Home»Débats»دكاكين أم مؤسسات

دكاكين أم مؤسسات

0
Shares
PinterestGoogle+

دكاكين أم مؤسسات

عبد العزيز قريش

عندما أستمع لحديث بعض الزملاء ودفاعهم عن هذه المؤسسات الحزبية والنقابية والجمعوية، أستغرب لإيمانهم العميق بها رغم ما يعيشه المغرب جراء وجودها في المجال السياسي والنقابي والجمعوي المدني، ويبدو لي، أني إما مخبول أو مجنون إن قبلت بدفاعهم والواقع المعيش لي ولجل المغاربة يبين ويثبت العكس، وبالتالي تجدني أناقش الأمر بكل موضوعية ومسؤولية، وأقدم له الحجج الدامغة بأن تلك المؤسسات أفلست ويجب تصحيح مسارها بوقفة مع الذات؛ قد تكون لها مصداقية قبيل الاستقلال وبعده بقليل؛ أما اليوم وقد اتضح الأمر جليا وواضحا؛ فلا أخال نفسي مصدقا لخطاباتها مهما كانت رنانة ومنمقة وجذابة! لأنها لم تجب لحد الساعة عن ماهيتها الحقيقية التي وجدت من أجلها؟ ولم تجب عن سؤال التنمية والتطور المغربي؟ ولم تجب عن انحسار التعاطي معها بين شريحة عريضة من ساكنة المغرب خاصة منهم الشباب؟ ولم تجب لحد الساحة عن وجود الحدود والجمارك داخلها منعا لتسلق أجهزتها التدبيرية من عموم منخرطيها ومناضليها؟ والأسئلة كثيرة وعريضة تختتم بسؤال المصير: لماذا لم تفلح سياساتها في إخراج المغرب من أزماته المتعددة والمتنوعة والمختلفة في جميع مجالات حياته رغم تصديها للشأن السياسي المغربي عبر المحطات الانتخابية؟ أهي مؤسسات فعلا أم هياكل وتحف للتزيين؟ ..

                كثيرا ما أسمع عن تجديد مكاتبها وانعقاد مؤتمراتها الموسمية من استحقاق انتخابي لآخر، وكثيرا ما أجد نفس الوجوه تطل علينا من خلال أجهزة حكامتها وقد شاخت وتجعد جلدها وعقلها وتكلست وتحجرت خلايا أدمغتها، لتخطب فينا كثيرا ونحن نسمع إليها بكليتنا منذ استقلال المغرب ونأمل أن تفعل شيئا له، يمنحها الشعب صوته تلو صوته آملا فيها كل الخير؛ لكن الأسطورة تتكرر معنا ونحن دائما نسمع ونصوت، ولم نمل يوما ما من هذه الأسطورة التي طال أمدها في المغرب ولم تنقله في العمق إلى الفعل الحضاري الحقيقي، ولم ترد أن تعي أن مغرب اليوم ليس مغرب البارحة أو عقلية المغربي اليوم ليست عقلية المغربي البارحة؛ فالزمن والأحداث تغير حيثيات الحياة، والعولمة تزحف علينا بما يؤسس قيم دولة الحداثة ولو سماعا، والسماع من آليات الإجازة؛ مما يوجب على هذه المؤسسات أن تأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، وأن تحجم عن أدلجويتنا في أدلوجتها البئيسة، وأن تأخذ مسافة بيننا وبينها للتفكير مليا؛ حتى تصحح مسارها قبل أن تنبري علينا بوعود الإصلاح، وتدغدغنا بآمال الفعل الحضاري الذي سيخرجنا من الأزمة وسيعلي من شأننا بين الأمم..  وحقيقة لغتها وفعلها سوى ترد وجودي لا قيمة له.

                كم كنت أحلم بأن أرى المغرب وقد سلك طرق النمو العلمي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والحقوقي.. لكن مع الأسف وقد اقترب العمر من القبر ولم أجد الحلم إلا حلما، ولم أجد الزعماء إلا أنفسهم إلا من قضى نحبه بحكم  » كل نفس ذائقة الموت « ؛ مما ينبأ عن استحقاقات قادمة بنفس الأصل ونسخه الشمسية، التي جاءت من رحم الانشقاقات الداخلية لهذه المؤسسات، والتي تعبر عن عمق الأزمة التي تعيشها نتيجة طبيعة تركيبتها وبنيتها العميقة لا السطحية، ونتيجة عقلياتها وثقافتها الماوراء الخطابية غير المروجة بينا، التي تقدس الأنا المستندة للمصلحة الخاصة الضيقة سواء فردية أو جماعية أو مؤسساتية؛ حيث تلغي أمامها المصلحة العامة للوطن الذي انتهكت حرماته وأمواله وثرواته وعقله؛ فأصبح فيه المواطن يكتوي بما جنته عليه ورقته الانتخابية كانت ورقة فردية أم لائحة؟! وبما جناه عليه فقره المعرفي والمالي والمادي والاجتماعي والإنساني وضعف إرادته في التغيير؟! لكن في المقابل أليس للمواطن يد كبرى في هذا الوضع الذي يعيشه؟ إن الإجابة لا تستطيع أن تلغي المسؤولية عنه من مبدأ أنه صانع هذه المؤسسات والمشارك فيها والمصوت عليها والمروج لها، فلماذا لا يتصدى لمحاسبة نفسه قبل أن يحاسبها؟ وقبل هذا كله؛ أيستطيع أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب مؤسساته؟ إذا تمعن الإنسان نفسه وفق التربية المؤسساتية الممارسة عليه ضمن مؤسسة الأسرة والمدرسة والمجتمع وملحقاتها؛ لا يجد في أبجديات تلك التربية ما يؤهله لمحاسبة نفسه. فهي من الألف إلى الياء نهي وزجر وأمر بالسكوت وتغميض العينين واحترام الكبير لكبره وطاعة وخنوع ووشاية وسكون ورقود وسلامة قبل ندامة، وتسليف لأفواه الآخرين ولأسنانهم لأكل الأشواك بها..  والركوب فوق معاناة الآخرين وعذاباتهم واستغلال بؤسهم وسذاجتهم والوصولية والانتهازية..  وهلم جرا من مصطلحات قاموس الجبن والضعف والخوف وتربية الأنا ومن بعدي الطوفان..  لذا وجدنا مؤسساتنا الحزبية والنقابية والجمعوية من طبيعتنا وطينتنا، فلا ضير فيما فعلته بنا، فنحن مجرد مساكين دراويش لا هم لنا إلا قوت يومنا، ولا دخل لنا في السياسة إلا يوم الذهاب إلى الصناديق لإغراق أنفسنا في مؤسسات منتخبة لا تعمل إلا في المواسم الانتخابية وحملاتها الإشهارية! وتوهمنا أنها من العاملين لمغرب الغد والمستقبل، مغرب المعرفة والعلم والتطور الحضاري، مغرب منتج مبدع.. وهي في الواقع ساكنة راقدة حتى حكامة أزبالنا لم تستطع تدبيرها، فأتت من الخارج بمن يدبر أمرها؟! فماذا يعمل العقل المغربي وجيوشه المتعلمة ويده العاملة؟..  بؤس في بؤس..

                إن هذا الواقع المأزوم هو الذي دفع بالعهد الجديد إلى التنبيه في أكثر من محطة من خطورة نتائج الفعل السياسوي وتوابعه النقابوية والجمعاوية على مؤسساتنا المدنية، التي يجب أن تكون في مستوى تأطير المواطنين سياسيا ونقابيا ومدنيا؛ لأنها مؤسسات شريكة الدولة في حكامة المجتمع و تدبير دواليب الدولة، فلا يعقل أن تتصدى لهذا الواجب دون أن تكون هي ذاتها مؤطرة، وبنيتها الداخلية قوية ومتينة غير هشة؟! كيف ستسير المؤسسات الرسمية المنتخبة وهي لا تمتلك الكفاءات والقوادر اللازمة، التي تؤهلها إلى ذلك التسيير ليس من الناحية التقنية فقط وإنما من الناحية الإبداعية، هذه التي تعد الأساس في التخطيط والبرمجة والتفكير في كل جديد متطور صالح، يخدم المواطن والوطن من خلال تلك المؤسسات؟! نحن لا ندعي عدمية تلك الكفاءات والقوادر وإنما هي قلة فيها بأسباب عدة. والكثرة كم خطابي يجيد الحملات الانتخابية والدعاية والإشهار والحذلقة والهرطقة في جموع الساكنة الساكنة، وما جاورها من مصطلحات المشهد الانتخابي في وطننا الحبيب..  كم خطابي يتمتع في نعيم السيارات والفيلات والضيعات والسفريات ومستلزماتها الفندقية والليلية والنهارية، ويظنها الدنيا كلها كما يجب أن يعيشها؟! وهو المسكين يعيش على هامشها لا في متنها..

