Home»Débats»ما كان ينبغي للوزارة الوصية على الشأن الديني أن تسلط فئة المرشدين على الأئمة والخطباء في غفلة منهم لتصيد بعض سهوهم أو بعض هفواتهم

ما كان ينبغي للوزارة الوصية على الشأن الديني أن تسلط فئة المرشدين على الأئمة والخطباء في غفلة منهم لتصيد بعض سهوهم أو بعض هفواتهم

1
Shares
PinterestGoogle+
 

ما كان ينبغي للوزارة الوصية على الشأن الديني أن تسلط فئة المرشدين على الأئمة والخطباء في غفلة منهم لتصيد بعض سهوهم أو بعض هفواتهم

محمد شركي

 قبل أيام قليلة اتصل بي أحد مرشدي الوزارة الوصية على الشأن الديني في بيتي ليخبرني أن أحدهم قد سجل علي الخروج من صلاتي يوم الجمعة بتسليمتين ،وبلغ ذلك للأمانة العامة للوزارة ، فأخبرته أنني لا أفعل ذلك عنادا أو جهلا بل ه اعتدت على ذلك وأنا أعلم أن المسألة خلافية بين أهل العلم مع علمي بأن الوزارة تنص على اعتماد تسليمة واحدة  في دليل خطبة الجمعة عملا بمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، وهو مذهب أهل المدينة حيث تلقى الصحابة رضوان الله عليهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضة طرية لم يؤثر فيها بعد الأمصار أونأي الأقطار. ووعدت المرشد بأنني سأكتفي بتسليمة واحدة عملا بتوجيه الوزارة الوصية والتزاما بما عليه الخطباء والأئمة، ولن يمنعني من ذلك إصرار أو عناد وأضفت القول أتمنى ألا يكون ذلك بداية كيد يكاد لي لسبب أجهله وذلك لصرفي عن أداء واجب الخطابة الذي ابتغي به وجه الله عز وجل والدار الآخرة ، وأبذل فيه  ما في وسعي، وأجتهد إما رغية في أجرين إن وفقني الله عز وجل فأصبت أو في أجر واحد إن أخطأت، ولا عصمة إلا لنبي .

وبعد هذا الحوار مع هذا المرشد الذي أكن له ولأمثاله كل احترام وتقدير لما يقدمونه من خدمة لدين الله عز وجل ـ إن كان القصد شريفا ـ إرشادا وحماية له من كل شائبة قد تشوبه عن قصد أو عن غير قصد ، ظننت أن المسألة ستنتهي هنا إلا أنني فوجئت يوم أمس بمكالمة من نفس الشخص يخبرني أن المجلس العلمي المحلي استدعاني لحضور لقاء قرره  يومه على الساعة الحادية عشرة صباحا . وبالفعل حضرت في الموعد، فوجدت قاعة الاجتماعات قد جلس فيها المرشدون متحلقين حول مائدة بيضوية  مقابل بعض الأئمة والخطباء ، وكان معظم هؤلاء من ضواحي مدينة وجدة ، وأحسب أنني كنت الخطيب الوحيد من مدينة وجدة ، وقد عرفت ذلك من خلال لائحة الحضور التي مررت  لتسجيل الحضور ، والتوقيع على ذلك  .

وحضر اللقاء فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة السيد  مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة رفقة عضوين من أعضاء المجلس ، وقدم له أحد المرشدين ملفا عرفت فيما بعد أنه يتضمن ملاحظات سجلها المرشدون على الأئمة والخطباء، وهي مستخرجة من استمارات  أو شبكات توزع عليهم، ويطلب منهم تعبئتها ، وتحميلها معلوماتيا وإرسالها إلى الوزارة الوصية . ولقد تناولت كلمة فضيلة الأستاذ مقدمة نبه فيها إلى ضرورة حماية الدين من عبث العابثين وتطاول الجاهلين ثم استعرض بعض الملاحظات المسجلة على بعض الحاضرين ،واستفسر عن ظروف تسجيلها ،وكان بعض المرشدين يتدخلون لشرح ظروف تسجيلها ، وكان فضيلته يسأل عمن سجلت عليه  للتبين .

