Home»Débats»المدونة الإسلامية في السلامة الطرقية:

المدونة الإسلامية في السلامة الطرقية:

0
Shares
PinterestGoogle+

فجيج: محمد بوزيان بنعلي
غداً الاثنين 18 فبراير 2019، يحتفل المغاربة باليوم الوطني للسلامة الطرقية. فهل من كلمة إسلامية لهذا اليوم؟
إن الإسلام يعتبر الحاكم هو المسؤولَ الأول عن أمور المسلمين الذين يتولى أمرهم. وفي سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه موقف رائع يلخص مدى دقته في الالتزام بالواجب الوطني، وخوفه الشديد من التقصير في أداءِ المسؤوليات الملقاة على عاتقه جليلةً كانت أو حقيرة، ومن مواقفه الرائدة في سياق السلامة الطرقية التي نحتفل بذكراها غدا الاثنين (18 فبراير) قوله: « لو أن بغلة عثرت بالعراق لسألني ربي عنها: لِمَ لَمْ تسوِّ لها الطريق يا عمر؟ ».. ارتعدت فرائصُ سيدنا عمر من تحمل مسؤولية حيوانٍ أبكم، في حالةٍ متجاوزة عندنا كثيراً هي حالة التعثر والسقوط … أما الأمنُ والأمانُ في طرقنا فمفقودٌ مفقودٌ، وفيها يتكرر إلى حدِّ العادةِ ما لم يتكلّم عنه سيدنا عمر: جروح وأعطاب وموت وخسائر بالجملة والتقسيط. ومع ذلك لم نسمع أنّ أحداً حمّلَ نفسه دوراً فيما يجري.. أو تلعثم لسانُه خوفاً من مساءلة الله إياه.
ومن جهة أخرى، يعتبر الإسلام المواطنَ جزءاً من المسؤولية، فهما معاً صاحبا رسالةٍ لا يمكن أن تنجز على الوجه الأكمل إلا بالتعاون وتظافر الجهود، بمعنى أنه لا ينبغي لنا بحكم المواطنة الصالحة أن نتفرّج على ما يجري، أو نكتفيَ بالتعيير والانتقاد والمطالبة بالإصلاح، فمن آكدِ الواجبات الملقاة على عواتقنا أن نساهم في إيجاد حلّ لهذه المعضلة المزمنة المدمّرةِ، كلٌّ من موقعه: يبدأ السائق بنفسه فيحترم قوانين السير وضوابطه كلها.. وتنخرط الفعاليات المجتمعية في حملات التوعية والتوجيه.. ويرتفع الشرطي والدركي إلى مستوى الواجب الوطني بدل المتاجرة بأرواح الأبرياء… ويشحن المقاول ضميره بقيم الأمانة والإحسان والإخلاص وهو يعبّدُ الطريق لإخوانه، ولا أغلو إذا زعمتُ أن نسبةً معتبرةً من المصائب والكوارث تأتي من نصبهم وجشعهم وفسادهم، وقبول الفنيين المشرفين رشواتهم المسمومة القاتلة مقابل التنازل عن المتابعة والمراقبة.. وهلمَّ جرّاً حتى لا يبقى مواطن خارجَ المسؤولية.
مع تجديد التذكير أن المسؤولية الكبرى بيد الحكومة أولا، فهي التي تتحمل وزرَ أوسع بقعةٍ من أودية الدماء التي تسيل يوميا في طرقاتنا، وتسيل معها حرمتها وسمعة الوطن ومكانتُه ومكتسباتُه، ولا يؤرقهم كل ذلك هنيْهةً، بينما كان عمر رضي الله عنه يخاف أن يتسبب الطريق في نزيف قطرة دمٍ واحدة من جسمِ حيوانٍ أبكم.. وما ذاك إلا لاستشعاره خطورة الأمانة وجلالة الواجب وهيبة المسؤولية، ومعرفته الحقة أن أمن الطريق وسلامته مقصدان من أهمّ مقاصد ديننا الحنيف، وفي هذا الإطار ينبغي أن نضع قولته الذهبية التي تخفي وراءها أحكاماً تتعلق بحق الطريق، إذا جمعنا إليها ما ورد في ذلك من آياتٍ حكيمة وأحاديثَ شريفةٍ صار عندنا مدونةٌ إسلاميةٌ في السلامة الطرقية نستلهمها، ليس أدناها ما جاء في إماطة الأذى عن طريق المارّةِ، وليس أخطرَها الحديثُ الحسن الذي رواه غير واحد: « من آذى المسلمين في طرقهم وجبتْ عليه لعنتهم ».ولعله أن يكون مبدأَها ومنطلقَها قوله تعالى: « ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا »
فرحمك الله يا عمر، لقد كنت أمة وحدك، التحقتَ بجوار ربك وتلقف منك المخلصون من أمة محمد أعمالكَ الخالدة، وشعورك الفياض بضخامة المسؤولية وثقل الأمانة، فراحوا يمهدون الطرق للناس، ويسوون ما اعوجَّ منها مخافة أن يسألوا، حتى صار هذا الصنيع بنداً من بنود الأوقاف الخيرية، تنافس الفضلاءُ في إغنائها، وتسامت همتهم في التبرع لها، فكثرتْ شُعبُها، وأصبحت من ألمع السمات الحضارية في تاريخ المسلمين، يقول ابن بطوطة في رحلته متحدثا عن حاضرة دمشق جبر الله كسرتها: « والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها؛ لكثرتها، فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج، يُعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسارى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها؛ لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير… »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *