Home»Débats»من حقوق الإنسان التي تستوجب التقديس وليس الاحترام فقط حقوق المرضى

من حقوق الإنسان التي تستوجب التقديس وليس الاحترام فقط حقوق المرضى

0
Shares
PinterestGoogle+

من حقوق الإنسان التي تستوجب التقديس وليس الاحترام فقط حقوق المرضى

محمد شركي

إن الإنسان الذي كرّمه الله عز وجل ، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلا ، واستخلفه في الأرض يقتضي وضعه هذا أن تكون له حقوق تحترم بل أكثر من ذلك تقدس لأن تقديسها من تقديس الخالق جل جلاله . وكل من أهان الإنسان مهما كان نوع الإهانة أو حجمها ،فإنه إنما يتجاسر على جبّار السماوات والأرض ، ويؤذي له مخلوقا صانه سبحانه وتعالى عن كل شكل من أشكال الإيذاء.ومن أشكال إيذاء الإنسان التفريط في حق من حقوقه ، وهو جرم تتفاوت فداحة حسب طبيعة الحق المفرط فيه أوالحق المهضوم ، وحسب وضعية صاحب هذا الحق الاجتماعية  .

وإذا كان التفريط في حق من حقوق الإنسان وهو في تمام قوته يعتبر جرما ، فإن التفريط في حق من حقوقه وهو في حالة ضعف هو أبشع وأشنع جرم تدينه الشرائع السماوية والوضعية على حد سواء .

ومن حالات الضعف التي يمر بها الإنسان حالة المرض ذلك أن الله عز وجل الذي ابتلى الإنسان بالمرض رفع عنه الحرج في التدين، بله في ما دونه  من التكليف، فقال جل شأنه في محكم التنزيل : (( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج )) . وإذا كان هذا شأن الخالق سبحانه مع الإنسان في حالات الضعف ، فإن المخلوق يلزمه أن يبلغ بدرجة احترام حقوقه درجة التقديس الذي يفوق الاحترام  تقديسا لله تعالى .

ومعلوم أنه على رأس حقوق الإنسان المريض أن يمكنه غيره  من أسباب العلاج ، ويعينه على مقاومة العلل التي تفتك به . وليس كل مريض تسهل عليه أسباب العلاج . والمريض الذي يعجز عن بلوغ تلك الأسباب يكون أكثر ضعفا بل يكون ضعفه مضاعفا لأنه ضعف علة  البدن ، وضعف ضيق ذات اليد ، ومن اجتمع عليه هذان كان في منتهى الضعف ، وكان حقه من العناية والرعاية أكبر، وكان من الواجب على غيره أن يرعى له هذا الحق حق الرعاية .

وعلى رأس هذا الغير الأطباء الذين انتدبهم الله عز وجل لمواساة المرضى بعلاجهم ومداواتهم والرفق بهم ماديا ومعنويا  . وعلى هؤلاء الأطباء مراعاة حق المرضى في التكريم الذي كرمهم به الله عز وجل . ومن تكريمهم مراعاة أحوالهم المادية والاجتماعية ،لأن فيهم الفقير المعوز الذي لا يستطيع دفع نفقات علاجه ، ولا يمكن أن يتخلى عنه المجتمع ليواجه الألم المبرح أو الهلاك . وأحسب أن حكم هذا المريض المعوز كحكم الميت  قد ضمن له الإسلام  حقوقا وهي أن يكرم ويغسّل، ويكفّن ثم يصلّى عليه ويدفن ، وجعل الصلاة عليه فرض كفاية تسقط عن الأمة إذا قام بها البعض ،ولكن تأثم الأمة كلها إذا لم يقم به بعضها ، فكذلك حال المريض المعوز ،إذا تولى علاجه البعض سقطت عن الأمة مسؤولية علاجه وإلا كانت كلها  مسؤولة بل آثمة .

وعلى رأس من يأثم في حال ترك المريض المعوز يواجه معاناته وحده الأطباء لأنهم جزء من المجتمع الذي تقع عليه مسؤولية صيانة حق المريض المعوز . وأقل ما يقدمه الأطباء في هذه الحال أن يتنازلوا عن واجبهم المستحق أو عن جزء منه  مما يحصلونه من علاج من  وسع عليهم الله عز وجل في أرزاقهم ، فإن  زادوا عن ذلك كان أجرهم عند الله عز وجل، وهو خير مما يأخذون من أجر الدنيا الزائل  ، وحسبهم أنهم إن عالجوا مريضا كان مشرفا على الهلاك قد أحيوا الناس جميعا كما جاء في محكم التنزيل . وإذا كان بوسعهم أن يفعلوا ذلك  ولم يفعلوا، فمات المريض فكأنما قتلوا الناس جميعا .