 وتبين بعد ذلك أن عمل بعض المرشدين لم يكن بالدقة اللازمة، وكان  بعضه يطبعه التسرع في تسجيل بعض الملاحظات التي كان بالإمكان تجاوزها لأنها لا تتضمن ما يضر بالدين أو يخالفه كتعذر قراءة الحزب الراتب في ظروف خاصة أو رفع الأذان  يوم الجمعة قبل حلول موعد الصلاة تنبيها للناس في بعض الجهات خصوصا في القطاع القروي .

 ولم أفهم استدعائي لحضور هذا اللقاء إلا حين طرح موضوع الخروج من الصلاة بتسليمتين عوض تسليمة واحدة ، وعرفت أنني كنت ضمن من سجلت عليهم ملاحظة دون علم بها ودون سابق إنذار، الشيء الذي يعني أن الوزارة الوصية على الشأن الديني تسلط مرشديها على الأئمة والخطباء دون إشعار لتصيد إما سهوهم أو هفواتهم أو لنقل حتى جهلهم إن وجد ما يجهلونه . وما كان ينبغي أن يكون عمل المرشدين بهذا الشكل الذي يشي بانعدام الثقة بين الفاعلين في الحقل الديني ،والذي يتطلب التنسيق التام بينهم والتناغم والتكامل وهم أدرى من غيرهم بالنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم . وكان على المرشدين قبل تعبئة  الاستمارات أو الشبكات المخصصة لتصيد الهفوات أو المخالفات إن صح أن نسميها كذلك أن ينصحوا الأئمة والخطباء، ولا أحد فوق النصح والتوجيه مهما كان رصيده من العلم والمعرفة ، فإذا وقع الخلاف بينهم يحتكم إلى المجلس العلمي للفصل بينهم قبل أن يصل الأمر إلى الأمانة العامة للوزارة أو غيرها .

ويبدو أن عمل المرشدين صار كعمل المخبرين بهذه الصيغة المريبة، الشيء الذي يطرح موضوع النوايا التي يصدر عنها من أوكل إليهم عملا كهذا، علما بأنه توجد جهات أخرى تحرر تقارير عن الأئمة والخطباء، فضلا عما يبلغه عنهم الواشون  من عامة الناس إماحقيقة أو افتراء .

ولقد اشتغلت ربع قرن كمفتش لوزارة التربية الوطنية ، وكنت أحرر تقارير عن عمل المدرسين وإنجازاتهم في الفصول  الدراسية ، لكنني ما كنت أخفي على أحد ما أعتزم تسجيله من ملاحظات وتوجيهات خلال مقابلات تعقب زيارتهم أو تفتيشهم  ، وكانت التقارير التي أحررها تذيل بنقطة تدخل ضمن ترقية المدرسين ماديا ومعنويا ، وكنت أقدر المسؤولية الملقاة على عاتقي وأتحرى الموضوعية والدقة تجنبا لما يمكن أن يكون زورا أو بهتانا  . وأرى أيضا أن ما تحرره الشرطة القضائية بعد التحقيق مع من تستدعيهم يعرض عليهم قبل  أن يطالبوا بالتوقيع عليه وفي المقبل نلاحظ أن مهمة وتقارير مرشدي الوزارة الوصية على الشأن الديني تلفها السرية الشيء الذي يجعل الأئمة والخطباء عرضة للوشاية الكاذبة ، وضحايا لتصفية حسابات شخصية عند غياب الضمير والوازع الديني ولا تبرأ النفس البشرية مهما كانت من الوقوع في مثل ذلك ولا ينجو منها إلا من عصمه الله عز وجل  .

 ويبدو لي من خلال ما عاينته في هذا اللقاء أن بعض المرشدين قد أساءوا فهم المهام الموكولة إليهم ، وأنهم يعتبرون أنفسهم رقباء على الأئمة والخطباء، وأن الوزارة قد جعلت لهم عليهم سطانا ، وأن مهمتهم هي تصيد هؤلاء للإيقاع بهم لديها  . وأسفت شديد الأسف للطريقة الفجة التي خاطب به أحد هؤلاء المرشدين السيد رئيس المجلس العلمي المحلي دون مراعاة قواعد الأدب والاحترام الواجبة إداريا تجاه مسؤول  و تجاه عالم علامة جمع المرشدين والأئمة والخطباء لتوجيههم وهم جميعا أحوج ما يكونون لذلك لسعة علمه وخبرته ، وأسلوبه في معالجة أمور الدين بما تقتضيه الحكمة .