                ونحن إذ نوجه نقدنا هذا لهذه المؤسسات من باب الغيرة عليها وعلى هذا الإنسان المبتذل بيننا وفينا، حيث نريدها مؤسسات قوية في مستوى تأهيل المغرب للقرن الواحد والعشرين، ومركزته دائرة التنمية في مختلف الميادين والمجالات الحياتية التي يعيشها، ونريدها مؤسسات لها من المصداقية والقيمة التداولية ما يدفع جميع المغاربة إلى الإيمان بدورها الحيوي في الفعل السياسي والنقابي والمدني المغربي والحضاري، وما يدفع بالمواطن المغربي إلى الانخراط فيها ودعمها لا مجافاتها وإهمالها من ثقافته وانشغالاته والعيش على طرتها..  ونتمنى أن تأخذ هذه المؤسسات بكل مسؤولية مسافة عن ذاتها لمساءلة نفسها بنسق من علامات الاستفهام تهم كياناتها ووظائفها، حتى تكون جديرة بأسمائها ومرجعياتها المؤسسة لها والمتحكمة فيها ورموزها وشعاراتها وأدبيات روادها ومؤسسيها ..  فالمغرب لا يرغب في القرن الواحد والعشرين إلا بمؤسسات قوية ومبدعة وخلاقة ومنتجة لا ضعيفة وخطابية ومستهلكة ومستوردة..  لا تملك من الفعل السياسي والنقابي والجمعوي إلا المصطلح دون حمولته المعرفية والأدواتية والمفاهيمية والمنهجية والأدائية والإبداعية..  نريدها مؤسسات فعلا وليس دكاكين ووكالات تتاجر بنا وفينا..

                إن مؤسساتنا الحزبية والنقابية والجمعوية يجب أن تكون في مستوى تطلعات المغاربة، لتحقيق حلمهم في التنمية وحكامة جماعية تعتبر المواطن لب فعلها وقطب اهتمامها، فتتصدى لأزماته المختلفة بكل جرأة وإبداعية؛ فتحد من هدر الطاقة البشرية والمالية والمادية والطبيعية للمغرب، بما يفتح آفاقا واسعة أمام طبقاته الاجتماعية في تحقيق ذاتها الفردية والجماعية، وبما يؤدي إلى توطين الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمحاسبة والقانون فوق الجميع وتاج الجميع ..  في ثقافتنا وممارساتنا اليومية، وبما يضمن تكافؤ الفرص بين الجميع وإبعاد عوامل الاحتقان عنا، مما يساعد على التعايش السلمي والتكافل والتكامل الاجتماعي والتضامن المجتمعي..  ويعود بنا إلى قيمنا النبيلة التي تبئر فينا السلم والأمن والحب والعطاء والإنتاج وتحقر الأنانية وحب الذات..

                إننا كلنا أمل في أن تجد مؤسساتنا تلك نفسها حتى نجد فيها أنفسنا بمختلف شرائحنا المجتمعية والاجتماعية، فهي جديرة بتفعيل النقد الذاتي تجاه ذاتها من خلال سماع صوتها الداخلي الناقد لها من أجل تصحيح مسارها نحو مستقبل كله آمال وآفاق، وإلا فصلاة الجنازة فرض عين في حقها من أمة لابد للعولمة زاحفة عليها، ولها الدعاء بالتوفيق.

عبد العزيز قريش

مفتش تربوي سابق

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *