Home»Débats»جرادة : البديل الاقتصادي تاريخ وقضية

جرادة : البديل الاقتصادي تاريخ وقضية

3
Shares
PinterestGoogle+
 

حينما شاهدنا الاجتماع بالعمالة حول ملف جرادة من خلال اجترار البحث عن بدائل ولغة العجز التي عبر عنها المسؤولون ، وانه لا بد من انتظار حلول ، نحس بحجم الزمن الذي ضاع وبهول الكارثة التي وصلت لها المدينة وعدد الضحايا الذين ازهقت ارواحهم داخل الآبار ظلما وعدوانا …

وعندما نقلت لنا التلفزة مناقشة البرلمان لقضية جرادة نشعر بحجم الماساة في الحقل السياسي الذي يبني هكذا شكل سياسي ينتج لنا نخبا تمثل الشعب ، واية مصداقية لعملية سياسية اعطت لجرادة ممثلي الامة من نوع خاص اليوم الحراك بجرادة يحاكمهم امام الاشهاد وفي هذا محاكمة لسياسة معوقة لم تبن ذاتها على خدمة المواطن بقدر ما انبنت على المصالح داخل تقاطب سياسي حيث ابانت تلك الجلسة عن صراع سياسي بين الفرقاء السياسيين واتهام كل طرف للاخر بينما جوهر المشكل بجرادة لم يتم التطرق اليه ، لم ينتبه هؤلاء الى الحناجر التي تصيح : نريد بديلا اقتصاديا بمعنى نريد نهضة تنموية حقيقية للاقليم ورفع حالات التهميش التي التصقت بالمنطقة ، المتتبع لتلك التدخلات لاحظ ان احزاب المعارضة اتهمت الحكومة بالتقصير في التعاطي مع قضايا المواطنين ، من خلال  الهجوم الذي قام به البرلماني الاستقلالي ، وكيف كان جواب الوزير الرباح بطريقة مستبطنة ، بينما النائب عن العدالة والتنمية كان تدخله تصفية حسابات مع حزب السياسي  دون ان ندخل في تفاصيل تلك الكلمات كما أن الوزير الرباح حاول رمي الكرة في ملعب المنتخبين واتهامهم بالتخاذل والبكاء بدل البحث عن الحلول !!!

الوجه البئيس الذي ظهرت به الجلسة يعبر عن عمق الازمة السياسية داخل هذا الوطن ، الذي يرتج من الاحتجاج الشعبي ، وهو ما كان يقتضي من مؤسسة في حجم البرلمان ان تضع اصبعها على الداء ، لكن للاسف المردود السياسي ما هو الا تعبير عن سياسة غير مقنعة في البلاد ،  التي لا يدخل في قواميسها المواطن كانسان يحتاج الى ان ننتبه اليه ونحس بمشاكله  هكذا ترى السياسة في المغرب كصراعات هامشية استعراضية بينما الحكومة ذلك الحاضر الغائب ، وبالتالي ستظل جرادة ضحية داخل تقاطب سياسي وفي سياق معادلات سياسية لا تستحضر البعد التنموي الذي يجعل من الصراع السياسي صراعا من اجل خدمة الوطن وخدمة الإنسان المغربي ، وعندما تحضر السياسوية في اغرب تجلياتها داخل مؤسسات الدولة التشريعية والتدبيرية فرحمة الله على التنمية وإذا كانت جرادة أضاعت 20 سنة كان يمكن أن يتحقق خلالها الكثير فان المستقبل يبدو أكثر سوادا. فعندما ترفض مدينة جرادة السياسوية فإنها تؤسس لمنطق جديد يفرض على الدولة أن تغير أسلوبها في التعاطي مع مشاكل المواطنين وان يكون للتنمية معنى الآخر …

