Home»Débats»المقاطعة التي أخْسَرَتْنا الحكومة والمعارضة

المقاطعة التي أخْسَرَتْنا الحكومة والمعارضة

3
Shares
PinterestGoogle+
 

رمضان مصباح الادريسي

 » يتجاهلونك،ويسخرون منك،ثم يحاربونك؛وبعدها تنتصر »
المهاتما غاندي

مقاطعة بمنطق داخلي:
لعلها – المقاطعة- من بنات الدهر اللواتي باغتن ،وسيباغتن،حكومة سارت على نهج سابقتها في تدبير الأزمات الاقتصادية الوطنية بفقه التسامح:
« عفا الله عما لهف »؛نعم هكذا يجب أن تُفهم،لأن « ما سلف » اجمال مهذب؛ متواطئ وهدام،حينما يتعلق الأمر بتدبير الدولة.
وهي ،أيضا،من نسل « أولات الأحمال » ألاقتصادية، اللواتي رَفَلْن و تِهن دلالا في دواوين الوزارات ،ورئاسة الحكومة- منذ زمن – دون أن يُسألن عن كيمياء أحمالهن وشرعيتها؛الى أن وَلَدن مسوخا اقتصادية سَرَّعت من انهيار نموذج تنموي أثقل البلاد ديونا ،فشلا ،زمنا ميتا، قِسمات ضيزى،فسادا ،وديمقراطية متقهقرة.
ان هذه المقاطعة قائمة الآن بين ظهرانينا ،تنظر الى الحكومة شزرا؛وتنظر اليها الحكومة توسلا وغواية.
قوتها في مستنداتها من الاقتصاد الوطني المأزوم،وهذا الفساد الذي يقترب من التحول الى هوية « لا وطنية » راسخة.
وقوتها في سهولتها الممتنعة،وعدم انتسابها لغير منطقها السوسيواقتصادي الداخلي؛تفضح به ليس فقه التسامح ،فقط،كما أسسه الريع الديني ،حينما قُيض له انتخابيا أن يحكم؛بل المعارضة أيضا ،كما أصبحت تمتح من فقه الصمت و اللاحساب.
لو كان لها فراش سياسي معروف لهانت ؛يُطوى الفراش ،كما بُسط،وينتهي بها الأمر مُفترِشة الثرى والحجر.
لو كان لها هذا لمدت الحكومة أرجلها ورددت مع من قال من الحلفاء لجليسه :
 » ناولنا لَهْوَنا ،ليس معنا أحد » ؛بعد أن تأكد بأن الأعرابي الوافد عليهما في خيمة الصيد لا يحفظ قرآنا ولا حديثا ولا شعرا،ولا حتى أخبار العرب.
كيف أخسَرَتنا الحكومة؟
بعد أن تجاهلت رئاسة الحكومة ،كُلية المقاطعة الاقتصادية – وهي محدودة الى حد الساعة- انتبهت الى أن هناك من شغل الكرسي الفارغ ، ليخلط في « مناطحته » للمقاطعين – بكل تهور – بين ماهو مصلحي شخصي، وما هو من صميم مركزه الحكومي.
بل حتى المؤسسة التجارية المعنية تجاوزت حدود التجاري الصرف، لتمارس السياسة بالطعن في حق دستوري مكفول للمواطنين.
وتطور الأمر عند أحدهم – الوزراء- ليطعن في السلامة العقلية للمقاطعين.
هكذا تدحرجت كرة الثلج ،لتكبر وتكبر معها سفاهة أخجل أن أنسبها للحكومة ككل ؛حكومة تُعلق عليها الكثير من الآمال لتصحيح وضعية اقتصادية أزرت بالقدرة الشرائية لأغلب المواطنين ؛على الأقل بناء على مبدأ حسن الانصات الذي تردده دائما.
لكنني بُهِتُّ، الى درجة اعتبار السفاهة لا تكفي كنعت، حينما استمعت الى الخطاب الرسمي للحكومة ،وهو يفسر المقاطعة بثغرة في التشريع سهلت رواج خطاب نقدي اقتصادي كاذب؛وعليه فالحل – كما ترى الحكومة- في تشديد الترسانة القانونية ،باستعجال،لمحاصرة الافتراءات،وجر المفترين الى القضاء.
يكفي هذا ليقتنع المواطن أنه – فعلا – بين كماشتين: جبروت الثروة وجبروت السلطة.
أقول هذا وأنا أعرف أنه غير دقيق في وصف الحالة؛لأن جبروت السلطة من جبروت الثروة المهيمنة عليها ،والمسخِّرة لها. جبروت يُمارسُ على المستضعفين فقط.
هذا الارتباك ليس طارئا على الحكومة اذ سبق لبعض مكوناتها أن أفتت في حراك الريف ،بكونه حراكا انفصاليا؛الى أن صححت الملكية الوضعية ،بالكشف عن اختلالات حقيقية في التدبير الاداري والمالي للعديد من مشاريع التنمية في الريف ؛بما فيها المشروع الملكي: « الحسيمة منارة المتوسط »؛فكان ما كان من اعفاءات عالية المستوى.
وما حصل في حالة الريف حصل مع المقاطعة ؛اذ تراجعت الحكومة – بفعل فاعل ربما – عن خطاب التجاهل ،التسفيه،والتهديد ،لتستعيد فقه التسامح ؛مما يبرهن على ضعف بين في التدبير ؛يفضل السباحة في المياه السطحية ،خوفا من كائنات المياه الجوفية.