وفي الأخير أعود إلى ما سجل علي كمخالفة بالنسبة للخروج من الصلاة لأؤكد لمن سجلها عليّ أني على اطلاع بأمر الخلاف فيها بين العلماء، وأن الإمام مالك رحمه الله نفسه  حسب بعض أهل العلم الثقات كان في بداية الأمر يقول بتسليمتين ثم عدل عن ذلك إلى تسليمة واحدة ، وأن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، وهو من هو قربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذا عنه، كان يسلم ثلاث تسليمات ، وأن صيغ التسليم عدها البعض أربع تسليمات، وهو مسألة خلافية بين العلماء ،وتصح صلاة المصلين بها جميعا ولا تبطل . وقد سئل أهل العلم هل يجوز للشافعي أن يسلم تسليمتين إذا صلى خلف الإمام المالكي فقالوا لابأس بذلك ، كما قالوا لا بأس به أيضا إذا كان مالكيا ، فخرج من صلاته بتسليمة  واحدة وهو يصلي خلف الإمام الشافعي الذي يسلم بتسليمتين .

ولا يعني هذا الكلام أنني مصر على الخروج من صلاتي بتسليمتين ،بل أنا على  تنص على ذلك توجيهات الوزارة الوصية ، ولقناعتي الراسخة أن الخروج  من الصلاة بتسليمة واحدة هو مذهب الأمة الذي أجمعت عليه ،و ما كنت لأخالفه ،ولكن ما أخشاه أن نصير إلى ما صار إليه غيرنا في مذاهب أخرى يلقون في روع أتباعهم أنهم أصحاب الحق وأن غيرهم على باطل ، وإننا لنعاني من أتباع هؤلاء ممن يعتبرون الصلاة جماعيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة ، وكذلك يعتبرون الدعاء  عقب الصلوات ، وكذلك شأن تلاوة القرآن الكريم جماعة، لأن الذين يقفون وراءهم يلقنونهم ذلك تلقينا ،وهم يتبعونهم تبعية عمياء . ونخشى أن يفهم العامة عندنا أن الخروج بتسليمتين من الصلاة يعتبر بدعة أو خطأ ، ولا نخبرهم بأن المسألة خلافية بين العلماء وأن للتسليم أكثر من صيغة ، وأنها جميعها صحيحة ولا تبطل معها صلاة ، وأن الأفضل أن نلتزم مذهبا واحدا يوحدنا ويمنع الاختلاف والخلاف بيننا .

ولقد عاينت مع شديد الأسف  بعض العوام يرد مصحفا شريفا برواية الإمام حفص أعطي له ، وكأنه توراة أو إنجيل أو كأنه محرف لأنه يجهل روايات الكتاب الكريم ، ولأن بعضهم أوهمه بأننا نخالف من يعتمدون رواية حفص خلافا يطعن في مصداقيتها. ولقد عجبت اليوم  لأحد المرشدين وقد سجل على أحد الأئمة أنه يقرأ برواية حفص، فعقب فضيلة العلامة  على ذلك بالقول إن المعني بالأمر وهو على علم تام به لا علم له بهذه الرواية ، ولو نفض نفضا لما حصّل منه شيء منها، الشيء الذي يعني أن من سجل عليه هذه الملاحظة إنما توهم منه ذلك أو ربما افتراه عليه لسبب الله أعلم به، وإن الشنآن ليدفع بأهله إلى ركوب الباطل والافتراء خلافا لما ينص عليه كتاب الله عز وجل .

وأخيرا أعجبني تنبيه فضيلة العلامة للمرشدين بتحري الصدق فيما يسجلون وتنكب الباطل والزور دون أن يعني كلامه منعهم من تدوين ما يعاينونه فعلا من مخالفات حاصلة  مع إشعار من يعنيهم الأمر بذلك بكل شفافية وموضوعية  وبنصح وتناصح ، وبعيدا عن كل شطط  أو اتباع هوى في تدوين الملاحظات .

وأرجو ألا يفهم من مقالي هذا غير ما قصدته والله من وراء القصد .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.