بعد 20 سنة يعود بنا النقاش حول بديل اقتصادي واجتماعي هذا الأمر يذكرنابذلك النقاش الذي دار ما قبل الاغلاق وأهم التفاعلات التي حصلت ، بل نعاود نفس الحركات وربما نفس  المقترحات التي تقدمت بها نخبة سياسية حينها من ضمن المؤسسات الحزبية والنقابية والحقوقية المتواجدة في تلك الفترة ، وقد تعددت المقاربات بناءا على التوجهات السياسية التي كانت تؤمن بها كل فئة ورغم ان هناك جزءا كبيرا من ساكنة جرادة كان رافضا للاغلاق ، للأسف ان القوة النقابية استطاعت اقناع العمال بالإغلاق وكان يتم تصوير الوهم لهم من خلال التعويضات التي سيتلقوها جراء الاغلاق  سرعان ما ستذوب امام الاكراهات المعيشية ، بل سيمتطي بعضهم قوارب الموت حيث كان الاقبال على الهجرة السرية او عودة بعضهم الى الأبار نظرا لما راكموه من تجربة داخل شركة مفاحم المغرب !!!

سواء الاغلاق او البديل الاقتصادي لا يجعلنا نقفزعن وضع سياسي كان يعيشه حينها المغرب سيلقي بظلاله ، وبالتالي مجموعة من الأمور التي حصلت كانت محكومة بفعل سياسي يراد له ان يكون ، وعن سلوك الأطراف المرتبطة بالسياسي ، وهنا لا نستغرب كيف ان النقابة المفترض انها تدافع عن مصالح العمال ذهبت في اتجاه اقناعهمبالاغلاق!!

المواجهة كانت قوية في تلك الفترة بين ما كان يعرف باللوبي النقابي المفاوض وابناء جرادة الذين كانوا يرفضون الاغلاق  بدون ضمانات  واقعية ، وكنا حينها نسمع عن الشعبوية وعدم الواقعية التي كانت تصدر من المنصات وهي صفات كانت تلصق بالرافضين للاغلاق،  ولم تفلح اغلب المقاربات بما فيها المقاربة التي تقول بان يستمر الانتاج بجرادة في حدود معينة لضمان العيش الكريم لبعض العمال وان يحصل الاغلاق تدريجيا حتى لا تتضرر الفئات التي كانت تتعايش مع الوضع الاقتصادي من تجار وباقي المهن الاخرى من خلال الخدمات التي تقدم للعمال الى ان تتبلور بدائل قادرة على ضمان استمرارية الوضع الاقتصادي وان تعتبر مرحلة تحول نحو انتاجية جديدة ، لكن هذه المقاربة لم تكن في صالح فئة كانت تصر على الاغلاق … وما كان يعطي لهذا الطرح الواقعية ، فان عدد عمال الآبارابتداءا من 2000 اصبح بالمئات وان الانتاجية للفحم ظلت قائمة غير أن ظروف العمل غير الأمنة هي التي تغيرت وظهر نمط جديد من الاستغلال ، وهنا يمكن ان نتساءل لماذا وقع الاغلاق مستعجلا ، ولماذا لم يتحقق اي بديل اقتصادي ؟؟؟ ولماذا لم ترع حكومة  » التناوب  » بعث البديل الاقتصادي ، ولماذا جرى تفكيك شركة مفاحم المغرب بالشكل الذي وقعت به ، ولماذا بيع كل شيء برخس التراب ، والحال ان الوزير الرباح اخذ يتحدث عن امكانية الاستغلال في ظروف جيدة وآمنة وقانونية ، الم تكن هذه الامكانية متوفرة ، وفي ظروف احسن من اليوم ؟؟!!للاسف ان الكثير من ما كان يتم التصريح به  لم يكن الا مغالطات من اجل استدراج العمال …

انتقل المخاض او لنقل الصراع الى داخل النقابة المتسيدة في تلك الفترة والتي كانت تعتبر نفسها الى جانب الطبقة العاملة وترفع شعارات همومها ،  فتشكل داخل النقابة تيار متماهي مع السياسي وهو في الغالب من العمال يناور لصالح التوافق الذي بدأت ارهاساته تتراءى من خلال القبول بالاغلاق الذي سيحصد العديد من المناجم وبين تيار يريد الابقاء على القوة العمالية كان يتزعمه ابناء العمال وبالتالي جرادة التي كانت تحتضن قوة عمالية كبيرة كان الصراع على اشده الا انه لم يكن في صالح بعض القوى اليسارية  التي كانت تعاني من الحصار التي كانت تمارسه وزارة الداخلية في عهد البصري ،أما بالنسبة للتقدم والاشتراكية الذي كان ينشط داخل الاتحاد المغربي للشغل فلم تلعب هذه النقابة ادوار فاعلة لأنها كانت نقابة تتسيد داخلها  الأطر  !!

