Home»Débats»امتحانات الكفاءة المهنية بالجماعات المحلية لسنة 2017 في الميزان 1/2

امتحانات الكفاءة المهنية بالجماعات المحلية لسنة 2017 في الميزان 1/2

4
Shares
PinterestGoogle+

امتحانات الكفاءة المهنية بالجماعات المحلية  لسنة 2017 في الميزان 1/2

أحمد الجبلي

        يعتبر امتحان الكفاءة المهنية فرصة ثمينة في الحياة المهنية لكل موظف، وذلك حتى يعمل هذا الأخير على تحسين وضعه المادي والوظيفي. وإن اجتياز الموظف وعبوره هذا الحاجز، غالبا ما يكون رهينا بمجموعة أمور منها ما يخص الموظف نفسه من حيث الاستعداد والتهييء، ومنها ما يعود إلى طبيعة اللجن المشرفة، والمنهجية التي تعتمدها سواء في طرح الأسئلة أو في تصحيح أوراق الامتحانات.

        وكما نعلم، لا يوجد نمط موحد تتبعه جميع اللجن التي تسهر على تنظيم هذه الامتحانات، سواء في الجماعات الترابية أو غيرها من الإدارات العمومية، حيث يعود ذلك إلى طبيعة الفهم والدراية والرؤية التي تعتمدها هذه اللجن، والتي ينتقى أعضاؤها من طرف الرؤساء على أساس اعتبارات عدة منها التجربة والكفاءة، ثم الدراية التي تحصل من خلال تنوع الاشتغال وتحمل مسؤوليات عدة تتنوع حسب تنوع المرافق العمومية، مما يخول لهذه اللجن القدرة على صياغة أسئلة تناسب كل فئة على حدة، من جهة، كما يخول لها القدرة على امتلاك الإجابات الصحيحة على الإشكالات المطروحة محطة التباري والاختبار، فضلا عن النزاهة والشفافية والمصداقية التي تترتب عنها ممارسة الحق في الصرامة وعدم الخضوع لأي كان.

        وبعد تتبعنا لمسار وطبيعة هذه الامتحانات، نسجل مجموعة ملاحظات:

        تتعلق الملاحظة الأولى بمنهج طرح الأسئلة عندما يتعلق الأمر بالقوانين المؤطرة للعمل الوظيفي، أي قبل التباري سيكون لزاما على الموظف أن يكون مستوعبا  لجميع القوانين التنظيمية التي تؤطر العمل الجماعي، انطلاقا من الجزء الذي يحدد مهامه كدرجة إدارية معينة، أو فئة وظيفية ما، أو تعلق الأمر بالتشريعات والأنظمة والمساطر التي يستند إليها أثناء قيامه بوظيفته في علاقته بالمرتفقين.

        كما أنه في حالة تم طرح سؤال من ضمن ما يتضمنه القانون التنظيمي 14-113، على سبيل المثال، ووجد أحد المراقبين موظفا قد أخرج نسخة منه لينظر فيها، ويستعين بها في الإجابة عن السؤال، فمما لاشك فيه أن مصير هذا الموظف سيكون صعبا للغاية على اعتبار أنه ضبط في حالة غش لا يسمح بها القانون.

        وسواء تعلق الأمر بالقوانين والأنظمة والتشريعات أو غيرها من المراجع المعتمدة في معالجة المواضيع الإدارية التي غالبا ما تدور الأسئلة حول رحاها، فإن الأمر يعد خطأ من وجهة نظر علمية وواقعية، حيث إن الموظف، بعد نجاحه، أو وضعه في منصب ما، أو تحميله أي مسؤولية من المسؤوليات ذات العلاقة بالدرجة التي أصبح عليها، فإن مثل هذه القوانين والمراجع قد تكون في مكتبه، أو بين يديه، ويمكن أن يستعين بها كيفما شاء.

        ولكن الأمر الوحيد الذي سيكون من اللائق أن يمتحن فيه الموظف هو أن تقدم له وضعيات وإشكالات حقيقية من صلب الواقع الإداري الذي يعيشه، والتي تحتاج إلى أن يكون  مستبصرا بروح القانون ويملك القدرة والكفاءة على تنزيل النصوص على وضعيات معينة ليجد لها حلا اعتمادا على تجربته وخبرته وعلى حسن بصيرته وفهمه. وحينها لن يضير الامتحان في شيء حتى ولو سمح له باستعمال جميع القوانين والمراجع لأنه أثناء ممارسة عمله هي أصلا موجودة بمكتبه، ولكن هل له القدرة على حسن توظيفها واستقرائها واستخراج الحكم الحقيقي الأنسب للنازلة المعروضة عليه؟

        إن العالم كله يتفق أن المعلومة يمكن شراؤها بسهولة ويسر، ولكن الإشكالية الحقيقة تكمن في كيفية توظيف هذه المعلومة. ولذا وجب طرح أسئلة ذكية نخاطب بها ذكاء وفطنة ووعي الموظف، لا أن نكرس واقع التخلف والسرد الببغائي ونسخ نص منقول أو محفوظ عن ظهر قلب حول الحكامة أو الجهوية الموسعة، أو أن نطالبه باستظهار قانون تنظيمي لا ينفعه في شيئ بدون فقه وتبصر وحسن التنزيل على أرض الواقع الإداري.