قد يتساءل بعض قراء مقالاتي الكرام عن سبب كتابة هذا المقال خصوصا إذا كانوا ممن اطلعوا على مقالي السابق الذي عبرت فيه عن استنكاري ما كان من إحدى المصحات التي لم تكشف لي عن كل إجراءات التطبيب قبل أن تجرى لي عملية جراحية لجبر كسر في يدي ، ووضعتني في موقف حرج في آخر لحظة حين كنت سأخضع لعملية نزع قضيان ثبّتت على العظم المكسور، فطالبتني بأداء إضافي زيادة على الأداء الأول الذي كان مقابل عملية جبر الكسر والذي تمت بزرع القضبان ، ففرخت عنها عملية أخرى هي خلع تلك القضبان .

 وجوابي أن هذا المقال لا علاقة له بهذا الموضوع لأنني لم أطلب من المصحة المعنية أن تجري  لي عملية نزع الأسلاك أو القضبان مجانا، وإنما عبت عليها ألا تخبرني منذ البداية بأن الأمر يتعلق بعمليتين منفصلتين وإن كانت الأولى مترتبة عن الثانية لا بعملية واحدة ذات شقين متكاملين  كما جرت بذلك أعراف الطب التي تنزل منزلة ما لا يأتيه باطل من بين بديه ولا من خلفه  ، خصوصا وأني استحضرت  مكاني مريضا معوزا فعاد أدراجه  يجر ذيول الخيبة ويتجرع مرارة الخبن ، ولا قدرة  له للتخلص من معدن زرع في جسده رغما عنه .

وإنما الذي أوحى لي بهذا المقال هو مقال نشره الأستاذ رمضان مصباح الإدريسي الذي أغتنم الفرصة لشكره على مواساته لي إثر العملية الجراحية التي خضعت لها مؤخرا، والذي وصف فيه  حال مريضة تعاني من مرض عضال، ولم ترع لها كرامة وهي أضعف ما تكون ، ولم تسعف ولو بحقنة تخفف عنها بعض ما تكابده من آلام مبرحة ، ولم يوصل جسدها المنهك بما يعوض عجزها عن تجرع قطرة ماء …

 هذا الذي دفعني للخوض في  موضوع حقوق المرضى التي لم تعد ترعى  عندنا في المستشفيات العمومية حيث تهدر كرامتهم إلى درجة افتراش الأرض  في الممراتها وبجوار دورات المياه  لضعف طاقتها الاستيعابية  كما  صورت ذلك بعض الفيديوهات التي تناقلها  مستعملو وسائل التواصل الاجتماعي مقابل استعراض فيديوهات أخرى عكست  ما وصلت إليه مستشفيات تركيا من تطور مذهل يعكس مدى احترام حقوق الإنسان ،وعلى رأسها حقوق المرضى  في ذلك البلد الذي يمارس الديمقراطية الفعلية  حق الممارسة  . و بماء على هذا يمكن القول  أنه على قدر حال المستشفيات  في الأقطار تكون قيمة الإنسان.

أما المصحات الخصوصية  عندنا وهي عبارة عن مشاريع مدرة للربح  يشترك فيها أرباب المال مع أرباب الخبرة الطبية ، فلا مكان فيها للمرضى المعوزين بل لا يحلمون مجرد الحلم بارتيادها لأنها في الأصل  إنما صممت، وبنيت، وجهزت ،وأهلت لتستقبل طبقة اجتماعية معينة، أما طبقة ما تحت خط الفقر وهي السواد الأعظم  عندنا ، فلا حظ لها في ولوجها ، وإنما حظها أن تنتظر ما تسمح به بطاقة الرميد، وهي بطاقة حاملها هالك لا محالة، لأن في اللسان العربي رمد الشخص إذا هلك ، وربما يكون من سمى هذه البطاقة بهذا الاسم قد تعمد السخرية من حاملها الهالك ، لأنها  بطاقة لا تنجيه إذا ألمت به الأسقام، بل تزيد من  معاناته حين ينتظر شهورا ليستفيد من فحوص ، وقد يعاجله الموت ولمّا يحن دوره لتسلط على جسده الذي تنخره العلل أشعة أجهزة الفحص الكاشف التي تكون في الغالب معطلة .

وهكذا يفقد عندنا المرضى كرامتهم الإنسانية وهم يعانون الأمرين  بين مطرقة المستشفيات العمومية المفلسة ،وسندان المصحات الخصوصية الباهظة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. رمضان مصباح
    30/06/2018 at 14:17

    شكرا لك استاذ محمد على اثارة هذا الموضوع ،ذي الصلة بموضوع لي في نفس الاطار.شخصيا أصبحت ألاحظ تنامي ما يمكن تسميته ب » الاستبداد الأبيض » .استبداد أطباء عقموا وازعهم الديني والأخلاقي حتى لا ينجب غير بنات الشره؛بعيدا عن كل قيم المهنة النبيلة..

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *