Home»Débats»التوقيت المدرسي الجديد بين الأمن الطاقي ومصلحة التلاميذ

التوقيت المدرسي الجديد بين الأمن الطاقي ومصلحة التلاميذ

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

التوقيت المدرسي الجديد بين الأمن الطاقي ومصلحة التلاميذ

 أثار انتباهي كثرة ما قيل وما كتب حول تبني الحكومة قرار الاستمرار في العمل بالتوقيت (GMT+1) من قبل المخالفين للقرار والموافقين له مع رجحان الكفة للمخالفين على ما يبدو، وبدا لي أن أدلي بوجهة نظري في الموضوع من خلال قراءة في مضمون البلاغ الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي حول تدابير أجرأة التوقيت المدرسي الجديد ومن خلال الحوار الذي أجرته القناة الأولى مع السيد الوزير الأول في برنامج لقاء خاص.

إن أول ما يلفت الانتباه بالنسبة للقرار القاضي بالاستمرار بكيفية مستقرة في العمل بالتوقيت الصيفي المعمول به حاليا (GMT+1) هو التسرع في اتخاذه، وعدم الإعداد له بما يكفي وذلك باعتراف الوزير الأول نفسه، وهذا ما يجعله حاملا لفيروس الفشل على مستويات متعددة، ذلك أن « ما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان »  كما قال يوليوس قيصر،  كما أن التسرع في اتخاذ قرارٍ دون دراسة متأنية  ومستفيضة لمختلف تأثيراته في واقع الناس قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة الأثر مع احتمال كبير لامتدادها في الزمن حتى وإن تم  التراجع عنه فيما بعد، لأن  ذلك لا يعني بالضرورة الرجوع إلى أصل المشكل وإنما تنتج عنه مشاكل جديدة بمعطيات جديدة قد تكون أكثر ضغطا واستعجالا من المشكل الأصلي مما سيؤدي لا محالة إلى  اتخاذ قرارات أكثر تسرعا واستعجالا مما يدخل المسؤولين في دائرة مفرغة يصعب الخروج منها دون تأثيرات جانبية البلاد في غنى عنها، ذلك لأنه تم التحول من معالجة مشكل واحد إلى معالجة مشاكل متعددة ومتناسلة. لذا كان لزاما على متخذي القرارات التأني والتفكير العميق وتقليب الأمور من مختلف الجوانب قبل الإقدام على أي خطوة مهما بدت بسيطة. وفي هذا الصدد يقول الشيرازي رحمه الله « على النابل أن يتأنى، فالسهم متى انطلق لا يعود »

المسألة الثانية في هذا القرار هو أنه مخالف للمنطق السليم وللمنهج العلمي، ذلك أنه عوض التحضير له من خلال دراسة الجدوى، والنظر في كيفية تنزيله، والآثار التي تنجم عن هذا التنزيل في الواقع العملي، حيث كان من الممكن كما هو جار به العمل في أحيان متعددة على الأقل  الترويج له عن طريق الإعلانات، ودراسة ردود الأفعال وكيفية التعامل معها، وإشراك مختلف الفعاليات، واستجماع الإيجابيات من جهة والسلبيات من جهة أخرى وترجيح كفة إحداها على الأخرى، قلت عوض هذه الإجراءات وغيرها كثير تم إصدار القرار في وقت قياسي (وهو شأن مجموعة من القرارات التي تم اتخاذها في السابق من مثل تغيير المقررات)، مجردا عن مختلف الحيثيات التي يمكن أن تعترضه، حتى وقع ما وقع من ردود الأفعال التي كانت في معظمها سلبية تم الاستنجاد بالنقابات وبعض جمعيات الآباء للبحث عن الحلول الترقيعية دون المساس بجوهر المشكل المتمثل في الاحتفاظ بالتوقيت الصيفي كأنه قرآن منزل، وهذا ما أكده السيد الوزير الأول بإصراره على عدم التراجع على القرار؛ وتبريرُه الوحيد في ذلك هو الحفاظ على الأمن الطاقي، ونحن لا نخالفه في هذا، لكننا نخالفه في المصلحة ذات الأولوية ونقول له إن الأهم أولى من المهم، ذلك أن إمكانية انقطاع الكهرباء في مدينة معينة بسبب الذروة التي قد تقع أو لا تقع لأن هذا مجرد احتمال أقل أولوية وأهمية من المفسدة المتمثلة في خلق بلبلة في صفوف كل الذين تربطهم علاقة صغيرة كانت أم كبيرة بالمدرسة العمومية، فالكل متضرر، الآباء، طاقم التدريس، الطاقم الإداري بمختلف مستوياته، بل وحتى وزارة التربية الوطنية نفسها ستتخبط في إيجاد حل لمشكل مصطنع، ألا تقول القاعدة الفقهية بأن « درء المفاسِد مُقدَّمٌ على جلبِ المصالِح »

ألا يعلم السيد الوزير الأول الذي بدا في حواره حريصا على مصلحة « الوليدات » من خلال دخولهم وخروجهم في « الضوء » أن المشكل أعمق بهذا بكثير، حيث إن الصيغتان المقترحتان (سأكتفي بالتعليم الإعدادي والثانوي لأنني أعرفه أكثر من التعليم الابتدائي) ستخصِمان ساعة واحدة من كل يوم، مما يتعين معه تغيير جداول الحصص في جل المؤسسات، وهذا عمل يُضاف لمهام الإدارة التربية بشكل استعجالي وفي ضوء معطيات معقدة أكتفي منها بمثالين:

الأول يتمثل في صعوبة الاستغلال الأمثل للقاعات المختصة في الأشغال التطبيقية بالنسبة لمادتي العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض بحيث مدة الحصة ساعتان لكل فوج بالنسبة للشعب العلمية بالتأهيلي مما يتطلب أربع ساعات متتالية حتى يستفيد القسم كله من حصة الأشغال التطبيقية، وهو الأمر الذي أصبح مستحيلا بالنسبة لنصف اليوم الذي تُخصم منه ساعة، مما ستترتب عنه الحاجة إلى قاعات مختصة إضافية غير متوفرة،وهكذا ستتناسل عن كل مشكل مشاكل فرعية متعددة يصعب حصرها.

أما المثال الثاني فهو استحالة الاحتفاظ بنفس الأساتذة لنفس الأقسام مما سيؤدي إلى بالضرورة إلى مشاكل بيداغوجية تتمثل أساسا في فرض مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر من أجل تدارك مستوى التقدم في المقررات من أستاذ لآخر، ومن أجل استئناس التلاميذ بمنهجية الأستاذ الجديد سواء في التدريس أو في التعامل ونفس الشيء بالنسبة للأستاذ الذي كان قد توافق مع التلاميذ من خلال بسط عناصر العقد الديداكتيكي بشكل علني أو ضمني إلخ…وكل هذا يحتاج إلى وقت نحن في حاجة ماسة لاستثماره الاستثمار الأمثل في مصلحة التلميذ لا ضدها.

أعتقد أن المثالان كافيان لإبراز أن مساوئ القرار أكثر من حسناته، هذا فقط من الجانب التربوي، أما إذا أخذنا بعين الاعتبار الجوانب الأخرى التي أصبحت بوادرها السلبية تلوح في الأفق من مثل إضراب تلاميذ بعض المؤسسات عن الدراسة، فإن الأمور ستتعقد أكثر خاصة وأن هناك من يتربصون الفرص  لأغراض في أنفسهم، لذا أقترح على السيد الوزير التراجع عن القرار، والرجوع إلى الحق فضيلة كما يقال، على أن يتم العمل بهذا القرار ابتداء من الموسم الدراسي المقبل حيث هناك ما يكفي من الوقت لدراسته دراسة متأنية والتشاور مع كل الأطراف ليكون القرار سليما ومحتمل النجاح بنسبة كبيرة، وأما أن نغامر بأبنائنا بمثل هذه القرارات التي لا يمكن إلا أن تخدم عملية التطبيع أكثر مع فكرة فشل التعليم العمومي التي أصبحت شائعة لدى العام والخاص بإيعاز من أطراف معروفة تستهدف المدرسة العمومية لصالح المدرسة الخصوصية، وهذه مسؤولية أكبر من مسؤولية انقطاع الكهرباء على معمل أو مدينة في وقت الذروة.

هذا إن كان القرار قرار الحكومة، تمتلك القدرة على التراجع عليه، وأما إن كان غير ذلك، فإنه يتعين البحث عن صيغة أخرى بالنسبة للتعليم لأن ضرر الصيغتان أكبر من نفعهما، وأقترح أن يتم خصم نصف ساعة من حصص الفترة الصباحية ونصف ساعة من الفترة الزوالية أي بمعدل 8 دقائق لكل حصة مدتها ساعة واحدة شريطة عدم تغيير جداول الحصص على أن يتم الرجوع إلى التوقيت العادي كلما تيسر ذلك، لتصبح لدينا صيغتان كما يلي:

  • الصيغة الأولى: من الثامنة والنصف صباحا إلى الثانية عشرة ثم من الثانية بعد الزوال إلى الخامسة والنصف مساء.
  • الصيغة الثانية: من التاسعة إلى الثانية عشر والنصف ثم من الثانية والنصف بعد الزوال إلى السادسة مساء.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.