         كما أنها مسلكية من شأنها أن تعفينا من ظاهرة الغش والنقل والاعتماد على الغير، وبالتالي يمكن أن تعفينا من الحصار المضروب حول استعمال المراجع والكتب والقوانين لأنها أصلا لن تنفعه في شيء في حضرة أسئلة محبوكة وفق نسق نستطيع من خلاله أن نقيس مستوى الوعي والإدراك الإداري والقدرة على الإنجاز لدى الموظف. كما من شأنها أن تقتل دابر الزبونية والمحسوبية، و تحد من شر التسربات.

        ربما قد يجوز لنا أن نعيد صياغة الأمر على شكل سؤال وهو هل بإمكان موظف ما يحفظ  عن ظهر قلب جميع المواضيع التي هي محطة تباري وله من القدرة ما يجعله يحرر موضوعا أكاديميا منضبطا وفق قالب لغوي إداري سلس، ومنهجية علمية منضبطة، وفضلا عن هذا فهو يحفظ جميع قوانين الإدارة في مختلف تشعباتها، فهل يمكن لنا أن نجزم بأن هذا الموظف على وعي بالدور المنوط به كموظف في جماعة وفي مصلحة معينة في مواجهة مرتفقين يزورونها صباح مساء؟ وهل يمكن أن نجزم بأنه كفؤ وله القدرة على توظيف هذه الإمكانيات ما يجعله يسد الثغرة التي وضع فيها، وله من الكفاءة ما يجعله قادرا على صياغة برنامج تنموي يجعل جماعته شريكا فاعلا في دفع عجلة التنمية مع باقي الفرقاء في باقي القطاعات والإدارات؟

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالإداريين المنتقين ليقوموا بعملية المراقبة أثناء الامتحانات، أي وجب أن تكون المراقبة وفق منهج موحد يعتمد الصرامة وعدم التساهل مع الغش والتزوير، حتى يتحقق مبدأ تكافئ الفرص بين جميع الموظفين، وحتى تضمن الإدارة الوصية مصداقية وشفافية هذه الامتحانات وبالتالي تحافظ على سمعتها، كما تحضى بثقة موظفيها.

        وأما الملاحظة الثالثة فتتعلق بمسلكية تصحيح أوراق الامتحانات، فبداية وجب على المصحح ألا يكشف عن الزاوية المغلقة التي تتضمن اسم المرشح، حتى يتعامل مع ورقة الامتحان بشكل مجرد وموضوعي، كما أن أفضل آلية في التصحيح هي أن يتعرض الموضوع بالتصحيح من طرف ثلاثة إداريين متمرسين، وكل واحد يعطي النقطة التي يراها أنسب، فتجمع في الأخير هذه النقاط وتقسم على ثلاثة لتعطينا في الأخير نقطة عادلة غير خاضعة لنزوة المصحح أو رأيه الشخصي. لأن المصحح لا يمكن أن يتجرد من ذاتيته في فحكمه على الأشياء وتقديرها، وما يراه هو صحيحا قد يراه غيره خاطئا.

        أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بأسلوب وشكل ولغة السؤال المطروح، وقد اطلعنا على أسئلة سابقة أثناء امتحان الكفاءة المهنية بالجماعات الترابية، فوجدنا بعضها قد طرح بشكل مغلوط مما جعل الموظفين في حيص بيص، أي لا يعرفون بالضبط ما المطلوب منهم، وأحيانا أخرى قد انعدمت الفواصل والنقط من السؤال مما يجعل السؤال مفتوحا على العديد من الاحتمالات، ومن الأخطاء التي وقعت هذه السنة تم التقديم لبعض الأسئلة ب « اكتب في أحد الموضوعين » في حين لا يوجد أي مواضيع يمكن الكتابة فيها، بل هي مجموعة أسئلة اختيارية، أي الصواب هو أجب عن أحد السؤالين. لأن الموظف عندما يقرأ: « اكتب في أحد الموضوعية » فمن الممكن أن يحول السؤال المحدد بأجوبة محددة إلى موضوع ذي مقدمة وعرض وخاتمة. أما عن الأخطاء المطبعية وعدم إتقان الكتابة على الحاسوب فتكاد تكون عامة على المستوى الوطني، وهي تنم عن أن بعض اللجان تشتغل في الإدارة ولكنها لا زالت لم تقم بتحديث الآليات كإحسان استعمال الحاسوب.

