Home»Débats»كلمة تأبين في حق الأخ المرحوم السيد محمد السهلاوي

كلمة تأبين في حق الأخ المرحوم السيد محمد السهلاوي

0
Shares
PinterestGoogle+
 

كلمة تأبين في حق الأخ المرحوم السيد محمد السهلاوي

محمد شركي

تأبين الإخوة بعد الرحيل عن هذه الدنيا الفانية دين لا يسقط إلا بالأداء، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نذكر موتانا بخير وأن ندعو لهم بصالح الدعاء ، وأن نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا أجرهم، وألا يفتننا بعدهم، وأن يغفر لنا ولهم إذا ما صرنا إلى ما صاروا إليه .

في هذا التأبين الذي لا أظن أنه سيوفي الأخ الفاضل المرحوم حقه ومع ذلك لا بد أن أقول إنه من المفتشين الكتاّب الذين احتضنت أقلامهم موقع وجدة سيتي الذي ندبه مديره السيد الحوسين قدوري جازاه الله خيرا لخدمة الجهة الشرقية خصوصا، والوطن عموما، وخصص فيه لخدمة التربية حيزا كبيرا، الشيء الذي أغرى مجموعة كبيرة من رجال التربية ير بالجهة الشرقية وغيرها للرباط فيه ، ونذكر منهم  على الخصوص الإخوة  الأعزاء الذين غادرونا إلى دار البقاء رحمهم الله تعالى ،وأولهم الأخ محمد راشد مفتش مادة التربية الإسلامية وقد قضى رحمه الله وهو في عز شبابه ، والأخ محمد المقدم مفتش المصالح المادية والمالية الذي قضى وهو في مهمة ، والأخ محمد عالم مفتش مادة اللغة الفرنسية الذي هاجمه الداء العضال وهو على وشك إنهاء مشواره في قطاع التربية ، وأخيرا الأخ محمد السهلاوي مفتش مادة اللغة الفرنسية، والذي شغل منصب نائب في مدينة جرادة، وكانت من النيابات المستحدثة بجهة الشرق، فضلا عن اشتغاله كعضو ضمن لجنة تنسيق التفتيش الجهوي .

هؤلاء الأربعة مفتشون كتّاب ، وأصحاب أقلام سيّالة، كانوا يتحفون قراء موقع وجدة سيتي بمقالاتهم الشيقة ، وكانوا يبسطون خلالها وجهات نظرهم في شتى القضايا خصوصا التربوية منها ، وكان ذلك بمثابة استمرار لما كانوا يقومون به من مهام في إطار تخصصهم . ولم تكن كتاباتهم تخلو من اهتمام بقضايا أخرى  لا تقل أهمية عن القضايا التربوية .

كانوا رحمهم الله تعالى يناضلون بصدق وإخلاص ونكران ذات عبر هذا الموقع الرائد الذي صار بمثابة الناطق الرسمي باسم التربية في الجهة الشرقية . ولقد كانوا وراء  انتصار العديد من القضايا التربوية  العادلة بسبب بلاء أقلامهم الوازنة ، كما كانوا مناصرين لمن كان يلحقهم أي شكل من أشكال الحيف في هذا القطاع  أو غيره . وكانت غيرتهم على القطاع شديدة يعكسها تحرقهم على ما كان يعتريه من نكسات .

ولقد كان لكل منهم أسلوبه المتميز في الكتابة، ولكنهم جميعا كان يجمعهم قاسم مشارك ،هو الشجاعة والجسارة في التعبيرعن الرأي . وبينما اختار اثنان منهما الكتابة بلغة الضاد، وهما الأخوان محمد راشد ،ومحمد المقدم ، اختار الأخوان محمد عالم، ومحمد السهلاوي الكتابة باللغة الفرنسية .

 والمفتشون المحمّدون الأربعة  يشتركون في خاصية أسلوبية كانت تميزهم جميعا ، وهي الدعابة الساخرة  الهادفة في معالجة القضايا التي كانوا يتناولونها بالتحليل والمعالجة والنقد. وكان لهم محبون ومعجبون وخصوم ، وهذا شأن كل من يقتحم مجال الكتابة إذ لا بد أن يرضي ويسخط ، ومن يرضى عنه لا يرى له عيبا ، ومن يسخط لا يرى له مزية ،وقد صدق الشاعر إذ قال :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة = كما أن عين السخط تبدي المساوىء

وعلى قدر استفزاز هؤلاء الأربعة للقراء بمقالاتهم ،كانت ردود الأفعال عما يكتبون تأتي مختلفة وتتراوح بين الرضا والإعجاب والسخط والانتقاد .

