Home»Débats»ماذا تخفي مقاطعة الحليب بالمغرب؟

ماذا تخفي مقاطعة الحليب بالمغرب؟

2
Shares
PinterestGoogle+
 

بقلم: د.محمد بالدوان

دشن الشعب المغربي مع انطلاق المقاطعة فعلا حضاريا يمثل أخطر آلية للجم جشع التجار أو الشركات ولضمان توازن أسعار المنتجات في سوق يتجه إلى التحرير الشامل، غير أن التطورات اللاحقة بدءا بدخول القناة الثانية على الخط وسعيها لتوريط العثماني بطريقة غير مهنية، وإعلان الصفحات المبادرة إلى المقاطعة نهايتها، ثم البوليميك الذي ركز على تحريف التصريحات وخلق حالة من التعبئة السياسية، أثارت تساؤلات عن هوية العقل المخطط لوضع الحليب على قائمة المقاطعة؛ من يكون؟ وما أهدافه؟ ولتتضح الصورة أكثر لا بد من الاستهلال بتفكيك سؤال: ما السياق السياسي الذي جاء بالمقاطعة؟
بعد تشكل حكومة العثماني على إثر البلوكاج، في سياق مضطرب خيمت عليه أحداث الريف التي بينت التقارير فيما بعد تورط أمين عام الحزب المعلوم ابن المنطقة في تأجيج الأوضاع، وتورط شخصيات نافذة أثارت المحاضر أسماءها في سياقات مختلفة، ولولا الامتداد السلطوي للحزب لحوكم أمينه العام مثلما يحاكم الزفزافي، ورغم ذلك تزايدت الضغوط عليه، وبعد مناورات كثيرة استقال تزامنا مع المقاطعة. وبعد أن كان تيار داخل الحزب المعلوم يناهض تيار الريف ويسائله عن مصدر ثرواته المتراكمة ترأس الحزب من جديد ابن الريف في توافق تام اختفت معه كل الأصوات المعارضة.
الشاهد هنا هو أن هذا الفاعل وداعميه بعد فشلهم في تشريعيات 2016 وقعوا في أزمة انكماش النفوذ، وابتكروا عدة أفعال بدءا بالحسيمة ثم جرادة ليستعيدوا المبادرة إلا أنهم عجزوا في أن يضفوا بعدا وطنيا لتلك الأزمات بالرغم من كل المحاولات، إلى أن اهتدوا إلى المقاطعة التي أخذت أبعادا وطنية ودولية وضربت لهم أكثر من خصم. وذاك ما سأحلله انطلاقا من السؤال الآتي: لماذا استهدفت المقاطعة شركة الحليب؟
وقع اختيار العقل المؤسس للمقاطعة على علامتين تجاريتين تمتلكان قوة التعبئة للمقاطعة؛ الأولى تخص المحروقات وصاحبها تلاحقه سوابق سياسية سيئة، والثانية تخص الماء الأغلى سعرا في المغرب، بينما طُعِّمت مقاطعة الحليب بدعوى اعتزام الشركة الزيادة في الأسعار. و كل منتج منها يخفي هدفا سياسيا ضد جهة معينة، وسأكتفي هنا بعرض أبعاد ومخاطر مقاطعة الحليب.
عند تأمل أبعاد مقاطعة الحليب وما أحاط بها من أحداث وتصريحات تظهر طبيعة الفاعل السياسي المستهدف، وينقشع في ذهنك يقين بأن إقحام العقل المدبر لشركة أجنبية فرنسية في حملة المقاطعة كان وراءه تسديد ضربة قاضية لهذا الفاعل.
إن هذا الفعل المجتمعي غير المسبوق في عهد حكومة يقودها إسلاميون سيُسَوَّق بأنهم مصدر زرع ورعاية مشاعر العداء لكل ما هو أجنبي، وإشارة بداية تهديد لباقي الشركات الأجنبية في المغرب، الشيء الذي سيدفع دول الشركات الأجنبية إلى الانخراط في عمل استباقي وتعبئة شاملة للحؤول دون صعود هذا الفصيل السياسي إلى الحكم. ومن ناحية أخرى سيؤسس ذلك لعزل هذا الفاعل سياسيا من قِبَلِ كل القوى والمؤسسات الوطنية لأنه بات يهدد مصالح المغرب التي يجسد الاستثمار وجاذبيته والدعم الدولي للقضايا الوطنية عمودها الفقري.
ويبدو أن هذا الفصيل انتبه لهذا الأمر الخطير، فأعلن عن موقف لا لُبْسَ فيه حيال مقاطعة شركة الحليب، وكان لذلك نتائج ايجابية في حينه حيث تسللت القناة الثانية الذراع الإعلامي للعقل المدبر من النافذة واستدرجت في حوار الناطق الرسمي للشركة بإقحام الحكومة، فأجاب بأن ما يعني الشركة هو المنافسة ولا علاقة لها بالسياسة. فبُهِت الذي خطط وعلم بأن الشركة الفرنسية على وعي بهوية من يهدد مصالحها ويسعى إلى إلحاق الضرر بها لتصفية حسابات سياسية. فهل يدرك المواطن هوية العقل المخطط؛ المستفيد الأكبر من المقاطعة بعد أن بدأ جزء من أبناء الشعب يفقد مصدر رزقه ويُوَظَّف في تهديد السلم الاجتماعي، الذي لن يعيد إلى الواجهة إلا الفوضى الخلاقة المفضية إلى التحكم والسلطوية؟
لا يعقل أن يكون في كلام الناطق الرسمي للحكومة وَعِيدٌ للشعب الذي صوت عليه، فلا ريب في أن موقعه ساعده بالكشف عن الخلفيات العميقة للمقاطعة، فتوعد أذرعها الإعلامية المبادرة بالمقاطعة والناشرة للمغالطات المشوشة على الاقتصاد الوطني، ولا شك في أنها أعلنت نهاية المقاطعة بإيعاز من العقل المدبر حين شعر بأنه مكشوف وسَيُحَمَّل مسؤولية كل التداعيات السلبية للمقاطعة، لكنه بالطبع سيواصل حملة المزايدات للنيل من أكبر حزب مستهدف بشبهة دفاعه عن الشركات.
كل المؤشرات تدل على أن قوى ما، انكمش نفوذها وبدأ بالتساقط رجالها، ابتكرت فعل المقاطعة وبدأت تجني ثمار ردود الفعل التي خلفها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. شي مدوخ
    10/06/2018 at 08:14

    قناعك سقط حتى قبل أن تضعه. ترى كيف تواجهون ضمائركم لا تخلون بأنفسكم؟

  2. بالدوان
    11/06/2018 at 20:17

    ليس من محترفي وضع الاقنعة اتكلم باسمي واتحمل كامل المسؤولية فيما اقول، واذا لم اكتب لاسقط الاقنعة عن كثير من الاشخاص والهئيات والاحداث، اشعر بوخز حاد في الضمير

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.