        أما الملاحظة الخامسة فتتعلق بالامتحانات الشفوية، حيث في بلادي وحدها تتمحور الأسئلة الشفوية على القوانين وحسن الأداء والمواضيع، مع أن المواضيع قد تم تجاوزها أثناء الامتحانات الكتابية، فما دور الامتحانات الشفوية إذن؟

        إن جميع الشركات العالمية والإدارات الفاعلة، أثناء المباراة، لا تقبل بتوظيف المتبارين حتى ولو كانوا قد تخرجوا ضمن الصنف ألف من جامعة هارفارد كأكبر جامعة في الدنيا، إلا بالمرور عن طريق إجراء مقابلات شخصية، والتي لا تستهدف التحصيل المعلوماتي، كما هو الشأن عندنا، وإنما لا بد من تحديد شخصية المتباري، لأن الشخصية تلعب دورا مهما في تسيير المجموعات، والتعامل مع مختلف الوضعيات، وتضبط أعصابها أثناء النزاعات وحدوث المشكلات، مستبصرة، حكيمة، متفاعلة، ومرنة، والقائد الإداري الأكثر مرونة هو القائد الإداري الأكثر تحكما. وبالتالي فإن هذه المقابلات الشخصية (الشفوية) تعتمد على استراتيجية تتأسس على أسئلة علمية ذكية، مدروسة بطريقة من شأنها أن تحولها إلى مصفوفة تحتوي على كاشفات ضوء تنير لنا ما بداخل هذه الشخصية إن كانت جديرة بأن ترتقي لتكون أكثر مسؤولية وتتحمل أعباء إدارية إضافية راقية.

        إن العالم، في خضم حديثه عن المقابلات العلمية، يحدثنا عن أسئلة منهجية كثيرة منها الأسئلة الخمسة التي تعتبر أهم مدخل لمعرفة الشخصيات، أولا: عَرِّفْ نفسك؟ وقد اعتبر هذا السؤال من ضمن الأسئلة الأصعب في المقابلات الشخصية، لأن غالب المترشحين ما يعرفون أنفسهم بما لا علاقة له بالمؤهلات الإدارية وما يخول لهم أحقية النجاح والترقي لمنصب ما، والثاني هو: لماذا اجتزت هذا الامتحان؟ ومن المؤكد أن نتائج هذا السؤال ستفضي بنا إلى استنتاج كارثي مفاده أن هدف اجتياز امتحان الكفاءة المهنية مرتبط بالمعيشة والمبالغ المالية المضافة فقط. وليس مرتبطا بارتقاء مهني وظيفي لممارسة أعمال أكثر نضجا ورقيا وأكثر إنتاجية ومردودية وعطاء.

أما السؤال الثالث فهو: هل تتوقع أنك ستفوز في هذا الامتحان؟ والسؤال الرابع هو: لماذا انتقلت من المصلحة الفلانية إلى المصلحة العلانية؟ (مع ذكر مصلحتين أو ثلاثة قام المترسح بمغادرتها أو استبدالها) وأما السؤال الخامس فهو: لماذا اخترت في أول مشوارك المهني العمل بالجماعات الترابية؟

إن كل سؤال إلا ويفضي بنا إلى نتائج مهمة وفق رزمانة خططية تحدد في مجموعها طبيعة الشخصية ومدى ملاءمتها لتحصل على ارتقاء وظيفي معين.

        وفي الجزء الثاني من هذا المقال سوف نخصصه لنتائج امتحانات الكفاءة المهنية لهذه السنة أي سنة 2017، وما دار ويدور حولها من انتقادات وطعون، وعما يجري في الساحة الوظيفية والثقافية والصحفية حول إن كانت هناك علاقة تربطها بالانتخابات التشريعية الجزئية الماضية، وهل فعلا اعتبرت هذه الامتحانات خالية من النزاهة والشفافية وتكافئ الفرص، وأن الموقف الحاسم فيها كان للزبونية والمحسوبية والصفقات الانتخابية، كما يقال ويشاع؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. Ydr
    01/01/2018 at 00:31

    مشكور على مجهودك في جمع مادة هذا المقال، أنتظر التتمة

  2. موظفة
    11/09/2018 at 00:08

    المقال مستوفي للمعنى والمغزى والغرض لكني تمنيت أن يكون له جزء ثالث قد يكون من الطرائف التي لا تقع طبعا إلا بجماعة وجدة يتعلق الأمر بنجاح موظفين في هذه الامتحانات عن طريق الزبونية والمحسوبية والهدايا لكن دعوات أصحاب الكفاءات الحقيقية كانت لهم بالمرصاد فلم تدم فرحتهم طويلا وتم رفض ملفاتهم من قبل المالية والسبب عدم استيفاءهم لشرط ست سنوات أقدمية في السلم وبالدارجة الناس عندنا تلف ليهم لحساب

  3. موظفة
    19/10/2019 at 18:59

    هذا صحيح….ولكن للاسف هؤلاء الموظفونرغم ذلك اجتازوا تلك المشكلة.. وتمت تسوية وضعيتهم…
    كل هذا يجعلنا نفقد الثقة في هذه الامتحانات..ولا نستطيع ان نتهيأ لها…

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *