Home»Débats»مقدمات لبلورة بديل اقتصادي في جرادة

مقدمات لبلورة بديل اقتصادي في جرادة

2
Shares
PinterestGoogle+
 

رمضان مصباح الإدريسي

ماهكذا تورد الإبل:
منذ الانهيار الاقتصادي الذي عرفته جرادة،سنة1998،جراء التوقيف النهائي للإنتاج الفحمي بها ؛ وتسريح العمال والأطر؛ كما أسلفت في الحلقة الأولى من الموضوع https://www.hespress.com/writers/376901.html
اتسعت تدريجيا جغرافية الانهيارات لتشمل البنية التجارية المحلية،البنية الاجتماعية ،المؤسسات الخدماتية؛ولم تسلم حتى البنية النفسية للسكان، في مدينة أصبحت طاردة، بعد أن كانت دوما مركز استقطاب،خارجيا وداخليا ،بدءا من 1927.
تجاوز عدد الأوروبيين في بعض الفترات 1000اطار.
وعليه فحينما نقارب اليوم معضلة البديل الاقتصادي في جرادة؛يجب أن نستحضر وقع كل هذه الانهيارات على مكونات سوسيولوجية ،سيكولوجية ،إدارية وثقافية تآكلت من الداخل ؛تماما كما تآكلت وصدئت تجهيزات و آليات المناجم التي صمتت إلى الأبد.
ويجب أن نستحضر أيضا – كمهماز للصدق،هذه المرة، في أدائنا التنموي – أن مسلسل الانهيارات متواصل ؛ ولن يتوقف،لا قدر الله، حتى يصيب في مقتل وطنية الساكنة ،وثقتها في كل مؤسسات البلاد،وينال من أملها في إمكانية بناء مستقبلها ضمن خريطة الوطن ؛ فلا تُسقطوا أغصان الزيتون من أيادي الجراديين؛وثقوا أن رفع صور جلالة الملك،وعلم البلاد،وتكريس السلمية، وترديد النشيد الوطني ،إدانة مدنية أخلاقية ، مسؤولة وبليغة ،لحكومات ومنتخبين اكتفوا ،منذ1998،بالتفرج على تماسيح اليأس وهي تلتهم الأمل في نفوس ساكنة برهنت على صبر كبير؛كما برهنت على وفائها للمكان ،ولم تتهافت لتغادر السفينة، حتى وهي تعرف أنها تغرق.
في سنة 1998،لم يكن عدد العمال والأطر يتجاوز السبعة آلاف ؛ولم تكن الساكنة ،كما هي اليوم عددا:(أزيد من 43000نسمة).
وقتها كان في المتناول الحديث عن بديل اقتصادي عادي؛بإعادة دمج العمال النشيطين في الدورة المنجمية المغربية(الفوسفاط والاسمنت مثلا)؛والاتجاه ،كما كان مقررا ،صوب سهوب الحلفاء المحيطة – وربما دعمها بغرس أشجار الأوكالبتيس السريعة النمو- لخلق صناعات ورقية. (كان من المتوقع أن يُشَغل المركب الورقي 500 عامل مباشر،و1200ع غير مباشر.)
لو سارت الأمور في هذا الاتجاه التنموي التصاعدي،اعتبارا للمؤهلات الأخرى للإقليم،في المجال الفلاحي والطاقات المتجددة،لما حدثت الانهيارات التي أنتجت الوضعية المأزومة الحالية؛التي تشكل تحديا كبيرا للدولة،حتى ولو استنفرت كل أطقمها الاقتصادية المتخصصة؛ فكيف بها ونحن نراها تدشن حوارات استطلاعية أولية –إقليمية،جهوية ومركزية- وكأن هذا القضاء الذي نزل – كما يعبر الفقهاء- نزل من ليلته فقط؛ ولم يكن بيننا طليقا يتنمر على هواه منذ عشرين عاما.
ومن سخرية الأقدار أن يشارك في جلسات الحوار – لبناء البديل الاقتصادي،المعضلة – منتخبون لا يمكن أن ينكر بعضهم أنه لم يشتغل انتخابيا – في خرائط الانهيار هذه – إلا هداما لقيم الديمقراطية والنزاهة، والشفافية ،والإخلاص في التمثيلية.
ومَنْ ديدنه الهدمُ لا يقيم أبدا حجرا على حجر. يعرفون أنفسهم وتعرفهم الساكنة جيدا؛وتعرف أنها هي من كانت وراء تسلقهم غير المستحق.
فيهم الخصام ،وها هم يُنَصبون اليوم حكماءَ وحكاما على ضحاياهم.
« ما هكذا تورد الإبل يا سعد. »
هل سيتصدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لمعضلة جرادة؟
يتصدر الخطاب الملكي السامي الذي أعطى الانطلاقة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ما يلي :
« عندما نتولى اليوم، إعطاء انطلاقة هذا المجلس، فلأن حرصنا الدائم على نبذ الديماغوجية والارتجال، في ترسيخ نموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، قد اقتضى الوقت اللازم لإنضاج مسار إقامة هذا المجلس، بما يجعل منه مؤسسة للحكامة التنموية الجيدة، علما بأن كل شيء يأتي في أوانه.
ومن هنا، فإننا لن نقبل بتحويل هذا المجلس إلى غرفة ثالثة . كلا ، إننا نريده فضاء جديدا واسعا، يعزز ما توفره دولة المؤسسات، التي نحن لها ضامنون، من هيآت للحوار البناء، والتعبير المسؤول، والتفاعل الإيجابي مع تطلعات مختلف فئات المجتمع وأجياله؛ تجسيدا لنهجنا الراسخ في إشراك القوى الحية للأمة في إيجاد إجابات جماعية وخلاقة، للقضايا التنموية الكبرى، التي تحظى بسامي عنايتنا. »

إن « الديماغوجية والارتجال » هما بالضبط ما وسم العمل الحكومي وهو يقدم على قتل مدينة ،عقابا لها على عدم قدرة فحمها الجيد « الأنتراسيت » على المنافسة في السوق الدولية.
وعقابا لها على الفساد الشامل للأجهزة النقابية ،كما أسلفت.
لقد راهن العمل الحكومي وقتها – مناورا ومتحديا -على إغلاق باب المنجم،دون أن ينتبه إلى أبواب جهنم التي ستُفتح لاحقا.
لقد ارتجل الإغلاق في شهور معدودة، دون أن يخطط ،قبله بسنوات ، لبدائل اقتصادية دائمة؛ تضمن الانتقال السلس .
كل هذا وغيره يجعل الحالة الاقتصادية والاجتماعية ،اليوم، مستعصية جدا.
ويزيد من تعقيدها ،رغم بدائل الاقتصاد الأخضر الممكنة؛كون الثقافة السائدة وسط الشباب أبعد ما تكون عن ثقافة المقاولة . أعتقد ألا استعداد لهم لإنتاج فرص الشغل ،بل يطالبون بالتشغيل المأجور.
طبعا للإرث العمالي دور في هذا ؛ولن يكون سهلا نقلهم إلى أوضاع أخرى ينتجون فيها عملهم.
من هنا يبدو جليا أن ملف جرادة يجب ألا يشتغل عليه مسئولون إداريون غير متمرسين بقضايا التنمية المستدامة.
ومن باب أولى يجب ألا يقربه المنتخبون « الديماغوجيون » والوزراء المرتجِلون.
إن المعضلة تتجاوز،في شقها الاقتصادي، البنية الإدارية والتمثيلية، المحلية والإقليمية والجهوية؛كما تتجاوز خطب الوزراء الذين يبحثون عن نجاحات انتخابية أكثر من وقف الانهيارات؛وحينما تتأزم الأوضاع ،أقصى ما يحدث أن يأتي عليهم الدور في الانهيار ،وتتواصل الدوامة.
من هنا أعتقد أن الفلسفة التي يتأسس عليها إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛كما يحدد مفاصلها الخطاب الملكي المذكور،وكما يفصلها الظهير المحدِث والقوانين المهيكلة والمنظمة؛ هذه الفلسفة – وقد أبانت عن نجاعتها في ما يتعلق بالنموذج التنموي البديل بصحرائنا الجنوبية- هي المرقى الذي يجب أن تسلكه الدولة لنقل ساكنة جرادة من وضعية طالبي الشغل إلى وضعية منتجيه؛ ونقل المدينة من وضعيتها الطاردة الحالية ،إلى استعادة دورها ألاستقطابي القديم ،الذي أسسته الإدارة الكولونيالية ؛وكان من مصلحتها أن تمركزه حول الإنتاج المعدني فقط،خدمة لصناعتها.
لم تهتم وقتها لقتل أغلب النشاط الفلاحي والرعوي في القبائل والجبال المحيطة. كان قواد الاستعمار يسوقون الشباب سوقا إلى غياهب الأرض السوداء.
إن الثقة التي يحظى بها هذا المجلس ، سواء على المستوى الملكي ،أوالحكومي أو الشعبي؛وكذا مؤهلاته البحثية،وصدقيته وموضوعيته في التعاطي مع القضايا التنموية الإستراتيجية؛كلها عوامل تيسر حل معضلة « الطانغرام الصيني » tangrame chinois بإقليم جرادة.
وأستعيد هنا مقولة » المهمة مستحيلة؛إذن هناك فرص للنجاح ».
لا يحتاج الأمر إلى سياسيين ،أعناقهم الانتخابية كأعناق الزرافات؛بل إلى أكاديميين اقتصاديين،ومقاولين وطنيين ،وتقنيين يدققون استراتيجيات التنزيل..
https://web.facebook.com/groups/mestferkiculture51

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.