فقد  حصل اعتصام داخل المنجم تبعته انتفاضة قادهاالشبان في جميع احياء المدينة . وكان حينها التهييء لتجربة سياسية تدفع للقبول بالاتحاد الاشتراكي في ما سيسمى حكومة التوافق على ان يتم اغلاق بؤر التوتر فقد كانت ،  جرادة صانعة للأحداث وقائدة للنضال من خلال الادوار التي كانت تلعبها الطبقة العاملة داخل الصراع السياسي وبالتالي اغلاق جرادة وجد في سياق سياسي ، وان جميع المبررات التي كانت تقدم لم تكن مقنعة ، والدليل ان الشركة اقترضت من البنك الدولي 27 مليار لفتح نفق جديد للانتاج وكان الألمان والصينيون يعملون على تهيئة ذلك ،والدور الذي لعبه المدير الادريسي في ترتيب بيت شركة مفاحم المغرب ، لكي تنطلق انطلاقة جديدة ، ويمكن الرجوع الى بعض المستندات لهذا التاريخ و وتصريحات المسؤولين  حينها ، هناك شيئا ما حدث هو الذي يغير المعادلة ، كما ان انتاج الفحم سيظل مستمرا عبر ابار الموت التي دفع اليها الشباب بسكوت من السلطة  رغم ما كانت تدعيه من ان ذلك غير قانوني ، هكذا استمر الانتاج والتسويق يستفيد منه المركب الحراري بجرادة وهي من المفارقات التي عبرعنها مراسل فرنس 24 حين قال كيف يكون الانتاج غير قانوني والتسويق قانونيا بل تستفيد منه شركات وقطاعات في الدولة!!! اي ان الدولة هي المؤتمنة على القوانين والحقوق !!!فقد سمح لبارونات الفحم الذين يتوفرون على رخص على شراء الفحم من عمال الآبار بالثمن الذي يحددونه ومن ثم تسويقه بالشكل الذي سيذر عليهم ارباحا لم يكونوا يتخيلونها ، بل الحاجة الى الانتاج تحول الأمر الى شكل تعاونيات غير رسمية « متعاقدة »  مع بارونات الفحم تزودها بالانتاج لتبيعه عندما اصبحت مؤسسات الدولة في التعليم والصحة … تبدي حاجتها الكبيرة الى الفحم للتدفئة  ، وان كانت الكثير من تلك الصفقات جرى  حولها الكثير من الكلام ، لما بدأ هذا  النمط من الانتاج مع استقدام بعض الاليات الجديدة للحفر والتهوية وتقطيع الأشجار !!!وقد كانت تأتي شاحنات البارونات الى حيث توجد الآبار لتسلم البضاعة وتحت اعين السلطة والجهات المسؤولة– وزارة الطاقة والمعادن – التي كانت تعلم علم اليقين ان ذلك الاستغلال يتم بطرق غير قانونية ، وقد ركز مراسل فرانس 24 على هذه الصورة لنقل التناقض الحاصل بين الانتاج والتسويق  ، كان البارونات متحررين من اي التزام قانوني الذي يفرضه دفتر التحملات كما هي الأعراف القانونية ، فيما بقي بعض العمال  يشتغلون فرادى في جماعات صغيرة يبيعون ما يستخرجونه محليا ، وهم هؤلاء الذين كانوا يتعرضون للمضايقة سواء من طرف البارونات الذين كانوا يتقدمون بشكايات الى السلطة !!!او من طرف المياه والغابات ،التي كانت تحرر في حقهم مخالفات !!! حتى يتمكن للبعض من اصحاب الرخص  النفوذ الكلي في التحكم في انتاج الفحم واستخراجه ، والغريب السكوت عن التدمير الذي  كانت تتعرض له الغابة ، والذي لم يكن سكوتا بلا معنى ، ولم تفلح احتجاجات الجمعيات البيئية في وقف هذا النزيف ،وقد كانت شركة مفاحم المغرب تشتري الخشب المستعمل داخل الابار لمنع الانهيار ولم يحصل ان تم اعتداء على الغابة المجاورة ، وبالتالي الحديث عن مقاربة امنية كانت تفرضها السلطة لضمان الاستقرار حسب ما جاء في تصريح احد مستغلي الفحم هو في جزء منه  مجانب للحقيقة ، ومحاولة التواء عن ما كان يقع ، فهل يمكن ان يتحقق الأمن بهكذا منطق داخل دولة المؤسسات ؟!وبالمناسبة لما توفي 5 افراد داخل بئر اختناقا قامت رجة جماهيرية بالمدينة من اجل البحث عن حل … وكانت حينها بدأت بعض النقابات في محاولة  السعي نحو تأطير هؤلاء العمال الذين خرجوا الى العلن في فاتح ماي ، ومن اجل فرض صيغة جديدة  للعمل تكون مرخصة وتتمتع بالتامين وضامنة في حد ادنى لكرامة العمال خصوصا وان  عدد العمال اصبح يحسب  بالمئات وهوما بدأت  تنتبه اليه النقابة في محاولة للتنظيم بدل العشوائية ، وبدل انواع الاستغلالية التي اصبح لها نفوذ واستقطاب سياسي سيتوضح مستقبلا ، وقد بدا الحديث عن تعاونيات مكونة من العمال تتمتع بالصفة القانونية وتتوفر لها بعض ضمانات التأمين وتتحرر من الاستغلال المفرط ، ويمكن الرجوع الى ارشيف العمالة فيما يخص النقاش والمفاوضات هذا ان تم الاحتفاظ به ، ونعتقد ان حساسية السلطة نحو اي تنظيم نقابي لهذا الكم من العمال ،  لم يجعلها تتجاوب مع تلك المقترحات ، ان لم تكن هناك اسباب خفية لا نعلمها سيما ان بعض الشعارات كان يرفعها الناس خلال الحراك كانت تشير الى التواطؤ  والاغتناء من وراء فساد اداري  … واثناء الاحتجاجات السالفة الذكر وقعت اعتداءات على ممتلكات الناس ومنها دكاكين معينة ومستقصدة في ملكية احد البارونات  نتيجة الصراع الدائر بين البارونات انفسهم  ، وسيارة اطار سياسي يساري بالمدينة ومحضر الواقعة يشهد على ذلك لدى المصالح الامنية ، وفي هذا كانت رسالة مشفرة ، كون الحزب اليساري  كان يشتغل بمنطق يعارض مصالح الجهات المستفيدة ، واخذ يبني قاعدة من العمال ، فالذي وقع هو تسخير بعض « البلطجية  » للقيام بذلك الفعل لتعطيل اي بديل جديد من طرف جهات معينة التي كانت ترى ان هذه البدائل لن تكون في صالحها ، فذهب ضحية ذلك  عمالا الصقت بهم التهمة !!! وبالتالي نجحت المناورات فأصبحت السيادة في يد من يتحكمون في الانتاج من بعيد ويتحكمون في التسويق ولا يزال الامر على حاله ، وتطور الأمر الى الانخراط في بناء  » قوة سياسية  » تذهب بهؤلاء الى حيث يريدون بالتماهي مع احزاب والاستفادة من معادلات سياسية ستقودهم الى التمثيلية …وحيث يستطيعون تقوية وتامين مصالحهم !!!