ولقد كان الأخ محمد السهلاوي صاحب النصيب الأوفر من الإعجاب والانتقاد في نفس الوقت ،لأنه اختار لنفسه أسلوبا  مستفزا في الكتابة بلغته الفرنسية التي كان يجيدها ويتأنق فيها ، ويركب وعرها حتى يضطر معه القراء إلى  سؤال المعاجم وأهل العلم بها عما كان  يروم من وراء استخدامها . وأعتقد أنه كان كلاسيكيا في تعبيره باللغة الفرنسية . والغالب في أسلوبه هو الدعابة التي عرف بها رحمه الله إذ كان لا يحدث زميلا أو صديقا إلا وقدم بين يدي كلامه بمستملحة أو نكتة مثيرة للضحك لكنها تكون هادفة .

ولا كان يجمع بين أمرين قلما يجتمعان ،وهما الصرامة وحدّة المزاج من جهة، والدعابة من جهة أخرى . ومن يعرفه لا يغيب عن ملاحظته وهو يقرأ مقالاته هذان الأمران ، وهما على طرفي نقيض .

وكان رحمه الله تعالى  في كتاباته كما في مواقفه ملاكما عنيدا لا يستسلم بسهولة، ولا يخشى الهزيمة ، ولم يكن سهلا وإن كان اسمه يوحي بالسهولة.

 وأذكر أنني خضت معه صراعا قويا كان سببه اختلاف وجهات النظر بيننا  بخصوص قضايا تربوية ومهنية ، وكان كل واحد منا يرى وجاهة رأيه وصدق طويته ونيته ، وإن شاء القراء الكرام قلت إننا كنا كعشيقين يتنافسان عشق فاتنة . ومرت علاقتنا بقطيعة  ، وكان كل واحد منا لا يدخر جهدا في استفزاز الآخر ، وكثرت بيننا المراسلات والمراسلات المضادة ، حتى بلغ خبر صراعنا  الوزارة الوصية  التي كانت  بين الحين  والآخر ترسل في شأنه مراسلات إما  لتستفسر عن أسبابه ، وتبث في أمره ، أو تغض الطرف عنه .

ولن أنسى أبدا والقطيعة بيني وبينه  على أشدها يوم عيد فطر وأنا أؤدي صلاة العيد  بأحد المساجد ، فإذا به رحمه الله يهاجمني بعناق حار دمعت له عيني وعينه  في ذلك اليوم العظيم ،ووضع حدا لما كان بيننا من شنآن ،وكان ذاك دأبه وطبعه مع كل من يخاصمه ،لأنه كان رحمه الله تعالى سمحا وهي صفة نبيلة كانت تميزه . وبالرغم من عناده الشديد، لم يكن يتردد في طلب العفو ممن كان يغضب منه وبأسلوب في غاية التواضع  والفضيلة ، ولا يغادر الغاضب منه إلا إذا تأكد من أن الكدر قد زال من قلبه، وكان يسارع إلى تقبيل رأس الغضبان استرضاء له . وقد كان رحمه الله تعالى  في ذلك كلاعب كرة القدم يصطدم مع اللاعب الخصم، ويصيبه أحيانا عن عمد ،وأحيانا أخرى عن غير عمد ، ويرتكب  ضده من المخالفات ما يستوجب الأوراق الصفراء والحمراء، لكنه بعد نهاية المباريات يحرص على معانقة خصمه  بحرارة ، ويتبادل معه القميص بروح رياضية  ، و كان بذلك رحمه الله رائعا وفاضلا حين يتراجع بشجاعة .

