وفقرا، لتمتيعها بدعم مباشر من قبل الدولة، استنادا إلى معايير موضوعية شفافة، تقطع مع تلك الأساليب البائدة من الغش والمحسوبية، بالاعتماد على آليات تكنولوجية حديثة، تساهم في إعادة هيكلة مختلف برامج الدعم الاجتماعي، وتحسين مردوديتها تدريجيا على المديين القريب والمتوسط.
لذلك صادقت الحكومة في 31 يناير 2019 على مشروع القانون رقم 18- 72المتعلق ب »السجل الاجتماعي الموحد »، الذي يعد من أبرز المشاريع الاجتماعية، لكونه برنامجا أكبر من أن يكون برنامجا حكوميا لولاية واحدة، أو رؤية وزارة معينة أو فاعل حزبي أو سياسي، باعتباره مبادرة ملكية صرفة، لا مجال فيها للاستغلال السياسوي أو الحسابات الانتخابوية بين الهيئات السياسية في الأغلبية والمعارضة. وهو نظام معلوماتي متطور، يروم رفع جزء من الحيف الذي ظل ملازما للطبقات المعوزة وغير المستفيدة من « صندوق المقاصة » بشكل منصف. ويراهن عليه « فريق العثماني » الذي ينتظر تحديد الفئات المستهدفة قبل متم عام 2019، للانتقال الفوري إلى إلغاء دعم السكر وغاز البوتان، تحت غطاء الإصلاح الشامل لصندوق المقاصة، بعد تلك « المجزرة » الشنيعة التي تعرض لها الموظفون والعمال بدعوى إنقاذ صندوق التقاعد المنهوب…
وجدير بالذكر أنه سعيا إلى تنفيذ التعليمات الملكية في تحقيق الأهداف المعلنة، تم رصد ميزانية ضخمة لهذا الورش الاجتماعي، والاستعانة بالتجربة الهندية في مجال توجيه الدعم لمستحقيه. وقامت وزارة الداخلية بالإشراف على وضع الترتيبات الإدارية واللوجستيكية، بتعبئة كافة أطرها للعمل انطلاقا من قاعدة معلومات جديدة في السجل الاجتماعي الموحد، تساعد في توحيد المعطيات الاجتماعية والاقتصادية وترقيم السكان المغاربة والأجانب من أجل فرز الأسر المعنية بالدعم، في إطار عائدات صندوق المقاصة التي أثارت الكثير من اللغط والسخط. كما أن هذا النظام يوفر محددات البرامج الاجتماعية بتقديم معلومات دقيقة، تخضع لتحيين دوري والتحقق من صحة البيانات، حسب آليات التكامل مع باقي النظم المعلوماتية، ويتيح إمكانية هندسة برامج اجتماعية أكثر نجاعة وإنصافا وشفافية.
وفي هذا الصدد نجد أن من بين أهم المشاريع التي تتصدر السجل الاجتماعي الموحد، هناك برنامج « تيسير » لدعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي، ونظام المساعدة الطبية « راميد » الذي مازال يعاني من اختلالات متعددة، ونظام دعم الأرامل وغيره من التدابير الاجتماعية المرتقب اتخاذها بتعليمات ملكية…
من هنا يتضح مرة أخرى أن مصدر تعاسة المغاربة يكمن في إيلائهم مسؤولية تدبير شؤونهم لحكومات معطوبة، وأن حلم تحسين ظروفهم غالبا ما لا يتحقق إلا بمبادرات أو توجيهات ملكية، في حين يغلب السياسيون مصالحهم الشخصية واللهث خلف المناصب والمكاسب، على قضايا المواطنين الأساسية من تعليم وصحة وعدالة وشغل… فكيف لحكومة أمضت نصف عمرها في التخبط والارتباك، ولم تستطع حتى إدارة حوار اجتماعي هادف مع النقابات وبلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، وصياغة نموذج تنموي جديد، أن تكون قادرة على تنزيل مشروع بحجم السجل الاجتماعي الموحد، مع ما يتطلب من مقاربة تشاركية، وبعد نظر ونفس طويل وسرعة في التنفيذ؟
إن الحكومة الحالية ليست سوى امتدادا لسابقتها، من حيث ضعف الأداء وعدم القدرة على تنفيذ استراتيجياتها، جراء تنافر مكوناتها وانعدام الالتقائية في السياسات والبرامج العمومية، وغياب التدابير اللازمة والرؤية الواضحة في تحديد الأولويات، فضلا عن انشغالها بالمزايدات السياسوية والحروب الكلامية وتبادل الاتهامات، مما ساهم في تعطيل مصالح البلاد وحال دون الاستجابة لانتظارات العباد، وأدى إلى ضعف الأثر الاقتصادي والاجتماعي.
إن المغاربة يثمنون عاليا كل المبادرات الملكية الرامية إلى النهوض بأوضاعهم، بيد أنهم يرفضون تشويهها ويخشون أن يلقى السجل الاجتماعي مصير نفس البرامج السابقة، وأن تجبر الطبقات الفقيرة والمتوسطة ثانية على تسديد فاتورة الإصلاح الشامل لصندوق المقاصة، كما حدث بعد تحرير أسعار المحروقات وإنقاذ صندوق التقاعد وغيره… لذا يطالبون بالتدبير المعقلن والحكامة الجيدة والتوجيه السليم للدعم المباشر، إنجاح الحوار الاجتماعي وتصحيح اختلالات وعيوب برامج الدعم الاجتماعي، والانكباب الجاد على محاربة الفساد وإصلاح الإدارة والتوزيع العادل لثروات البلاد.
اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.