هذا السهل الممتنع الذي تشكله المقاطعة ؛والذي يدلي فقط – الى حدود الساعة – بغلاء الحليب ،الماء،والمحروقات ؛والحال أنه مقاطعة نفسية عميقة لهيمنة المال الذي لا ينتمي إلا لنفسه وشرهه وصناديقه ،على السلطة الحكومية النابعة من صناديق الانتخابات.
هذا السهل الممتنع لا يدبر بحكومة مرتبكة ، لاتَقِر على قرار ،تصدق – أو تتظاهر فقط- بأن
وعودا من هنا وهناك ؛أو حتى مجرد اغراءات أطفال،يمكن أن تضع حدا للمقاطعة.
هكذا يتأكد أن المقاطعة كشفت عن ضعف الحكومة؛بل أقنعت المواطنين بكونهم بدون حكومة تقف الى جانبهم في مواجهة المال وترشيده ،صالحا كان أو فاسدا.
أخسرتنا المقاطعة الحكومة،حتى وهي تشتغل فقط لتضييق هوامش الأرباح.
وكيف أخسرتنا المعارضة؟
أصبح في حكم المسلم به من طرف جميع المتتبعين ،بأن الوضع الاقتصادي – في عموميته – بحاجة الى تدبير عميق ،متزن ،متواصل ومتكامل؛ يضع نصب عينيه سؤال الثروة في المغرب :
أين هي؟ كيف يُقنن نموها؟ وكيف تنمي البلد؟ وكيف توزع بعدالة ؟ سواء وصلت الى السلطة وحكمت، أو لا زمت حدودها المعروفة لها في كل الديمقراطيات الراسخة.
هذا التدبير العميق لا يمكن ،ديمقراطيا،ألا يمر عبر الأحزاب والصناديق؛لكن هذه الهيئات اليوم في قفص الاتهام ؛وأقصى ما يمكن أن ينتظر منها أن تصحح اختلالاتها البنيوية.
لقد كشفت المقاطعة عن ارتدادها الى منطقها الداخلي فقط،كما أسلفت؛وهذا في حد ذاته اتهام للمعارضة؛سواء السياسية خارج البرلمان ،أو المعارضة الدستورية داخله.
وحينما افتقدت المقاطعة برلمانها الدستوري؛ولم تقتنع بها فرق المعارضة ،ولم تدافع عنها ؛رغم كل أسانيدها المذكورة؛اقنعت بأن الأوكسجين لن يأتيها إلا بمواصلة ما بدأته في العالم الأزرق؛برلمان من لا برلمان له:( الفيسبوك لا يغلبوك).
وانتهت المعارضة الى أن تنتبه بدورها لخطورة كرسي الغياب؛وهاهي اليوم تنشط ،لكن في الوقت الميت؛اذ لا يمكنها حاليا أن تزيد عن موقف المتفرج.
ورغم هذا كُشف القناع عن فقه الصمت الذي اعتنقته ،حد التصوف؛وأصبحنا كرواد ملعب « التنس » ،ننقل أنظارنا –بخفة وحيرة – بين المتصارعين ؛ازاء تقرير المحروقات في المغرب.
لجنة برلمانية سمحت لنفسها بأن تسكت عن تقرير استراتيجي ،في ما يخص وضع المحروقات،لشهور ؛وحينما اضطرت الى الكشف عنه ،تعددت قراءاته ،وكأنه تقرير أكاديمي عن أطروحة جامعية في الفلسفة.
وقبل هذا ،وأخطر منه، سكوتها عن تعطيل مجلس المنافسة؛الى أن مل أعضاؤه من بطالتهم التقنية المدفوعة الثمن.
أي معارضة هذه؟ كيف لا نتحدث عن سقوطها المدوي؟
الحكومة التيقنوقراطية:
لعلها أعز ما يطلب في وضعية الارتباك التي تعيشها الحكومة،مجتمعة،ومتفرقة؛هذا اذا لم أقل أنها المطلب الغير معلن للمقاطعة؛باعتبار عدم جدية ما تقترحه الحكومة من حلول؛بل ما تغازل به من اغراءات ،لا تجيب على كل الأسئلة التنموية المطروحة.
ولولا الغيرة على خصوصية الداخل الوطني لقلت ان الاصلاح الاقتصادي غدا مطلبا دوليا؛باعتبار التقارير الدولية التي تغطي الكثير من اشتغالات الدولة.
ان المطلب الذي يحتكم الى الواقع العام ،اليوم،وقد أدانته أيضا الكثير من الخطب الملكية،هو مطلب الكفاءات التدبيرية الشابة والمؤهلة التي تشتغل للدولة والوطن والمواطنين؛وليس للأحزاب والثروات .
ان المعاني العميقة لخطب الادانة ،ترسخ عدم اطمئنان المؤسسة الملكية لأغلب مخرجات الأحزاب السياسية،التي ينتهي بها الأمر في البرلمان والحكومة؛ممارسة للحكم أو معارضة.
ماذا لو ترسخ نهج النضال بالمقاطعة ،ليصل الى مقاطعة الأحزاب والانتخابات كلية؟
ان مقاطعة اليوم مهذبة وغير متهورة؛وتنتظر ،دون أن تصرح بذلك، اصلاحا سياسيا واقتصاديا شاملا؛ينفذ وهجه الى أعماق كل مواطن ،ليستعيد الثقة في حاضره ومستقبله وكل مؤسساته.
استراحة بيولوجية سياسية ،عساها تأتينا مستقبلا بهيئات سياسية ذات مصداقية؛تفرز حكومة تقطع مع فقه التسامح، وفقه الصمت ؛كما يشتغلان حاليا على مستوى الحكومة والمعارضة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.