ولن أنسى يوم زرته في بيته  مع ثلة من الإخوة ممن كانوا يعملون معه بنيابة جرادة ،فتجاذبنا معه أطراف الحديث عن بعض الذكريات ، وكانت من ضمنها حكايته مع  المقتصد الأخ زكاغ الذي  كان يعمل بإعدادية سيدي محمد بن عبد الله بمدينة جرادة ، والذي ظل يراسله في شأن طلب شغل مسكن فارغ كان يرغب في أن يقطن فيه مع أسرته إلا أن المرحوم لم  تأخر في تلبية طلبه ، فعمد إلى باب المسكن فكسره واقتحمه ، وبلغ أمره إلى المرحوم، فعاجله باستفسار شديد اللهجة ، وكان رد الأخ زكاغ  من أغرب الردود ، ومما جاء فيه : « 

جوابا عن استفسار سيادتكم، أخبركم أنني عالجت الباب بالمفتاح ، وأسكنت  في المسكن من ذريتي بسلام  وفرح وحبور ، وصليت ركعتين شكرا لله تعالى ، ودعوت لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالتوفيق والفلاح « 

وما كاد المرحوم يتوصل بهذا الرد حتى ثارت ثائرته، ولما سكت عنه الغضب صارت هذه النازلة من أجمل ذكرياته .

ولقد أسفت شديد الأسف يوم توقف رحمه الله عن الكتابة  ونشر مقالاته على هذا الموقع ،لأن صورته التي التقطتها عدسة الموقع خلف الميكرفون بمركز الدراسات والبحوث بوجدة ،كانت تطالعني كل يوم بعد صلاة الصبح . ولقد كان توقفه عن الكتابة بسبب تدهور حالته الصحية التي حجبته عن قرائه  ومحبيه ، وأصدقائه، وزملائه .

هذه كلمة تأبين جد مختصرة لا توفي المرحوم حقه لأن مشواره المهني حافل بالمنجزات وبالمواقف وبالنضال  والملاكمة الفكرية . وقد يكون غيري من الزملاء أفيد في سرد  ما غاب عني من خصاله ، وأرجو ألا يبخلوا  علينا بذلك وفاء لروحه الطيبة ، وقد صار إلى الله عز جل ، ولزمنا جميعا أن نذكره بخير . وأود كذلك أن يتولى أبناؤه وأصدقاؤه نشر مقالاته بين دفتي مؤلف ليستفيد منها من لم يطلع عليها  حين كانت تنشر على هذا الموقع .

وأرجو كذلك أن يقام له حفل تأبين يحضره  أصدقاؤه وزملاؤه من المفتشين وغيرهم من رجال التربية وفاء لأخوته وزمالته ،وتقديرا لما أسداه من خدمة لقطاع التربية .

رحم الله أخي الفاضل السيد محمد السهلاوي ، وأكرم مثواه ، وأسعده بجنة المأوى بجوار شفيع الأمة صلى الله عليه وسلم ، ولا حرمنا  إن شاء الله تعالى أجره ، ولا فتننا بعده حتى نلقاه وهو عنا راض ،و لكل عيب  ساتر، ولكل ذنب غافر ،إنه سبحانه وتعالى أرحم الراحمين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبد العزيز قريش
    30/09/2018 at 16:24

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستاذي الجليل سيدي محمد شركي
    بعد التحية والتقدير لكم وللزملاء بوجدة مدينة الفضل والجود والكرم والإنسان المعطاء؛ أتقدم إليكم بالتعازي في جميع الإخوة الذين سبقونا إلى دار البقاء داعيا لهم بالمغفرة وجنان الخلد.
    إن ما ذهبت إليه من كريم نبلك وطيب كلامك، يجب أن ترقى به وزارة التربية الوطنية إلى المأسسة، فهي الجهة التي تنسى أطرها في حياتهم ومماتهم، ولا تفتح سجلا ذهبيا يحفظ جليل أعمال وخدمات كرام أطرها. إنها تضعهم على طرة القول إن فعلت!؟ لا في المتن، وهي ظاهرة لا تسعف الباحثين في تاريخ رواد المنظومة التربوية والتكوين أن يستذكروا شيئا مما قدموه خدمة للأجيال والوطن. في المقابل يجد الباحث في سيرهم رصيدا معرفيا عند الأهل والزملاء، وكثيرا ما يكون شفهيا. لذا علينا وعلى مؤسسات المجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين أن يدفعوا الوزارة إلى التفكير في التأريخ للتجارب الرائدة وترصيدها وتركيمها حتى تستفيد منها الأجيال المقبلة والوطن كله.
    والسلام عليكم

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.