لا تهم هنا التقارير التي كانت تنجز من طرف السلطة او من طرف الجهات الامنية ومدى مصداقيتها  ، بطبيعة الحال كان للمصالح والسياسة تصور خاص يغلف الحقيقة .

ورجوعا الى ما قبل الاغلاق وذلك حينما تأكدت لبعض القوى السياسية والمجتمعية المدنية  – منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والتقدم والاشتراكية والجمعية المغربية لحقوق الانسان – تحول الأمر الى طرح بدائل  للاغلاق، فاصبح الحديث عن بدائل على شاكلة بعض المدن الفرنسية حيث تم استقدام فرنسيين من طرف فاعلين سياسيين ينتمون لذات الاحزاب للتعرف على تجارب مرت بها دول اخرى . ولم نلحظ تفاعلا مع المقترحات التي طرحت ، من منطلق تفاعل سياسي داخل المدينة كان يتخوف من نفوذ حزب يساري مرفوض من السلطة  ، اضافة الى ان هما سياسيا كان يغطي الساحة ، حيث كان يراد  لجرادة ان تكون بيد توجه سياسي  سيخدم المرحلة … واي طرف سياسي دخيل سيربك الحسابات …

 في هذه الفترة  بدأت تتاسس فلسفة جديدة في العالم حول البدائل الاقتصادية ، في سياق تضامني اجتماعي وبدأ توالد ما اصبح يعرف بالجمعيات التنموية والتي اغلبها لم يكن لديه تبلور صحيح نحو طبيعة التنمية التي يجب ان تكون فقامت السلطة على تشجيع بعضها بكل الامتيازات والدعم في مقابل اقبار اخرى ،والجميع يعرف الجمعيات المستفيدة  ، والشخصيات التي تلقت المباركة ، ولا زالت تستفيد من داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية !!!فالذين عايشوا المرحلة يحسوا بحجم الحرقة التي كان يتكلم بها الطبيب الذي عمل بشركة مفاحم المغرب  في وجه الوزير الرباح ، الطبيب الذي كان حينها ينتمي الى التقدم والاشتراكية …وكم  كانت المناورات شديدة من اجل قتل اي بديل بجرادة ، ما ساهم في هجرة بعض الأطر الذين استشعروا هذه المؤامرة .

 السؤال الذي طرح : في اي سياق سيوضع البديل الاقتصادي للمدينة حيث شركة مفاحم المغرب كانت تغذي اقتصادا بحجم المداخيل التي كانت تعرفها وحجم الطاقات البشرية المتوفرة لديها وبطبيعة التنظيم الذي حكمها ، فهل سيوجد بديل يوازي هذا الحجم ، ما قد يعوض 7000عاملا وهو امر يحتاج الى مبادرة شجاعة وقوية ، لقد نجحت مدن اوروبية في خلق بدائل من خلال توظيف كل التراث المادي والبشري ، فتحول التراث المنجمي الى مركز سياحي بامتياز وتحولت الخبرة البشريةالى يد عاملة فيالوحدات الصناعية بل تحولت الى مناطق جلب للتكوين وللعمل  … لهذا حاول ابناء جرادة استلهام تلك التجارب ولو في حدود معينة ، للأسف كل البدائل التي حاولوا  تقديمها لم تجد من يتجاوب معها لقد طرح بقوة بديل اقتصادي وذلك من خلال خلق وحدات اقتصادية تلائم الامكانات التي توفرها المنطقة   ، وحدة لصناعة الورق تشغل عدد مهم من العاملين القارين والموسميين ووحدات لصناعة الآجور ووحدة لصناعة البطاريات تستفيد من مناجم الرصاص بالمنطقة  اضافة الى العديد من المقترحات … ، وهي من البدائل الواقعية التي كان يتقدم بها ابناء الشعب  ، وللأسف اصبح المنتوج المعدني  يستخرج عشوائيا تستفيد منه مناطق اخرى تشغل يد عاملة بينما منطقة جرادة اصبحت خزانا للبؤس والاستعباد يشتغل ابناؤها في ظروف قاسية ، في الوقت الذي يغتني البعض من هذه العشوائية وهذا التهميش الذي فرض على المنطقة ،

لا شيء من هذا رأى النور ، فيما الاختناق الاقتصادي بالمدينة  جعل البدائل تتجه الى العشوائية ، فلم يجد الشباب من بدائل سوى آ بار الموت بكل من جرادة وسيدي بوبكر  او الهجرة …

الشق الاجتماعي كان حاضرا بقوة وقد طرح  ملف مرضى السيليكوز بحدة من خلال توفير وحدة صحية اقيمت بابن رشد تقدم خدماتها بالمجان وتوفر لها جميع الامكانات البشرية والمادية وسيعمل اطباء على تدبير هذا الملف سيغادر بعضهم المدينة بعد مؤامرة السطوعلى المجهود الذي بذلوه لصالح ا تمريره خلسة الى احدى الجمعيات واشخاص كان لهم ارتباط بالحزب المهيمن والذي كان يقود البلدية ، بفضل القوة العمالية وابعاد باقي القوى السياسية الاخرى ، واستمر الحال  الى ان تم الاجهاز على هذه الوحدة الصحية في السنين الاخيرة وان لقي ممانعة من طرف بعض مرضى السيليكوز الذين لم يقبلوا بالتفريط بهذه الوحدة التي كانت نتيجة الاتفاقية الاجتماعية خوفا من ضياع حقوقهم وقد ساندهم في ذلك بعض ابناء العمال … وقد تم استنبات مجموعة من الجمعيات التي تدعي الدفاع عن مرضى السيليكوز تتاجر بمآسيهم وتسترزق   بمعاناتهم في ظل فساد ادري واخلاقي كان ينتعش داخل الادارات المرتبطة بملفهم ، لهذا ظل مرضى السيليكوز ملفا اجتماعيا بامتياز يدخل في  اطار اتفاقية اجتماعية مع الدولة ولا يمكن لهذا الملف ان يصبح مجال مزايدة في يد اشخاص اسسوا جمعيات للركوب على معاناتهم او لاقتناص مصالح شخصية ، وبالمناسبة لا تزال اعتصامات المرضى قائمة امام بوابة العمالة منذ شهور ، وان هذا الملف الذي عمر لسنوات لم يوضع في اطاره الصحيح كملف ذو طبيعة خاصة تمتد في الزمن الى حيث بدأ اعدام مدينة جرادة بهذا الشكل التراجيدي وبالتالي العنف التهميشي الذي فرض على المنطقة سواء التخلي عن البديل الاقتصادي سيلقي بظلاله على الملف الاجتماعي جعل بعض الجهات تسعى الى قتل واعدام وطمس ملف مرضى السيليكوز … سواء من حيث الخدمات الصحية التي سيتم تعويمها بنقل المرضى الى المستشفى الاقليمي اومن خلال مصادرة وتجميد  الحقوق الاجتماعية من طرف الادارات ، لكن اصرار مرضى السيليكوز هو ماجعل حراكهم مشتعلا بل تشربه  جميع ابناء جرادة الذين لم يقبلوا بالغبن وهم الذين كانوا يشاهدون آباءهم  تتقطع رئاهم من اجل جرعة اكسيجين ، لقد راينا داخل حراك جرادة نساء تفوق اعمارهم 70 سنة يحملن الميكروفون يتحدثن بمرارة عن معاناتهن ، ولم نكن نعتقد في يوم من الأيام ان نشاهد نساءا ارامل يصنعن هذا الحراك  مع شباب آبار الموت الذين ليسوا الا ابناءهن اليتامى يقدمن  دروسا في الخطابة السياسية ، لقد كانت العيون تسيل دمعا لرؤية امراةفي هذا العمر تبكي الواقع المأسوي الذي تعيشه داخل جرادة ، لقد كانت القلوب تتقطع ونحن نشاهد مرضى السيليكوز لا يكادون يلتقطون انفاسهم من فرط السيليكوز الذي يسكن صدورهم وهم يقدمون نموذجا في النضال الحضاري من اجل الحقوق ، النضال الذي لا يدرس في الجامعات وانما النضال من داخل ساحة المعركة ، ربما يكون هذا امتدادا لنضالات عمال جرادة ولأرواحم الطاهرة التي قدموها فداءا للوطن ومن اجل توسيع قاعدة الحقوق للطبقة العاملة المغربية وكيف لا يكون الشباب مدهولا امام هذا المنظر ، عندما يقسم هؤلاء بانهم لن يتنازلوا عن حقوق المدينة .

مسيرات الشموع بكل احياء جرادة وتفنن الشباب في كتابة شعارات بانوار الشموع تقول نريد بديلا اقتصاديا ، نريد رفع حالة التهميش نريد الكرامة والعدالة الاجتماعية ، فعسى تلك الانوار تضيء سماء جرادة المكهرب بالسواد والقتامة والموت ، وستظل ساكنة جرادة تبدع في نضالها وفي وطنيتها ، هل لا زال صوت جرادة لم يصل ، وهل تنتهي العبثية السياسية  التي ترهن البلاد في التخلف والقهر والفساد ، وتنبعث سياسة مواطنة للتنمية ولكرامة المواطن …

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.